دروبادي مورمو... أول امرأة تتولى الرئاسة في الهند

ابنة أقلية قبلية من الطبقات الفقيرة حملها حزب بهاراتيا جاناتا إلى القمة

دروبادي مورمو... أول امرأة  تتولى الرئاسة في الهند
TT

دروبادي مورمو... أول امرأة تتولى الرئاسة في الهند

دروبادي مورمو... أول امرأة  تتولى الرئاسة في الهند

سطرت الهند فصلاً تاريخياً جديداً بانتخابها أخيراً رئيس جمهوريتها الخامس عشر. ومع أن رئاسة الجمهورية في الهند شرفية إلى حد كبير، فعندما أدت دروبادي مورمو اليمين الدستورية لأعلى منصب دستوري في البلاد، سجّلت بضع سوابق لافتة. إذ نجحت مورمو في كسر السقف الزجاجي للمرة الأولى عندما أصبحت أول شخص مولود بعد الاستقلال والأصغر سناً يشغل المنصب الأعلى للبلاد. ثم إنه، بجانب كونها ثاني رئيسة للهند، باتت مورمو أول رئيس من أبناء المجتمعات القبلية الأصلية، التي تعاني من التهميش رغم كونها تشكل قرابة 10 في المائة من إجمالي سكان الهند. ما يذكر، أن براتيبها باتيل كانت أول رئيسة للهند خلال الفترة من 2007 إلى 2012. أما مورمو، فقد نجحت في التفوق على منافسها ياشوانت سينها باستحواذها على نصيب الأسد من الأصوات. والمعروف، أن سينها شغل منصب وزير المالية بين عامي 1998 و2002 إبان فترة حكم حزب بهاراتيا جاناتا. غير أن سينها كان أحد القياديين الذين انشقوا عن «بهاراتيا جاناتا»، ومن ثم غادر الحزب عام 2018، في أعقاب خلاف دبّ بينه وبين ناريندرا مودي، زعيم الحزب اليميني ورئيس الحكومة الهندية الحالي، حول قضايا اقتصادية.

تتولّى انتخاب رئيس الجمهورية في الهند هيئة انتخابية، مُشكّلة من أعضاء من مجلسي البرلمان والجمعيات التشريعية للولايات والمجالس التشريعية للولايات والمجالس التشريعية لاتحاد إقليمي دلهي وبودوتشيري الاتحاديين الذاتيي الحكم. وقبل أسبوعين تقريباً سلّم الرئيس الهندي المنتهية ولايته رام ناث كوفيند منصب الرئاسة إلى خليفته دروبادي مورمو (64 سنة). وتعدُّ هذه المرة الثانية خلال فترة ولاية رئيس الوزراء ناريندرا مودي التي يرتقي فيها شخص من فئات متواضعة طبقياً إلى منصب الرئاسة، ذلك أن الرئيس المنتهية ولايته رام ناث كوفيند جاء كذلك من خلفية متواضعة للغاية.
بعد أدائها اليمين، قالت مورمو في خطابها «لقد انتُخبت في فترة مهمة تحتفل خلالها البلاد بمرور 75 سنة على الاستقلال. الوصول إلى هذا المنصب ليس إنجازاً شخصياً لي، بل إنجاز لجميع الفقراء في البلاد. إن انتخابي دليلٌ على حقيقة أنه يمكن في الهند للفقراء أن يحلموا وأن يحققوا هذه الأحلام. هنا تكمن قوة الديمقراطية في الهند، إن الفتاة المولودة في منزل قبلي فقير يمكن أن تصل إلى أعلى منصب دستوري».
ومن جانبه، كتب رئيس الوزراء مودي في تغريدة أطلقها عبر «تويتر» معلقاً «لقد تابعت الأمة كلها بكل فخر واعتزاز أداء السيدة دروبادي مورمو جي اليمين الدستورية كرئيسة للهند. إن توليها الرئاسة لحظة فاصلة في الهند، خاصة للفقراء والمهمشين والمضطهدين، وأنا أتمنى لها كل التوفيق في فترة رئاسية مثمرة».

