لو أن هذه الزخارف الجميلة تتحدث!

معرض في نيويورك عن خمسة قرون من التبادل والاستيعاب الثقافي

لو أن هذه الزخارف الجميلة تتحدث!
TT

لو أن هذه الزخارف الجميلة تتحدث!

لو أن هذه الزخارف الجميلة تتحدث!

يستعرض مركز الرسم «Drawing Center» في نيويورك مجموعة كبيرة من الزخارف، وأعمال الأرابيسك، والموروثات المعقدة للممتلكات الثقافية في معرض بعنوان «صخب الزخارف». المعرض يجمع نحو 200 رسم، ونقش، وصور فوتوغرافية، وسترات، وأنسجة ليروي قصة معقدة، تمتد عبر خمسة قرون عن التبادل والاستيعاب الثقافي.
يُعرف أمناء المعرض الزخارف بأنها «التنميق أو التزيين»، السطحي أو البنيوي، الذي يمكن نزعه من سياقه، وإعادة صياغته، ثم إعادة إنتاجه. ويعطيهم هذا الوصف الواسع مساحة لاستيعاب أي شيء تقريباً، وهم يفعلون ذلك: هناك نقوش وزخارف خشبية من أعمال ألبرخت دورر تعود إلى أوائل القرن السادس عشر، وهي لوحة لحاء رسمها فنان غير معروف من بابوا نيو غينيا، مع سلسلة من الكعك والمعجنات بالأبيض والأسود من أعمال الرسام توم هوفي لنسخة ملونة من كتاب «الخبازون البريطانيون العظماء».

«حجرة النوم» من الرسومات في المعرض (ناشونال غاليري أوف آرت)

التصميم العبقري للمعرض يسمح لك بتصور هذه الرتوش والزخارف التي تطوف حول العالم كما لو كانت خالية تماماً من الوزن. أحد أعمال دورر، وهو تصوير مستدير مستوحى من رسومات ليوناردو دافنشي لتصميم عثماني، معلق بجوار ملصق للمغني بوب ديلان لعام 1968 مع دائرة مماثلة على جبهته، وفي أماكن أخرى، في سلسلة من اللوحات المائية والمطبوعات الخشبية من القرن التاسع عشر، هناك أنماط النسيج التي تتأرجح بين الهند وأوروبا واليابان.
لا خطأ في التصاوير المستديرة على جبهة ديلان بالطبع، أو في الدوائر الأخرى التي استخدمها المصمم مارتن شارب لتصوير شعر الموسيقي الشهير. لكن في القرن التاسع عشر، عندما كانت مثل هذه الأنماط هي الأكثر رواجاً في أوروبا الغربية، كانت مرتبطة بالمفاهيم العنصرية «للشرق» - الخيال الذي شيده المرء ليصف بالرومانسية الأشخاص أنفسهم الذين كان هؤلاء الأوروبيون يغزونهم ويسرقونهم.
يمكن ملاحظة الرومانسية في التصاوير الفضية اللامعة والجذابة التي صورها المصور الفرنسي جوزيف فيليبيرت غيراولت دي برانغى، عن مسجد مصري، أو في رسم يُنسب إلى مهندس البلاط الفارسي ميرزا أكبر، من نوع أعمال البلاط المعقدة التي ألهمت المهندس المعماري الإنجليزي أوين جونز لكتابة دراسة إلزامية للكتاب بالكامل عن الزخرفة الفنية والمعمارية. (كتاب جونز «قواعد الزخرفة»، الصادر عام 1856 هو مصدر الإلهام لعنوان المعرض).
يُقدم معرض «صخب الزينة» الدليل أيضاً على قسوة التصنيع والاستعمار - كما يظهر ذلك في الفنون على الأقل. هناك رسم «للحصن الأحمر»، في دلهي، مُجهز بحسب الذوق الإنجليزي، والمانغو الكشميري الأنيق الذي استغلته مصانع النسيج في بلدة بيزلي الاسكوتلندية، والعلم الأميركي المُتضمن في نسج «نافاجو» المصنوع بعد حصر قبائل النافاجو (أحد الشعوب الأميركية الأصلية) داخل محمية، حيث تحتم عليهم استيراد الصوف. (في مقالها الوثائقي الموسع، تقتبس إيميلي كينغ، المنسقة المشاركة للمعرض، من المؤرخ الاقتصادي كازو كوباياشي قوله إن الأقطان المصنعة في الهند «كانت التجارة الأكثر أهمية في مقابل العبيد الأفارقة»).
ترى الناس يستخدمون التملك في صد الاضطهاد والمحو الثقافي. لكن لا شيء من هذه التبادلات بسيط. ظهر دابر دان، المصمم من هارلم، هنا من خلال عدة صور، وكان رائداً لرؤية جديدة من النمط الأسود التي استعارت شعارات الشركات والأزياء - الابتكار الذي جرى استيعابه لاحقاً من قبل تلك الشركات. وتشرح الفنانة.

