يبدو أن أزمة اللدائن الصغرية أو ما يُعرف بالميكروبلاستيك أسوأ بكثير مما كنا نعتقد.
لقد عمد البشر طوال نصف قرن إلى إدخال البلاستيك في كل جوانب حياتهم... من ألعاب الأطفال إلى تعليب الأطعمة. ولكن 91 في المائة من البلاستيك لا يُعاد تدويره، وينتهي به المطاف في مكبات النفايات والمحيطات، حيث يتفكك إلى أجزاء صغيرة تسمى «اللدائن الصغرية» أو الميكروبلاستيك.
جسيمات الميكروبلاستيك
خلال السنوات الخمس الماضية، رصد العلماء دقائق (جسيمات) الميكروبلاستيك في الغبار، والفواكه، ومياه الشرب، والمطر، والجو، ووجدوها أيضاً في أنسجة الرئة ومجاري الدم وأجسام الأطفال.
لا يزال العلماء في بداية طريقهم لتحديد مدى انتشار اللدائن الصغرية في بيئتنا وتأثيرها على صحة الإنسان، ولكن الخبراء يقولون إن الأمر يتطلب اتخاذ بعض الإجراءات الاحترازية منذ الآن خصوصا أن المشكلة ستزداد سوءاً.
يعكف ديك فيثاك، أستاذ فخري في السموميات البيئية في الجامعة الحرة في أمستردام، على دراسة اللدائن الصغرية منذ وقتٍ طويل، ما دفعه إلى دق ناقوس الخطر منذ العام 2016 للتحذير من المخاطر المحتملة لهذه الجسيمات على الجسم البشري، وشارك في إطلاق مشروعٍ بحثي عن الموضوع.
في هذا الإطار، يقول فيثاك: «نحن متأكدون أن اللدائن الصغرية موجودة في كل مكان في محيطنا الحيوي. نحن نأكلها ونتنفسها ونشربها باستمرار».
ويضيف أن العلماء لا يملكون بعدُ فهماً كاملاً حول معالجة الجسم للدائن الصُغرية (الواحدة منها أصغر من 5 مليمترات) و(النانوبلاستيك الواحدة منها أصغر من مليمتر واحد) ولكن حجم هذه الجسيمات قد يكون صغيراً بما يكفي للدخول إلى الخلايا وتعطيل نشاطها. وكانت بعض الدراسات التي أُجريت على الفئران قد وجدت أن اللدائن الصغرية تسبب التهاب الأمعاء الدقيقة وانخفاض أعداد الحيوانات المنوية وولادة أطفال صغار الحجم.
من جهته، لا يعتقد ألبرت كويلمانز، عالم بيئي في جامعة فاخينينجن في هولندا، أن مستوى التعرض الحالي للدائن الصغرية يسبب الضرر، إلا أن المشكلة الحقيقية تكمن في ازدياد انتشار واستعمال البلاستيك. وصرح كويلمانز في مقابلة مع دورية «نيتشر» أنه «يشعر بالقلق على المستقبل إذا بقينا مكتوفي اليدين».
خطوات وقائية
ولكن فيثاك يعترف بأن التخلص نهائياً من اللدائن الصغرية سيكون صعباً جداً نظراً لانتشارها الواسع.
ويشرح أن «هذه الجسيمات محيطة بنا كغيرها مثل عوادم السيارات ورماد الشواء»، لافتاً إلى أنه يجب اتخاذ بعض الخطوات لتقليل تعرضنا لهذه الجزيئات السامة كما نفعل مع السموم الأخرى. ويشدد فيثاك على أن «تطبيق بعض التغييرات في نمط الحياة والمنتجات سيكون له تأثير سريع في تقليل التعرض للميكروبلاستيك». ويعتبر أن الحل النهائي سيكون في عمل الدول عبر أجهزتها على تقليل استهلاك البلاستيك العالمي وإعادة تصميم المنتجات بما يخدم هدف التخلص من البلاستيك، مشدداً على أن «الوضع سيزداد سوءاً إذا لم نتدخل».
