«حصوات الكلى الصامتة» لا تتسبب بأي أعراض

تُكتشف عرَضاً ومناقشات طبية حول ضرورات معالجتها

«حصوات الكلى الصامتة» لا تتسبب بأي أعراض
TT

«حصوات الكلى الصامتة» لا تتسبب بأي أعراض

«حصوات الكلى الصامتة» لا تتسبب بأي أعراض

عندما يتم إجراء أحد فحوصات الأشعة للبطن لأي سبب طبي لا علاقة له بحصوات الكلى، وتُظهر نتائج الفحص بالصدفة أن ثمة حصوات في الكلى، ما العمل اللازم حينها لشخص لا يشكو من أي أعراض تدل على وجودها، أو أي أعراض ناجمة عن مضاعفاتها وتداعياتها؟
وعندما يُجري الطبيب معالجة تدخلية، سواء كانت جراحية أو بأي وسيلة تدخلية أخرى، لمعالجة حصوات مزعجة في إحدى الكليتين، ويكون ثمة حصوات في الكلية الأخرى، لا تتسبب بأي مشاكل، هل يُزيلها بنهج «التدخل الوقائي» (Prophylactic Intervention)، أم يتركها في مكانها طالما أنها لم تتسبب بأي أعراض أو مضاعفات أو تداعيات، ويتابعها بنهج «المراقبة اليقظة» (Active Surveillance)؟

حصوات «صامتة»
حصوات الكلى (Urolithiasis) إحدى المشاكل الصحية الشائعة. ووفق أحدث الإحصائيات الطبية من مناطق مختلفة في العالم، تتفاوت معدلات الإصابة خلال الحياة بحصاة الكلى «المتسببة بأعراض تدل على وجودها» (Symptomatic Renal Stones)، نتيجة عوامل عدة. إذ تبلغ نحو 15 في المائة من الرجال، و8 في المائة من النساء، وترتفع إلى 20 في المائة بمجتمعات أخرى. وعلى سبيل المثال، في الولايات المتحدة، فإن واحداً من بين كل 11 شخصاً لديه حصاة كلى ويشكو منها. وهو ما يتسبب بإنفاق أكثر من 5 مليارات دولار في المعالجة والمتابعة الصحية. وهو أيضاً ما يتسبب بأكثر من مليون زيارة سنوياً لأحد أقسام الإسعاف في المستشفيات. وهي مشكلة مزمنة، لأن معدل تكرار عودة حصول حصاة الكلى بعد معالجتها، خلال السنوات الخمس المقبلة من عمر الشخص هو 50 في المائة.
وفي مقابل هذه النوعية من حصوات الكلى، هناك نوع إكلينيكي آخر، وهو حصوات الكلى الصامتة، التي «لا تتسبب بأي أعراض تدل على وجودها» (Asymptomatic Renal Stones)، ويتم اكتشافها بمحض الصدفة عند إجراء فحوصات الأشعة للبطن.
وحولها، يقول أطباء المسالك البولية في جامعتي أكسفورد ونيوكاسل: «في السنوات الأخيرة، أدى الاستخدام المزداد للتصوير عالي الدقة مثل التصوير المقطعي المحوسب، إلى ارتفاع معدلات الكشف العرضي عن حصوات الكلى من دون أعراض. وتقدر الدراسات أن انتشارها بين عموم الناس يتراوح بين 8 في المائة و46 في المائة. ولا يزال من غير الواضح طريقة العلاج لها ومتى».

