وليام روتو... رئيس بانتظار تأكيد المحكمة

«بائع الدجاج» قلب الطاولة في كينيا تحت شعارات {العصامية}

وليام روتو... رئيس بانتظار تأكيد المحكمة
TT

وليام روتو... رئيس بانتظار تأكيد المحكمة

وليام روتو... رئيس بانتظار تأكيد المحكمة

قدّم نفسه على أنه «نصير لفقراء كينيا»، مُطلقاً عليهم لقب «أمة المكافحين»، فلم يخذلوه ومنحوه أصواتهم بأمل تحسين أوضاعهم المتردية. ولكن يبدو أن تلك الأصوات التي حظي بها الرئيس المنتخب في كينيا ويليام روتو، والتي بالكاد تجاوزت نسبة الـ50 في المائة، غير كافية كي يتسلم روتو رئاسة مريحة من دون منغصات. بل إن «منصبه» الجديد لا يزال على «المحك»، بسبب إصرار غريمه زعيم المعارضة المخضرم رايلا أودينغا على اللجوء إلى القضاء للطعن في النتيجة، التي يشكك كثيرون فيها، بمن فيهم أكثر من نصف أعضاء اللجنة الانتخابية الرسمية.
أُعلن يوم الاثنين الماضي في كينيا عن فوز وليام روتو، نائب الرئيس المنتهية ولايته أوهورو كينياتا، بـ50.49 في المائة من الأصوات، في مقابل 48.85 في المائة لمنافسه رئيس الوزراء الأسبق رايلا أودينغا - أي بفارق نحو 233 ألف صوت فقط -. وبذا اكتملت قصة صعود روتو المُلهمة، التي بدأت معه «بائعاً للدجاج» ووصلت به إلى قمة هرم السلطة، مروراً بعدة مناصب وزارية.
استغل روتو (55 سنة)، وهو مدرّس سابق حاصل على درجة الدكتوراه في علم البيئة النباتية من جامعة نيروبي، نشأته المتواضعة، للوصول إلى أعلى المناصب السياسية في كينيا، فقدم نفسه خلال حملته الانتخابية، على أنه «نصير الشعب»، المتحدث بـ«لسان الفقراء».
من ناحية ثانية، يأتي فوز روتو كحدث لافت في كينيا، التي تُهيمن على سياساتها منذ الاستقلال عن بريطانيا الصراعات القبلية بين مكّوناتها. فوليام روتو لا ينتمي لشعب «الكيكويو»، أكبر مكون قبلي في البلاد، ومنه جاء الرئيس المنتهية ولايته أوهورو كينياتا، وقبله والده الرئيس الأول جومو كينياتا «أبو الاستقلال» والرئيس الثالث مواي كيباكي، بل ينتمي إلى شعب الكالينجين – أحد المكوّنات الأربعة الكبرى - في كينيا ومنه جاء الرئيس الثاني دانيال آراب – موي الذي خلف كينياتا «الأب».
ولكن، رغم الجدل الدائر حالياً، والمخاوف من اندلاع أعمال عنف بسبب اعتراض البعض على نتيجة الانتخابات، ترجح إيمان الشعراوي، الباحثة المتخصصة في الشأن الأفريقي، في حديث لـ«الشرق الأوسط» استعادة السيطرة سريعاً على الأوضاع، لكون «كينيا من دول شرق أفريقيا التي تشهد تداولاً للسلطة وتُصنف من الديمقراطيات الجيدة في أفريقيا، بالنظر إلى نتائج الانتخابات السابقة، وكذلك تراجع كينياتا عن الترشح لولاية ثالثة مخالفة للدستور الكيني، ما قلل من العنف قبل إجراء الانتخابات».
- التصدي لنفوذ الصين
كما سبقت الإشارة، روتو هو خامس رئيس لكينيا منذ الاستقلال في عام 1963. وهو ثاني رئيس من شعب الكالينجين يتولى هذا المنصب. ويُنتظر، أن يتبنّى روتو - في حال تنصيبه رسمياً - وفقا لـ«الشعراوي»، سياسات مختلفة عن سلفه كينياتا، بسبب الظروف الاقتصادية الصعبة التي تعيشها البلاد. وتقول إن السياسة الأكثر جدلاً ما يتعلق بوعوده تقليص الوجود الصيني الكبير في كينيا، إذ تعد الصين ثاني أكبر دائن لكينيا بعد البنك الدولي، ولقد موّلت العديد من مشاريع البنية التحتية في البلاد.