ويندي ريد ستار الصور التاريخية لدبلوماسيي «كرو»، لإعادة أهمية الريش وأربطة الشعر التي قلل الأميركيون البيض من شأنها وأساءوا فهمها. لكن هذه الأهمية تأتي بنوع من العنف من تلقاء ذاتها. وتكتب تقول إن أحد أربطة الشعر تمثل: «التغلب الجسدي على العدو وضرب عنقه».
في النهاية، لا يقدم المعرض أي حجة بقدر ما يقدم مجموعة كاملة من الحجج - أي الضجة المفاهيمية التي تُعمق وتُضخم التجربة البصرية الطاغية بالأساس. فمن ناحية، مع احتدام الجدال حول الاستيعاب الثقافي وخسارة المزيد من الفروق الدقيقة بشكل متزايد، أصبحنا في حاجة ماسة إلى مُذكرات كهذه بشأن مدى صعوبة فصل الحقائق عن الوقائع. ومن ناحية أخرى، كزائر للمعرض، انتهى بي المطاف بانهماك في بعض عمليات فصل السياقات بنفسي، ومحاولة ضبط الملصقات الحجرية الدرامية، من تصميم «ستوديو فريث»، وركزت بدلاً من ذلك على الملذات الحسية المطلقة للمعرض المكيف الهواء والمتخم بمجموعة رائعة من الأشياء الجميلة.

رسم لمشهد مليء بالدراما منحوت على عظم الحوت ويعود للقرن التاسع عشر (متحف صيد الحيتان والمركز التعليمي)
 
قد ينجذب بعض الأشخاص إلى الألوان الجريئة لبطانيات «إيما بيتواي» المطوية لعام (2021)، وسلسلة «تويوهارا كونيشيكا» 1864 من القطع الخشبية بعنوان «أزهار إيدو: خمسة شبان»، أو الجدار المؤقت المغطى بنموذج فرنسي للقرن الثامن عشر والمُسمى «ريفيلون أرابيسك 810». لكنني وجدت نفسي منجذباً نحو الحقائق البسيطة أحادية اللون التي كانت تضمنها الملصقات الطباعية الرائعة لجون مايدا، «قطعة قماش التابا» المتعرجة من أوقيانوسيا، أو عينة من المنمنات العظمية من القرن التاسع عشر.
يبلغ طول العظم المنقوش 6 بوصات تقريباً، وهو يُظهر حوتاً مُنهكاً للغاية ومُحاطاً ببحارة مُحبطين وهو يدمر صائد الحيتان بينهم. كان مثيراً للتأمل أن المشهد الصغير بأكمله، والمفعم بالدراما والعاطفة، قد يكون مجرد قطعة أخرى من الزخرفة الطافية بلا هدف.

الأسد والأرنب لولفغانغ فون بوميل (متحف سميثسونيان)
 
- خدمة «نيويورك تايمز»

مقالات ذات صلة

«تيك توك» أكثر جدوى من دور النشر في تشجيع الشباب على القراءة

يوميات الشرق «تيك توك» أكثر جدوى من دور النشر  في تشجيع الشباب على القراءة

«تيك توك» أكثر جدوى من دور النشر في تشجيع الشباب على القراءة

كشفت تقارير وأرقام صدرت في الآونة الأخيرة إسهام تطبيق «تيك توك» في إعادة فئات الشباب للقراءة، عبر ترويجه للكتب أكثر من دون النشر. فقد نشرت مؤثرة شابة، مثلاً، مقاطع لها من رواية «أغنية أخيل»، حصدت أكثر من 20 مليون مشاهدة، وزادت مبيعاتها 9 أضعاف في أميركا و6 أضعاف في فرنسا. وأظهر منظمو معرض الكتاب الذي أُقيم في باريس أواخر أبريل (نيسان) الماضي، أن من بين مائة ألف شخص زاروا أروقة معرض الكتاب، كان 50 ألفاً من الشباب دون الخامسة والعشرين.