قرارات المعالجة
يقول البروفسور مانوج مونجا، أستاذ ورئيس جراحة المسالك البولية بجامعة كاليفورنيا في سان دييغو: «حصوات الكلى من دون أعراض شائعة جداً، ويتم تشخيصها في نحو مليوني مريض سنوياً».
والتعامل الطبي مع هذه الحالات الصامتة، غير المتسببة بأي أعراض، والشائعة، لا يزال مجال سجال، حول أفضل نهج للتعامل معها. وتنقسم الآراء في معالجتها إلى:
> المبادرة لإزالتها عند ملاحظة وجودها منعاً لأي انتكاسات مستقبلية.
> عدم الاقتراب منها والاكتفاء بمراقبتها دورياً ما دام أنها لا تتسبب بأي مشاكل.
> قرار إزالتها أو تركها يعتمد على متغيرات تتعلق بالحالة الصحية للمريض ومُسببات ظهور الحصوات لديه وحجمها ومكانها وغير ذلك.
> ضرورة إزالتها عند اكتشاف وجودها خلال إجراء معالجة تدخلية لحصوات في الكلى أو الحالب المقابل.
وضمن عدد 11 أغسطس (آب) الحالي من مجلة «نيوإنغلد جورنال أوف ميديسن» (New England Journal of Medicine)، عرض باحثون من كلية الطب بجامعة واشنطن في سياتل دراستهم بعنوان «استئصال حصوات الكلى الصغيرة، غير المصحوبة بأعراض، ومعدلات عودة الانتكاس». وقال الباحثون في خلفية الدراسة: «إن فوائد الإزالة بالمنظار لحصوات الكلى الصغيرة (التي أقل من 6 ملم)، وغير المصحوبة بأعراض، لا تزال غير معروفة. وتترك الإرشادات الطبية الحالية القرار لمناقشة طبيب المسالك البولية هذا الأمر مع المريض. ولكن تشير نتائج الدراسات المنشورة سابقاً إلى أن نحو نصف حصوات الكلى الصغيرة التي تُركت في مكانها في الوقت الذي تمت فيه إزالة الحصوات الكبيرة من الكلى الأخرى، حصلت بسببها انتكاسات وأعراض لدى المريض في غضون الـ5 سنوات التالية».
وخلصوا في نتائجهم إلى أن الأفضل إزالتها، بقولهم: «إزالة حصوات الكلى الصغيرة غير المصحوبة بأعراض، أثناء الجراحة لإزالة حصوات في الكلى أو الحالب المقابل، تؤدي إلى انخفاض معدل حدوث الانتكاسات المستقبلية وعدد زيارات أقسام الإسعاف لاحقاً، مقارنة بعدم الإزالة».
وضمن فعاليات المؤتمر السنوي الماضي الـ29 لوجهات النظر في جراحة المسالك البولية، عرض البروفسور مانوج مونجا، أستاذ ورئيس قسم جراحة المسالك البولية بجامعة كاليفورنيا في سان دييغو، محاضرته بعنوان «حصوات الكلى دون أعراض: هل تعالج أم تراقب؟». وأفاد فيها بأن «تُعد حصوات الكلى من دون أعراض شائعة جداً ويتم تشخيصها في نحو مليوني مريض سنوياً. والحصوات من دون أعراض، غالباً لا تظل دون أعراض».

رصد ومتابعة
واستشهد بالبيانات المنشورة في مجلة «Journal of Endourology» التي توضح أن 26 في المائة من المرضى سيحتاجون في النهاية إلى التدخل العلاجي، و48 في المائة سيعانون من الألم، و55 في المائة سيحصل لديهم نمو حجم الحصوات تلك. وأن ذلك سيحصل خلال الأربع سنوات التالية لدى نحو 80 في المائة من أولئك المُصابين بحصوات لا تتسبب بأعراض حالياً. وخلص إلى وجوب ملاحظة الحصوات التي يقل حجمها عن 4 ملم، أما التي يتراوح حجمها بين 4 و10 ملم فيجب تفتيتها بعلاج الموجات الصدميّة (Shockwave)، بينما قد تتطلب الأحجار الكبيرة الإزالة جراحياً عبر منظار الحالب (Ureteroscopy).
وفي دراسة حديثة لباحثين من جامعتي أكسفورد ونيوكاسل، ضمن عدد 22 يونيو (حزيران) الماضي، من المجلة البريطانية لجراحة المسالك البولية (BJU International)، عرض الباحثون دراستهم حول المتابعة طويلة الأمد، لمدة تفوق 25 عاماً، للتطور الطبيعي في حالات حصوات الكلى غير المتسببة بأعراض. وقالوا في نتائجهم: «تشير المراجعة المنهجية الحالية إلى أن حجم (الحجر) ليس مؤشراً موثوقاً به في احتمال ظهور الأعراض. لأننا لم نجد أي فرق كبير في احتمالية ظهور الأعراض عند مقارنة الأحجار التي حجمها أقل من 5 ملم بتلك الأكبر من 5 ملم. ولا تلك التي حجمها أقل من 10 ملم مقارنة بالتي حجمها أكبر من 10 ملم. ومع ذلك، وجدنا بوضوح أن احتمالات الحاجة للتدخل العلاجي تكون أعلى للمرضى الذين حجم الحصاة لديهم أكبر من 5 ملم مقارنة بأولئك الذين لديهم حصاة بحجم أقل من 5 ملم. والشيء نفسه عند مقارنة حصاة أقل من 10 ملم بأخرى أكبر من 10 ملم».
وفي عدد أغسطس (آب) الحالي من مجلة حصاة الكلى (Urolithiasis)، عرض باحثون من الصين دراستهم بعنوان «هل يجب أن ندعم التدخل الوقائي لحصى الكلى دون أعراض؟ دراسة جماعية بأثر رجعي مع متابعة طويلة الأمد». وفي محصلة نتائجهم بعد متابعة لأكثر من 5 سنوات، قال الباحثون: «كان المرضى الذين خضعوا للتدخل الوقائي (Prophylactic Intervention) أقل عرضة للأحداث المرتبطة بوجود حصاة الكلى وللتدخل العلاجي المستقبلي، على الرغم من تعرضهم لبعض المضاعفات الطفيفة».

