هل يُنهي تشكيل حكومة ثالثة النزاع في ليبيا؟

سفيرة بريطانيا تحث الأطراف المتصارعة على عدم اللجوء للقوة

استعراض عسكري لعناصر مؤيدة لباشاغا في مدينة مصراتة غرب ليبيا 9 أغسطس  (AP)
استعراض عسكري لعناصر مؤيدة لباشاغا في مدينة مصراتة غرب ليبيا 9 أغسطس (AP)
TT

هل يُنهي تشكيل حكومة ثالثة النزاع في ليبيا؟

استعراض عسكري لعناصر مؤيدة لباشاغا في مدينة مصراتة غرب ليبيا 9 أغسطس  (AP)
استعراض عسكري لعناصر مؤيدة لباشاغا في مدينة مصراتة غرب ليبيا 9 أغسطس (AP)

أعاد الجمود السياسي المُستحكم في ليبيا، على وقع تصاعد نبرات ما يشبه «خطابات الحرب»، طرح السؤال الحائر حول كيفية إنقاذ البلاد من «صدام مُحتمل»، بين ميليشيات مساندة لحكومتي عبد الحميد الدبيبة وفتحي باشاغا. وذهب البعض إلى أن الحل ربما يكمن في تشكيل حكومة ثالثة مصغرة منعاً لارتهان البلاد لأي من الطرفين.
وهذا السؤال الذي تصدى له مبكراً رئيس مجلس النواب، المستشار عقيلة صالح، بالنفي عقب زيارته الأخيرة إلى تركيا، يجد راهناً من يتحمس له ويدعمه، بقصد قطع خط الرجعة على الحرب الأهلية التي قد تنشب في أي وقت بطرابلس، بين مؤيدي الدبيبة وغريمه باشاغا.
ووسط تحذير بريطاني من اللجوء للقوة بهدف الوصول إلى السلطة، رأى سياسيون ليبيون، ومحلل إيطالي، ضرورة «التوصل لحل استباقي لوقف حالة التربص والمكايدة التي تعيشها طرابلس هذه الأيام بين فريقين متناحرين، وذلك بإعادة التفكير في تشكيل حكومة مصغرة لإنهاء الانقسام السياسي».
واستبعد رمضان التويجر، مقرر عام الهيئة التأسيسية لصياغة مشروع الدستور الليبي، قدرة أي حكومة قد تشكَّل في البلاد على إنهاء النزاع الراهن على السلطة، وقال في تصريح لـ«الشرق الأوسط»: «لا أتصور ذلك؛ الأزمة في ليبيا أكبر من إيجاد حكومة ثالثة».
وأضاف التويجري: «المعضلة في ليبيا ثنائية، بالنظر إلى أنها دولية - ومحلية، بمعنى عدم جيش موحد يفرض هيبة الدولة على الأرض، في ظل تدخل دولي داعم للأطراف المتصارعة».
وفيما رد التويجري، على إمكانية وقوع صدام قريب بالعاصمة، قائلاً: «جميع الخيارات مطروحة»، توقع المحلل الإيطالي دانييلي روفينيتي، أن تشهد ليبيا «أخباراً مهمة» نهاية أغسطس (آب) الجاري، أو بداية الشهر المقبل، للخروج من المأزق المؤسسي، ويتمثل في «حكومة ثالثة تكون مهمتها الوحيدة بناء المسار الانتخابي».
واعتبر روفينيتي وفقاً لمنصة «ديكود 39» الإيطالية، أن «السيناريو الذي يجب بناؤه يتمثل في طريق ثالث وهو حكومة مصغرة يمكنها التغلب على المأزق بين حكومة (الوحدة) برئاسة الدبيبة، والحكومة المكلفة من مجلس النواب بقيادة باشاغا».