أنيسة مخالدي (باريس)
يوميات الشرق «تيك توك» يقلب موازين النشر... ويعيد الشباب إلى القراءة

«تيك توك» يقلب موازين النشر... ويعيد الشباب إلى القراءة

كل التقارير التي صدرت في الآونة الأخيرة أكدت هذا التوجه: هناك أزمة قراءة حقيقية عند الشباب، باستثناء الكتب التي تدخل ضمن المقرّرات الدراسية، وحتى هذه لم تعد تثير اهتمام شبابنا اليوم، وهي ليست ظاهرة محلية أو إقليمية فحسب، بل عالمية تطال كل مجتمعات العالم. في فرنسا مثلاً دراسة حديثة لمعهد «إبسوس» كشفت أن شاباً من بين خمسة لا يقرأ إطلاقاً. لتفسير هذه الأزمة وُجّهت أصابع الاتهام لجهات عدة، أهمها شبكات التواصل والكم الهائل من المضامين التي خلقت لدى هذه الفئة حالةً من اللهو والتكاسل.

أنيسة مخالدي (باريس)
يوميات الشرق آنية جزيرة تاروت ونقوشها الغرائبية

آنية جزيرة تاروت ونقوشها الغرائبية

من جزيرة تاروت، خرج كم هائل من الآنية الأثرية، منها مجموعة كبيرة صنعت من مادة الكلوريت، أي الحجر الصابوني الداكن.

يوميات الشرق خليل الشيخ: وجوه ثلاثة لعاصمة النور عند الكتاب العرب

خليل الشيخ: وجوه ثلاثة لعاصمة النور عند الكتاب العرب

صدور كتاب مثل «باريس في الأدب العربي الحديث» عن «مركز أبوظبي للغة العربية»، له أهمية كبيرة في توثيق تاريخ استقبال العاصمة الفرنسية نخبةً من الكتّاب والأدباء والفنانين العرب من خلال تركيز مؤلف الكتاب د. خليل الشيخ على هذا التوثيق لوجودهم في العاصمة الفرنسية، وانعكاسات ذلك على نتاجاتهم. والمؤلف باحث وناقد ومترجم، حصل على الدكتوراه في الدراسات النقدية المقارنة من جامعة بون في ألمانيا عام 1986، عمل أستاذاً في قسم اللغة العربية وآدابها في جامعة اليرموك وجامعات أخرى. وهو يتولى الآن إدارة التعليم وبحوث اللغة العربية في «مركز أبوظبي للغة العربية». أصدر ما يزيد على 30 دراسة محكمة.

يوميات الشرق عمارة القاهرة... قصة المجد والغدر

عمارة القاهرة... قصة المجد والغدر

على مدار العقود الثلاثة الأخيرة حافظ الاستثمار العقاري في القاهرة على قوته دون أن يتأثر بأي أحداث سياسية أو اضطرابات، كما شهد في السنوات الأخيرة تسارعاً لم تشهده القاهرة في تاريخها، لا يوازيه سوى حجم التخلي عن التقاليد المعمارية للمدينة العريقة. ووسط هذا المناخ تحاول قلة من الباحثين التذكير بتراث المدينة وتقاليدها المعمارية، من هؤلاء الدكتور محمد الشاهد، الذي يمكن وصفه بـ«الناشط المعماري والعمراني»، حيث أسس موقع «مشاهد القاهرة»، الذي يقدم من خلاله ملاحظاته على عمارة المدينة وحالتها المعمارية.

عزت القمحاوي

عمرو سعد: أعود للشاشة بفيلم «الغربان»... وأحل ضيفاً على «الست»

عمرو سعد يتحدث عن مشواره الفني (إدارة المهرجان)
عمرو سعد يتحدث عن مشواره الفني (إدارة المهرجان)
TT

عمرو سعد: أعود للشاشة بفيلم «الغربان»... وأحل ضيفاً على «الست»

عمرو سعد يتحدث عن مشواره الفني (إدارة المهرجان)
عمرو سعد يتحدث عن مشواره الفني (إدارة المهرجان)

قال الفنان المصري عمرو سعد إن غيابه عن السينما في السنوات الأخيرة جاء لحرصه على تقديم أعمال قوية بإمكانات مادية وفنية مناسبة، وأكد أنه يعود للسينما بأحدث أفلامه «الغربان» الذي قام بتصويره على مدى 4 سنوات بميزانية تقدر بنصف مليار جنيه (الدولار يساوي 49.73 جنيه)، وأن الفيلم تجري حالياً ترجمته إلى 12 لغة لعرضه عالمياً.

وأضاف سعد خلال جلسة حوارية بمهرجان القاهرة السينمائي الدولي، الخميس، أنه يظهر ضيف شرف لأول مرة من خلال فيلم «الست» الذي يروي سيرة سيدة الغناء العربي أم كلثوم، وتقوم ببطولته منى زكي وإخراج مروان حامد، ومن إنتاج صندوق «بيج تايم» السعودي و«الشركة المتحدة» و«سينرجي» و«فيلم سكوير».

