هل الجينات سبب أساسي لتجنب عدوى فيروس كورونا؟

العلماء يدققون في احتمالات وجود مقاومة فطرية للوباء

هل الجينات سبب أساسي لتجنب عدوى فيروس كورونا؟
TT
20

هل الجينات سبب أساسي لتجنب عدوى فيروس كورونا؟

هل الجينات سبب أساسي لتجنب عدوى فيروس كورونا؟

استباح متحوّر «أوميكرون» بداية السنة الجديدة جميع أنحاء الولايات المتّحدة، فوجدت ماري كارينغتون نفسها ومن دون علمها في مناسبة ذات نسبة انتشار عالية – حفلة في مكانٍ مقفل يحضرها أكثر من 20 شخصًا، انتهت بنقلِ واحدٍ من مدعوّيها على الأقل للفيروس إلى معظم الضيوف المجتمعين.
وبعد عامين من تجنّبها الإصابة بفيروس الكورونا، شعرت كارينغتون أنّ دورها في الإصابة قد حان، إلّا أنّها لم تلتقط الفيروس وشعرت «أنّها شديدة المقاومة لهذا المرض». عندها، لم تفكّر أنّ الحصانة المناعية ناتجة عن عدّة جرعات من اللقاح المضاد للفيروس، بل قدّرت أنّ طرد الجرثومة يعود لنوعٍ من المراوغة الوراثية الفطرية التي أتاحت لخلاياها إبعاد مسبّب المرض بطريقة طبيعية.
فهمت كارينغتون ما الذي قد يعنيه هذا الأمر لأنّها كخبيرة في علم الوراثة المناعي في المعهد الوطني للسرطان، كانت واحدة من علماء عدّة ساعدوا في بداية التسعينيات في كشف طفرة تمنع معظم سلالات فيروس نقص المناعة المكتسب من اختراق الخلايا البشرية، ما يجعل بعض الأشخاص عصيّين على تأثيرات مسبّب هذا المرض. ولعلّ شيئًا مماثلًا قد يقف خلف حماية تتمتّع بها قلّة من الأشخاص ضدّ فيروس «سارس-كوف-2».

فكرة خادعة
ولكنّ فكرة مقاومة الانسان للفيروسات التّاجية خادعة لدرجة أنّ العلماء يستكشفون اليوم جينومات أشخاص من جميع أنحاء العالم لرصد أيّ إشارة على وجود مثل هذه المقاومة. وإذا تبيّن أنّها موجودة فعلًا، فسيتمكّنون من استخدام هذه المعرفة لتحديد الناس الأكثر تأثّرًا بالفيروس، أو استغلالها لتطوير أدوية أقوى لعلاج وترويض فيروسات الكوفيد. أمّا بالنسبة للأشخاص الذين لم يصابوا بالفيروس بعد – أي الشريحة الآخذة في التضاؤل من البشر – تبقى المقاومة «قوّة خارقة» يعتقد النّاس واهمين بأنّهم يملكونها، بحسب باولا كانون، عالمة الوراثة المناعية والفيروسات في جامعة جنوب كاليفورنيا.
من جهتها، ترجّح هيلين سو، عالمة المناعة في المركز الوطني للحساسية والأمراض المعدية، أنّ هذه المقاومة الحميدة لعدوى «سارس-كوف-2» نادرة جدًا، شأنها شأن أيّ قوّة خارقة أخرى، خصوصًا أن حدس كارينغتون كان خاطئًا، لأنّ كارينغتون نفسها عادت أخيرًا من رحلة إلى سويسرا ووجدت أنّها مصابة بالفيروس.
وكما الكثير من النّاس الذين بقوا آمنين حتّى وقتٍ ليس ببعيد، كانت كارينغتون قد أمضت السنتين والنصف الماضيتين في تطبيق إجراءات احترازية كاللقاحات والسلوك الحذر إلى جانب الحظّ طبعًا، ما يعني أنّ المقاومة الفطرية لفيروس الكورونا لم تكن موجودة ربّما، أو أنها كانت موجودة ولكن بمجهود عال.