ورأى أن القاهرة وأنقرة أظهرتا رغبتهما في تهدئة العلاقات المتبادلة، فيما يعمل الملف الليبي كاختبار تشغيل أيضاً «لأنه يمثل مصلحة مباشرة للبلدين»، و«قد يضفي هذا التقارب شرعية على الحل الجديد لأن العديد من الفاعلين الليبيين يعتبرون البلدين مرجعية».
واستدرك روفينيتي: «يبدو أنه حتى أجزاء من العالم الغربي قادرة على المشاركة في هذا الخيار للتغلب على الجمود الذي كشف عن أسوأ جوانبه، لا سيما ما حدث من اشتباكات مسلحة مؤخراً في العاصمة طرابلس».
وعلى الرغم من أن رئيس مجلس النواب، يدافع دائماً عن حكومة «الاستقرار»، ويعتبرها «الحكومة الشرعية الوحيدة» في البلاد، مضى المحلل الإيطالي يقول إن صالح «بدأ في اتخاذ الاحتياطات ضد باشاغا»، ومن ثم فإنه «في ضوء هذه الديناميكيات يكمن الحل الثالث في حكومة مصغرة وظيفية للتغلب على الكتل التي نشأت بسبب الخطابات السياسية الداخلية».
واستباقاً لأي إجراءات تصاعدية مقبلة في العاصمة، دعت كارولين هوريندال، السفيرة البريطانية لدى ليبيا، القادة السياسيين في البلاد إلى ضرورة التوحّد والإعداد لإجراء انتخابات رئاسية ونيابية في أقرب وقت ممكن، وقالت إن «استخدام القوة للوصول إلى السلطة لا يجدي نفعاً».
https://twitter.com/CaroHurndall
وهوريندال، التي جددت دعم المملكة المتحدة للعملية السياسية في ليبيا، قالت في تصريحات تلفزيونية، أمس (الأربعاء)، إن «المسؤولية في ليبيا تقع على الجميع»؛ وأنه «لا يوجد شخص أو مؤسسة مسؤولة عن الأزمة بالبلاد»، ما أثار اندهاش أنصار الدبيبة وباشاغا معاً، لكون كل منهما يحمل الآخر المسؤولية.
وحثّت السفيرة البريطانية الأطراف جميعها على «ضرورة الحفاظ على اتفاق وقف إطلاق النار الموقع في أكتوبر (تشرين الأول) 2020، برعاية أممية في جنيف، بجانب دعم اللجنة العسكرية المشتركة (5+5) في أعمالها وتنفيذ الاتفاق الذي ينص على إخراج القوات الأجنبية (المرتزقة) من ليبيا»، متهمة عناصر شركة «فاغنر» الروسية «بزعزعة الاستقرار في ليبيا».
وتحدثت السفيرة البريطانية، عن أن بلادها «تعمل على عدم سقوط ليبيا في دائرة العنف»، كما تطرقت إلى الانتخابات الليبية التي كانت مقررة نهاية العام الماضي، والمرشحين فيها، من بينهم سيف الإسلام القذافي، وقالت: «ستكون هناك صعوبة في التعامل مع سيف القذافي، حال انتخابه رئيساً لليبيا».
ولوحظ أن نبرة اللغة التحذيرية من أطراف الصراع على السلطة في ليبيا بدت مرتفعة، فضلاً عن كونها مصحوبة باستعراضات عسكرية وميليشياوية لكلا الطرفين.



