فرح أنطون... نصوص جديدة له تبصر النور

100 عام على رحيل المفكر النهضوي اللبناني

فرح أنطون... نصوص جديدة له تبصر النور
TT

فرح أنطون... نصوص جديدة له تبصر النور

فرح أنطون... نصوص جديدة له تبصر النور

أكثر من فعالية هذا العام في لبنان، موضوعها المفكر النهضوي فرح أنطون، بمناسبة الذكرى المئوية لوفاته.
وهو وإن بدا أديباً متنوع المواهب، كتب في العديد من الأجناس كما جرت عادة أبناء جيله، غير أن صفته الرئيسية تبقى المصلح الذي حمّل نصوصه رؤيته الطموحة لبناء مجتمع إنساني متطور تسوده القيم، وتحكمه القوانين. في المقالة كما الرواية والمسرحية والقصة وكذلك ترجماته، له همّ سياسي واجتماعي، ويريد لكلمته أن تحفر في صخر مستقبل الأجيال وحاضرها.

وصفه مارون عبود بأنه «أبو النهضة الفكرية الحديثة في المشرق العربي». واعتبره سلامة موسى: «الفاتح لدراسة النهضة الأوروبية الحديثة، وناشر الأفكار الديمقراطية الحرة، ومن أوائل من عرّفوا بالمذاهب السياسية والاجتماعية الحديثة في المشرق العربي». أما فرح أنطون نفسه فاعتبر أن مسؤوليته تجاه وطنه ومجتمعه هي أن يعمل من أجل تحقيق انتقال جذري سريع من «الحالة الشرقية» إلى «الحالة الغربية»، أي الخروج من وضعية «النوم الطويل»، على حد تعبيره. كتب أنطون: «طالما أن الشرق لا يريد الأخذ بالعناصر الحيوية المناسبة التي كانت في أساس انطلاق الغرب في معارج النهضة، فإن أي محاولة لتغيير العقلية الشرقية ستظل محكومة بالفشل الذريع.

الهرب إلى الإسكندرية

وفرح أنطون الذي ولد في طرابلس شمال لبنان عام 1874. وتلقى دروسه هناك. كان في الثالثة والعشرين، حين قرر الهرب إلى الإسكندرية، بسبب القمع العثماني، حيث أنشأ مجلته «الجامعة العثمانية» وقرنها بمجلة أخرى للأسرة أوكلها إلى أخته روز زوجة الكاتب نقولا الحداد. ثم اضطر للهجرة إلى أميركا، لإصدار أعداد من مجلة «الجامعة»، لكنها سرعان ما توقفت، وهوجم وقامت ضده حملة شعواء ليعود إلى مصر.

