شارع «الفراهيدي» في البصرة يحاكي «المتنبي» ويجذب النساء والأطفال

أصبح للمدينة متنفسها الثقافي رغم ارتفاع حرارة الجو

شارع للثقافة والكتاب
شارع للثقافة والكتاب
TT

شارع «الفراهيدي» في البصرة يحاكي «المتنبي» ويجذب النساء والأطفال

شارع للثقافة والكتاب
شارع للثقافة والكتاب

فكرة تبلورت إلى حقيقة وأصبح في البصرة متنفس ثقافي بعد أعوام من العزلة في مدينة كانت مهدا لحضارة أمة وواجهة مشرقة لثقافة بلد، شارع الفراهيدي وسط البصرة جزء مصغر يحاكي شارع المتنبي الذي يضم كل يوم جمعة نخبة كبيرة من المثقفين العراقيين.
الخليل بن أحمد الفراهيدي ذلك العالم الملقب بـ«شيخ علماء المدرسة البصرية»، وواضع علم العروض، وبعد قرابة القرن ونصف القرن على وفاته عاد إلى البصرة مجددا من خلال شارع ثقافي يضم مجموعة من الفعاليات ليصبح مكانا يستقطب ليس المثقفين فقط وإنما حتى النسوة والأطفال.
صفاء الضاحي، مؤسس فريق إنجاز، المنفذ لفكرة شارع الفراهيدي، قال في حديث لـ«الشرق الأوسط» إن «شارع الفراهيدي للثقافة والكتاب صرح ثقافي ولد من رحم المعاناة والحرمان الفني والأدبي والثقافي في بصرتنا الفيحاء، بجهود وتكاتف الجميع نجحنا وسننجح أكثر، حيث كنا في الفريق تسعة أشخاص، وإن أخذ الموافقات الرسمية استمر ثلاثة أشهر، ليخرج لنا هذا المكان الذي نتمنى أن يكون صرحا كبيرا في البصرة».
وأضاف أن «عدد المتطوعين للعمل ازداد بشكل كبير وخلال مدة وجيزة جدا، وشاركنا بالعمل مثقفين وناشطين مدنيين بالتعاون مع اللجنة الثقافية في مجلس المحافظة، ونحن مقبلون على الأسبوع الثالث (الجمعة الثالثة) نتوقع ارتفاع عدد العاملين بشكل تطوعي مع ارتفاع أعداد الزوار للمكان»، لافتا إلى أن «هناك عددا كبيرا من الفعاليات ستقام وستستحدث خلال الفترة المقبلة».
شارع الفراهيدي، بالإضافة إلى أنه مكان لبيع الكتب، شهد مجموعة من الفعاليات الثقافية الأخرى ومنها معرض للصور الفوتوغرافية.
وقال الشاعر كاظم الحجاج في حديث لـ«الشرق الأوسط» إنه «من الخطأ الجسيم أن يقال بأن شارع الفراهيدي تقليد لشارع المتنبي في العاصمة بغداد، فأغلب البصريين يتذكرون سوق الجمعة، ذلك السوق الشهير الذي تباع به الكتب في خمسينات القرن الماضي».
وأضاف أن «البصرة مقبلة على أن تكون عاصمة للثقافة العربية؛ لذا نطالب الحكومة المحلية في المدينة بدعم شارع الفراهيدي وبقوة».
كما شهد شارع الفراهيدي إقامة عدد من المعارض للفن التشكيلي، لكنها كانت بشكل فردي بعيدة عن جمعية الفنانين التشكيلين في البصرة التي ترى أن الفكرة جيدة لكنها تحتاج إلى مكان أكثر تنظيما تتوفر به البنى التحتية لإقامة فعاليات ثقافية عدة.
وقال رئيس الجمعية النحات أحمد السعد، إن «فكرة شارع يحاكي المتنبي في بغداد يكون مكانا للفعاليات الثقافية أمر جيد، لكن اختيار المكان في حديقة عامة بمنطقة (العباسية) تفتقر للخدمات والبنى التحتية لإقامة الفعاليات الثقافية نعتقد أنه أثر عليها».
وأضاف: «نتمنى أن يكون المكان المخصص وبالتعاون مع الحكومة المحلية هو منطقة (البجاري) حيث مقهى الأدباء ومحال بيع الكتب والمطابع، ويوجد بها بنى تحتية نوعا ما جيدة ومقاربة لما هو موجود في شارع المتنبي».
للمرأة والأطفال الحضور الواضح في شارع الفراهيدي سواء بالمشاركة أو المساندة.
وقالت سهيلة الزبيدي، مدرسة، في حديث لـ«الشرق الأوسط» إن «فكرة وجود مكان خاص بالمثقفين في محافظة البصرة أمر جيد، وخصوصا خلال أيام العطل كالجمعة؛ إذ نجد به المتنفس والعودة إلى قراءة الكتب من جديد».
وأضافت: «حتى أطفالنا راقت لهم الفكرة حيث تحتوي فعاليات الشارع على مسابقات ثقافية وعلمية يتمتع بها الكل، بالإضافة لوجود الألعاب في الحديقة».
يذكر أن الحكومة العراقية كانت قد رشحت البصرة لتكون عاصمة للثقافة العربية عام 2018، بعد أن كانت عاصمة للثقافة العراقية في عام 2009.



ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».