موجة إسرائيلية رابعة تضرب مطار صنعاء ومنشآت طاقة خاضعة للحوثيين

دخان يتصاعد إثر غارات إسرائيلية على مطار صنعاء الخاضع للحوثيين (إ.ب.أ)
دخان يتصاعد إثر غارات إسرائيلية على مطار صنعاء الخاضع للحوثيين (إ.ب.أ)
TT

موجة إسرائيلية رابعة تضرب مطار صنعاء ومنشآت طاقة خاضعة للحوثيين

دخان يتصاعد إثر غارات إسرائيلية على مطار صنعاء الخاضع للحوثيين (إ.ب.أ)
دخان يتصاعد إثر غارات إسرائيلية على مطار صنعاء الخاضع للحوثيين (إ.ب.أ)

نفذت إسرائيل رابع موجة حتى الآن من ضرباتها الجوية مستهدفة منشآت حيوية خاضعة للجماعة المدعومة من إيران شملت مطار صنعاء ومنشآت أخرى حيوية في المدينة ذاتها وفي محافظة الحديدة الساحلية، من بينها محطتا كهرباء وميناء نفطي.

جاء ذلك بينما كان زعيم الجماعة الحوثية عبد الملك الحوثي يعلن في خطبته الأسبوعية، الخميس، تحدي تل أبيب وواشنطن، مؤكداً استمرار هجمات الجماعة،

وبحسب وسائل إعلام الجماعة استهدفت سلسلة غارات مطار صنعاء، كما استهدفت غارتين محطة كهرباء «حزيز» في جنوب المدينة، وهي محطة سبق استهدافها الخميس الماضي، إلى جانب استهداف ميناء رأس عيسى النفطي شمال الحديدة، وهو ميناء سبق استهدافه أيضاً في ضربات سابقة.

وأفادت مصادر محلية في صنعاء بأن نحو سبع غارات ضربت مطار صنعاء ومحيطه بما في ذلك قاعدة الديلمي الجوية؛ ما تسبب في أضرار في برج المراقبة وصالة الانتظار والمدرج الرئيسي، كما ذكرت مصادر محلية في الحديدة بأن الضربات استهدفت محطة كهرباء «رأس كثيب» شمال المدينة.

أنباء عن تضرر برج المراقبة والمدرج في مطار صنعاء جراء الغارات الإسرائيلية (رويترز)

من جهته، أكد الجيش الإسرائيلي أنه قصف «أهدافاً عسكرية» تابعة للحوثيين في اليمن الذين اتهمهم بأنهم «في صلب محور الإرهاب الإيراني».

وقال إن «مقاتلات سلاح الجو أغارت على أهداف عسكرية للنظام الإرهابي للحوثيين على ساحل اليمن الغربي وفي الداخل»، مؤكداً أن ذلك جاء رداً على «الهجمات المتكررة» للمتمردين اليمنيين على «دولة إسرائيل ومواطنيها». بحسب ما نقلته «وكالة الصحافة الفرنسية».

ولم تتحدث الجماعة الحوثية على الفور عن إجمالي الخسائر البشرية جراء الضربات التي قالت المصادر إنها تزامنت مع وصول طائرة ركاب تابعة للخطوط الجوية اليمنية إلى مطار صنعاء قادمة من مطار عمان.

وفي وقت لاحق أقر إعلام الجماعة بمقتل 3 أشخاص في مطار صنعاء وإصابة 16 آخرين، ومقتل شخص وفقد 3 بعد قصف ميناء رأس عيسى (في الحديدة).

من ناحيته، قال مدير منظمة الصحة العالمية تيدروس أدهانوم غيبريسوس إن القصف الإسرائيلي وقع على بعد أمتار منه ومن زملائه.
وأضاف في منشور له على منصة التواصل الاجتماعي «إكس» أن القصف جاء بينما كان والوفد التابع له على وشك الصعود إلى الطائرة، ما أدى إلى إصابة أحد أفراد الطاقم، ومقتل شخصين على الأقل في المطار.

في غضون ذلك، نقلت وكالة الأنباء الألمانية عن مصدر حوثي في مطار صنعاء قوله إن القصف استهدف المطار قبل هبوط رحلة جوية لطيران «اليمنية» قادمة من عمان إلى صنعاء بخمس دقائق، وإن القصف أسفر عن سقوط قتلى من عمال برج المراقبة، فضلاً عن إصابة آخرين من موظفي المطار والخطوط الجوية اليمنية في صالة المطار.

وبحسب المصدر نفسه، فقد ارتفعت ألسنة اللهب وأعمدة الدخان من المطار بشكل كثيف، وسط صراخ من قِبل المدنيين الذين كانوا متواجدين بداخل صالة الانتظار.

ومع تأكيد شركة «أمبري» البريطانية للأمن البحري تلقيها بلاغاً بتعرّض ميناء الحديدة لغارة جوية إسرائيلية، تحدثت وسائل إعلام عبرية عن أن الضربات ستستمر لاستهداف المواقع الخاضعة للجماعة الحوثية.

وفي أول تعليق حوثي، قال المتحدث باسم الجماعة محمد عبد السلام إن الضربات لن تحول دون توقف هجمات الجماعة إسناداً للفلسطينيين في غزة، وفق زعمه، ورأى في تدمير مطار صنعاء «إجرام إسرائيلي بحق كل اليمنيين».