كتاب تكريمي

وأخيراً، أصدر الباحث أحمد أصفهاني كتاباً جمع فيه كتابات غير منشورة لفرح أنطون كانت قد بقيت متفرقة في مجلة «السيدات والبنات» التي صدرت بين عامي 1903 و1906 في الإسكندرية. وكانت المجلة خلال هذه الفترة تغيب وتعاود الظهور، إلا أن صدورها بقي مرتبطاً بمجلة «الجامعة»، التي غابت كلياً بعد سفر أنطون إلى أميركا.
وصدر الكتاب الجديد عن «در نلسن» في بيروت، حاملاً عنوان «في الذكرى المئوية الأولى لوفاته فرح أنطون قصص ونصوص غير منشورة (1903 - 1906)».
وكان فرح أنطون يكتب بشكل دائم، في المجلة النسائية «السيدات والبنات» موقعاً مقالاته بثلاثة نجوم. وجمع هذه النصوص اليوم، يوضح للقارئ، أن هذا الكاتب الذي عرف بدعوته للعلمانية، واستلهام الغرب، وتأثره بغير بيئته، كان من جهة أخرى، محافظاً في بعض المواقف، خاصة فيما يعني النساء. فهو وإن كان لا يمانع عمل المرأة، إلا أنه يرى الأجدى أن تهتم بأسرتها وبيتها.
نقرأه في أحد نصوص الكتاب، يقول عن النساء العاملات وغير العاملات: «أنا أحترم الفريقين احتراماً متساوياً، إذ لكل فريق غرض شريف وضرورة أحياناً لا بدّ منها. ولكن إذا بحثتِ في أعماق قلبي وجدتِ أنني أفضّل بنت البيت. أفضل البنفسجة المستترة بين الأعشاب يشمّ الناس رائحتها دون أن يروها. أفضّل الوردة الجميلة الغضة المستترة وراء أشواك المعيشة المنزلية ومتاعبها الشاقة تنشر رائحتها الطيبة على أهلها ومنزلها، وتضحي بنفسها في هذا السبيل الذي لا بدّ منه لعمار الكون وتلطيف العادات وإيجاد السعادة الحقيقية».
النصوص الجديدة، توضح كم حاول المفكر أن يبحث عما يناسبه في الغرب، وكيف كان عنيداً في رفض ما لا يعتقده مفسداً، معتمداً على الكتّاب الغربيين. في أحد النصوص التي تم الكشف عنها نقرأ: «الرقص (عربياً كان أو إفرنجيا) من العادات غير الحسنة التي لا نتمنى انتشارها في البلاد. على أنها آخذة في الانتشار أردنا ذلك أو لم نرده. وكثيرون من عقلاء أوروبا لا يستنكرون هذه العادة متى كان المقصود بها رياضة جسدية للسيدات، ولكن إذا كان المقصود بها ما يُقصد بها اليوم من التسلي (وأحياناً الخلاعة) فإن عقلاءهم يستنكرونها». ولتأكيد رأيه يستشهد أنطون بالفيلسوف جول سيمون الذي يقول: «من الأسف أن اختيار العروس أو العريس يكون في حفلات الرقص بعد دورة من البولكا أو الفالس. ونحن نقول إن ذلك من الأسف ألف مرة خصوصاً في بلادنا. لأن بعض المدموازلات حتى الأمهات، صرن يعتقدن أن الابنة لا تجد نصيبها إلا في حفلات كهذه الحفلات».

أفكاره حول النساء

بالطبع لا بد من وضع أنطون في إطاره الزمني الذي وجد فيه. وهو نسبة إلى غيره من المفكرين، كان يبدو مغالياً في مطالبته بحقوق للنساء، لكن بقراءة متأنية، لا يبدو الرجل مقلداً للغرب دون قيود. فرأيه في المساواة بين الجنسين أكبر دليل على ذلك. «جميعهم متساوون» يقول، لكن سرعان ما يستدرك: «الحق أقول لك لا بدّ للمرأة أن تكون أكمل من الرجل. فإنها أولاً، أقدر منه على ذلك لبعدها عن جهاد الحياة. ثم إنها في هذا العالم مثال الرقة واللطف والحنو والرأفة والجمال والكمال، فإذا تشوّه هذا المثال أقفرت الأرض من هذه الفضائل وصارت الإقامة فيها كريهة. إذ من يقوم مقامها حينئذٍ في الأرض وأي جمال يبقى فيها. وما عدا هذا فإن المرأة سرير النسل ومهد الإنسانية. ويجب أن يكون مهد الإنسانية مقدساً بالغاً حدّ الكمال».
الكتاب مكون من 270 صفحة، يتضمن، مقدمة وتمهيداً، وكتابات حول «المسائل الفكرية»، وعن «المدارس التي نحتاج إليها» وكان أنطون كما كل الإصلاحيين قد أولى التعليم أهمية كبرى، وهناك قسم لـ«الأدب»، وكتابات عن «النساء المظلومات»، وآخر يضم «القصص الشهرية» و«مسائل اجتماعية». تنبع أهمية هذه النصوص بالنسبة للباحث أصفهاني من أمرين: أنها تشمل المقال والقصة القصيرة والحوار والترجمات وغالبيتها غير منشورة سابقاً، وأنها جاءت في خضم المعركة الفكرية التي خاضها أنطون حول ابن رشد ونشبت بينه وبين الشيخ محمد عبده بين (1849 - 1905). إضافة إلى أن المهتمين بأنطون قليلاً، ما نظروا إلى كتاباته التي نشرها في «السيدات والبنات» على أهميتها وكثرتها.