فيما يلي، نقدم لكم لائحة ببعض الأدوات المتوفرة في الأسواق للحد من تعرضكم للدائن الصغرية.
> مرشحات المياه. تطبق بعض الولايات الأميركية خطوات لضمان تنظيف المعامل التابعة للبلديات للمياه من هذه الجزيئات كما تفعل مع الملوثات الأخرى. وتوجد أيضاً مرشحات مياه منزلية ومرشحات للصنابير مخصصة لتنظيف المياه من اللدائن الصغرية.
> منقيات الهواء. يقول فيثاك إن أجهزة تنقية الهواء قد تكون مساعدة، ولكن يتوجب على المستهلكين التفكير بكيفية التخلص من الرواسب التي يجمعها المنقي. فإذا عمدوا إلى نزعها ورميها في القمامة، سيعرضون أنفسهم لهذه الجسيمات مرة أخرى. لتفادي هذا التعرض، يجب نزع المرشح ووضعه في كيس مهملات وربطه بإحكام.
> أكواب ومعدات مصنوعة من الفولاذ المقاوم للصدأ. يشرح فيثاك أن الشرب من قناني المياه البلاستيكية وتناول الطعام من أطباق بلاستيكية مضر لأن هذه الأدوات تنتج الميكروبلاستيك أثناء تفككها. لهذا السبب، تشجع الأكاديمية الأميركية لطب الأطفال الآباء والأمهات على استخدام الأدوات المصنوعة من الفولاذ المقاوم للصدأ لتقديم الطعام والشراب. وللحد من تعرض الأولاد للبلاستيك، يمكنكم أيضاً استخدام أدوات مصنوعة من السيراميك.
وللبالغين، يقترح فيثاك التحول نحو الأدوات المصنوعة من الفولاذ الصلب بدل البلاستيك القابل لإعادة الاستخدام.
> مرشحات آلات الغسل. تترك الملابس الصناعية – الملابس الرياضية وملابس السباحة وتلك المصنوعة من البوليستر– آثاراً من الميكروبلاستيك في آلة الغسيل. تحتوي الأسواق على منتجات مطورة لاحتجاز ألياف اللدائن الصغرية ومنعها من الوصول إلى المياه. يقول فيثاك إن هذه المنتجات فعالة وتساعد في نشر الوعي بمضار الميكروبلاستيك في الممرات المائية.
ويعتقد الأخير أن آلات غسل الملابس ستصبح مستقبلا مجهزة بمرشحات مدمجة مخصصة لتنظيف الميكروبلاستيك، حتى أن بعض الشركات أعلنت عن أجهزة مشابهة، ويشدد مرة أخرى على أهمية معرفة كيفية التخلص من مخلفات الآلة حتى لا تنتهي هذه اللدائن في أمعائنا.
> حلول مستقبلية. بالتزامن مع تعميق العلماء لدراستهم للدائن الصغرية، تعمل الشركات على تطوير حلولٍ جديدة ومبتكرة لمساعدتنا على تنظيف البيئة من هذه الجسيمات. بعض هذه الأجهزة سيتوفر قريباً في الأسواق، وأبرزها وأهمها تلك التي تستخدم الطبيعة نفسها لحمايتنا من الملوثات.
صُمم مرشح الطحالب مثلاً لالتقاط جسيمات الميكروبلاستيك وترشيح المياه بطريقة طبيعية قبل شربها. ويُعرف المحار أيضاً بقدرته على ترشيح كميات كبيرة من مياه البحر يومياً وتخليصها من الميكروبلاستيك، لذا يعمل العلماء اليوم على تطوير استراتيجيات تعتمد على المحار كأداة للقضاء على اللدائن الصغرية في البيئات الطبيعية.
* «فاست كومباني»،
ـ خدمات «تريبيون ميديا»