مقاومة فطرية
يعرف جان لوران كازانوفا، عالم جينات ومناعة في جامعة روكفلر، ثلاثة فقط من أصل ألف وأربعمائة فيروس وبكتيريا وكائنٍ طفيلي وفطري مسبّبة للأمراض يمكن طردها من الجسم بطفرات جينية نادرة هي فيروس نقص المناعة المكتسب، والنوروفيروس، والملاريا.
ولعلّ الطفرة الصادّة لفيروس نقص المناعة هي الأشهر بينها. بدأ عددٌ من العلماء من بينهم كارينغتون قبل حوالى ثلاثة عقود، بالبحث عن عددٍ صغير من الأشخاص الذين «كانوا شبه أكيدين أنّهم تعرّضوا لفيروس نقص المناعة عدّة مرّات وأنّهم أصيبوا فعلًا بالمرض ولكنّهم لم يكونوا كذلك». تبيّن لاحقّا أنّ «قوّتهم الخارقة» كانت بسيطة: كانت أجسامهم تخلو من نسخات فعّالة من جين «CCR5» المسؤول عن إنتاج بروتين يلفّ سطح الخليّة يحتاجه فيروس نقص المناعة المكتسب لاختراق الخلايا التّائية، وهي الفريسة المفضّلة للفيروسات لدى البشر. ووجد الباحثون أن 1 في المائة فقط من البشر يتحدّرون من أصولٍ أوروبية يملكون هذه الطفرة المسمّاة «CCR5-delta 32» بنسختين، وأنّ الطفرة أكثر ندرةً لدى الأعراق الأخرى. ومع ذلك، استغلّ الباحثون الاكتشاف لتطوير أدوية قويّة مضادّة للفيروسات وقضوا على الفيروس لدى أشخاص مصابين بمساعدة زراعات تعتمد على طفرة «delta32» في النخاع الشوكي، ليكون هذا الدواء الأقرب إلى تطوير عقار يشفي من فيروس نقص المناعة المكتسب.
تتشابه القصّة مع الفيروسين الآخرين. فقد حوّلت الأخطاء الجينية في جين «FUT2» الذي يغلّف خلايا الأمعاء بالسكريات، بعض الأشخاص إلى مقاومين للنوروفيروس norovirus. وفي السياق نفسه، يمحي الاختلال الجيني بروتينًا اسمه «دافي» Duffy من جدران خلايا الدمّ الحمراء، مانعًا بذلك المتصورة النشيطة (بلاسموديوم فيفاكس)، واحدة من طفيليات عدّة تسبّب مرض الملاريا، من الدخول إلى الخلايا. تشيع طفرة «دافي» التي تؤثّر على جينة اسمها «DARC/ACKR1» في جنوب الصحراء الأفريقية الكبرى التي نجحت نسبيًا في تخفيض معدلات عدوى المتصورة النشيطة.

في السنوات الأخيرة، ومع تقدّم التقنيات الجينية، بدأ الباحثون بالتحقيق في المزيد من الطفرات المقاومة لعدوى مسبّبات مرض أخرى كفيروس التهاب الكبد «بي» hepatitis B virus والفيروس العجلي rotavirus. ولكنّ روابط هذه الطفرات بالمرض صعبة الرصد نظرًا للأعداد الكبرى من المشاركين التي تتطلّبها هذه الدراسات، وصعوبة تحديد ورصد العدوى في الأساس، الأمر الذي قد ينطبق على فيروس «سارس-كوفيد-2».
يتواصل كازانوفا وفريق دولي من الباحثين المشاركين منذ أشهر مع آلاف الأشخاص حول العالم الذين يعتقدون أنّهم يتمتّعون بمقاومة جينية لفيروس الكورونا. تعرّض أفضل المشاركين في هذه الدراسة للفيروس بشكلٍ مباشر عبر الاختلاط بشخص يعاني من عوارضه في المنزل، إلّا أنّ فحوصاتهم لمسبّب المرض والاستجابة المناعية كانت تأتي دائمًا سلبية. ولكنّ الانتقال التنفّسي يحصل غالبًا بالصدفة، حيث يستطيع فيروس الكورونا اختراق الأشخاص بصمت دون ترك أثر للأجسام المضادّة. (يعتزم الفريق أيضًا اختبار استجابات الخلايا التائية الأقلّ طفرًا أيضًا).
يميل الأشخاص الذين لا يعانون من أعراض ظاهرة إلى عدم الخضوع للفحص، أو قد لا يخضعون للفحص بالطريقة الصحيحة. وعلاوةً على ذلك، يحمي الجهاز المناعي صاحبه من العدوى لا سيّما في الفترة التي تلي التلقيح أو المرض. في حالة فيروس نقص المناعة المكتسب، هذا الفيروس الذي يسبّب عدوات مزمنة ولا توجد لقاحات لعلاجه، وينتشر عبر طرق واضحة ومحدّدة في الشبكات الاجتماعية الكثيفة، «كان من الأسهل تحديد هؤلاء الأشخاص» الذين زارهم الفيروس دون أن يتجذّر فيهم، بحسب رافيندرا غوبتا، عالمة الفيروسات في جامعة كمبردج. ولكن دراسة «سارس-كوف-2» لن تكون بالسهولة نفسها.
يشبه فيروسا الملاريا والنوروفيروس فيروس نقص المناعة المكتسب ولكنّ القصّة ليست نفسها في حالتهما. تتجلّى المقاومة الفطرية في كثير من الأشكال وتميل غالبًا إلى التولّد من طفرات تشلّ قدرة مسبّب المرض على سلوك طريقه إلى الخلية أو التكاثر داخلها. تعمل طفرات «CCR5»، و«دافي»، والسكريات التي يفرزها «FUT2» مثلًا كشرائح للهبوط الميكروبي تمسك بالفيروسات بإحكام.