5 أعراض و5 أسباب لحصوات الكلى
> تنشأ حصوات الكلى عن ترسبات صلبة مكونة من المعادن والأملاح، عندما تتراكم داخل أي جزء من المسالك البولية (بدءاً من الكلى ووصولاً إلى المثانة). وفي الغالب، لا تتسبب بأي أعراض حتى تبدأ في التحرك داخل الكلى أو تمر في الحالبين (أنبوب يربط الكلى بالمثانة) للخروج مع البول. ووجودها في أحد الحالبين قد يمنع تدفق البول وقد يتسبب في تورم الكلى وتشنج العضلات الرقيقة للحالب، وهو ما قد يكون مؤلماً جداً، بهيئة مغص كلوي. ووفق ما تشير إليه المصادر الطبية، إليك الأعراض الـ5 التالية:
- ألم قوي وحاد في الجنب والظهر وتحت الأضلاع، أو قد ينتشر إلى أسفل البطن والمنطقة الأربية.
- ألم يأتي على هيئة موجات ويتغير في حدته.
- ألم أو شعور بالحرقان أثناء التبول.
- خروج بول باللون الوردي أو الأحمر أو البني، أو بول غائم أو كريه الرائحة.
- الحاجة المستمرة للتبول، أو التبول أكثر من المعتاد، أو التبول بكميات صغيرة، مع غثيان وقيء، وربما مع حُمّى وقشعريرة في حالة وجود عَدوى ميكروبية.
ويتحتم طلب العناية الطبية العاجلة إذا شعر المريض بأي من الـ5 أعراض التالية:
- ألم حاد للغاية يمنع من الجلوس ثابتاً أو التوصل إلى وضعية مريحة.
- ألم مصحوب بغثيان وقيء.
- ألم مصحوب بحُمَّى وقشعريرة.
- دم في البول.
- صعوبة مُجهدة لإخراج البول.
ورغم أن هناك عدة عوامل قد تزيد من خطر الإصابة بها، فإن أسباب نشوء حصوات الكلى تتنوع. ولا تتكوّن حصوات الكُلى في الغالب نتيجة سبب واحد محدد، إلا أنها تتكون غالباً عندما يصبح البول مركزاً، ما يتيح للمعادن التبلور والالتصاق ببعضها. ومن العوامل التي ترفع من احتمالات تكوينها الـ5 التالية:
- وجود تاريخ عائلي للإصابة بحصوات الكلى، أو تكونها في السابق لدى الشخص نفسه.
- جفاف الجسم عن السوائل، نتيجة عدم شرب كميات كافية من الماء يومياً (وللإشارة، فإن علامة شرب الكمية الكافية من الماء خروج بول ذي لون أصفر باهت أو شفاف)، خصوصاً مع تناول نوعيات معينة من التغذية اليومية. مثل الإكثار من البروتينات أو الملح، لمنْ عليهم ضبط ذلك. أو الأطعمة الغنية بالأوكسالات، كبعض الفواكه والخضراوات والمكسرات والشوكولاته.
- زيادة وزن الجسم والسمنة حالتان مرتبطتان بارتفاع احتمالات نشوء حصوات الكلى. وكذلك تكرار حصول التهابات البول.
- وجود أمراض أو اضطرابات في عمل الجهاز الهضمي، إما نتيجة لأحد الأمراض أو الخضوع لجراحة المعدة لإنقاص الوزن.
- تناول بعض أنواع الأدوية، كأدوية خفض حموضة المعدة، أو الأدوية المُليّنة لتسهيل الإخراج، أو بعض الأدوية المستخدمة لعلاج الصداع النصفي، أو للاكتئاب، أو الإفراط في تناول بعض الفيتامينات، مثل فيتامين سي.