وعرض سعد لقطات من فيلم «الغربان» الذي يترقب عرضه خلال 2025، وتدور أحداثه في إطار من الحركة والتشويق فترة أربعينات القرن الماضي أثناء معركة «العلمين» خلال الحرب العالمية الثانية، ويضم الفيلم عدداً كبيراً من الممثلين من بينهم، مي عمر، وماجد المصري، وأسماء أبو اليزيد، وهو من تأليف وإخراج ياسين حسن الذي يخوض من خلاله تجربته الطويلة الأولى، وقد عدّه سعد مخرجاً عالمياً يمتلك موهبة كبيرة، والفيلم من إنتاج سيف عريبي.

وتطرق سعد إلى ظهوره ضيف شرف لأول مرة في فيلم «الست» أمام منى زكي، موضحاً: «تحمست كثيراً بعدما عرض علي المخرج مروان حامد ذلك، فأنا أتشرف بالعمل معه حتى لو كان مشهداً واحداً، وأجسد شخصية الرئيس جمال عبد الناصر، ووجدت السيناريو الذي كتبه الروائي أحمد مراد شديد التميز، وأتمنى التوفيق للفنانة منى زكي والنجاح للفيلم».

وتطرق الناقد رامي عبد الرازق الذي أدار الحوار إلى بدايات عمرو سعد، وقال الأخير إن أسرته اعتادت اصطحابه للسينما لمشاهدة الأفلام، فتعلق بها منذ طفولته، مضيفاً: «مشوار البدايات لم يكن سهلاً، وقد خضت رحلة مريرة حتى أحقق حلمي، لكنني لا أريد أن أسرد تفاصيلها حتى لا يبكي الحضور، كما لا أرغب في الحديث عن نفسي، وإنما قد أكون مُلهماً لشباب في خطواتهم الأولى».

عمرو سعد في مهرجان القاهرة السينمائي الدولي (إدارة المهرجان)

وأرجع سعد نجاحه إلي «الإصرار والثقة»، ضارباً المثل بزملاء له بالمسرح الجامعي كانوا يفوقونه موهبة، لكن لم يكملوا مشوارهم بالتمثيل لعدم وجود هذا الإصرار لديهم، ناصحاً شباب الممثلين بالتمسك والإصرار على ما يطمحون إليه بشرط التسلح بالموهبة والثقافة، مشيراً إلى أنه كان يحضر جلسات كبار الأدباء والمثقفين، ومن بينهم الأديب العالمي نجيب محفوظ، كما استفاد من تجارب كبار الفنانين.

وعاد سعد ليؤكد أنه لم يراوده الشك في قدرته على تحقيق أحلامه حسبما يروي: «كنت كثيراً ما أتطلع لأفيشات الأفلام بـ(سينما كايرو)، وأنا أمر من أمامها، وأتصور نفسي متصدراً أحد الملصقات، والمثير أن أول ملصق حمل صورتي كان على هذه السينما».

ولفت الفنان المصري خلال حديثه إلى «أهمية مساندة صناعة السينما، وتخفيض رسوم التصوير في الشوارع والأماكن الأثرية؛ لأنها تمثل ترويجا مهماً وغير مباشر لمصر»، مؤكداً أن الفنان المصري يمثل قوة خشنة وليست ناعمة لقوة تأثيره، وأن مصر تضم قامات فنية كبيرة لا تقل عن المواهب العالمية، وقد أسهمت بفنونها وثقافتها على مدى أجيال في نشر اللهجة المصرية.

وبدأ عمرو سعد (47) عاماً مسيرته الفنية خلال فترة التسعينات عبر دور صغير بفيلم «الآخر» للمخرج يوسف شاهين، ثم فيلم «المدينة» ليسري نصر الله، وقدمه خالد يوسف في أفلام عدة، بدءاً من «خيانة مشروعة» و«حين ميسرة» و«دكان شحاتة» وصولاً إلى «كارما»، وقد حقق نجاحاً كبيراً في فيلم «مولانا» للمخرج مجدي أحمد علي، وترشح الفيلم لتمثيل مصر في منافسات الأوسكار 2018، كما لعب بطولة عدد كبير من المسلسلات التلفزيونية من بينها «يونس ولد فضة»، و«ملوك الجدعنة»، و«الأجهر»، بينما يستعد لتصوير مسلسل «سيد الناس» أمام إلهام شاهين وريم مصطفى الذي سيُعْرَض خلال الموسم الرمضاني المقبل.