جينات مقاومة «كورونا»
في هذه الحالة، إذا تبيّن وجود طفرة موازية لمحاربة فيروس «سارس-كوف-2»، فمن المنطقي أن نعثر عليها في مستقبلات «ACE2» الذي يحتاجه فيروس الكورونا لاختراق الخلايا، أو في «TMPRSS2»، البروتين الذي يشبه المقصّ ويسرّع العملية التدخّلية لبعض المتحوّرات على الأقلّ.
وكان الباحثون قد عثروا في السابق على متحوّرات جينية قادرة على إضعاف وجود مستقبلات «ACE2» في الخلايا أو طرد نسخات من «TMPRSS2»، ما يدلّ على وجود طفرة قادرة على إبعاد جزيئات فيروس كورونا أكثر. ولكنّ مستقبلات «ACE2» مهمّة جدًا لتنظيم ضغط الدم والحفاظ على صحّة أنسجة الرئتين، بحسب الخبيرة سو، واحدة من العلماء الذين عملوا مع كازانوفا للعثور على جينات مقاومة لفيروس «سارس-كوفيد-2».
في المقابل، يمكن لأيّ طفرة قد تبقي فيروس الكورونا في الخارج أن «تعبث بجوانب أخرى من الفيزيولوجيا البشرية»، ما قد يؤدّي إلى طفرة جينية نادرة جدًا ومنهكة، أو كما يصفها غوبتا، «غير مناسبة للحياة». تشير باولا كانون إلى أنّ «الأشخاص الذين يملكون طفرة CCR5-delta32، التي تعطّل فيروس نقص المناعة المكتسب طبيعيون، ما يعني أنّ الفيروس أخفق في اختيار جين CCR5. في المقابل، نجح فيروس الكورونا في معرفة كيفية استغلال شيء حيوي لدى مضيفه في حركة غازية بارعة».
بدأ الباحثون أيضًا بدراسة بعض الاتجاهات المتعلّقة بفيروس الكوفيد. وكان كازانوفا من مستشفى روكفلر، واحدًا من باحثين متعدّدين قادوا جهودًا للكشف عن أهمية جزيئية مناعية أشبه بإنذار على شكل مضاد للفيروس في بداية السيطرة على العدوى. تسير أمور الأشخاص الذين ينتجون كتل البروتين بعد ساعات على التقاط العدوى على ما يُرام في محاربة الفيروس، بينما يواجه أصحاب الاستجابات الضعيفة أو البطيئة خطر المرض الشديد. وينطبق الأمر نفسه على الأشخاص الذين تفبرك أجسامهم أجسامًا مضادّة صعبة التكيّف تهاجم مضادّات الفيروسات أثناء تمريرها للرسائل بين الخلايا. تلعب عوامل أخرى قد تبدّل خطر المرض الشديد للأفضل أو الأسوأ دورًا مهمًا أيضًا وأبرزها قدرة الخلايا على استشعار الفيروس مبكرًا، ومستوى التنسيق بين مختلف فروع الدفاع، والمكابح التي يضعها الجهاز المناعي على نفسه حتّى لا يعرّض خلايا المضيف للخطر.

* مجموعة «ذي اتلانتك مونثلي»
- خدمات «تريبيون ميديا»


مقالات ذات صلة

علماء ينتجون «نموذج جنين بشري» في المختبر

علوم النموذج تم تطويره باستخدام الخلايا الجذعية (أرشيف - رويترز)

علماء ينتجون «نموذج جنين بشري» في المختبر

أنتجت مجموعة من العلماء هيكلاً يشبه إلى حد كبير الجنين البشري، وذلك في المختبر، دون استخدام حيوانات منوية أو بويضات.

