دام الاجتماع بين الممثل سلطان ديب ومخرج مسلسل «التحدّي سرّ» مروان بركات ثلاث دقائق: «أريدكَ لشخصية شاهر، اقرأ النصّ وعُد بالجواب». بدأ الدور خافتاً، خُذ غرضاً وهات آخر. ومع الحلقات، تحوّل بتصاعده شخصية محورية. زميلته رانيا سلوان لم تكن راضية عن دورها في المسلسل بجزئه الأول. قرأت جيداً تحوّلات شخصية دارين في الجزء الثاني، ووافقت. عبرها انتقلت من حضور كوميدي في «عروس بيروت» إلى غوص في التراجيديا. تكشف لـ«الشرق الأوسط» أنّ نهاية الشخصية ستكون مبكية.
يسبقُ «شاهد» و«إم بي سي 4» بحلقات، عرضَ المسلسل عبر «إم تي في» اللبنانية. سلطان ديب ورانيا سلوان، شخصيتان يحلو جمعهما ولا يصحّ فصل أحدهما عن الآخر. صحيح أن لشاهر تناقضاته، على عكس دارين المُدركة هدفها، لكنهما في الحب والترقّب والحسابات غير المُتوقّعة يعبُران المأساوية نفسها.
سلطان ديب ورانيا سلوان في مسلسل «التّحدي سرّ»
منذ تنفيذه الجريمة الأولى، وشاهر يوسّع دائرة تحرّكاته. كان ذلك تقريباً بعد الحلقة الخامسة عشرة، حين بدأت الشخصية تلعب على مساحة عريضة. يتحدّث سلطان ديب؛ وهو من الممثلين المجتهدين في لبنان، بالكوميديا والدراما، وإن لم ينل حضوره المُستحق في أدوار كبرى، ولا الأضواء المُسلّطة على المواهب الجيدة؛ عن «طمع» الوقوف أمام ممثل بحجم بسام كوسا. «طمّاع جداً»، يقول لـ«الشرق الأوسط»، ومن أجل هذه الفرصة يخوض دور شاهر، ظلُّ عامر بدران (كوسا) وسلاحه في معاركه.
في شخصية شاهر الشريرة، جانب إنساني. المجرم يقع في الحب، ويحاول إنقاذ الحبيبة الذاهبة إلى الموت بقدميها. يُلمِح سلطان ديب إلى «صدم» المشاهدين في الحلقات المقبلة حين تُقلب الطاولة، ويترك النقاش مفتوحاً في معنى الوفاء انطلاقاً من وفائه لمعلّمه: «هل لا يزال ثمة أوفياء إلى هذا الحد؟ أريد تحميل المجرم مشاعر، فلا يكون محض كائن سيئ. أما الخيانة، فلا مفرّ منها، ليتعرّض الإخلاص لامتحانات صعبة لا نجاة فيها لأحد».
شاهر نعجة حيناً وضبع أحياناً، فيما دارين التي خفق قلبه لها، أمٌ مستعدّة للعب بالنار لاستعادة ولديها. تتقرّب منه لعلمها بإعجابه بها، من دون أن تبادله في المرحلة الأولى الشعور نفسه. تستعمله كجسر وصول يُبرّد قلبها على ولدين سُلخا عنها وانقطعت أخبارهما. تُرغمها الحياة على اجتياز دروب موحلة لمطاردة الأمل. تلقّنها أن لكل شيء مقابلاً، وقد تضطر لتسديد الثمن من كرامتها.
هو في التمثيل منذ 22 عاماً، تقريباً كالمدة التي أمضتها شريكته في المسلسل رانيا سلوان وهي تتنقل بين أدوار تصنع تجربتها. يسحبان نفسيهما من معادلة استجداء الرضا للوصول. «حظي ضئيل في هذه المهنة، ولعلّه خطأ مني. أنا لستُ ممن يتنقلون من فنجان قهوة إلى آخر، ولا من (ألو) إلى أخرى. أنتظر أن تأتي الأدوار إلى عوض السعي وراءها»، تفسّر سلوان غيابها عن الدراما المشتركة بقيادة «الصبّاح أخوان» و«إيغل فيلمز»، وتُرفق التفسير بتأكيد: «حين يجدونني في دور، سيتصلون بي. أثق بذلك. همّتي عالية للعمل مع الجميع ولستُ من أهل الخلافات».
الممثلة اللبنانية رانيا سلوان
يعلم سلطان ديب واقع السوق، فيتساءل ويجيب: «ألا أستطيع حمل مسلسل على كتفي؟ بلى أستطيع، لكن في النهاية على البطل أن يكون (بييعاً). أدرك أني لستُ وسيماً بمواصفات الجمال، إنما أملك الحضور والموهبة. ينبغي للمظهر ألا يطغى على القدرات التمثيلية فتضيع المهنة».
كزميلته رانيا سلوان، يلمس مزاجية الحظ وربما سوء التقدير. لا يخفي ارتباكه بهاجس الاستمرارية وخشيته من إطالة الغياب على الناس، «فهذا الوسط غدار». مراراً وافق على أدوار «بالحياء» أو لغرض مادي، وفي سنّ الحادية والأربعين بدأ يمتهن الانتقاء: «بعد (التحدّي سرّ) لن يكون كقبله. سأنتظر أدواراً بمعاييري المهنية وشروطي المادية. ضحّيتُ لسنوات، وحان وقت القطاف».
يكشف رفضه لأدوار لم يجد فيها ما يشكّل إضافة، ولو أن المال مغرٍ: «من سيأتي بي إلى أعمال تليق حين أقدّم هذا القدر من التنازل؟ أبحث عن أدوار مهمة قبل أي أولوية أخرى، وأحاول استحصال الأجر المُستحق».
كلاهما يرى في الآخر ممثلاً من احتراف والتزام، فتحلو لهما الإشادة بالكيمياء بينهما، مع التأكيد بأنّ ما يصل إلى المشاهدين حقيقي، ولا يفتعلان مشاعر أو مشاهد. يقدّران العمل بإدارة مخرج كمروان بركات، يصفانه بالهادئ والمنتظم، «فيمنح الممثل سكينة تجعله يعمل مرتاحاً». التقت سلوان وإياه لدى إخراجه مسلسل «صور ضائعة»، وأحبّت تكرار التجربة. المفارقة أنها وديب التقيا في مسلسل «جذور» من دون أن يجتمعا في مشهد. اليوم يشكلان ثنائية يمكن انتظارها.
تعترف بأن حضورها اقتصر على الداخل اللبناني، إلى أن طرقت بابها فرصة «عروس بيروت». تسمّيه «دور حياتي»، عرّفها على العالم العربي وعرّف العالم العربي إليها. تملك حسّاً كوميدياً وظفته في الشخصية، فلاقت استحساناً. يحزنها أن الاتصالات لم تأتِ من لبنان، «بل تلقّيت عروضاً من الأردن، والكويت لأحلّ ضيفة في مسلسلات». يجيبان بصراحة ألا نصوص بين أيديهما لمشاريع مقبلة. توزيع الفرص ليس دائماً عادلاً.