* استشارية في الباطنية


مقالات ذات صلة

«أمانة» السعودية تجلي 1765 شخصاً لـ32 دولة من السودان

شمال افريقيا «أمانة» السعودية تجلي 1765 شخصاً لـ32 دولة من السودان

«أمانة» السعودية تجلي 1765 شخصاً لـ32 دولة من السودان

نقلت سفينة «أمانة» السعودية، اليوم (الخميس)، نحو 1765 شخصاً ينتمون لـ32 دولة، إلى جدة، ضمن عمليات الإجلاء التي تقوم بها المملكة لمواطنيها ورعايا الدول الشقيقة والصديقة من السودان، إنفاذاً لتوجيهات القيادة. ووصل على متن السفينة، مساء اليوم، مواطن سعودي و1765 شخصاً من رعايا «مصر، والعراق، وتونس، وسوريا، والأردن، واليمن، وإريتريا، والصومال، وأفغانستان، وباكستان، وأفغانستان، وجزر القمر، ونيجيريا، وبنغلاديش، وسيريلانكا، والفلبين، وأذربيجان، وماليزيا، وكينيا، وتنزانيا، والولايات المتحدة، وتشيك، والبرازيل، والمملكة المتحدة، وفرنسا، وهولندا، والسويد، وكندا، والكاميرون، وسويسرا، والدنمارك، وألمانيا». و

«الشرق الأوسط» (جدة)
الخليج السعودية تطلق خدمة التأشيرة الإلكترونية في 7 دول

السعودية تطلق خدمة التأشيرة الإلكترونية في 7 دول

أطلقت السعودية خدمة التأشيرة الإلكترونية كمرحلة أولى في 7 دول من خلال إلغاء لاصق التأشيرة على جواز سفر المستفيد والتحول إلى التأشيرة الإلكترونية وقراءة بياناتها عبر رمز الاستجابة السريعة «QR». وذكرت وزارة الخارجية السعودية أن المبادرة الجديدة تأتي في إطار استكمال إجراءات أتمتة ورفع جودة الخدمات القنصلية المقدمة من الوزارة بتطوير آلية منح تأشيرات «العمل والإقامة والزيارة». وأشارت الخارجية السعودية إلى تفعيل هذا الإجراء باعتباره مرحلة أولى في عددٍ من بعثات المملكة في الدول التالية: «الإمارات والأردن ومصر وبنغلاديش والهند وإندونيسيا والفلبين».

«الشرق الأوسط» (الرياض)
يوميات الشرق «ملتقى النقد السينمائي» نظرة فاحصة على الأعمال السعودية

«ملتقى النقد السينمائي» نظرة فاحصة على الأعمال السعودية

تُنظم هيئة الأفلام السعودية، في مدينة الظهران، الجمعة، الجولة الثانية من ملتقى النقد السينمائي تحت شعار «السينما الوطنية»، بالشراكة مع مهرجان الأفلام السعودية ومركز الملك عبد العزيز الثقافي العالمي (إثراء). ويأتي الملتقى في فضاءٍ واسع من الحوارات والتبادلات السينمائية؛ ليحل منصة عالمية تُعزز مفهوم النقد السينمائي بجميع أشكاله المختلفة بين النقاد والأكاديميين المتخصصين بالدراسات السينمائية، وصُناع الأفلام، والكُتَّاب، والفنانين، ومحبي السينما. وشدد المهندس عبد الله آل عياف، الرئيس التنفيذي للهيئة، على أهمية الملتقى في تسليط الضوء على مفهوم السينما الوطنية، والمفاهيم المرتبطة بها، في وقت تأخذ في

«الشرق الأوسط» (الظهران)
الاقتصاد مطارات السعودية تستقبل 11.5 مليون مسافر خلال رمضان والعيد