«الشرق الأوسط» (لندن)
علوم الهياكل الشبيهة بالأجنة البشرية تم إنشاؤها في المختبر باستخدام الخلايا الجذعية (أرشيف - رويترز)

علماء يطورون «نماذج أجنة بشرية» في المختبر

قال فريق من الباحثين في الولايات المتحدة والمملكة المتحدة إنهم ابتكروا أول هياكل صناعية في العالم شبيهة بالأجنة البشرية باستخدام الخلايا الجذعية.

«الشرق الأوسط» (لندن)
علوم علماء يتمكنون من جمع حمض نووي بشري من الهواء والرمال والمياه

علماء يتمكنون من جمع حمض نووي بشري من الهواء والرمال والمياه

تمكنت مجموعة من العلماء من جمع وتحليل الحمض النووي البشري من الهواء في غرفة مزدحمة ومن آثار الأقدام على رمال الشواطئ ومياه المحيطات والأنهار.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
علوم صورة لنموذج يمثل إنسان «نياندرتال» معروضاً في «المتحف الوطني لعصور ما قبل التاريخ» بفرنسا (أ.ف.ب)

دراسة: شكل أنف البشر حالياً تأثر بجينات إنسان «نياندرتال»

أظهرت دراسة جديدة أن شكل أنف الإنسان الحديث قد يكون تأثر جزئياً بالجينات الموروثة من إنسان «نياندرتال».

«الشرق الأوسط» (لندن)
علوم دراسة تطرح نظرية جديدة بشأن كيفية نشأة القارات

دراسة تطرح نظرية جديدة بشأن كيفية نشأة القارات

توصلت دراسة جديدة إلى نظرية جديدة بشأن كيفية نشأة القارات على كوكب الأرض مشيرة إلى أن نظرية «تبلور العقيق المعدني» الشهيرة تعتبر تفسيراً بعيد الاحتمال للغاية.

«الشرق الأوسط» (لندن)

دراسة علمية: جزيرة العرب ظلت يانعة لفترات طويلة

جزيرة العرب مرت بحقبات خضراء في الأزمان الماضية
جزيرة العرب مرت بحقبات خضراء في الأزمان الماضية
TT
20

دراسة علمية: جزيرة العرب ظلت يانعة لفترات طويلة

جزيرة العرب مرت بحقبات خضراء في الأزمان الماضية
جزيرة العرب مرت بحقبات خضراء في الأزمان الماضية

تكاد شبه الجزيرة العربية اليوم تكون صحراء قاحلة، لكنها كانت خضراء وخصبة مرات عديدة خلال الثمانية ملايين سنة الماضية. هذا يعني أن حيوانات من أفريقيا ربما تكون قد هاجرت إلى المنطقة. وكذلك أقوام مبكرين من أشباه البشر يُعتقد أنهم كانوا محصورين في أفريقيا، وفقاً لدراسة جديدة نشرت في مجلة «نتشر»، كما كتب مايكل مارشال(*).

يقول مايكل بيتراغليا من جامعة غريفيث في بريسبان بأستراليا: «تتغير الصحارى باستمرار. لدينا أنواع من فرس النهر قادمة من أفريقيا. فلماذا لا يكون لدينا أشباه البشر؟».

صورة للدراسة المنشورة في مجلة «نتشر» وتظهر فيها أسماء الأساتذة الباحثين العرب المشاركين فيها: عبد الله الشارخ وعبد العزيز العمري ويحيى المفرح وفيصل الجبرين ومسفر القحطاني ومحمود الشنطي وإياد زلموط
صورة للدراسة المنشورة في مجلة «نتشر» وتظهر فيها أسماء الأساتذة الباحثين العرب المشاركين فيها: عبد الله الشارخ وعبد العزيز العمري ويحيى المفرح وفيصل الجبرين ومسفر القحطاني ومحمود الشنطي وإياد زلموط

جزيرة العرب اليانعة

أظهرت أبحاث سابقة أن شبه الجزيرة العربية شهدت فترات ممطرة خلال المليون ومئة ألف سنة الماضية. خلال هذه الفترات الممطرة، كانت شبه الجزيرة تضم أنهاراً وبحيرات دعمت المراعي، والغابات، ما ساهم في انتقال البشر المعاصرين، وأشباه بشرية مجهولة النسب إلى المنطقة خلال تلك الفترات المواتية.