وبالفعل، كان روتو قد أعلن «اعتزامه طرد الصينيين الذين يشغلون وظائف بإمكان الكينيين أن يقوموا بها، إذا ما انتخب رئيساً»، ما يعني أن كينيا ستشهد سياسات جديدة، خاصةً، ما يتعلق بالاقتصاد وتنويع الشركاء الاقتصاديين، فضلا عن العمل على إيجاد طرق مختلفة للتعامل مع تحديات الأزمة العالمية الراهنة، بسبب الحرب الأوكرانية وجائحة «كوفيد-19»، وما تسببتا فيه من تدهور الاقتصاد الكيني وارتفاع الأسعار.
روتو، الذي كان يشغل منصب نائب الرئيس كينياتا تعهد، من ناحية أخرى، بالتعاون مع «كل القادة» السياسيين. وقال في أول كلمة له بعد الانتخابات «لا مكان للانتقام»... أنا أدرك تماما أن بلادنا في مرحلة نحتاج فيها إلى كل الأيدي الموجودة فيها. ومن ثم، وعد باستحداث فرص عمل في بلد يعيش فيه ثلاثة أشخاص من كل عشرة في فقر مدقع، وأنهكته تداعيات الجائحة والحرب في أوكرانيا.
- فوز ضعيف يُنذر بعنف
من ناحية أخرى، أسهم فارق الأصوات الضئيل، الذي منح روتو الفوز على منافسه أودينغا (77 سنة)، في تأجيج اشتباكات مطلع الأسبوع الماضي، بين أنصار روتو الذين نظموا احتفالات صاخبة بفوزه، مع مناوئيهم الذين شعروا بضياع فوز كانوا يعتقدون أنه الأقرب. وهزت التظاهرات عدة أحياء شعبية في العاصمة نيروبي، مثل كايول وكيبيرا، وأشعل عدد من أنصار المرشحين الإطارات في حي كيبيرا بالعاصمة الكينية. وفي مدينة كيسومو (غرب كينيا)، التي تعد من أبرز معاقل أودينغا، نصبت حواجز ونهبت متاجر ورشق المتظاهرون الحجارة في حين استخدمت الشرطة الغاز المسيل للدموع لتفريق الحشود.
الأمر اللافت، الذي جعل من النتيجة مفاجأة غير متوقعة، هو أن روتو تأخر كثيرا في استطلاعات الرأي، فضلا عن أنه كان يواجه خصماً كبيراً يتمتع بخبرة سياسية واسعة وخلفية أسرية - قبلية مهمة. فرايلا أودينغا، الذي خسر بضعة انتخابات رئاسية من قبل، هو ابن الزعيم الاستقلالي الكبير جاراموهي أوغينغا أودينغا «رفيق نضال» جومو كينياتا، ونائب الرئيس كينياتا بعد الاستقلال، قبل وقوع الخلاف بينهما، وهو أحد أبرز زعماء شعب اللوو الذي ينتمي إليه أيضاً والد الرئيس الأميركي الأسبق باراك أوباما.
أكثر من هذا، فإن أودينغا «الابن»، تولى رئاسة الحكومة في عهد مواي كيباكي، وبعد تنافس وعداوة مع الرئيس المنتهية ولايته كينياتا «الابن»، تلقى في الانتخابات الأخيرة دعم كينياتا. ومن ثم، توقعت العديد من استطلاعات الرأي، التي رفضها روتو واعتبرها «مزيفة»، فوز أودينغا.
وفي مسعى لتأكيد فوزه حرص روتو، عقب فوزه المطعون بصحته، على التشديد على «تجاوز الانقسامات»، والقول إنه «ليس هناك خاسر في الانتخابات، بل الشعب هو الرابح»، مضيفاً أن «الانتخابات كان هدفها حل المشاكل لا مراعاة التكوينات العرقية». في تلميح إلى حرمان شعب اللوو مجدداً من الحصول على منصب الرئاسة.
- مشاكل اقتصادية وسياسية
تشكو كينيا من مشاكل اقتصادية جديّة تتراوح من الديون المتزايدة إلى ارتفاع أسعار الغذاء والوقود والبطالة الجماعية بين الشباب، كما تعاني أجزاء من البلاد أيضا من جفاف شديد يهدد بتفاقم مشكلات انعدام الأمن المتزايدة. ووفق المحلل السياسي موسى أوديامبو لشبكة «سي إن إن» الأميركية فإن «العديد من الكينيين، وخاصة الشباب، يشعرون بخيبة أمل من الحكومة الحالية» ويطالبون بالتغيير، ولذلك اتجهوا إلى تحالف «كينيا كوانزا»، الذي يعني «كينيا أولا» باللغة السواحلية، بقيادة روتو، رفضاً للتوجه السياسي الرئيس الحالي الداعم لأودينغا.
في المقابل، لا يزال الطريق إلى تسلم مقاليد الرئاسة غير مأمون أمام روتو. فبعد أسبوع كامل من انتظار نتائج الانتخابات، التي أجريت يوم 9 أغسطس (أب) 2022، أعلن أودينغا - الذي ظهر وهو يضع قبعة زرقاء كبيرة بلون راية ائتلافه - رفضه القاطع للنتائج المتقاربة مع فارق نحو 233 ألف صوت. ووصف مؤتمر إعلان النتائج، بأنه «مهزلة واستخفاف واضح بالدستور»، إلا أنه رغم ذلك دعا أنصاره إلى الهدوء، مؤكدًا أنه سيواصل «كل الخيارات المتاحة قانونيًا». وهو بذا يتسلح برفض غالبية أعضاء اللجنة المستقلة للانتخابات الاعتراف بفوز روتو.
وما يُذكر هنا، أنه سبق أن طعن أودينغا بنتيجة الانتخابات عام 2007 عندما تسببت الأزمة التي تلت الانتخابات بمواجهات قبلية بين الكيكويو واللوو أدت إلى مقتل 1100 شخص. ثم في عام 2017، أبطلت المحكمة العليا نتائج الانتخابات الرئاسية «غير الشفافة وغير القابلة للتحقق»، ملقية باللوم على اللجنة المشرفة.
واليوم، تتعرض اللجنة المستقلة للانتخابات، التي أدارت انتخابات 2022، لانتقادات، رغم إشادة مراقبين دوليين ومحليين بإدارتها النزيهة لمجريات الاستحقاق الانتخابي. وهنا نشير إلى أنه قبل دقائق من إعلان رئيس اللجنة عن نتائج الانتخابات، رفض أكثر من نصف أعضائها (أربعة من أصل السبعة) قبول النتيجة، مبرّرين موقفهم خلال مؤتمر صحافي بـ«الطابع الضبابي للمسار». ووفق نائبة رئيس لجنة الانتخابات جوليانا شيريرا، فإن أصوات النتائج «جرى حسابها بشكل خاطئ، مع أن عملية الاقتراع أجريت بطريقة سليمة». لكن رئيس اللجنة قال في المؤتمر الصحافي «أقف أمامكم رغم الترهيب والمضايقات. لقد قمت بواجبي وفق قوانين البلاد. وبموجب القانون، أعلن أن روتو وليام ساموي قد انتُخب رئيساً».
- أصول الطعن بالنتيجة
للطعن بنتيجة الانتخابات يتوجب إحالة القضية إلى المحكمة الكينية العليا في الأيام السبعة التي تلي الإعلان عن اسم الفائز. وأمام هذه المحكمة - التي هي أعلى سلطة قضائية في كينيا - مدة 14 يوما لإصدار قرارها، وفي حال قرّرت إبطال النتيجة، لا بد من تنظيم انتخابات جديدة في غضون ستين يوما. وفي حال لم يتوجه أحد بطلب إلى القضاء، يتسلم روتو مهامه في الأسبوعين المقبلين.
ومن جهة أخرى، رغم تقديم عدة دول أفريقية، من بينها الدولتان المجاورتان إثيوبيا والصومال، التهاني إلى روتو، فلا يزال هناك ترقب دولي عام للموقف. وبينما هنأت السفارة الأميركية في كينيا «الشعب الكيني على ممارسته حق التصويت خلال انتخابات التاسع من أغسطس (آب)، والتي شارك فيها 22.1 مليون ناخب مسجل» اختاروا أيضا برلمانيين ومسؤولين محليين، دعت السفارة «كل الأطراف إلى العمل معا لحل المسائل سلمياً»، وطلبت من «قادة الأحزاب السياسية مواصلة حث مناصريهم على الامتناع عن أي عنف خلال المسار الانتخابي».
- رجل عصامي... ثري
الدعاية الانتخابية لروتو، المولود في 21 ديسمبر (كانون الأول) 1966، روّجت عنه أمام «فقراء كينيا» صورة النشأة العصامية. وحرصت على اعتباره «مثالاً حياً لمعيشة الغالبية من أبناء كينيا»... خاصة معاناته في طفولته التي يحكي الرئيس المنتخب عن نفسه قائلاً إنه «كان يذهب إلى المدرسة حافي القدمين، وأن أول مرة يرتدي فيها حذاء في حياته كان عمره 15 سنة». وبالفعل، امتهن روتو عدة مهن من أجل أن يكمل تعليمه، بينها بيع الدجاج والفول السوداني على طرقات المناطق الريفية.
ولكن، بعدما أتم الرئيس المنتخب تعليمه الجامعي، وحصل على شهادة بكالوريوس في علوم البيئة والنبات، عمل بين عامي 1990 و1992 في قطاع التعليم قبل أن يبدأ حياته السياسية والتجارية. ولأنه مولع بالزراعة، استثمر في زراعة الذرة وإنتاج الألبان وتربية الدواجن، حتى بات اليوم من الأثرياء الكبار، وهو يملك حالياً أراضي زراعية شاسعة في مناطق الغرب ومناطق الساحل الكيني.
هذا الثراء أثار لغطاً كبيراً حول روتو وأخلاقياته. وفي حين أنه ينفي ارتكاب أي مخالفات للقانون في رده على اتهامات بالفساد، فإن المحكمة العليا أمرته في يونيو (حزيران) عام 2013، بإعادة مزرعة مساحتها 40 هكتارا وتعويض المُزارع الذي اتهمه بالاستيلاء على الأرض خلال أعمال العنف التي أعقبت الانتخابات.
اجتماعياً، روتو متزوج من سيدة اسمها راشيل، كان تعرف عليها خلال الاجتماعات الشبابية بالكنيسة، ولديهما سبعة أبناء، أكبرهم «نيكولاس»، الذي أثيرت تكهنات حول توليه منصبا سياسيا مستقبلا، في حين تعمل ابنة له في وزارة الشؤون الخارجية.
- الصعود السياسي
دخل روتو الحياة السياسية عام 1992، وقال إنه «تتلمذ على يد رئيس البلاد آنذاك دانيال أراب موي (الذي ينتمي مثله للكالينجين)»، إذ كان عضوا في الجناح الشبابي لحزب موي، حزب «كانو» الذي كانت له الغلبة في تلك الفترة.
وبعد انتخابات عام 1992، حل الرئيس موي الحملة، فاتجه روتو بعدها للمنافسة على مختلف المناصب الحزبية في الحزب إلا أنه لم ينجح.
مع هذا، لم ييأس روتو فنافس على مقعد برلماني في الانتخابات العامة عام 1997، وفي مفاجأة كبرى تغلب على شاغل المقعد روبن تشيزير، ليبدأ صعوده السياسي عبر البرلمان.
ومع بزوغ نجم أوهورو كينياتا مطلع عام 2002، ارتبط صعود روتو به. وحصل على منصب مساعد وزير في وزارة الشؤون الداخلية، ثم رقّي ليصبح وزير الشؤون الداخلية، واحتفظ بموقعه البرلماني، ثم انتخب أمينًا عامًا لحزب «كانو» عام 2005 مع انتخاب كينياتا رئيسًا للحزب.
وبين 2008 و 2010، شغل روتو منصب وزير الزراعة في الحكومة الكينية وهو المنصب السياسي الوحيد المتعلق بمجال دراسته، قبل أن يشغل منصب وزير التعليم لأشهر قليلة في عام 2010.
بعدها، واصل روتو شغل عدد من المناصب، وأسند إليه منصب نائب الرئيس في أعقاب انتخابات عام 2013، حين خاض تلك الانتخابات إلى جانب كينياتا، ما أذهل كثيرا من الكينيين لأن الاثنين كانا على طرفي نقيض سياسياً خلال الانتخابات السابقة. ويبدو أن ذلك كان «تحالف منفعة»، إذ كانت المحكمة الجنائية الدولية وجهت إليهما تهمة «ارتكاب جرائم ضد الإنسانية» تتعلق بمزاعم تأجيجهما أعمال العنف التي تلت معركة عام 2007 الانتخابية الشرسة، والتي أسفرت عن مقتل 1200 شخص.
وخلال انتخابات عام 2007، كان روتو يدعم مرشح المعارضة رايلا أودينغا - الذي خسر أمامه في الانتخابات الأخيرة - في حين كان كينياتا يدعم رئيس البلاد آنذاك، مواي كيباكي، الساعي إلى فترة رئاسية ثانية. وأتى هذا «التحالف» المصلحي أكله، ووصل الرجلان إلى السلطة، ما جعلهما في موقف قوي في مواجهة تهديد المحكمة الجنائية الدولية، وهو ما تحقق عندما أسقط الادعاء التهم الموجهة ضد الرئيس كينياتا عام 2014، ورفض القضاة الدعوى القضائية المقامة ضد روتو في عام 2016.
لكن نهاية «التحالف» جاءت عام 2018، عندما تصالح كينياتا بشكل مفاجئ مع أودينغا، منهيا خطط روتو في دعم الرئيس المنتهية ولايته لخلافته في المنصب خلال الحملة الرئاسية الأخيرة.
ورغم اعتراف روتو بوجود شقاق بينه وبين كينياتا عندما قال إن «الرؤية السياسية لكل منهما مختلفة»، مكث في منصبه نائبا للرئيس، بفضل بنود الدستور التي تكفل لنائب الرئيس البقاء في منصبه طوال الفترة الرئاسية.


مقالات ذات صلة

تجدد احتجاجات المعارضة في كينيا

العالم تجدد احتجاجات المعارضة في كينيا

تجدد احتجاجات المعارضة في كينيا

تراوح الأزمة السياسية في كينيا في مكانها، بعد عودة احتجاجات المعارضة إلى الشوارع، وتجميد «حوار وطني» مزمع، تختلف المعارضة والرئيس حول طريقته وأهدافه. وانطلقت، الثلاثاء، موجة جديدة من الاحتجاجات، وأطلقت الشرطة الكينية الغاز المسيل للدموع على مجموعة من المتظاهرين في العاصمة نيروبي. ووفق وسائل إعلام محلية، شهد الحي التجاري المركزي انتشاراً مكثفاً للشرطة، وأُغلق عدد كبير من المتاجر، كما انطلق بعض المشرعين المعارضين، في مسيرة إلى مكتب الرئيس، لـ«تقديم التماس حول التكلفة المرتفعة، بشكل غير مقبول، للغذاء والوقود والكهرباء»، ومنعتهم الشرطة من الوصول للمبنى وفرقتهم باستخدام الغاز المسيل للدموع.

العالم تنامي «المعتقدات الشاذة» يثير مخاوف في كينيا

تنامي «المعتقدات الشاذة» يثير مخاوف في كينيا

تعيش كينيا حالة من الذعر مع توالي العثور على رفات في مقابر جماعية لضحايا على صلة بجماعة دينية تدعو إلى «الصوم من أجل لقاء المسيح»، الأمر الذي جدد تحذيرات من تنامي الجماعات السرية، التي تتبع «أفكاراً دينية شاذة»، خلال السنوات الأخيرة في البلاد. وتُجري الشرطة الكينية منذ أيام عمليات تمشيط في غابة «شاكاهولا» القريبة من بلدة «ماليندي» الساحلية، بعد تلقيها معلومات عن جماعة دينية تدعى «غود نيوز إنترناشونال»، يرأسها بول ماكينزي نثينغي، الذي قال إن «الموت جوعاً يرسل الأتباع إلى الله». ورصد أحدث التقديرات ارتفاع عدد ضحايا «العبادة جوعاً» إلى 83، وسط تزايد المخاوف من احتمال العثور على مزيد من الجثث. ووف

العالم عودة الاحتجاجات في كينيا... هل تُفاقم الأوضاع؟

عودة الاحتجاجات في كينيا... هل تُفاقم الأوضاع؟

رغم التحضيرات الجارية لمباحثات من المقرر إجراؤها بين الحكومة والمعارضة، يستمر التوتر السياسي في الهيمنة على المشهد بعد قرار المعارضة باستئناف الاحتجاجات، وهو ما يراه خبراء «تهديداً» لمساعي احتواء الخلافات، ومنذراً بـ«تصاعد المخاطر الاقتصادية». وأعلنت المعارضة الكينية عن عودة الاحتجاجات غداً (الأحد)، بعد 10 أيام من موافقة زعيم المعارضة رايلا أودينغا، على تعليقها وتمهيد الطريق لإجراء محادثات مع الرئيس ويليام روتو. وفي تصريحات تناقلتها الصحف الكينية، (الجمعة)، قال أودينغا، في اجتماع لمؤيديه في نيروبي، إن «التحالف سيواصل التحضير للمفاوضات، لكن الحكومة فشلت حتى الآن في تلبية مطالبها»، مشيراً إلى ما

العالم كينيا: تصاعُد الاضطرابات الاقتصادية وسط مخاوف من عودة الاحتجاجات

كينيا: تصاعُد الاضطرابات الاقتصادية وسط مخاوف من عودة الاحتجاجات

في ظل أزمة سياسية تعمل البلاد على حلها بعد تعليق احتجاجات قادتها المعارضة، ما زالت الأزمات الاقتصادية في كينيا تشكل مصدراً للتوتر والاضطرابات.

أفريقيا كينيا: تصاعد الاضطرابات الاقتصادية وسط مخاوف من عودة الاحتجاجات

كينيا: تصاعد الاضطرابات الاقتصادية وسط مخاوف من عودة الاحتجاجات

في ظل أزمة سياسية تعمل البلاد على حلها بعد تعليق احتجاجات قادتها المعارضة، ما زالت الأزمات الاقتصادية في كينيا تشكل مصدراً للتوتر والاضطرابات.


ألمانيا تتأهّب لانتخابات تعِد اليمين باستعادة الحكم

صادرات السيارات الألمانية إلى أميركا في قلب التأزم المحتمل مع ترمب (أ ف ب)
صادرات السيارات الألمانية إلى أميركا في قلب التأزم المحتمل مع ترمب (أ ف ب)
TT

ألمانيا تتأهّب لانتخابات تعِد اليمين باستعادة الحكم

صادرات السيارات الألمانية إلى أميركا في قلب التأزم المحتمل مع ترمب (أ ف ب)
صادرات السيارات الألمانية إلى أميركا في قلب التأزم المحتمل مع ترمب (أ ف ب)

عوضاً عن بدء ألمانيا استعداداتها للتعامل مع ولاية جديدة للرئيس الأميركي «العائد» دونالد ترمب والتحديات التي ستفرضها عليها إدارته الثانية، فإنها دخلت أخيراً في أزمة سياسية بعد الانهيار المفاجئ للحكومة الائتلافية التي يرأسها المستشار أولاف شولتس. وبهذا التطوّر بات شولتس أحد أقصر المستشارين حكماً في ألمانيا؛ إذ إنه قبل إكماله 3 سنوات على رأس الحكومة الائتلافية التي تمثل 3 أحزاب (اشتراكي وليبرالي وبيئي «أخضر») صار المستشار رئيساً لحكومة أقلية مؤلفة من حزبين بانتظار الانتخابات المبكرة التي حُدّد موعدها يوم 23 فبراير (شباط) المقبل.

الحكومة الألمانية ترنّحت إثر انسحاب «ضلعها» الليبرالي، الحزب الديمقراطي الحر، منها. ورغم انسحاب الحزب، أراد رئيسها المستشار أولاف شولتس الاستمرار على رأس «حكومة أقلية» حتى نهاية مارس (آذار)، وهو التاريخ الذي حدّده في البداية لإجراء الانتخابات المبكرة عوضاً عن نهاية سبتمبر (أيلول).

لكن أمام ضغوط المعارضة وافق المستشار وزعيم الحزب الديمقراطي الاجتماعي (الاشتراكي) على تقريب الموعد شهراً آخر. وحتى بعد إجراء الانتخابات، فإن فترة الشكوك قد تستمر لأسابيع أو أشهر إضافية. وللعلم، في ألمانيا، لم يسبق أن فاز أي حزب بغالبية مطلقة تسمح له بتشكيل حكومة منفرداً. وبالنتيجة، حكمت ألمانيا (الغربية أساساً) منذ نهاية الحرب العالمية الثانية حكومات ائتلافية قادها إما محافظو حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي (يمين الوسط) أو اشتراكيو الحزب الديمقراطي الاجتماعي (يسار الوسط).

فريدريش ميرتز (آجنزيا نوفا)

اليمين عائد... لكن!

هذه المرة يبدو أن الديمقراطيين المسيحيين (الحزب الذي قادته لفترة أنجيلا ميركل) يتجهون لاستعادة السلطة. فحزبهم تصدر استطلاعات الرأي بفارق كبير بنسبة تصل إلى 33 في المائة، وهي أعلى من النسبة التي تتمتع بها الأحزاب الثلاثة التي شكَّلت حكومة شولتس مجتمعة، قبل انهيارها. غير أن اختيار الحزب الشريك - أو الأحزاب الشريكة – في ائتلاف الديمقراطيين المرتقب، قد يكون أمراً معقّداً ويستغرق وقتاً طويلاً.

عقبة البيروقراطية

من ناحية ثانية، رغم محاولات الديمقراطيين المسيحيين تقريب موعد الانتخابات أكثر، مستفيدين من تقدم حزبهم في استطلاعات الرأي، ودعوات جمعيات الأعمال لتقليص فترة الشك والغموض في بلد لم يشهد نمواً اقتصادياً منذ 5 سنوات، فإن البيروقراطية الألمانية شكّلت عائقاً أساسياً أمام ذلك.

وحقاً، لا يقع اللوم في تأخير الانتخابات لنهاية فبراير (شباط) فقط على تشبّث شولتس بإطالة عمر حكومته العاجزة عن العمل. ذلك أنه فور انهيار الحكومة، وبدء الكلام عن انتخابات جديدة، دقّت «هيئة الانتخابات» جرس الإنذار محذّرة من أن التسرّع في إجرائها قد يؤدي إلى أخطاء تسببت بإعادتها. ورأت «الهيئة» ضرورة إفساح الوقت الكافي لتحضير اللوائح، وطبع الأوراق، وتحديات العثور على ورق كافٍ ومطابع جاهزة للعمل في خلال مدة زمنية قصيرة.

نقاط خلافية جدّية

ورغم سخافة هذا المشهد، فهو يعكس واقعاً في ألمانيا المقيدة بالبيروقراطية التي تعيق الكثير من تقدّمها، وكان واحداً من أسباب انهيار الحكومة في النهاية. فقد فشلت حكومة شولتس بإدخال أي إصلاحات لتخفيف البيروقراطية رغم التوصيات المتكرّرة من اختصاصيين. ولقد صدرت آخر هذه التوصيات الأسبوع الماضي من «مجلس الخبراء الاقتصادي»، وهو «مجلس حكماء» مدعوم من الحكومة، دعا إلى تقليص البيروقراطية وتسريع «المكننة» كواحدة من الخطوات الرئيسة لتحقيق النمو الاقتصادي.

وللعلم، كانت تلك واحدة من الخلافات الأبرز بين أحزاب الائتلاف الحكومي الثلاثة. فليبراليو الحزب الديمقراطي الحر (وسط) - الذي يعتبر مؤيداً لمجتمع الأعمال والشركات الكبرى - دفعوا منذ تشكيل الحكومة إلى «تقليص البيروقراطية»، خصوصاً على الشركات، إضافة إلى تخفيض الضرائب عنها، لكن أولويات الاشتراكيين وحزب «الخضر» البيئي تمثّلت بزيادة المعونات الاجتماعية والاستدانة لمواجهة التحديات الاقتصادية التي فرضتها تبعات حرب أوكرانيا وجائحة «كوفيد - 19».

قضية الإنفاق العام

شكّل الإنفاق العام نقطة خلافية أخرى مع الليبراليين الذين رفضوا التخلي عن بند كبح الديون الذي يوصي به الدستور الألماني إلا في الحالات القصوى. وجرى التخلي عن هذا البند بعد جائحة «كوفيد - 19» عندما اضطرت الحكومة إلى الاستدانة والإنفاق لمساعدة الاقتصاد على النهوض. وفي المقابل، أراد الاشتراكيون و«الخضر» مواصلة العمل بتعليق بند كبح الديون ضمن خطط إنعاش الاقتصاد وتمويل الحرب الأوكرانية، لكن ليندنر رفض رغم أن «مجلس الخبراء» أوصى ببحث هذا البند وتخفيف التقيد به.

هكذا أدى الخلاف على إجراءات إنعاش الاقتصاد وميزانية عام 2025 إلى انفراط التحالف مع الليبراليين، ودفع بشولتس إلى طرد زعيمهم ووزير المالية كريستيان ليندنر، الذي قدم مقترحاً لتقليص البيروقراطية وخفض الضرائب مقابل خفض الإعانات الاجتماعية لتمويل الحرب في أوكرانيا من دون زيادة الدين العام.

الاشتراكيون بقيادة شولتس وحزب «الخضر» رفضوا مقترح ليندنر من دون القدرة على التوصل إلى «حل وسط»، مع أن المستشار اعتاد المساومة والحلول الوسطى منذ تشكيل حكومته التي غالباً ما شابتها الخلافات الداخلية.

وطبعاً، دفع طرد ليندنر الوزراء الليبراليين للتضامن مع زعيمهم والاستقالة... ما فرط عقد الحكومة. وبعد أيام من الجدل حول موعد الانتخابات المقبلة، اتفقت الأحزاب على طرح الثقة بالحكومة يوم 16 ديسمبر (كانون الأول) - ويتوقع أن تخسرها بعد خسارتها الغالبية البرلمانية - ما سيؤدي إلى انتخابات عامة حدد موعدها في 23 فبراير.

كريستيان ليندنر (رويترز)

الاقتصاد أساس الأزمة

نقطة إنعاش الاقتصاد تظهر الآن نقطةً خلافية أساسية، بينما يراوح الاقتصاد الألماني مكانه عاجزاً عن تحقيق أي نمو يذكر. ثم أن مئات الشركات الصغيرة والوسطى أقفلت خلال العامين الماضيين، وبدأت حتى كبرى شركات السيارات تعاني خسائر دفعت بشركة «فولكسفاغن» العملاقة إلى إقفال 3 من مصانعها العشرة في ألمانيا.

مع هذا، لا يمكن لوم سياسات الحكومة والخلافات الداخلية حول التعامل مع الاقتصاد وحدها، لتبرير تدهور الاقتصاد الألماني خلال السنوات الثلاث الماضية. إذ بدأت حكومة شولتس عملها في خضم جائحة «كوفيد - 19» التي تسببت بأزمات اقتصادية عالمية، وتلت الجائحة الحرب الأوكرانية وتبعاتها المباشرة على ألمانيا، التي كانت تستورد معظم حاجاتها من الغاز من روسيا. وقد تعاملت حكومة شولتس مع انقطاع الغاز الروسي السريع عن ألمانيا بحكمة، ونجحت في تعويضه بسرعة من دون التسبب بأزمة نقص للغاز في البلاد. وأيضاً اتخذت تدابير لحماية المستهلكين من الارتفاع الكبير في الأسعار، مع أنها ما كانت قادرة على تفادي التداعيات بشكل كامل.

من ثم، تحوّلت الحكومة إلى ما يشبه حكومة إدارة الأزمات والسياسات السيئة الموروثة عن الحكومات السابقة. لكن حتى هنا، يمكن تحميل الاشتراكيين بعض مسؤولية السياسات الاقتصادية السيئة، ومنها اعتماد ألمانيا بشكل متزايد طوال حكومات أنجيلا ميركل الأربع على الغاز الروسي، والسبب أن الاشتراكيين شاركوا في ثلاث من هذه الحكومات، وشولتس نفسه كان وزيراً للمالية ثم نائب المستشارة.

علاقة الاشتراكيين بروسيا

من جانب آخر، لم يساعد القرب التاريخي للاشتراكيين من روسيا حكومة شولتس بإبعاد نفسها عن موسكو؛ إذ بقي المستشار متردداً لفترة طويلة في قطع العلاقات مع روسيا ودعم أوكرانيا. ومع أن ألمانيا تحوّلت الآن إلى ثاني أكبر داعم عسكري لكييف بعد واشنطن، فإن تردد شولتس شخصياً في كل قرار يتعلق بتسليح أوكرانيا، غالباً ما وضعه في مواجهة مع حليفيه في الحكومة وكذلك مع المعارضة. وللعلم، يعتمد شولتس سياسة حذرة في دعم أوكرانيا ولا يؤيد ضمها لـ«ناتو» (حلف شمال الأطلسي)؛ تخوفاً من استفزاز روسيا أكثر وخشيته من دفعها لتوسيع الصراع.

في أي حال، كرّر شولتس القول في كل مناسبة بضرورة استمرار دعم أوكرانيا، وكان هذا واحداً من أسباب الخلافات حول الميزانية التي أدت إلى انهيار الحكومة، فوزير المالية أراد اقتطاع مخصّصات اجتماعية لتمويل الحرب في حين شولتس أراد الاستدانة لذلك رافضاً المس بالإعانات.