مطارات السعودية تستقبل 11.5 مليون مسافر خلال رمضان والعيد

تجاوز عدد المسافرين من مطارات السعودية وإليها منذ بداية شهر رمضان وحتى التاسع من شوال لهذا العام، 11.5 مليون مسافر، بزيادة تجاوزت 25% عن العام الماضي في نفس الفترة، وسط انسيابية ملحوظة وتكامل تشغيلي بين الجهات الحكومية والخاصة. وذكرت «هيئة الطيران المدني» أن العدد توزع على جميع مطارات السعودية عبر أكثر من 80 ألف رحلة و55 ناقلاً جوياً، حيث خدم مطار الملك عبد العزيز الدولي بجدة النسبة الأعلى من المسافرين بـ4,4 مليون، تلاه مطار الملك خالد الدولي في الرياض بـ3 ملايين، فيما خدم مطار الأمير محمد بن عبد العزيز الدولي بالمدينة المنورة قرابة المليون، بينما تم تجاوز هذا الرقم في شركة مطارات الدمام، وتوز

«الشرق الأوسط» (الرياض)
شمال افريقيا فيصل بن فرحان وغوتيريش يبحثان وقف التصعيد في السودان

فيصل بن فرحان وغوتيريش يبحثان وقف التصعيد في السودان

بحث الأمير فيصل بن فرحان بن عبد الله وزير الخارجية السعودي والأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، اليوم (الخميس)، الجهود المبذولة لوقف التصعيد العسكري بين الأطراف في السودان، وتوفير الحماية اللازمة للمدنيين السودانيين والمقيمين على أرضه. وأكد الأمير فيصل بن فرحان، خلال اتصال هاتفي أجراه بغوتيريش، على استمرار السعودية في مساعيها الحميدة بالعمل على إجلاء رعايا الدول التي تقدمت بطلب مساعدة بشأن ذلك. واستعرض الجانبان أوجه التعاون بين السعودية والأمم المتحدة، كما ناقشا آخر المستجدات والتطورات الدولية، والجهود الحثيثة لتعزيز الأمن والسلم الدوليين.

«الشرق الأوسط» (الرياض)

سمنة البطن مع وزن طبيعي للجسم... مشكلة صحية تستدعي الاهتمام

سمنة البطن مع وزن طبيعي للجسم... مشكلة صحية تستدعي الاهتمام
TT

سمنة البطن مع وزن طبيعي للجسم... مشكلة صحية تستدعي الاهتمام

سمنة البطن مع وزن طبيعي للجسم... مشكلة صحية تستدعي الاهتمام

تعتمد الأوساط الطبية بالعموم في تحديد «مقدار وزن الجسم» على عدد الكيلوغرامات بوصفه «رقماً»

مؤشرات وزن الجسم

يستخدم «مؤشر كتلة الجسم» BMI الذي يحسب مقدار وزن الجسم بالكيلوغرامات، مع الأخذ بالاعتبار مقدار طول الجسم بالمتر، ليعطينا «رقماً» يفصل بين 3 حالات: الحالة الطبيعية، وزيادة الوزن، والسمنة.

ونلجأ كذلك إلى قياس «محيط الخصر» WC بعدد السنتيمترات بوصفه «رقماً» يميز وجود سمنة البطن من عدم ذلك.

في السنوات الأخيرة ازداد ظهور أمراض ذات صلة بالسلوكيات غير الصحية في نمط عيش الحياة اليومية، وعادات الأكل السيئة، وتداعيات التقدم التكنولوجي الذي يفصل الناس عن ممارسة النشاط البدني. وقد ثبت تجريبياً أن العواقب الصحية السلبية لذلك تنمو على مستوى العالم بمعدل مثير للقلق. وهي تشمل السمنة Obesity، ومرض السكري من النوع 2، وأمراض القلب.

وإلى جانب ظهور «أمراض نمط الحياة» هذه، هناك انتشار زائد لمتلازمة التمثيل الغذائي Metabolic Syndrome، وهي مجموعة من الاضطرابات الأيضية في العمليات الكيميائية الحيوية التي تجري في الجسم، وترتبط بمقاومة الجسم لمفعول الإنسولين، ونشوء عمليات بطيئة ومستمرة في الالتهابات، واضطرابات الدهون في الدم (خصوصاً ارتفاع الدهون الثلاثية)، وارتفاع ضغط الدم.

«سمنة مركزية» ووزن طبيعي

ومن بين كل ذلك، تطفو السمنة البطنية (السمنة المركزية Central Obesity)، التي تتميز بزيادة كمية الأنسجة الشحمية (الشحوم الصفراء) داخل البطن، بوصفها علامة مميزة في كثير من تلك الحالات.

