المثقف المهزوم حين يكون شخصية روائية رئيسية

دراسة نقدية في أعمال الكاتب علاء الديب

الكاتب علاء الديب
الكاتب علاء الديب
TT

المثقف المهزوم حين يكون شخصية روائية رئيسية

الكاتب علاء الديب
الكاتب علاء الديب

يعد الروائي علاء الديب (1939 - 2016) واحداً من أبرز أدباء جيل الستينات في مصر، وقد كان لشخصية المثقف، ابن الطبقة البرجوازية الصغيرة، حضور مركزي في أعماله الروائية، بما انطوت عليه هذه الشخصية من آمال وطموحات شتى، ورغبات عارمة في تغيير العالم، ثم اصطدام هذه الآمال بالواقع السياسي والاجتماعي، ومن ثم تبرز في كل روايات الديب تقريباً، شخصية المثقف المأزوم، التائه، المشوش، وذلك منذ روايته الأولى «القاهرة»، مروراً بروايتي «زهر الليمون» و«أيام وردية»، ووصولاً إلى ثلاثيته «أطفال بلا دموع» و«قمر على المستنقع» و«عيون البنفسج».
على هذه الخلفية، أسس الشاعر والباحث عمر شهريار دراسته العلمية «التشكيل الجمالي لشخصية المثقف في روايات علاء الديب»، لافتاً إلى أنه عاين في رواياته، أزمة المثقف في أزمنة مختلفة، سواء في مرحلة الستينات بروايته «القاهرة»، أو في مرحلة ما بعد هزيمة 1967 التي تركت ندوباً عميقة في شخصياته كلها، وفي المركز منها شخصية البطل المثقف المنكسر، ثم مرحلة ما بعد الانفتاح الاقتصادي على الغرب وهجرة المثقفين إلى الخليج العربي بعد أن تبخرت أحلامهم في مصر، فبدا المثقف ضحية لهذه التغيرات العميقة، والانهزامات المتتالية، وفي الوقت نفسه كان جانياً، لأنه لم يكن على قدر الآمال المعلقة عليه في إحداث التغيير اللازم.
من هنا، تبرز أهمية شخصية المثقف ومركزيتها في أعمال الديب الروائية، باعتبار أن ذلك المثقف يمثل - عبر تحولاته وانهزاماته - تجلياً للتحولات الاجتماعية والسياسية في المجتمعين المصري والعربي، ومن ثم تأتي أهمية دراسة هذه الشخصية المأزومة، وكيفية تشكيلها وبنائها جمالياً، خصوصاً أن روايات الديب ليست أعمالاً مباشرة أو خطابية، بل معنية بشكل كبير بتصوير أزمات شخصياتها بشكل جمالي، عبر صياغة هذه الشخصيات وعلاقاتها بالعالم من حولها، أو تشكيل الفضاءات المكانية التي تحيط بهذه الشخصيات في الروايات محل الدراسة.
ويخلص الباحث في ختام رسالته التي نال عنها درجة الماجستير من جامعة القاهرة إلى عدد من النتائج، أبرزها أن مفهوم كلمة المثقف في الثقافة العربية غائم، وغير واضح بشكل محدد، لأنه يفتقد لـ«التأصيل»، كما أن تاريخ المثقف العربي ووضعيته في الواقع العربي يختلف عن نظيره في الواقع الغربي، وإن أجمع معظم المنظرين على أن المفهوم مرتبط بالدور الذي يمكن أن يؤديه الشخص ليكون جديراً بوصفه بهذا المصطلح.