الاستشهاد بالمفكرين الغربيين

اللافت أن أنطون حتى في مجلته «الجامعة العثمانية» كان مهتماً بموضوع النساء، مستشهداً بمقولة لجان جاك روسو «يكون الرجال كما يريد النساء، فإذا أردتم أن يكونوا عظماء وفضلاء، فعلّموا النساء، ما هي العظمة والفضيلة». أما المقولة الثانية التي يستشهد بها فرح فهي من السياسي والمفكر الفرنسي جول سيمون (1814 - 1896): «ليست وظيفة المدرسة مقصورة على تعليم العلوم فقط، فإن بث الفضيلة والإقدام من أخص وظائف المدرسة».
ويتبين أن «التربية والتعليم» و«المرأة والعائلة» يحتلان المرتبتين الثانية والثالثة بعد «باب المقالات».
ويلفت معدّ الكتاب إلى أن الإصلاحيين المسيحيين، بدءاً من منتصف القرن التاسع عشر، وبينهم فرح أنطون ويعقوب صرّوف (1852 - 1927) بقوا حذرين في طرحهم لقضية تحرر المرأة، رغم إيمانهم الشديد بأنه لا خلاص من التخلف دون استنهاض المرأة. وكلما كانت العلاقة بالغرب تتقدم، تزداد حدة الإحساس بإلحاح قضية المرأة. وهو ما يفسر المساحة التي أعطاها أنطون للكتابة عن النساء وقضياهن، ومع ذلك بقي متحفظاً مقارنة بجرأة قاسم أمين.
وهنا يشرح معد الكتاب أصفهاني أن قاسم أمين، كان ربما الوحيد بين المفكرين والكتاب النهضويين في تلك المرحلة المبكرة، الذي يمتلك الأدوات والصفات والجرأة التي تؤهله للمواجهة بآراء جذرية ثورية حول أوضاع المرأة. فهو مصري، مسلم، قانوني، مثقف بالآداب العربية والفرنسية، وله إلمام واسع بالفنون الجميلة من موسيقى ورسم... إضافة إلى كتب سابقة له دافع خلالها عن مصر والمصريين. وكانت المرة الأولى التي يضع فيها «مفكر مسلم» مسألة الحجاب تحت مجهر النقاش العام من منظور إسلامي ومدني. وقام أنطون بتقديم الكتاب إلى قراء «الجامعة» بحماسة كبيرة، مُعرّفاً بأبرز محتوياته. وشُرّعت الأبواب للحوارات الصاخبة التي دارت حوله.
وحين وضع فرح أنطون قضايا المرأة تحت المجهر «كان متوقعاً لها أن تثير بعض الإشكالات لأن دعاة التنوير المبكر في بلاد الشام كانوا من المسيحيين، وبالتالي توجد حساسية مفرطة جداً في تناول موضوعات يعتبر الآخرون أنها تمس أصول الدين!»
كانت حياة فرح أنطون قصيرة وصاخبة، وكذلك نشاطاته الصحافية والأدبية والفكرية. فهو كان حاد الكلمة، غضوباً، حماسياً، لا يقبل المساومة، مما عرضه باستمرار لتوقيف مطبوعاته، وللسفر من بلد إلى آخر. ولعل خير ما ننهي به هذا المقال ما كتبه فرح نفسه: «جعلنا همّنا منذ أمسكنا القلم في الشرق النداء بهذه الحقيقة البسيطة: «نقوا العائلة ورقوا أخلاقها قبل كل شيء. فإن هذا هو الإصلاح الحقيقي في الأرض. وإلا فكل المدارس الكلية وكل العلوم الأرضية والسماوية وكل الإصلاحات الزراعية والصناعية والتجارية، لا تغني فتيلاً ولا تقدّمنا خطوة واحدة. ذلك لأنها لا تكون قد حصلت بواسطتنا بل بواسطة غيرنا فتكون ثوباً مستعاراً لنا. وتحت هذا الثوب اللامع البراق يكون ما يكون».


مقالات ذات صلة

«تيك توك» أكثر جدوى من دور النشر في تشجيع الشباب على القراءة

يوميات الشرق «تيك توك» أكثر جدوى من دور النشر  في تشجيع الشباب على القراءة

«تيك توك» أكثر جدوى من دور النشر في تشجيع الشباب على القراءة

كشفت تقارير وأرقام صدرت في الآونة الأخيرة إسهام تطبيق «تيك توك» في إعادة فئات الشباب للقراءة، عبر ترويجه للكتب أكثر من دون النشر. فقد نشرت مؤثرة شابة، مثلاً، مقاطع لها من رواية «أغنية أخيل»، حصدت أكثر من 20 مليون مشاهدة، وزادت مبيعاتها 9 أضعاف في أميركا و6 أضعاف في فرنسا. وأظهر منظمو معرض الكتاب الذي أُقيم في باريس أواخر أبريل (نيسان) الماضي، أن من بين مائة ألف شخص زاروا أروقة معرض الكتاب، كان 50 ألفاً من الشباب دون الخامسة والعشرين.

أنيسة مخالدي (باريس)
يوميات الشرق «تيك توك» يقلب موازين النشر... ويعيد الشباب إلى القراءة

«تيك توك» يقلب موازين النشر... ويعيد الشباب إلى القراءة

كل التقارير التي صدرت في الآونة الأخيرة أكدت هذا التوجه: هناك أزمة قراءة حقيقية عند الشباب، باستثناء الكتب التي تدخل ضمن المقرّرات الدراسية، وحتى هذه لم تعد تثير اهتمام شبابنا اليوم، وهي ليست ظاهرة محلية أو إقليمية فحسب، بل عالمية تطال كل مجتمعات العالم. في فرنسا مثلاً دراسة حديثة لمعهد «إبسوس» كشفت أن شاباً من بين خمسة لا يقرأ إطلاقاً. لتفسير هذه الأزمة وُجّهت أصابع الاتهام لجهات عدة، أهمها شبكات التواصل والكم الهائل من المضامين التي خلقت لدى هذه الفئة حالةً من اللهو والتكاسل.

أنيسة مخالدي (باريس)
يوميات الشرق آنية جزيرة تاروت ونقوشها الغرائبية

آنية جزيرة تاروت ونقوشها الغرائبية

من جزيرة تاروت، خرج كم هائل من الآنية الأثرية، منها مجموعة كبيرة صنعت من مادة الكلوريت، أي الحجر الصابوني الداكن.

يوميات الشرق خليل الشيخ: وجوه ثلاثة لعاصمة النور عند الكتاب العرب

خليل الشيخ: وجوه ثلاثة لعاصمة النور عند الكتاب العرب

صدور كتاب مثل «باريس في الأدب العربي الحديث» عن «مركز أبوظبي للغة العربية»، له أهمية كبيرة في توثيق تاريخ استقبال العاصمة الفرنسية نخبةً من الكتّاب والأدباء والفنانين العرب من خلال تركيز مؤلف الكتاب د. خليل الشيخ على هذا التوثيق لوجودهم في العاصمة الفرنسية، وانعكاسات ذلك على نتاجاتهم. والمؤلف باحث وناقد ومترجم، حصل على الدكتوراه في الدراسات النقدية المقارنة من جامعة بون في ألمانيا عام 1986، عمل أستاذاً في قسم اللغة العربية وآدابها في جامعة اليرموك وجامعات أخرى. وهو يتولى الآن إدارة التعليم وبحوث اللغة العربية في «مركز أبوظبي للغة العربية». أصدر ما يزيد على 30 دراسة محكمة.

يوميات الشرق عمارة القاهرة... قصة المجد والغدر

عمارة القاهرة... قصة المجد والغدر

على مدار العقود الثلاثة الأخيرة حافظ الاستثمار العقاري في القاهرة على قوته دون أن يتأثر بأي أحداث سياسية أو اضطرابات، كما شهد في السنوات الأخيرة تسارعاً لم تشهده القاهرة في تاريخها، لا يوازيه سوى حجم التخلي عن التقاليد المعمارية للمدينة العريقة. ووسط هذا المناخ تحاول قلة من الباحثين التذكير بتراث المدينة وتقاليدها المعمارية، من هؤلاء الدكتور محمد الشاهد، الذي يمكن وصفه بـ«الناشط المعماري والعمراني»، حيث أسس موقع «مشاهد القاهرة»، الذي يقدم من خلاله ملاحظاته على عمارة المدينة وحالتها المعمارية.

عزت القمحاوي

الحناء تراث عربي مشترك بقوائم «اليونيسكو» 

الحنة ترمز إلى دورة حياة الفرد منذ ولادته وحتى وفاته (الفنان العماني سالم سلطان عامر الحجري)
الحنة ترمز إلى دورة حياة الفرد منذ ولادته وحتى وفاته (الفنان العماني سالم سلطان عامر الحجري)
TT

الحناء تراث عربي مشترك بقوائم «اليونيسكو» 

الحنة ترمز إلى دورة حياة الفرد منذ ولادته وحتى وفاته (الفنان العماني سالم سلطان عامر الحجري)
الحنة ترمز إلى دورة حياة الفرد منذ ولادته وحتى وفاته (الفنان العماني سالم سلطان عامر الحجري)

في إنجاز عربي جديد يطمح إلى صون التراث وحفظ الهوية، أعلنت منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونيسكو)، الأربعاء، عن تسجيل عنصر «الحناء: الطقوس، الممارسات الجمالية والاجتماعية» ضمن قوائم التراث الثقافي غير المادي لـ«اليونيسكو» على أنه تراث مشترك بين 16 دول عربية.

ويأتي الملف التراثي نتيجة تعاون مشترك بين وزارتي الثقافة والخارجية المصريتين وسائر الدول العربية التي تعد الحناء من العناصر الثقافية الشعبية المرتبطة بمظاهر الفرح فيها، كما تمثل تقليداً رئيساً لمظاهر احتفالية في هذه المجتمعات وهي: السودان، مصر، المملكة العربية السعودية، الإمارات العربية المتحدة، العراق، الأردن، الكويت، فلسطين، تونس، الجزائر، البحرين، المغرب، موريتانيا، سلطنة عمان، اليمن، وقطر.

وتعقد اللجنة الحكومية الدولية لصون التراث الثقافي غير المادي اجتماعاً يستمر منذ الاثنين الماضي وحتى الخميس 5 ديسمبر (كانون الأول) الجاري، في أسونسيون عاصمة باراغواي، للبت في إدراج 66 عنصراً جديداً رُشحَت على أنها تقاليد مجتمعية، وفق «اليونيسكو».

وذكّرت المنظمة بأن الحنّة (أو الحناء): «نبتة يتم تجفيف أوراقها وطحنها ثم تحويلها إلى عجينة تُستخدم في دق الوشوم وتحديداً تلك التي تتلقاها المدعوات في حفلات الزفاف، وتُستعمل أيضاً لصبغ الشعر أو جلب الحظ للأطفال».

الحنة تراث ينتقل بين الأجيال (الفنان العماني سالم سلطان عامر الحجري)

وعللت «اليونيسكو» إدراج الحنّة في قائمة التراث الثقافي غير المادي بأنها «ترمز إلى دورة حياة الفرد، منذ ولادته وحتى وفاته، وهي حاضرة خلال المراحل الرئيسة من حياته، وترافق طقوس استخدام الحنّة أشكال تعبير شفهية مثل الأغنيات والحكايات».

من جهته أعرب الدكتور أحمد فؤاد هنو، وزير الثقافة المصري، عن اعتزازه بهذا الإنجاز، مشيراً إلى أن تسجيل الحناء يُعد العنصر التاسع الذي تضيفه مصر إلى قوائم التراث الثقافي غير المادي منذ توقيعها على اتفاقية 2003، بحسب بيان للوزارة.

وأكدت الدكتورة نهلة إمام رئيسة الوفد المصري أن الحناء ليست مجرد عنصر جمالي، بل تمثل طقساً اجتماعياً عريقاً في المجتمعات العربية؛ حيث تُستخدم في الحياة اليومية والمناسبات المختلفة، كما أشارت إلى «ارتباط استخدام الحناء بتقاليد شفهية، مثل الأهازيج والأمثال الشعبية، وممارسات اجتماعية تشمل زراعتها واستخدامها في الحرف اليدوية والعلاجية».

وسلط الملف الذي قُدم لـ«اليونيسكو» بهدف توثيقها الضوء على أهمية الحناء بأنها عنصر ثقافي يعكس الروح التقليدية في المجتمعات المشاركة، وكونها رمزاً للفرح والتقاليد المرتبطة بالمناسبات الاحتفالية وفق الدكتور مصطفى جاد، خبير التراث الثقافي اللامادي بـ«اليونيسكو»، الذي قال لـ«الشرق الأوسط»: «تمثل الحناء واحدة من أهم عناصر تراثنا الشعبي، فهي مرتبطة بمعظم مفردات التراث الشعبي المصري والعربي الأخرى؛ وهي وثيقة الارتباط بالنواحي الجمالية والتزيينية، وأغاني الحناء، فضلاً عن الأمثال والمعتقدات الشعبية، والاستخدامات والممارسات الخاصة بالمعتقدات الشعبية، وتستخدم الحناء في الكثير من طقوسنا اليومية، المتعلقة بالمناسبات السعيدة مثل الزواج والأعياد بشكل عام».

الحنة تراث عربي مشترك (بكسيلز)

وأكد جاد أن التعاون العربي تجاه توثيق العناصر التراثية يعزز من إدراج هذه العناصر على قوائم «اليونيسكو» للتراث اللامادي؛ مشيراً إلى أنها ليست المرة الأولى ولن تكون الأخيرة، وقال: «تثمن (اليونيسكو) عناصر التراث الشعبي المشتركة بين الدول، وقد سبق تسجيل عناصر النخلة، والخط العربي، والنقش على المعادن المشتركة بين مصر وعدة دول عربية؛ مما يؤكد الهوية العربية المشتركة».

وأضاف: «نحن في انتظار إعلان إدراج عنصر آخر مشترك بين مصر والسعودية على القوائم التمثيلية للتراث الثقافي غير المادي بـ(اليونيسكو) اليوم أو غداً، وهو آلة السمسمية الشعبية المعروفة».

وكانت بداية الحناء في مصر القديمة ومنها انتشرت في مختلف الثقافات، خصوصاً في الهند ودول الشرق الأوسط، حتى صارت ليلة الحناء بمثابة حفل «توديع العزوبية» في هذه الثقافات، وفق عالم المصريات الدكتور حسين عبد البصير، مؤكداً لـ«الشرق الأوسط» أن «الأدلة الأثرية والتحاليل العلمية وثقت دور الحنة باعتبارها مادة أساسية ذات أهمية كبيرة في الحياة اليومية للمصريين القدماء»، وتابع: «بخلاف استخدامها في الأغراض التجميلية مثل صبغ الشعر، فقد تمت الاستعانة بها في الطقوس الجنائزية؛ إذ يعتقد استخدامها في التحنيط، كما كانت جزءاً من الممارسات الروحية لتحضير المومياوات للحياة الآخرة، فضلاً عن صبغ الأقمشة والجلود».

ارتبطت الحناء بالمناسبات والأعياد (بكسيلز)

الفنان العُماني سالم سلطان عامر الحجري واحد من المصورين العرب الذين وثقوا بعدستهم استخدام الحنة في الحياة اليومية، وسجّل حرص الجدات على توريثها للأجيال الجديدة من الفتيات الصغيرات، يقول الحجري لـ«الشرق الأوسط»: «الحنة في سلطنة عمان هي رمز للفرحة، ومن أهم استخداماتها تزيين النساء والأطفال بها في عيد الفطر، حيث عرفت النساء العربيات منذ القدم دق ورق الحناء وغربلته ونخله بقطعة من القماش وتجهيزه، مع إضافة اللومي اليابس (الليمون الجاف)، لمنحها خضاب اللون الأحمر القاتم، وذلك قبل العيد بعدة أيام، ثم يقمن بعجن الحناء المضاف له اللومي الجاف بالماء، ويتركنه لفترة من الوقت، وقبل النوم يستخدمن الحناء لتخضيب اليدين والرجلين للنساء والفتيات».