والسؤال الذي يتبادر للذهن: هل الأمر في شأن الأضرار الصحية مرتبط بالسمنة بوصفها حالة عامة في زيادة كتلة عموم الجسم أم أن الأمر مرتبط على وجه الخصوص بزيادة تراكم الشحوم في البطن (محيط منطقة الوسط)؟

والأدق أيضاً في طرح هذا السؤال عندما يكون لدى المرء حالة «الوزن الطبيعي مع سمنة بطنية» NWCO، أي عندما يكون وزن الجسم طبيعياً لدى الشخص بالنسبة لطوله، ولكن في الوقت نفسه لديه سمنة بطنية... هل من الممكن أن يكون هذا الشيء ضاراً ويمثل خطراً صحياً؟

والإجابة عن هذا السؤال تحتاج بداية إلى التساؤل بالأصل: هل ثمة «مشروعية طبية» لطرح مثل هذا السؤال؟

والإجابة نعم بالتأكيد، أن ثمة مشروعية طبية في طرح هذا السؤال لدواع شتى، أهمها اثنان، هما:

- الداعي الأول أن هناك أمثلة من سمنة أجزاء معينة في الجسم، ثبت أن ليس لها ضرر صحي واضح، حتى لو كان لدى الشخص ارتفاع في مقدار وزن الجسم، وارتفاع في مؤشر كتلة الجسم. وتحديداً أفادت نتائج دراسات عدة بأن سمنة شحوم الأرداف بحد ذاتها لدى النساء، ليس لها تأثير صحي ضار يوازي وجود سمنة تراكم شحوم البطن لديهن. وكذلك ثبت أن سمنة كتلة عضلات الجسم (زيادة مقدار وزن الجسم بسبب زيادة وزن كتلة العضلات فيه وليس زيادة تراكم الشحوم)، التي قد تزيد في مقدار مؤشر كتلة الجسم لتجعله ضمن نطاق السمنة، ليس لها تأثيرات سلبية مقارنة مع سمنة زيادة كتلة الشحوم في الجسم بالعموم وفي البطن على وجه الخصوص. وثبت أيضاً أن سمنة الوزن الطبيعي، مع تدني حجم كتلة العضلات، وارتفاع كتلة الشحوم Sarcopenic Obesity، لها تأثيرات ضارة لا تقل عن سمنة زيادة مؤشر كتلة الجسم.

- الداعي الآخر أن نحو 25 في المائة من البالغين ذوي الوزن الطبيعي، يُصنفون بالفعل على أن لديهم سمنة تراكم شحوم البطن، وفي الوقت نفسه يكون وزن أجسامهم طبيعياً، وفق «المجلة الطبية البريطانية BMJ» عدد 26 أبريل (نيسان) 2017. وهذه النسبة مقاربة جداً للإحصاءات الطبية في الولايات المتحدة. وفي مجتمعات أخرى ثبت أنها أعلى وفق نتائج دراسات طبية فيها. وهي نسبة مهمة بين عموم البالغين الذين قد يعتقدون أن كون مقدار وزن جسمهم طبيعياً يعني تلقائياً أنه لا ضرر متوقعاً عليهم من تراكم الشحوم في بطونهم.

دراسات سمنة البطن

والملاحظ أن الأوساط الطبية تأخرت كثيراً في الاهتمام بهذه الوضعية الصحية ومعرفة آثارها. وأيضاً تأخرت في وضع إرشادات ونصائح طبية للتعامل معها. وفي دراسة مشتركة لباحثين من جامعة آيوا، ومن كلية ألبرت آينشتاين للطب بنيويورك، ومن جامعة كاليفورنيا، ومن كلية الطب بجامعة هارفارد، ومن مركز فريد هاتشينسون لأبحاث السرطان في سياتل، تم طرح الأمر في دراسة بعنوان: «ارتباط السمنة المركزية ذات الوزن الطبيعي بالوفيات بين النساء». ونشر ضمن عدد 24 يوليو (تموز) 2019 من مجلة «شبكة جاما المفتوحة» JAMA NETWORK Open، الصادرة عن «الجمعية الطبية الأميركية» AMA.

وقال فيها الباحثون: «السمنة المركزية، التي تتميز بتراكم الشحوم في منطقة البطن بشكل مرتفع نسبياً، ارتبطت بارتفاع خطر الوفاة، بغض النظر عن مقدار مؤشر كتلة الجسم. ومع ذلك، فإن الأفراد الذين لديهم مؤشر كتلة جسم طبيعي مع السمنة المركزية يتم إهمالهم عادة في الإرشادات الإكلينيكية. وعلاوة على ذلك لا يحظى الأفراد الذين يعانون من السمنة المركزية ذات الوزن الطبيعي باهتمام كبير في وضع استراتيجيات الحد من المخاطر، مثل تعديلات نمط الحياة والتدخلات الأخرى».