وبحسب البحث، تتعدد أنماط شخصية المثقف في روايات الديب، فثمة المثقف الصدامي المتمرد فردياً ممثلاً في شخصية «فتحي» برواية «القاهرة»، والمثقف المنسحب ممثلاً في شخصية «عبد الخالق المسيري» في رواية «زهر الليمون»، والمثقف المبعد ممثلاً في شخصية «أمين الألفي» في رواية «أيام وردية»، والمثقف الخائن ممثلاً في شخصية «الدكتور منير عبد الحميد فكار» في رواية «أطفال بلا دموع»، والمثقف المُسْتَلب ممثلاً في شخصية «الدكتورة سناء فراج» في رواية «قمر على المستنقع»، وشخصية المثقف المسخ ممثلاً في شخصية «تامر منير فكار» في رواية «عيون البنفسج». إضافة إلى ذلك، كانت هناك نماذج للمثقف المقاوم، والمثقف المهاجر إلى الغرب، والمثقف المهاجر إلى الدول العربية.
هذه الأنماط من شخصيات المثقفين تنوعت طرائق تقديمها سردياً، تارة عبر التقديم المباشر من خلال وجهة نظر الراوي، أو جهات نظر بقية الشخوص لها، أو وجهة نظر الشخصية المثقفة نفسها في ذاتها، وتارة أخرى تقديمها بطريق غير مباشر عبر وصف أفعال الشخصية ومواقفها وردات فعلها في المواقف المختلفة.
ويذكر الباحث أن ثمة محطات فارقة في تحولات شخصية المثقف في روايات الديب، الأولى هزيمة 1967 التي تمثل تحولاً مركزياً في شخصية المثقف المصري، وكانت بمثابة هزيمة له، كما كانت سبباً في انسحابه من المشهد الاجتماعي والسياسي أو إبعاده وطرده. كما تمثل حقبة الانفتاح الاقتصادي واتفاقية كامب ديفيد محطة تحول ثانية عمقت إحساس المثقف بالهزيمة. وكانت المحطة الثالثة هي تغير الأنساق القيمية للمجتمع المصري، وشيوع ثقافة الاستهلاك وانتشار وهيمنة الأصولية الدينية على الوعي المصري، ومن ثم اعتراف المثقف بهزيمته تماماً واستسلامه في مواجهة هذه التحولات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية.
وتوصلت الدراسة إلى أن انهزام المثقف أمام ما شهده المجتمع من تحولات حادة أدى إلى إحساس المثقف في روايات علاء الديب بالاغتراب وعدم التآلف مع كل المحيطين به، بدءاً من اغترابه عن أهله، وعن شريكته، وأبنائه، مروراً باغترابه عن عمله وزملاء العمل وكذلك عن جماعة المثقفين التي ينتمي لها، وصولاً إلى اغترابه عن ذاته وعن العالم، وتعمق إحساسه بعدم قدرته على الاندماج مع المجتمع، لينتهي به الأمر معزولاً ووحيداً وبائساً، لا يمكنه التواصل مع أحد.
أيضاً من أنماط هزيمة المثقف عن المكان، الذي فقد وجوده القديم الدافئ هو الآخر وطالته التحولات التي طالت المجتمع كله، وتركت آثارها عليه، ومن ثم انسحب المثقف وانحبس داخل غرف مغلقة، ضيقة ومقبضة، كانت بمثابة قوقعته التي يعاقب نفسه بالبقاء فيها معزولاً عن العالم، وكان خروجه منها للعالم يعمق إحساسه بالاغتراب عن الأماكن والشوارع والميادين التي جرى مسخها وتشويهها، وكانت تجلياً لما جرى في المجتمع من تحولات.


