في هذه اللحظة، أقف داخل مطبخ صغير داخل مكتب شركة «غوغل» في ماونتن فيو بولاية كاليفورنيا، بينما أراقب روبوتاً أثناء عمله، يحدق في مجموعة من العناصر موجودة فوق منضدة: ماء فوار، وكيس من رقائق الحبوب الكاملة، ومشروب طاقة، ولوح بروتين. وبعد فترة طويلة بدت كأنها امتدت إلى الأبد، مد الروبوت ذراعه والتقط الرقائق، وتحرك لمسافة أمتار قليلة وأسقط كيس الرقائق أمام أحد الموظفين، وقال: «انتهيت من المهمة».
ربما لا تبدو مهمة تقديم هذه الوجبة الخفيفة، والتي أداها الروبوت خلال مؤتمر صحافي عقد في وقت قريب، بالإنجاز المذهل خصوصاً في مجال الروبوتات؛ لكنها تبقى نموذجاً على التقدم الذي تحرزه «غوغل» في مجال تعليم الروبوتات كيف يمكن أن تكون مفيدة، ليس من خلال برمجتها على الاضطلاع بمجموعة من المهام المحددة سلفاً، وإنما من خلال منحها إدراكاً أوسع لما يمكن أن يطلبه منها البشر، وكيف ينبغي عليها الاستجابة. المؤكد أن هذا الأمر يشكل تحدياً أكبر بكثير في مجال الذكاء الصناعي، من استجابة مساعد عبر الهاتف الذكي، مثل تطبيق «غوغل أسيستانت»، لعدد محدود من الأوامر المصاغة بحرص.
جدير بالذكر هنا، أن هذا الروبوت، يتميز بجسم أبيض أنبوبي الشكل، وآلية إمساك في نهاية ذراعه وعجلاته. كما أنه يمتلك كاميرات، حيث مكان العينين في وجه البشر، تضفي عليه بعض الأنسنة.
ابتكر الروبوت «إيفريداي روبوتس» وحدة تتبع الشركة الأم «ألفابيت»، التي تتبعها «غوغل». وتجدر الإشارة هنا إلى أن «غوغل» دخلت في تعاون مع شقيقتها المعنية في مجال الروبوتات بهدف التعامل مع الجانب الخاص بالبرمجة فيما يتعلق بتحدي جعل الروبوتات مفيدة. لا تزال هذه التجارب في مراحلها الأولى وتجريبية في طابعها، بجانب الاهتمام باضطلاع الروبوت بعدد من المهام، مثل العثور على الأشياء وإحضارها، وكذلك تدريب الروبوتات على لعب كرة الطاولة واصطياد كرات المضرب.
والآن، أعلنت «غوغل» عن أحدث إنجاز لها في مجال برامج الروبوتات، وهو عبارة عن نموذج لغة جديد اسمه «بالم - سايكان»؛ طُور هذا النموذج بالتعاون مع شركة «إيفريداي روبوتس»، ويتيح لروبوتات الشركة فهماً أوسع للعالم يساعدها في الاستجابة للأوامر البشرية مثل: «أحضر لي وجبة خفيفة وشيئاً ما لغسلها به»، و«اندلق مشروبي، هل يمكنك مساعدتي؟» ويتطلب ذلك فهم العبارات المنطوقة أو المكتوبة، واستخلاص الهدف النهائي وتقسيمه لخطوات، وإنجازه باستخدام أي مهارات قد يمتلكها الروبوت.
ويعمل برنامج «غوغل» على تقسيم الأوامر البشرية إلى عناصر، ويقرر أي الخطوات ينبغي اتخاذها، تبعاً لقدرات الروبوت.
وتبعاً لما ذكرته «غوغل»، فإن أبحاثها الراهنة في مجال «بالم - سايكان» تمثل المرة الأولى، التي يكون للروبوتات فيها قدرة على الدخول إلى نموذج لغوي واسع النطاق. وقالت الشركة إنه مقارنة ببرامج سابقة، يجعل «بالم - سايكان» الروبوتات قادرة على تحسين أدائها في مجال التخطيط بنسبة 14 في المائة، وكذلك إنجاز المهام بنسبة 13 في المائة. أيضاً، رصدت «غوغل» تحسناً بمعدل 26 في المائة بقدرة الروبوتات على تخطيط المهام التي تتضمن 8 خطوات أو أكثر، كالاستجابة لأوامر مثل: «لقد تركت مشروباً غازياً، وتفاحة، ومياها. هل يمكن أن تلقيها بعيداً، ومن ثَمّ إحضار قطعة من الإسفنج لأمسح الطاولة بها؟». ورغم أن روبوتات «إيفريداي روبوتس»، تؤدي بالفعل مهمات مفيدة، مثل فرز النفايات داخل مكاتب «غوغل» منذ فترة من الوقت الآن، فإن مجمل الجهود الراهنة تدور حول كيفية تعليم الروبوتات الاضطلاع بمهمة تعليم نفسها بنفسها. خلال العروض التوضيحية التي رأيناها في المؤتمر الصحافي الأخير، اضطلع الروبوت بأداء واجباته الخاصة التي دارت حول استرجاع الوجبات الخفيفة ببطء شديد ومنهجية، بحيث يمكنك عملياً رؤية العجلات تطير في رأسه أثناء محاولات اكتشافه للمهمة خطوة بخطوة. وفيما يخص أبحاث كرة الطاولة وكرة المضرب، فإنها لا تعني أن «غوغل» تسعى لخلق سوق للروبوتات الرياضية، وإنما الأمر أن هذه الأنشطة تتطلب كلاً من السرعة والدقة، ما يجعل منها وسائل جيدة لتدريب الروبوتات على جميع أنواع الإجراءات التي ستحتاج إلى تعلمها.
من ناحية أخرى، فمن اللافت أن تركيز «غوغل» على طموحاتها في مجال الروبوتات على المدى الأطول، يقف على النقيض من الاستراتيجية التي تنتهجها «أمازون» والتي تبيع بالفعل «أسترو»، وهو عبارة عن روبوت منزلي لا تتجاوز قيمته 999 دولاراً.
في صورته الحالية، يتولى «أسترو» الاضطلاع ببعض المهام القليلة فحسب، ولا يرقى لكونه أكثر عن مجرد جهاز كاميرا أمنية «أليكسا» على عجلات. وعندما جرب زميلي جاريد نيومان واحداً من هذه الروبوتات داخل منزله، ناضل كثيراً لإيجاد استخدامات له.
من جهته، أخبرني فنسنت فانهوك، مدير شؤون الأبحاث في مجال الروبوتات في «غوغل»، أن الشركة لم تصل بعد للنقطة التي تحاول عندها تطوير روبوت لطرحه تجارياً في الأسواق.
* خدمات «تريبيون ميديا».
«غوغل» تدرب الروبوتات على التفكير بنفسها
«غوغل» تدرب الروبوتات على التفكير بنفسها
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة