«نذر صدام» بين المحكمة العليا الليبية ومجلس النواب

بشكل مفاجئ، قررت الجمعية العمومية للمحكمة العليا الليبية بالإجماع، أمس، إعادة تفعيل الدائرة الدستورية للنظر في الطعون والفصل فيها، وذلك غداة اعتراض المحكمة على قرار مجلس النواب بالمصادقة على تعيين 45 مستشاراً لديها، وقالت إنها «لن تعتد بأي قرارات أو إجراءات مخالفة لقانونها الخاص»، فيما اعتبر بعض المتابعين هذه الأجواء بوادر صدام بين المحكمة والبرلمان.
وانتهت الجمعية العمومية للمحكمة العليا، التي عقدت اجتماعاً طارئاً في طرابلس أمس، إلى إعادة تفعيل الدائرة الدستورية، بعد توقف دام قرابة سبع سنوات، إثر أعمال الفوضى التي عمت البلاد. ومن شأن تفعيل هذه الدائرة مراقبة قرارات السلطة التشريعية، بحسب قانونيين، ارتأوا أن «تعطيل الدائرة الدستورية طوال السنوات الماضية غير قانوني». وهذه الدائرة من شأنها النظر في الطعون التي يحركها كل ذي مصلحة شخصية مباشرة في أي تشريع يرى أنه مخالف للدستور.
وقال محمد الحافي، رئيس المحكمة العليا، عقب صدور القرار، إن المحكمة «تعاهد الليبيين بأنها لن تنحاز إلى أي طرف من الأطراف؛ وستعلي شأن الوطن والمبادئ والقواعد الدستورية المقررة».
وأحدث القرار المفاجئ، انقساماً بين مؤيد له ومعارض، إذ رأى عمر النعاس، عضو الهيئة التأسيسية لمشروع الدستور، أن قرار الجمعية العمومية، الذي خرج بالإجماع «سيكون له أثر كبير في قيام دولة الدستور قريبا».
ومن جهتها، علقت الأكاديمية أم العز الفارسي، عضو «ملتقى الحوار السياسي» قائلة إن الليبيين يتطلعون إلى عمل الدائرة الدستورية «لإنفاذ ما لا يخالف القواعد الدستورية الحاكمة، وعلى رأسها الإعلان الدستوري وتعديلاته، ومتابعة استكمال المسار الدستوري للحد من التخبط التشريعي في ليبيا». مشددة على أن الليبيين «في أمس الحاجة لإعادة مجرى العدالة وضمان سلامة البلاد».
بدوره، قال المحلل السياسي السنوسي الشريف إن «إقفال الدائرة الدستورية خلال السنوات الماضية، وبالرغم من مساوئه، إلا أنه حافظ على وحدة القضاء الليبي، وعلى الحد الأدنى من وحدة البلاد». ورأى الشريف أن «فتح الدائرة سيهدد وحدة المؤسسة القضائية، وسيعمق الانقسام السياسي»، معتبراً أنه «لا ضمان لاحترام الطرفين شرقا وغربا لأي حكم قضائي يصدر من الدائرة الدستورية ضد أحدهما، كما حصل في 2014». وأضاف متسائلا: «هل المجلس الأعلى للقضاء هو المختص بفتح الدائرة الدستورية أم الجمعية العمومية للمحكمة العليا؟».
ودخل عبد الحميد الدبيبة، رئيس حكومة «الوحدة المؤقتة»، على الخط سريعاً، وأبدى «مباركته» لقرار الجمعية العمومية للمحكمة، وقال فور صدور القرار: «لعله يكون رادعاً للتجاوزات التي تمارس من الأطراف؛ والقرارات المخالفة للاتفاق السياسي، باعتباره الوثيقة الدستورية الحاكمة للمرحلة». معتبرا «استقلال القضاء ووجود دستور حاكم أساس لاستقرار ليبيا».
وكانت الهيئة التأسيسية لصياغة مشروع الدستور قد دعت المحكمة العليا في البلاد إلى العدول عن قرارها بوقف العمل بالدائرة الدستورية بالمحكمة في «أقرب وقت ممكن»، معتبرة أن المعطيات التي دفعت إلى اتخاذ هذا القرار في حينه «لم تعد قائمة». ورأت أن «هناك عقبات تحول دون استكمال المسار الدستوري في ظل العديد من التشريعات المخالفة للإعلان الدستوري وتعديلاته».
وسبق لمجلس النواب التصويت بالموافقة على تعديل قانون المحكمة العليا، منتصف الأسبوع، الذي قال إنه مقدم من المحكمة، والذي يقضي بأن يؤدي مستشارو المحكمة اليمين القانونية أمام مجلس النواب، كما أقر القرار الصادر عن هيئة رئاسة المجلس بشأن تعيين عدد من مستشاري المحكمة العليا، وهو ما رفضته الأخيرة أمس.
ولتفادي حدوث أزمة بين الجهتين، قالت المحكمة في رسالة إلى المستشار عقيلة صالح، رئيس مجلس النواب، وأعضاء البرلمان، أمس، إنها سبق أن أكدت في مراسلات سابقة للمجلس أنها لم تقدم أي طلبات بشأن تعديل قانونها الخاص، كما لم تحل أي خطابات رسمية لطلب تعيين مستشارين بالمحكمة. ونوهت إلى قرارات الجمعية العمومية السابقة، المتعلقة بكيفية اختيار مستشاري المحكمة، مؤكدة أنها «لن تعتد بأي قرارات مخالفة للقانون».
ولفتت المحكمة إلى ضرورة التشاور معها «صوناً لاستقلال وهيبة مؤسسة المحكمة العليا والقضاء الليبي»، وقالت بهذا الخصوص: «سبق وأشرنا إلى المخالفات الواردة في قائمة المستشارين، الصادرة عن هيئة رئاسة مجلس النواب، من وجود متقاعدين سقطت عنهم ولاية القضاء؛ وآخرين لا تتوفر فيهم الكفاءة المطلوبة، كما أن العدد المدرج بالقائمة يفوق حاجة المحكمة العليا بكثير».
وأهابت المحكمة برئاسة مجلس النواب «مراعاة هذه الإجراءات، ومعالجة الأمر بما يحفظ هيبة واستقلال القضاء، وبما يؤكد مصداقية المجلس وسعيه إلى ترسيخ مبدأ الفضل بين السلطات». مبرزة أنها «ستقبل قرار مجلس النواب حال معالجة ما ورد به من أخطاء؛ واستبعاد من انتهت صلاحية ولايتهم القانونية، وبلغوا سن التقاعد المقررة بقانونها الخاص».