خلافات السياسيين تفجّر أزمة بلدية طرابلس وتشلّ عملها

المجلس البلدي يسحب الثقة من رئيسه بعد رفضه الاستقالة

رجل دين يمر أمام صورتين لرئيس الحكومة نجيب ميقاتي في مدينة طرابلس في يناير (كانون الثاني) العام الماضي (رويترز)
رجل دين يمر أمام صورتين لرئيس الحكومة نجيب ميقاتي في مدينة طرابلس في يناير (كانون الثاني) العام الماضي (رويترز)
TT

خلافات السياسيين تفجّر أزمة بلدية طرابلس وتشلّ عملها

رجل دين يمر أمام صورتين لرئيس الحكومة نجيب ميقاتي في مدينة طرابلس في يناير (كانون الثاني) العام الماضي (رويترز)
رجل دين يمر أمام صورتين لرئيس الحكومة نجيب ميقاتي في مدينة طرابلس في يناير (كانون الثاني) العام الماضي (رويترز)

تحوّلت بلدية طرابلس (شمال لبنان) من مؤسسة معنيّة بحلّ مشاكل أبناء المدينة وسكّانها وتقديم الخدمات لهم، إلى مشكلة مستعصيّة عمّقت معاناة الناس وغيّبت الخدمات الأساسية عن المدينة الأكثر فقراً على شاطئ البحر المتوسّط.
وما زاد من حدّة الأزمة قرار المجلس البلدي بسحب الثقة من رئيسه الدكتور رياض يمق، وإقالته من منصبه بعد رفضه تقديم استقالته انسجاماً مع رغبة أغلبية الأعضاء. كما أنه رفضه أيضاً الدعوة التي وجهها إليه محافظ الشمال القاضي رمزي نهرا للاستقالة، باعتبار أن تمديد مهامه بعد مضي ثلاث سنوات على وجوده في رئاسة البلدية غير قانوني. وكان المجلس البلدي عقد جلسة في الأول من أغسطس (آب) الحالي، سحب خلالها الثقة من رئيس البلدية رياض يمق ونائبه، وأعقب هذه الخطوة قرار أصدره المحافظ نهرا، كلّف بموجبه أكبر الأعضاء سناً بتصريف الأعمال في البلدية والقيام بمهام الرئاسة بصورة مؤقتة «حفاظاً على استمرارية العمل بالمرفق العام ومن أجل تسيير الأعمال لحين انتخاب رئيس بديل».
وحمّل الرئيس المُقال مرجعيات سياسية في المدينة، خصوصاً رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي ووزير الداخلية في حكومته بسام المولوي والمحافظ رمزي نهرا، مسؤولية ما آلت إليه الأمور وانعكاساتها على الواقع الاجتماعي في طرابلس. وأكد لـ«الشرق الأوسط» أن «جلسة سحب الثقة غير قانونية، لأن القرار الصادر عن الحكومة والمجلس النيابي الذي مدد سنة إضافية للمجالس البلدية والاختيارية، شمل أيضاً الرئيس ونائب الرئيس، وكلّ بلديات لبنان تعاملت مع قرار التمديد على هذا الأساس». وشدد على أن «تضارب مصالح القوى السياسية في طرابلس فجّر أزمة البلدية، بحيث إن كلّ فريق يريد رئيس بلدية ونائب رئيس مقّربين منه»، مستغرباً الإصرار على طرح الثقة به رغم أن مجلس شورى الدولة أقرّ بأحقية التمديد له ولنائبه، مبدياً أسفه لأن «وزير الداخلية والمحافظ لم يأخذا بالاعتبار قرار مجلس الشورى، ولم يسمحا للبلدية بأن تكمل أعمالها، وهما يتحملان المسؤولية».
ويبرر خصوم يمق قرار إقالته بأن «قرار التمديد للمجالس البلدية والاختيارية لا يعني التمديد لولاية الرئيس ونائب الرئيس اللذين ينتخبهما الأعضاء حصراً». ويؤكدون أن «إصرار يمق على ترؤس البلدية عطلّ كل الجلسات التي دعا إليها وأبقى الأعضاء في جبهة المقاطعة إلى حين سحب الثقة منه وانتخاب رئيس جديد، ما جعل البلدية عاجزة حتى عن إقرار بنود شراء مازوت لمركباتها، وتعطيل عمل البلدية بالكامل».
وقبل أن يبتّ مجلس شورى الدولة بمراجعة الطعن بجلسة سحب الثقة، أخذ قرار المحافظ طريقه إلى التنفيذ. وقال يمق: «طلبنا منهم استمهال طرح الثقة إلى حين صدور قرار عن مجلس الشورى كي لا نترك فراغاً في البلدية، لكنهم رفضوا وذهبوا إلى نزع الثقة وعينوا العضو الأكبر سناً، علماً بأن الأخير لا يستطيع التوقيع على المعاملات المالية وتسهيل دفع رواتب الموظفين، لأن مصرف لبنان لا يعترف بتوقيعه».
من جهته، قلل رئيس البلدية بالتكليف أحمد قمر الدين من حجم الخلاف بين أعضاء المجلس البلدي والرئيس المقال، وأوضح لـ«الشرق الأوسط» أن «المأخذ على الدكتور يمق يكمن في سوء الإدارة وعدم تنفيذ قرارات المجلس البلدي، وهو ما أدى إلى هدر المال العام، وانعكس سلباً على عمل البلدية وساهم في ذلك سوء الأوضاع الاقتصادية التي يعيشها البلد». ورفض قمر الدين أي اتهام للرئيس المقال بـ«اختلاس المال العام العائدة للبلدية، وكلّ ما في الأمر سوء إدارة فاقم أزمة البلدية».
ونفى قمر الدين وجود خلاف مستحكم بين يمق وأعضاء المجلس، لكنه لفت إلى «وجود خلافات بوجهات النظر حول بعض المواضيع، من هنا ارتأى أعضاء البلدية تبديله بعد ثلاث سنوات على رئاسته للبلدية، إذ إن قانون البلديات يجيز للمجلس طرح الثقة برئيسه بعد ثلاث سنوات». ورأى أنه «من حقّ يمق أن يطعن بقرار إقالته، ولذلك أرسل كتاباً إلى مجلس شورى الدولة طلب فيه إبطال قرار سحب الثقة منه». وشدد على أن «مهمته المؤقتة على رأس البلدية ستركز على إعادة العلاقة مع الموظفين والعمّال وإطلاق دروة العمل الطبيعية في البلدية من جديد». وقال: «الأولوية الآن هي للبحث عن حلول تبدأ بتأمين البنزين والمازوت للآليات». وأضاف: «سنزور رئيس الحكومة (نجيب ميقاتي) ووزير الداخلية (بسام مولوي) والمحافظ (رمزي نهرا)، ونعرض معهم لمشاكل البلدية والحلول المؤقتة والسريعة».
وتتسع مسافة التباعد بين أبناء المدينة والمجلس البلدي الغارق في خلافاته، رغم الظروف الصعبة التي يعيشها الناس. ويعتبر السياسي توفيق سلطان، ابن مدينة طرابلس، أن «المشكلة الأولى والأخيرة تكمن في قانون البلديات، الذي يسمح لأركان السلطة السياسية بأن تجتمع وتعيّن ممثليها في المجالس البلدية، وتطلب من المواطنين انتخابهم»، مشيراً إلى أنه «عند نشوب خلافات بين أهل السلطة ينعكس ذلك على البلديات التي سرعان ما تتشرذم وتتعطّل». وقال سلطان لـ«الشرق الأوسط»: «أزمة البلدية في طرابلس تعبّر بوضوح عن غياب المرجعية السياسية الفاعلة في طرابلس». واستغرب كيف أن «رئيس الحكومة (نجيب ميقاتي) ابن طرابلس غائب الآن عن مدينته رغم مآسيها». وجدد المطالبة بـ«انتخاب رئيس البلدية من الشعب، لأنه يشكل السلطة التنفيذية، وألّا تبقى هذه السلطة بيد المحافظ كما هي الحال الآن».


مقالات ذات صلة

رحيل الموسيقار اللبناني إيلي شويري

المشرق العربي رحيل الموسيقار اللبناني إيلي شويري

رحيل الموسيقار اللبناني إيلي شويري

تُوفّي الموسيقار اللبناني إيلي شويري، عن 84 عاماً، الأربعاء، بعد تعرُّضه لأزمة صحية، نُقل على أثرها إلى المستشفى، حيث فارق الحياة. وأكدت ابنته كارول، لـ«الشرق الأوسط»، أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي، قبل أن تعلم به العائلة، وأنها كانت معه لحظة فارق الحياة.

المشرق العربي القضاء اللبناني يطرد «قاضية العهد»

القضاء اللبناني يطرد «قاضية العهد»

وجّه المجلس التأديبي للقضاة في لبنان ضربة قوية للمدعية العامة في جبل لبنان القاضية غادة عون، عبر القرار الذي أصدره وقضى بطردها من القضاء، بناء على «مخالفات ارتكبتها في إطار ممارستها لمهمتها القضائية والتمرّد على قرارات رؤسائها والمرجعيات القضائية، وعدم الامتثال للتنبيهات التي وجّهت إليها». القرار التأديبي صدر بإجماع أعضاء المجلس الذي يرأسه رئيس محكمة التمييز الجزائية القاضي جمال الحجار، وجاء نتيجة جلسات محاكمة خضعت إليها القاضية عون، بناء على توصية صدرت عن التفتيش القضائي، واستناداً إلى دعاوى قدمها متضررون من إجراءات اتخذتها بمعرض تحقيقها في ملفات عالقة أمامها، ومخالفتها لتعليمات صادرة عن مرجع

يوسف دياب (بيروت)
المشرق العربي جعجع: فرص انتخاب فرنجية للرئاسة باتت معدومة

جعجع: فرص انتخاب فرنجية للرئاسة باتت معدومة

رأى رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع أن فرص انتخاب مرشح قوى 8 آذار، رئيس تيار المردة سليمان فرنجية، «باتت معدومة»، مشيراً إلى أن الرهان على الوقت «لن ينفع، وسيفاقم الأزمة ويؤخر الإصلاح». ويأتي موقف جعجع في ظل فراغ رئاسي يمتد منذ 31 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، حيث فشل البرلمان بانتخاب رئيس، وحالت الخلافات السياسية دون الاتفاق على شخصية واحدة يتم تأمين النصاب القانوني في مجلس النواب لانتخابها، أي بحضور 86 نائباً في دورة الانتخاب الثانية، في حال فشل ثلثا أعضاء المجلس (86 نائباً من أصل 128) في انتخابه بالدورة الأولى. وتدعم قوى 8 آذار، وصول فرنجية إلى الرئاسة، فيما تعارض القوى المسيحية الأكثر

«الشرق الأوسط» (بيروت)
المشرق العربي بخاري يواصل جولته على المسؤولين: الاستحقاق الرئاسي شأن داخلي لبناني

بخاري يواصل جولته على المسؤولين: الاستحقاق الرئاسي شأن داخلي لبناني

جدد سفير المملكة العربية السعودية لدى لبنان، وليد بخاري، تأكيد موقف المملكة من الاستحقاق الرئاسي اللبناني بوصفه «شأناً سياسياً داخلياً لبنانياً»، حسبما أعلن المتحدث باسم البطريركية المارونية في لبنان بعد لقاء بخاري بالبطريرك الماروني بشارة الراعي، بدأ فيه السفير السعودي اليوم الثاني من جولته على قيادات دينية وسياسية لبنانية. وفي حين غادر السفير بخاري بكركي من دون الإدلاء بأي تصريح، أكد المسؤول الإعلامي في الصرح البطريركي وليد غياض، أن بخاري نقل إلى الراعي تحيات المملكة وأثنى على دوره، مثمناً المبادرات التي قام ويقوم بها في موضوع الاستحقاق الرئاسي في سبيل التوصل إلى توافق ويضع حداً للفراغ الرئا

«الشرق الأوسط» (بيروت)
المشرق العربي شيا تتحرك لتفادي الفراغ في حاكمية مصرف لبنان

شيا تتحرك لتفادي الفراغ في حاكمية مصرف لبنان

تأتي جولة سفيرة الولايات المتحدة الأميركية لدى لبنان دوروثي شيا على المرجعيات الروحية والسياسية اللبنانية في سياق سؤالها عن الخطوات المطلوبة لتفادي الشغور في حاكمية مصرف لبنان بانتهاء ولاية رياض سلامة في مطلع يوليو (تموز) المقبل في حال تعذّر على المجلس النيابي انتخاب رئيس للجمهورية قبل هذا التاريخ. وعلمت «الشرق الأوسط» من مصادر نيابية ووزارية أن تحرك السفيرة الأميركية، وإن كان يبقى تحت سقف حث النواب على انتخاب رئيس للجمهورية لما للشغور الرئاسي من ارتدادات سلبية تدفع باتجاه تدحرج لبنان من سيئ إلى أسوأ، فإن الوجه الآخر لتحركها يكمن في استباق تمدد هذا الشغور نحو حاكمية مصرف لبنان في حال استحال عل

محمد شقير (بيروت)

إسرائيل تملأ غياب هوكستين بالغارات والتوغلات

دبابة إسرائيلية على مثلث مرجعيون - ديرميماس - القليعة قرب نهر الليطاني بجنوب لبنان (متداول)
دبابة إسرائيلية على مثلث مرجعيون - ديرميماس - القليعة قرب نهر الليطاني بجنوب لبنان (متداول)
TT

إسرائيل تملأ غياب هوكستين بالغارات والتوغلات

دبابة إسرائيلية على مثلث مرجعيون - ديرميماس - القليعة قرب نهر الليطاني بجنوب لبنان (متداول)
دبابة إسرائيلية على مثلث مرجعيون - ديرميماس - القليعة قرب نهر الليطاني بجنوب لبنان (متداول)

تملأ إسرائيل غياب الموفد الرئاسي الاميركي آموس هوكستين الذي يحمل مبادرة أميركية لوقف إطلاق النار، بالغارات العنيفة، وتوسعة رقعة التوغل البري الذي وصل إلى مشارف مجرى نهر الليطاني، في محاولة لفصل النبطية عن قضاء مرجعيون.

وفيما انتقل هوكستين إلى واشنطن من دون الإدلاء بتصريحات حول زيارته إسرائيل، أكدت مصادر لبنانية لـ«الشرق الأوسط» أنَّ الموفد الأميركي «بقيَ على تواصل مع المفاوضين اللبنانيين»، مشيرة إلى أنَّ المحادثات لوقف النار «تتقدم ببطء، لكن بثبات في اتجاه إيجابي».

ميدانياً، وصلت القوات الإسرائيلية إلى بلدة ديرميماس، انطلاقاً من بلدة كفركلا، ما يعني أنَّها سارت على طريق لنحو 5 كيلومترات في العمق اللبناني، لتصل إلى مشارف الليطاني، بعد تمهيد ناري بالمدفعية وغارات جوية نفذتها طائرات حربية ومسيّرات. وقال «حزب الله»، في المقابل، إنَّه استهدف تلك القوات في النقاط التي وصلت إليها.

بالموازاة، كثفت إسرائيل غاراتها الجوية على ضاحية بيروت الجنوبية، واستهدفت الأحياء المسيحية المقابلة للضاحية في عين الرمانة والحدت، وهي خطوط التماس السابقة في الحرب اللبنانية، وذلك عقب إنذارات وجهها الجيش للسكان بإخلاء الأبنية.