وكان زعيم الحوثيين - وقت الضربات - يلقي خطبته المتلفزة الأسبوعية (مسجلة) متحدثاً عن الأضرار التي تسببت فيها هجمات جماعته ضد إسرائيل والولايات المتحدة، كما أعلن تحدي واشنطن وتل أبيب، وتوعد بالاستمرار في الهجمات.

ومع حديث الحوثي عن قدرات جماعته العسكرية المتصاعدة، دعا أنصاره إلى الاحتشاد، الجمعة، كما جرت العادة الأسبوعية، وذكر أن الجماعة تمكنت من التعبئة والتدريب العسكري لأكثر من 700 ألف عنصر، وفق زعمه.

وكثفت الجماعة هجماتها، هذا الأسبوع، باتجاه إسرائيل على الرغم من الردود الانتقامية المتوقعة من جانب تل أبيب والمخاوف التي تسيطر على الشارع اليمني في مناطق سيطرة الجماعة لجهة هشاشة الأوضاع المعيشية والخدمية وعدم القدرة على تحمل المزيد من الأزمات.

تصعيد مستمر

تشنّ الجماعة هجمات ضد السفن في البحر الأحمر وخليج عدن منذ 19 نوفمبر (تشرين الثاني) 2023 إلى جانب هجمات بالصواريخ والطائرات المسيّرة باتجاه إسرائيل، تحت مزاعم مساندة الفلسطينيين في غزة، وهي السردية التي تصفها الحكومة اليمنية بالمضللة.

وعلى امتداد أكثر من عام، أطلقت الجماعة نحو 370 صاروخاً وطائرة مسيّرة باتجاه إسرائيل، لكن لم يكن لها أي تأثير هجومي ملموس، باستثناء مُسيَّرة قتلت شخصاً بعد انفجارها بشقة في تل أبيب يوم 19 يوليو (تموز) الماضي، وكذا تضررت مدرسة بشكل كبير جراء انفجار رأس صاروخ في 19 ديسمبر (كانون الأول) الحالي، وإصابة نحو 23 شخصاً جراء صاروخ آخر انفجر السبت الماضي 21 ديسمبر.

واستدعت هذه الهجمات الحوثية من إسرائيل الرد في 20 يوليو الماضي، مستهدفة مستودعات للوقود في ميناء الحديدة؛ ما أدى إلى مقتل 6 أشخاص، وإصابة نحو 80 آخرين.

زعيم الحوثيين توعد بالمزيد من الهجمات ضد إسرائيل وأميركا وأقرّ بتجنيد 700 ألف شخص (إ.ب.أ)

وفي 29 سبتمبر (أيلول) الماضي، قصفت إسرائيل مستودعات للوقود في كل من الحديدة وميناء رأس عيسى، كما استهدفت محطتي توليد كهرباء في الحديدة، بالإضافة إلى مطار المدينة الخارج عن الخدمة منذ سنوات، وأسفرت هذه الغارات عن مقتل 4 أشخاص، وإصابة نحو 30 شخصاً.

وتكررت الضربات في 19 ديسمبر الحالي؛ إذ شنّ الطيران الإسرائيلي نحو 14 غارة على مواني الحديدة الثلاثة، الخاضعة للحوثيين غرب اليمن، وعلى محطتين لتوليد الكهرباء في صنعاء؛ ما أدى إلى مقتل 9 أشخاص وإصابة 3 آخرين.

ومع تجاهل الحوثيين تهديدات نتنياهو المتكررة، كان الأخير قد أبلغ أعضاء الكنيست بأنه طلب من الجيش تدمير البنى التحتية التابعة للحوثيين. وبحسب «وكالة الصحافة الفرنسية»، قال نتنياهو: «وجّهت قواتنا المسلحة بتدمير البنى التحتية للحوثيين لأننا سنضرب بكامل قوتنا أي طرف يحاول إلحاق الضرر بنا. سنواصل سحق قوى الشر بقوة ومهارة، حتى وإن استغرق الأمر وقتاً».