ولكن حتى بين الأفراد ذوي الوزن الطبيعي، قد يكون أولئك الذين يعانون من السمنة المركزية مُعرّضين لخطر زائد للوفاة بسبب تراكم الشحوم المفرط في البطن. وفي نتائج دراستهم التي شملت أكثر من 160 ألف امرأة أفادوا بالقول: «ارتبطت السمنة المركزية ذات الوزن الطبيعي بارتفاع خطر الإصابة بأمراض القلب والأوعية الدموية والوفاة بالسرطان، مقارنة بالوزن الطبيعي دون السمنة المركزية».

عوامل خطر أيضية قلبية

ومن ثمّ بدأت تصدر دراسات طبية من مناطق مختلفة من العالم حول هذا الأمر. وعلى سبيل المثال، نذكر دراسة حديثة من الصين، وأخرى من بنما.

وفي دراسة بعنوان: «ارتباط السمنة المركزية ذات الوزن الطبيعي بارتفاع ضغط الدم»، تم نشرها العام الماضي، عدد 8 مارس (آذار) 2023 من مجلة «BMC» لاضطرابات القلب والأوعية الدموية، لباحثين من الصين، أفادوا بالقول: «السمنة المركزية ذات الوزن الطبيعي (NWCO) هي حالة أيضية تم وصفها أخيراً في عدد قليل من الدراسات. ويتم تجاهل الأفراد المصابين بها بسهولة في الرعاية الصحية الروتينية، بسبب التركيز الصارم على مؤشر كتلة الجسم».

وأضافوا: «قد يكون لدى الفرد ذي الوزن الطبيعي نسبة شحوم كبيرة في الجسم، وهو ما لا يظهر عندما يكون مقدار مؤشر كتلة الجسم طبيعياً. وتشير الأدلة الموجودة إلى أن السمنة المركزية، التي تتميز بالتراكم المرتفع نسبياً للشحوم في البطن، ترتبط ارتباطاً أقوى بعوامل الخطر الأيضية القلبية من السمنة العامة، وحتى بين الأفراد ذوي الوزن الطبيعي». وخلصوا في نتائجهم إلى القول: «ترتبط السمنة المركزية، كما هو محدد بواسطة محيط الخصر، بزيادة خطر الإصابة بارتفاع ضغط الدم لدى البالغين ذوي مؤشر كتلة الجسم الطبيعي».

وضمن عدد يونيو (حزيران) 2022 من مجلة «لانسيت للصحة الإقليمية - بالأميركتين» The Lancet Regional Health - Americas، نشر باحثون من كلية الطب بجامعة بنما، حول انتشار السمنة المركزية والتعرف على مدى وجود عوامل الخطر القلبية الأيضية Cardiometabolic risk لديهم.

ويتم تعريف مخاطر القلب والأيض على أنها مجموعة من التشوهات في العمليات الأيضية الكيميائية الحيوية، وفي القلب، وفي الأوعية الدموية، بما في ذلك السمنة البطنية، ومقاومة الإنسولين، وارتفاع ضغط الدم، واضطرابات الكولسترول، ودهون الدم، وتصلب الشرايين، التي تجعل الأفراد أكثر عرضة للإصابة بأمراض القلب، والأوعية الدموية، ومرض السكري من النوع 2.

ولاحظوا أن باستخدام مؤشر «نسبة الخصر إلى الطول»WHtR، كان معدل انتشار السمنة البطنية نحو 44 في المائة بين الذين بالأساس لديهم مؤشر كتلة الجسم طبيعياً. وقالوا في نتائجهم: «ارتبطت السمنة البطنية مع الوزن الطبيعي للجسم بعوامل الخطر القلبية الوعائية، خصوصاً مع ارتفاع تركيز الدهون الثلاثية. قد يكون تقييم السمنة البطنية على مستوى الرعاية الصحية الأولية تقنية مفيدة لتحديد الأشخاص ذوي الوزن الطبيعي مع خصائص السمنة الأيضية».

