الشرطة السودانية تفرق محتجين طالبوا بـ«عودة الحكم المدني»

محللون فسروا تراجع زخم المظاهرات بالقمع المفرط وتناحر قوى الثورة

جانب من الاحتجاجات التي شهدتها شوارع الخرطوم أمس (أ.ب)
جانب من الاحتجاجات التي شهدتها شوارع الخرطوم أمس (أ.ب)
TT

الشرطة السودانية تفرق محتجين طالبوا بـ«عودة الحكم المدني»

جانب من الاحتجاجات التي شهدتها شوارع الخرطوم أمس (أ.ب)
جانب من الاحتجاجات التي شهدتها شوارع الخرطوم أمس (أ.ب)

فرّقت الشرطة السودانية، أمس، بالغاز المسيل للدموع مئات المحتجين المطالبين بعودة الحكم المدني والثأر لضحايا الاحتجاجات السلمية، وذلك تلبية لدعوة «لجان المقاومة» في الخرطوم وعدد من مدن البلاد الأخرى، التي لجأت لوسائل جديدة، من بينها استخدام سيارات مدرعة مخصصة لمكافحة الشغب، ونشر قوات كبيرة في المناطق المحددة للتجمع والتظاهر.
ومنذ أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، دأب دعاة الحكم المدني وإكمال الفترة الانتقالية والثأر للضحايا على الاحتجاجات دون توقف، التي بدأت أولاً بمشاركة الملايين، ثم تراجعت تدريجياً إلى مئات الآلاف، ووصلت إلى مئات في احتجاجات أمس. وردّه محللون سياسيون ومراقبون إلى التشظي والانقسامات في القوى المدنية، وحالة التشرذم التي تشهدها الساحة السياسية السودانية.
وقال محلل سياسي، طلب عدم ذكر اسمه، إن تراجع الاحتجاجات يعود إلى «طبيعة الثورة» السودانية، مبرزاً أن الاحتجاجات «لا تسير بخط تصاعدي واحد، بل تنحسر أحياناً لتحتشد في أوقات أخرى، وتجربة ثورة ديسمبر (كانون الأول) شهدت حالات صعود وهبوط في حجم الاحتجاجات، أدت جميعها إلى اعتصام القيادة العامة الشهير، وأسقط نظام حكم الرئيس عمر البشير والإسلاميين».
وأشار المحلل السياسي إلى ما أسماه حالة الانقسام بين «قوى الثورة»، ودورها في التأثير على الحراك الجماهيري المناقض للانقلاب، وحمّلها مسؤولية تراجع الاحتجاجات والمظاهرات الحاشدة، بيد أنه أوضح أن هذه «طبيعة الثورة السودانية، التي تشهد حالات مدّ وجزر لتحتشد مرة واحدة، لإسقاط الديكتاتوريات»، مشدداً على أن الشارع السياسي «ما زال قادراً على إسقاط الانقلاب، ويخطئ العسكريون إذا ظنوا أن الثورة تراجعت والاحتجاجات انتهت، لأن قوى الثورة لا تزال تملك زمام المبادرة».
وتشهد الساحة السياسية السودانية حالة انقسام كبيرة، في ظل انقسام القوى التي قادت الاحتجاجات التي أسقطت نظام «الإخوان» إلى عدة تيارات. وتحالف المعارضة الرئيسي «الحرية والتغيير»، الذي يعد أكبر تحالف سياسي في تاريخ البلاد، انقسم بدوره إلى 4 تيارات، عدا الحزب الشيوعي الذي خرج عنه باكراً. كما أن قوى المعارضة المدنية ظلت باستمرار تتبادل الاتهامات والتخوين فيما بينها، وتراوحت بين «الهبوط الناعم»، وتحقيق تسوية مع العسكريين، ومحاولات العودة لكراسي الحكم و«بيع الدم»، فيما اختارت مجموعات كانت محسوبة على الثورة التحالف مع المكون العسكري، بزعم أنها أقصيت من السلطة التي يحتكرها الآخرون.
وقال القيادي بتحالف الحرية والتغيير «الميثاق الوطني»، حيدر الصافي لـ«الشرق الأوسط»، إن «الرؤية السياسية للفترة الانتقالية أربكت الشارع، واستنزفت كثيراً من طاقته الإيجابية الداعمة للانتقال الديمقراطي»، مضيفاً أن «الطاقة الشبابية متجددة، وإذا ما حدث ارتباك في المشهد وتشوهت الثورة التي تعبر عن أحلامهم، يمكن للشارع أن يجدد طاقته، ويحدث تغييراً جذرياً لن تكون الأطراف الحالية طرفاً فيه».
من جهته، أرجع الصحافي قرشي عوض، في حديث لـ«الشرق الأوسط»، تراجع الاحتجاجات إلى القمع المفرط، الذي تستخدمه السلطات العسكرية ضد المحتجين السلميين، وقال: «بالطبع الاحتجاجات لم تعد بزخمها، مقارنة بأيام المظاهرات الأولى، والسبب في ذلك هو القمع المفرط الذي استخدمته السلطات العسكرية لمواجهة المتظاهرين السلميين، لكن ما يبعث على الاطمئنان هو أن القوى الثورية بمقدورها استعادة زخمها، وتنظيم نفسها مجدداً، واستخدام تكتيكات سلمية جديدة لتواجه بها آلة القمع العسكرية، ولتصل بالثورة السودانية إلى غاياتها في الحرية والسلام والعدالة».
وقتل بالرصاص أثناء الاحتجاجات المستمرة طوال الأشهر العشرة الماضية نحو 118 محتجاً مدنياً، بحسب إحصاءات لجنة أطباء السودان المركزية (معارضة) ومنظمة حاضرون (مدنية)، فيما أصيب أكثر من 5 آلاف بالرصاص الحي والمتناثر والمطاطي والدهس بالسيارات، ومقذوفات الغاز المسيل للدموع التي توجه مباشرة لصدور المحتجين السلميين.
ولم تقدم السلطات الرسمية السودانية أي إحصائيات بأعداد القتلى والجرحى، وظلت توجه الاتهامات لـ«طرف ثالث»، لكنها لم تجرِ أي تحقيق جديّ في عمليات القتل واستخدام القوة المفرطة، ولا توجد تحقيقات نظامية تتعلق بعمليات القتل، التي نقلتها كاميرات أجهزة التلفزة والصحافة، وذلك على الرغم من ترحم القادة العسكريين، بما فيهم قائد الجيش عبد الفتاح البرهان، على «شهداء الثورة» وإقرارهم بحدوث عمليات قتل، بموازاة الاتهامات الصريحة للقوات العسكرية بارتكاب تلك الجرائم.