وحيال أوكرانيا، مع أن مقاربة تمويل الحرب في أوكرانيا تختلف بين الأحزاب الألمانية، لا خلاف على دعم كييف لا خلاف عليه. بل يتشدّد الديمقراطيون المسيحيون المتوقع فوزهم بالانتخابات وقيادتهم الحكومة المقبلة أكثر في دعمهم. ويؤيد زعيم حزبهم، فريدريش ميرتز، الذي قد يصبح المستشار القادم، أوكرانيا ضم أوكرانيا «فوراً» إلى «ناتو» بخلاف شولتس، كما يؤيد إرسال صواريخ «توروس» البعيدة المدى والألمانية الصنع إليها، بينما يعارض شولتس ذلك.

وهنا نشير إلى أن حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي كان طوال السنوات الماضية، منذ تفجّر الحرب الأوكرانية، شديد الانتقاد لتردّد المستشار الاشتراكي في قرارات تسليح كييف وقطع العلاقات الاقتصادية مع روسيا، رغم أنه كان المسؤول عن وصول العلاقات الاقتصادية إلى مرحلة الاعتماد الألماني على الطاقة الروسية... كما كان حاصلاً قبل الحرب.

على الحكومة الجديدة التعامل مع ترمب

في ملف العلاقات الاقتصادية

أولاف شولتس (رويترز)

تبعات عودة ترمب

في اتجاه موازٍ، مقاربة الحرب الأوكرانية ستضع أي حكومة ألمانية جديدة في مواجهة محتملة مع إدارة دونالد ترمب القادمة في واشنطن. إذ ستضيع ألمانيا شهوراً ثمينة في تحديد سياستها مع العد العكسي للانتخابات المبكرة وتفاوض الأحزاب خلالها على تشكيل حكومة ائتلافية.

ولن يكون أمام الحكومة الجديدة فقط تحدي التعامل مع إدارة ترمب في ملف أوكرانيا، بل أيضاً في ملف التجارة والعلاقات الاقتصادية. ذلك أن ترمب في عهده الأول دأب على انتقاد ألمانيا بسبب ضخامة صادراتها إلى الولايات المتحدة، وبخاصة السيارات، التي تفوق بأضعاف الصادرات الأميركية إليها. وبالفعل، هدَّد آنذاك برسوم على السيارات الألمانية في حال لم تزد برلين وارداتها من الولايات المتحدة خاصة الغاز الأميركي الذي كان ترمب يضغط على ميركل لاستيراده عوضاً عن الغاز الروسي. بالتالي، مع عودة ترمب، ستعود المخاوف من حرب اقتصادية مع واشنطن قد تكون إذا وقعت مدمّرة لقطاع السيارات الألمانية. وحقاً، خفّضت كل الشركات الألمانية الكبرى سقف توقّعاتها للأرباح في الأشهر المقبلة، بعد تراجع مبيعاتها في الأسواق الخارجية وتحديداً الصين، بشكل كبير. وقد يشكّل تقلّص سوقها في الولايات المتحدة ضربة جديدة لها يحذّر الخبراء الاقتصاديون من أن تبعاتها ستكون مؤلمة للاقتصاد الألماني.

حسابات الانتخابات المقبلة

عودة إلى حسابات الداخل، لم يطرح الزعيم الديمقراطي المسيحي فريدريش ميرتز، في الواقع، فكرة إعادة وزير المالية المعزول كريستيان ليندنر إلى حكومته المحتملة. لكن سيتوجّب أولاً على حزب ليندنر، أي الحزب الديمقراطي الحر (الليبرالي) أن يكسب أصواتاً كافية لتمثيله في البرلمان. وحتى مع تحقيق هذا قد لا يكون التحالف بين الحزبين كافياً لضمان الغالبية، إلا إذا حصلت مفاجأة وحقق أحد الحزبين نتائج أعلى من المتوقع في الاستطلاعات، كما فعل الاشتراكيون في الانتخابات الماضية عندما نالوا قرابة 26 في المائة متقدمين على الديمقراطيين المسيحيين الذين نالوا 24 في المائة من الأصوات. ويومذاك كانت استطلاعات الرأي التي سبقت الانتخابات تشير إلى شبه تعادل بين الحزبين.

من ثم، في حال بقاء ليبراليي الحزب الديمقراطي الحر خارج الحكومة، قد تعيد ألمانيا إنتاج حكومة يشارك فيها الحزبان الرئيسان المتناقضان في سياساتهما الاجتماعية والاقتصادية، أي الاتحاد الديمقراطي المسيحي اليميني والحزب الديمقراطي الاجتماعي (الاشتراكي). وقد يُجبَر الحزبان على ضم شريك ثالث يرجح أن يكون حزب «الخضر» في حال غياب الليبراليين عن المشهد. وقد تعيد هكذا حكومة ثلاثية فترة الخلافات والاضطراب التي شهدتها ألمانيا في ظل الحكومة الثلاثية الحالية التي رغم انجازاتها، لا يذكر كثيرون إلا الخلافات التي شابتها.وحتى ذلك الحين، فإن التحديات التي ستواجهها أي حكومة ألمانية قادمة، تجعل من فترة انتظار الانتخابات وتشكيل الحكومة، فترة صعبة ستزيد من عمق الأزمة الاقتصادية وتشرذم الموقف الألماني والأوروبي أمام الإدارة الأميركية.