دراسة سجل المناخ الزمني

وبهدف تمديد سجل المناخ الزمني إلى أبعد من ذلك، أخذ فريق بيتراغليا عينات من الصواعد والهوابط من سبعة كهوف في تكوين «أم الرضومة» في وسط الجزيرة العربية. ولأن هذه الصواعد والهوابط تتكون بفعل تدفق المياه إلى الكهوف، فإنها تحتوي على سجلات للمناخات السابقة.

قام الفريق بتحديد أعمارها باستخدام طريقتين: تأريخ اليورانيوم - الثوريوم، وتأريخ اليورانيوم - الرصاص. ويقول بيتراغليا إن تأريخ اليورانيوم - الرصاص يُعد تقدماً كبيراً، لأنه يسمح بتمديد سجل المناخ الأرضي إلى أبعد من ذلك بكثير في الزمن. ويضيف: «إنه ببساطة تغيير جذري».

وسجلت الكهوف أربع فترات رطبة في الثمانية ملايين سنة الماضية: من 7.44 مليون إلى 6.25 مليون سنة مضت؛ ومن 4.10 مليون إلى 3.16 مليون سنة مضت؛ ومن 2.29 مليون إلى 2.01 مليون سنة مضت؛ منذ ما بين 1.37 مليون و860 ألف سنة، وفقاً لنتائج الدراسة المنشورة في مجلة «نتشر».

مراعٍ وغابات حول الأنهار

يقول بيتراغليا إنه لا توجد لدينا حتى الآن سجلات أحفورية تكشف عن طبيعة النظم البيئية في شبه الجزيرة العربية خلال هذه الفترات الرطبة. ولكن إذا تم اعتماد الدلائل على المليون سنة الماضية، فيمكننا توقع وجود مراعٍ، وغابات غنية حول الأنهار والبحيرات.

وتعلق آنيا كروكر من جامعة ساوثهامبتون في المملكة المتحدة، التي لم تشارك في الدراسة: «بدأنا فجأةً ندرك مدى صلاحية هذه المنطقة للسكن». وتضيف أن سجلات الكهوف تُعطي على الأرجح مؤشراً جيداً على الظروف في جميع أنحاء شبه الجزيرة العربية، حيث تتحكم الرياح الموسمية في هطول الأمطار هناك، والتي تعمل على نطاق قاري.

من المحتمل أن يكون أشباه البشر الأوائل قد عاشوا في شبه الجزيرة العربية عندما كان المناخ مناسباً.

ويقول بيتراغليا إنه من الممكن أيضاً أن تكون الظروف الرطبة قد امتدت إلى الصحراء الكبرى غرباً. وإذا كان الأمر كذلك، فربما كانت هناك ممرات خضراء متقطعة تمتد عبر شمال أفريقيا وشبه الجزيرة العربية.

أشباه البشر والبشر المعاصرون

يغطي النطاق الزمني للدراسة، الذي يمتد لثمانية ملايين سنة، كامل تطور أشباه البشر hominins المعروف. وأقدم أشباه البشر، مثل الأسترالوبيثكس Australopithecus، معروفون فقط من أفريقيا. أما أفراد جنسنا، الإنسان Homo، فهم فقط من عاشوا خارج أفريقيا. وأقدمهم المعروف هو الإنسان المنتصب Homo erectus من دمانيسي في جورجيا، ويعود تاريخه إلى 1.8 مليون سنة. كما توجد أدوات حجرية، صنعها بشر مجهولون منذ 2.1 مليون سنة، من شانغشن، الصين.

ويقول بيتراغليا إنه من الممكن أن أشباه البشر، بمن فيهم من سبقوا الإنسان، عاشوا في شبه الجزيرة العربية عندما كان المناخ مناسباً. ويضيف: «تُخبرنا فترات الرطوبة أنه لا يوجد سبب يمنعهم من ذلك». وتكمن مشكلة الدراسات في وجود فجوة هائلة في السجل الأحفوري العربي، تمتد من نحو 5 ملايين إلى 500 ألف سنة مضت.

* مجلة «نيو ساينتست» خدمات «تريبيون ميديا»

شارك فيها الباحثون: عبد الله الشارخ، وعبد العزيز العمري، ويحيى المفرح، وفيصل الجبرين، ومسفر القحطاني ومحمود الشنطي، وإياد زلموط