ولذا إذا أردنا ألا نفقد متابعة هذه الفئة من الناس، فيجدر قياس محيط الوسط مع قياس وزن الجسم وحساب مؤشر كتلة الجسم، والالتفات إلى كليهما في التقييم الإكلينيكي. وللتوضيح، على الرغم من حقيقة أن مؤشر كتلة الجسم يتم استخدامه على نطاق واسع لتحديد السمنة في الممارسة الإكلينيكية، فإن أحد القيود المهمة لمؤشر كتلة الجسم هو أنه لا يميز بين أشكال مكونات تركيبات أجزاء الجسم المختلفة، حيث قد يكون لدى الفرد ذي الوزن الطبيعي نسبة شحوم متزايدة في منطقة من الجسم، ولكنها قد تكون مخفية بالقيمة الطبيعية لمؤشر كتلة الجسم.

وحتى بين الأفراد ذوي الوزن الطبيعي، فإن أولئك الذين لديهم نسبة عالية من الشحوم في الجسم، لديهم انتشار أعلى لمتلازمة التمثيل الغذائي ومكوناتها من أولئك الذين لديهم مؤشر كتلة جسم طبيعي، ونسبة شحوم في الجسم طبيعية.

25 % من البالغين ذوي الوزن الطبيعي لديهم سمنة تراكم شحوم البطن

تشخيص السمنة بالأساس مجرد حسابات من الأرقام

* عند التكلم عن السمنة في جانب التشخيص، علينا ابتداءً استخدام لغة الأرقام. ومن بين عدة «طرق» مطروحة لدى الأوساط العلمية والطبية، يظل «الأشهر»، و«الأقرب» هو الطرق الأربع التالية في تقييم وزن الجسم والسمنة:

- حساب «مؤشر كتلة الجسم» BMI يتم بقسمة مقدار الوزن بالكيلوغرامات على مربع طول الجسم بالمتر. و«الطبيعي» أن يكون مؤشر كتلة الجسم ما بين 20 إلى 25، أما ما بين 25 و30 فهو «زيادة في الوزن»، وما بين 30 إلى 35 فهو «سمنة»، وما بين 35 و40 فهو «سمنة شديدة»، وما فوق ذلك هو «سمنة مفرطة».

- حساب محيط الخصر Waist Circumference هو طريقة مهمة في تقييم سمنة البطن بالذات. وبدقة، يتم قياس محيط الخصر عند مستوى منتصف المسافة بين أدنى ضلع ملموس وبين الحافة الحرقفية لأعلى قوس عظمة الحوض، وذلك تقريباً أعلى قليلاً من السرّة، بعد إخراج هواء الزفير من النفس، أي قياس محيط أصغر جزء من الخصر. ولكن تجدر ملاحظة أن محيط الخصر يختلف في المجتمعات الجغرافية المختلفة وفق متوسط الطول فيها وعموم حجم الجسم.

ووفقاً للمعاهد الوطنية للصحة في الولايات المتحدة NIH، فإن محيط الخصر الذي يزيد على 102 سنتيمتر (40 بوصة) للرجال ويزيد على 88 سنتيمتراً (35 بوصة) للنساء (غير الحوامل)، هو سمنة البطن. بينما لدى ذوي الأصول من جنوب شرقي آسيا، فإن الطبيعي نحو 94 سنتيمتراً (37 بوصة) للرجال و80 سنتيمتراً (31 بوصة) للنساء. ولذا تحتاج المجتمعات المختلفة دراسات لتقييم الطبيعي وغير الطبيعي في ذلك.

- حساب نسبة محيط الخصر إلى محيط الورك WHR. ومحيط الورك Hip Circumference يختلف عن محيط الخصر، حيث إن محيط الورك هو قياس محيط الجزء الأكبر من الوركين، أي الجزء الأوسع من كتلة الأرداف. والطبيعي أن تكون تلك النسبة أقل من 0.95 للرجال، وأقل من 0.80 للنساء. وما فوق ذلك فهو سمنة. وهي طريقة يتم بها التغلب على وجود حجم أكبر في الأرداف التي تكون الشحوم فيها مختلفة عن نوعية الشحوم التي في البطن. وتحديداً شحوم بيضاء في الأرداف، وشحوم صفراء في البطن.

- حساب نسبة الخصر إلى الطول WHtR: يكون بقسمة مقدار محيط الخصر على مقدار الطول. والطبيعي أن يكون أقل من 0.5، وما فوق ذلك هو سمنة. وهي طريقة يتم من خلالها التغلب على الاختلافات العرقية في متوسط الطول لدى غالبية الناس في المجتمعات المختلفة.