مقالات ذات صلة

«تيك توك» أكثر جدوى من دور النشر في تشجيع الشباب على القراءة

يوميات الشرق «تيك توك» أكثر جدوى من دور النشر  في تشجيع الشباب على القراءة

«تيك توك» أكثر جدوى من دور النشر في تشجيع الشباب على القراءة

كشفت تقارير وأرقام صدرت في الآونة الأخيرة إسهام تطبيق «تيك توك» في إعادة فئات الشباب للقراءة، عبر ترويجه للكتب أكثر من دون النشر. فقد نشرت مؤثرة شابة، مثلاً، مقاطع لها من رواية «أغنية أخيل»، حصدت أكثر من 20 مليون مشاهدة، وزادت مبيعاتها 9 أضعاف في أميركا و6 أضعاف في فرنسا. وأظهر منظمو معرض الكتاب الذي أُقيم في باريس أواخر أبريل (نيسان) الماضي، أن من بين مائة ألف شخص زاروا أروقة معرض الكتاب، كان 50 ألفاً من الشباب دون الخامسة والعشرين.

أنيسة مخالدي (باريس)
يوميات الشرق «تيك توك» يقلب موازين النشر... ويعيد الشباب إلى القراءة

«تيك توك» يقلب موازين النشر... ويعيد الشباب إلى القراءة

كل التقارير التي صدرت في الآونة الأخيرة أكدت هذا التوجه: هناك أزمة قراءة حقيقية عند الشباب، باستثناء الكتب التي تدخل ضمن المقرّرات الدراسية، وحتى هذه لم تعد تثير اهتمام شبابنا اليوم، وهي ليست ظاهرة محلية أو إقليمية فحسب، بل عالمية تطال كل مجتمعات العالم. في فرنسا مثلاً دراسة حديثة لمعهد «إبسوس» كشفت أن شاباً من بين خمسة لا يقرأ إطلاقاً. لتفسير هذه الأزمة وُجّهت أصابع الاتهام لجهات عدة، أهمها شبكات التواصل والكم الهائل من المضامين التي خلقت لدى هذه الفئة حالةً من اللهو والتكاسل.

أنيسة مخالدي (باريس)
يوميات الشرق آنية جزيرة تاروت ونقوشها الغرائبية

آنية جزيرة تاروت ونقوشها الغرائبية

من جزيرة تاروت، خرج كم هائل من الآنية الأثرية، منها مجموعة كبيرة صنعت من مادة الكلوريت، أي الحجر الصابوني الداكن.

يوميات الشرق خليل الشيخ: وجوه ثلاثة لعاصمة النور عند الكتاب العرب

خليل الشيخ: وجوه ثلاثة لعاصمة النور عند الكتاب العرب

صدور كتاب مثل «باريس في الأدب العربي الحديث» عن «مركز أبوظبي للغة العربية»، له أهمية كبيرة في توثيق تاريخ استقبال العاصمة الفرنسية نخبةً من الكتّاب والأدباء والفنانين العرب من خلال تركيز مؤلف الكتاب د. خليل الشيخ على هذا التوثيق لوجودهم في العاصمة الفرنسية، وانعكاسات ذلك على نتاجاتهم. والمؤلف باحث وناقد ومترجم، حصل على الدكتوراه في الدراسات النقدية المقارنة من جامعة بون في ألمانيا عام 1986، عمل أستاذاً في قسم اللغة العربية وآدابها في جامعة اليرموك وجامعات أخرى. وهو يتولى الآن إدارة التعليم وبحوث اللغة العربية في «مركز أبوظبي للغة العربية». أصدر ما يزيد على 30 دراسة محكمة.

يوميات الشرق عمارة القاهرة... قصة المجد والغدر

عمارة القاهرة... قصة المجد والغدر

على مدار العقود الثلاثة الأخيرة حافظ الاستثمار العقاري في القاهرة على قوته دون أن يتأثر بأي أحداث سياسية أو اضطرابات، كما شهد في السنوات الأخيرة تسارعاً لم تشهده القاهرة في تاريخها، لا يوازيه سوى حجم التخلي عن التقاليد المعمارية للمدينة العريقة. ووسط هذا المناخ تحاول قلة من الباحثين التذكير بتراث المدينة وتقاليدها المعمارية، من هؤلاء الدكتور محمد الشاهد، الذي يمكن وصفه بـ«الناشط المعماري والعمراني»، حيث أسس موقع «مشاهد القاهرة»، الذي يقدم من خلاله ملاحظاته على عمارة المدينة وحالتها المعمارية.

عزت القمحاوي

فرشاة أسنان ذكية تنقل بيانات المستخدمين وتخزّنها

يمكن لفرشاة الأسنان المبتكرة والذكية الاتصال بالإنترنت (معهد بليكينغ للتكنولوجيا)
يمكن لفرشاة الأسنان المبتكرة والذكية الاتصال بالإنترنت (معهد بليكينغ للتكنولوجيا)
TT

فرشاة أسنان ذكية تنقل بيانات المستخدمين وتخزّنها

يمكن لفرشاة الأسنان المبتكرة والذكية الاتصال بالإنترنت (معهد بليكينغ للتكنولوجيا)
يمكن لفرشاة الأسنان المبتكرة والذكية الاتصال بالإنترنت (معهد بليكينغ للتكنولوجيا)

ابتكر باحث من معهد «بليكينغ للتكنولوجيا» في السويد، فرشاة أسنان ذكية يمكنها الاتصال بشبكة «الواي فاي» و«البلوتوث»، كما تخزّن البيانات وتنقلها وتستقبلها من أجهزة استشعار مُدمجة بها.