مقالات ذات صلة

«أمانة» السعودية تجلي 1765 شخصاً لـ32 دولة من السودان

شمال افريقيا «أمانة» السعودية تجلي 1765 شخصاً لـ32 دولة من السودان

«أمانة» السعودية تجلي 1765 شخصاً لـ32 دولة من السودان

نقلت سفينة «أمانة» السعودية، اليوم (الخميس)، نحو 1765 شخصاً ينتمون لـ32 دولة، إلى جدة، ضمن عمليات الإجلاء التي تقوم بها المملكة لمواطنيها ورعايا الدول الشقيقة والصديقة من السودان، إنفاذاً لتوجيهات القيادة. ووصل على متن السفينة، مساء اليوم، مواطن سعودي و1765 شخصاً من رعايا «مصر، والعراق، وتونس، وسوريا، والأردن، واليمن، وإريتريا، والصومال، وأفغانستان، وباكستان، وأفغانستان، وجزر القمر، ونيجيريا، وبنغلاديش، وسيريلانكا، والفلبين، وأذربيجان، وماليزيا، وكينيا، وتنزانيا، والولايات المتحدة، وتشيك، والبرازيل، والمملكة المتحدة، وفرنسا، وهولندا، والسويد، وكندا، والكاميرون، وسويسرا، والدنمارك، وألمانيا». و

«الشرق الأوسط» (جدة)
شمال افريقيا مصريون يسهمون في إغاثة النازحين عند المعابر الحدودية

مصريون يسهمون في إغاثة النازحين عند المعابر الحدودية

بعد 3 أيام عصيبة قضتها المسنة السودانية زينب عمر، بمعبر «أشكيت» من دون مياه نظيفة أو وجبات مُشبعة، فوجئت لدى وصولها إلى معبر «قسطل» المصري بوجود متطوعين مصريين يقدمون مياهاً وعصائر ووجبات جافة مكونة من «علب فول وتونة وحلاوة وجبن بجانب أكياس الشيبسي»، قبل الدخول إلى المكاتب المصرية وإنهاء إجراءات الدخول المكونة من عدة مراحل؛ من بينها «التفتيش، والجمارك، والجوازات، والحجر الصحي، والكشف الطبي»، والتي تستغرق عادة نحو 3 ساعات. ويسعى المتطوعون المصريون لتخفيف مُعاناة النازحين من السودان، وخصوصاً أبناء الخرطوم الفارين من الحرب والسيدات والأطفال والمسنات، بالتعاون مع جمعيات ومؤسسات أهلية مصرية، على غر