ووفق المعهد، يمكن للفرشاة الجديدة أن تُحدِث فرقاً كبيراً في صحّة الفم، خصوصاً فيما يتعلّق بتحسين جودة الحياة لدى كبار السنّ.

كان إدراك أنّ صحّة الفم تؤدّي دوراً حاسماً في الشيخوخة الصحّية والرغبة في إيجاد حلّ للمرضى المسنّين، نقطةَ البداية لأطروحة طبيب الأسنان يوهان فليبورغ في تكنولوجيا الصحّة التطبيقية في المعهد، والآن يمكنه إثبات أن فرشاة الأسنان المبتكرة والذكية المزوّدة بالطاقة يمكن أن تُحدث فرقاً كبيراً في صحّة الفم وجودة حياة كبار السنّ.

يقول فليبورغ، في بيان منشور، الثلاثاء، على موقع المعهد: «فاجأني التدهور في صحّة الفم لدى كثير من المرضى، وتساءلتُ عن الأسباب. تُظهر البحوث الطبّية أنّ التدهور المعرفي المبكر والخفيف غالباً ما يؤدّي إلى تدهور كبير في صحّة الفم وجودة الحياة. ومع ذلك، لم أجد ما يمكن أن يقدّم الحلّ لهذه المشكلة».

مع أكثر من 30 عاماً من الخبرة بكونه طبيب أسنان، غالباً ما رأى فليبورغ أنه يمكن أن يكون هناك تدهور كبير في صحّة الفم لدى بعض المرضى مع تقدّمهم في السنّ؛ ما دفعه إلى البحث عن حلّ. وبعد 5 سنوات من البحوث، أثبت أنّ فرشاة الأسنان المبتكرة والذكية المزوّدة بالطاقة لها دور فعّال.

باتصالها بالإنترنت، يمكننا أن نرى في الوقت الفعلي مكان الفرشاة في الفمّ، والأسنان التي نُظِّفت، ولأي مدّة، ومدى قوة الضغط على الفرشاة. وعند إيقاف تشغيلها، تكون ردود الفعل فورية.

«قد يكون الحصول على هذه الملاحظات بمثابة توعية لكثير من الناس. وبالنسبة إلى مرضى السكتة الدماغية، على سبيل المثال، الذين لا يستطيعون الشعور بمكان الفرشاة في أفواههم وأسطح الأسنان التي تضربها، فإن وظيفة مثل هذه يمكن أن تكون ضرورية للحفاظ على صحّة الفم»، وفق فليبورغ الذي يرى إمكان دمج مزيد من الوظائف الأخرى في فرشاة الأسنان الجديدة. ويعتقد أن الفرشاة يمكنها أيضاً حمل أجهزة استشعار لقياسات الصحة العامة.

يتابع: «بفضل أجهزة الاستشعار التي يمكنها قياس درجة حرارة الجسم واكتشاف العلامات المبكرة للعدوى، يمكن أن تصبح فرشاة الأسنان المبتكرة أداةً لا تُقدَّر بثمن في رعاية المسنّين. ولكن من المهمّ أيضاً إشراك الأقارب ومقدّمي الرعاية لضمان النجاح».

وتُعدُّ فرشاة الأسنان هذه ابتكاراً تكنولوجياً وطريقة جديدة للتفكير في رعاية المسنّين وصحّة الفم. ويأمل فليبورغ أن تصبح قريباً جزءاً طبيعياً من الرعاية الطبّية، مما يساعد كبار السنّ الذين يعانون ضعف الإدراك على عيش حياة صحّية وكريمة. ويختتم: «يمكن أن يكون لهذا الحلّ البسيط تأثير كبير».