شمال افريقيا الأمم المتحدة تطلب 445 مليون دولار لمساعدة الفارين من السودان

الأمم المتحدة تطلب 445 مليون دولار لمساعدة الفارين من السودان

أعلنت الأمم المتحدة، الخميس، أنها تحتاج إلى 445 مليون دولار لمساعدة 860 ألف شخص توقعت أن يفروا بحلول أكتوبر (تشرين الأول) المقبل من القتال الدامي في السودان بين الجيش وقوات الدعم السريع. وأطلقت مفوضية الأمم المتحدة السامية لشؤون اللاجئين هذا النداء لجمع الأموال من الدول المانحة، مضيفة أن مصر وجنوب السودان سيسجّلان أكبر عدد من الوافدين. وستتطلب الاستجابة للأزمة السودانية 445 مليون دولار حتى أكتوبر؛ لمواجهة ارتفاع عدد الفارين من السودان، بحسب المفوضية. وحتى قبل هذه الأزمة، كانت معظم العمليات الإنسانية في البلدان المجاورة للسودان، التي تستضيف حالياً الأشخاص الفارين من البلاد، تعاني نقصاً في التمو

«الشرق الأوسط» (جنيف)
شمال افريقيا الصراع في الخرطوم يوجّه ضربة جديدة للاقتصاد

الصراع في الخرطوم يوجّه ضربة جديدة للاقتصاد

وجّه الصراع المحتدم الذي يعصف بالسودان ضربة قاصمة للمركز الرئيسي لاقتصاد البلاد في العاصمة الخرطوم. كما عطّل طرق التجارة الداخلية، مما يهدد الواردات ويتسبب في أزمة سيولة. وفي أنحاء مساحات مترامية من العاصمة، تعرضت مصانع كبرى ومصارف ومتاجر وأسواق للنهب أو التخريب أو لحقت بها أضرار بالغة وتعطلت إمدادات الكهرباء والمياه، وتحدث سكان عن ارتفاع حاد في الأسعار ونقص في السلع الأساسية. حتى قبل اندلاع القتال بين طرفي الصراع في 15 أبريل، عانى الاقتصاد السوداني من ركود عميق بسبب أزمة تعود للسنوات الأخيرة من حكم الرئيس السابق عمر البشير واضطرابات تلت الإطاحة به في عام 2019.

«الشرق الأوسط» (الخرطوم)
شمال افريقيا فيصل بن فرحان وغوتيريش يبحثان وقف التصعيد في السودان

فيصل بن فرحان وغوتيريش يبحثان وقف التصعيد في السودان

بحث الأمير فيصل بن فرحان بن عبد الله وزير الخارجية السعودي والأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، اليوم (الخميس)، الجهود المبذولة لوقف التصعيد العسكري بين الأطراف في السودان، وتوفير الحماية اللازمة للمدنيين السودانيين والمقيمين على أرضه. وأكد الأمير فيصل بن فرحان، خلال اتصال هاتفي أجراه بغوتيريش، على استمرار السعودية في مساعيها الحميدة بالعمل على إجلاء رعايا الدول التي تقدمت بطلب مساعدة بشأن ذلك. واستعرض الجانبان أوجه التعاون بين السعودية والأمم المتحدة، كما ناقشا آخر المستجدات والتطورات الدولية، والجهود الحثيثة لتعزيز الأمن والسلم الدوليين.

«الشرق الأوسط» (الرياض)

جولة جديدة من «الحوار الاستراتيجي» بين مصر والصين لتعميق التعاون

بدر عبد العاطي خلال لقاء رموز الجالية المصرية في الصين (الخارجية المصرية)
بدر عبد العاطي خلال لقاء رموز الجالية المصرية في الصين (الخارجية المصرية)
TT

جولة جديدة من «الحوار الاستراتيجي» بين مصر والصين لتعميق التعاون

بدر عبد العاطي خلال لقاء رموز الجالية المصرية في الصين (الخارجية المصرية)
بدر عبد العاطي خلال لقاء رموز الجالية المصرية في الصين (الخارجية المصرية)

تشهد العاصمة بكين جولة جديدة من «الحوار الاستراتيجي» بين مصر والصين، على مستوى وزيري خارجية البلدين، وذلك لتعميق التعاون، وتبادل الرؤى بشأن المستجدات الإقليمية والدولية.

ووصل وزير الخارجية المصري، بدر عبد العاطي، إلى بكين، مساء الأربعاء، وأشارت وزارة الخارجية المصرية في إفادة لها، إلى «عقد الجولة الرابعة من آلية الحوار الاستراتيجي بين مصر والصين».

والتقى عبد العاطي، الخميس، رموز الجالية المصرية في الصين، وأبرز اعتزاز بلاده بأبناء الجاليات المصرية في الخارج؛ «نظراً لدورهم المهم في تعزيز روابط الصداقة مع مختلف الدول، بما يسهم في توطيد تلك العلاقات حكومة وشعباً، خصوصاً مع شريك اقتصادي مهم مثل الصين».

وحثّ الوزير عبد العاطي، رموز الجالية المصرية في بكين، للمشاركة في النسخة المقبلة من «مؤتمر المصريين بالخارج» في أغسطس (آب) 2025، والذي من المقرر أن يشارك فيه عدد من الوزراء، بما يجعله بمثابة «منصة للحوار المستمر بين الجاليات المصرية في الخارج والوزارات الخدمية»، وفق «الخارجية المصرية».

وتُقدر عدد الشركات الصينية العاملة في مصر بنحو 2066 شركة في قطاعات متنوعة، ويصل حجم استثماراتها إلى نحو 8 مليارات دولار، وفق تصريح لنائب رئيس الهيئة العامة للاستثمار المصرية، ياسر عباس، في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي. (الدولار الأميركي يساوي 50.8 جنيه في البنوك المصرية).

الرئيس الصيني خلال استقبال نظيره المصري في بكين مايو الماضي (الرئاسة المصرية)

ووفق نائب وزير الخارجية المصري الأسبق، نائب رئيس «جمعية الصداقة المصرية - الصينية»، السفير على الحفني، فإنه «لدى مصر والصين حرص دائم على تعميق العلاقات، واستمرار التشاور فيما يتعلق بعدد من القضايا الإقليمية والدولية ذات الاهتمام المشترك».

وقال لـ«الشرق الأوسط»: «إن الزيارات المتبادلة بين مسؤولي البلدين، تعكس الإرادة المستمرة لتبادل وجهات النظر وتنسيق المواقف بين البلدين».

وأعلن الرئيسان المصري عبد الفتاح السيسي، والصيني شي جينبينغ، في بكين، مايو (أيار) الماضي، عن تدشين عام «الشراكة المصرية - الصينية» بمناسبة مرور 10 سنوات على إطلاق «الشراكة الاستراتيجية الشاملة».

وأكد الحفني أن «(الحوار الاستراتيجي المصري - الصيني) يأتي في ظل مناخ إقليمي ودولي مضطرب»، عادّاً أن «الحوار ضروري بين القاهرة وبكين، من منطلق وضع الصين قوةً دولية، وعضواً دائماً بمجلس الأمن الدولي، وبهدف تنسيق المواقف بشأن التطورات الخاصة بالقضية الفلسطينية، والمستجدات في غزة ولبنان وسوريا والسودان ومنطقة البحر الأحمر».

وتدعم الصين «حل الدولتين» بوصفه مساراً لحل القضية الفلسطينية، ودعت خلال استضافتها الدورة العاشرة للاجتماع الوزاري لـ«منتدى التعاون الصيني - العربي» في مايو الماضي، إلى «عقد مؤتمر للسلام لإنهاء الحرب في غزة».

ويرى خبير الشؤون الآسيوية في المجلس المصري للشؤون الخارجية، ضياء حلمي، أن «الملفات الإقليمية، وتطورات الأوضاع في المنطقة، تتصدر أولويات زيارة وزير الخارجية المصري لبكين»، وقال لـ«الشرق الأوسط»: «إن اتساع رقعة الصراع بالشرق الأوسط، والتوترات التي تشهدها دول المنطقة، تفرض التنسيق المصري - الصيني في هذه المرحلة، وإطلاع الجانب الصيني على ما تقوم بها مصر على الصعيد السياسي، للتهدئة في المنطقة».

وأشار حلمي إلى أن هناك تقارباً في المواقف المصرية - الصينية تجاه صراعات المنطقة، وضرورة التهدئة، لافتاً إلى أن «الملفات الاقتصادية تحظى باهتمام من جانب الدولة المصرية لزيادة حجم الاستثمارات الصينية، ورفع معدلات التبادل التجاري بين الجانبين».

وبلغ حجم التبادل التجاري بين مصر والصين نحو 13.9 مليار دولار خلال 2023، مقابل 16.6 مليار دولار خلال عام 2022، وفق إفادة جهاز التعبئة والإحصاء المصري، في مايو الماضي.