- حياة متواضعة
كان الانتقال من منزل طيني إلى قصر رئاسي فخم، يضم 376 غرفة، رحلة طويلة للرئيسة مورمو، التي أمضت طفولتها في منزل من الطين بقرية نائية في ولاية أوديشا (أوريسا سابقاً) الساحلية بشرق الهند. ولا يزال كثيرون من أبناء قريتها يطهون طعامهم على الحطب، كما يؤمّنون حاجتهم من المياه عبر استخدام المضخات اليدوية المجتمعية. وحتى اليوم، لم تصل الكهرباء إلى القرية بعد (حتى الشهر الماضي، عندما جرى الإعلان عن ترشحها لانتخابات الرئاسة). وفي الواقع، قبل بضعة، عندما أُعلن حزب بهاراتيا جاناتا الهندوسي اليميني الحاكم عن اختيار مورمو مرشحة للرئاسة عنه، شوهدت الرئيسة العتيدة وهي تمسح أرض أحد المعابد الهندوسية قبل أداء الصلاة.
تجدر الإشارة هنا إلى رئيس الجمهورية في الهند، لا يمارس سلطات تنفيذية، بل هو فقط «رأس الدولة»، وعليه بموجب الدستور أن يعمل بناءً على مشورة الوزراء. ولكن في المقابل، فإن الرئيس – دستورياً – هو القائد الأعلى للقوات المسلحة الهندية ويتولى تعيين جميع الضباط، بما في ذلك تعيين القيادات. كذلك عندما تعلن البلاد الحرب فإنها تعلنها باسم الرئيس، وباسمه تعقد السلام أيضاً، بفضل السلطة التي يتمتع بها الرئيس فوق البرلمان. وبناءً عليه، فإن الدور أقرب إلى دور العاهل البريطاني أو ملوك هولندا وبلجيكا ودول اسكندينافيا، بمعنى أنه يلعب دور «الحَكَم» في نظام برلماني تمتلك الحكومة الممثلة لغالبيته السلطة الحقيقية. ومن الجمهوريات، تشبه سلطات رئاسة الجمهورية في الهند - مثلاً - سلطات رئيسي ألمانيا وإسرائيل.

- رحلة الصعود اللافتة
بالنظر إلى انتماء مورمو إلى أسرة قبلية وافتقارها إلى ما يكفي من الموارد في حياتها، تبدو مسيرة انتقالها من قرية صغيرة فقيرة في ولاية أوديشا الصغيرة إلى رئاسة الهند... رحلة غير مسبوقة.
ولدت دروبادي مورمو، يوم 20 يونيو (حزيران) 1958، لأسرة فلاحية فقيرة جداً من السانثاليين، وهم من الشعوب الموندية القاطنة في شمال ووسط شرق الهند. ومثل مَن هم في ظروفها، واجهت خلال سنوات نشأتها الكثير من المصاعب. ولرغبتها في نيل التعليم بينما تناضل لتلبية احتياجاتها الاقتصادية، اضطرت مورمو إلى الرحيل عن قريتها وهي لا تزال في السنة الدراسية السابعة. لكنها بمساعدة أقارب لها، تمكنت من إنجاز تعليمها المدرسي في مدينة بهوبانيسوار، عاصمة أوديشا، ثم التحقت بجامعة راما ديفي للنساء.
وبعد التخرّج بشهادة بكالوريوس في الآداب، حصلت مورمو على وظيفة بوزارة الرّي والطاقة، إلا أنها استقالت من وظيفتها بعد زواجها. ثم، بدأ نجمها يصعد مع انطلاق مسيرتها السياسية، إذ دخلت مورمو المجلس المحلي في قضاء رايرانغبور (الذي تتبعه قريتها) في ولاية أوديشا عام 1997. وبعدها فازت في دورتي انتخاب متتاليتين لعضوية البرلمان (المجلس التشريعي) في أوديشا عامي 2000 و2004، مرشّحة عن حزب بهاراتيا جاناتا.
كذلك، شغلت مورمو منصب وزيرة التجارة والنقل، ثم وزارة الثروة السمكية والموارد الحيوانية، بين عامي 2000 و2004. وكانت المحطة التالية في مسيرتها، التي لم تخلُ من مآسٍ وآلام، عام 2007 عندما نالت جائزة أفضل مشرّعة من المجلس التشريعي.
مورمو لم تخض الانتخابات لفترة، عانت خلالها من سلسلة من المآسي والمحن الشخصية، على رأسها وفاة ابنيها (أحدهما عام 2009 في ظروف غامضة، والآخر في حادث سير عام 2013)، ووفاة زوجها جراء إصابته بنوبة قلبية عام 2014. وإضافة لذلك، فقدت والدتها وأحد أشقائها بين عامي 2009 و2015. ولكن، على الرغم من جميع هذه المآسي، تمكنت مورمو من النهوض من جديد والمضي قدماً في حياتها وعملها السياسي، وبالذات نشاطها الحزبي. لقد وجدت مورمو العزاء في الانغماس بالروحانيات والخدمة العامة. وكانت أخبرت صديقة لها أنه لولا تفاعلها مع الناس والتعرف إلى معاناتهم اليومية، لكان الاكتئاب ليقضي عليها.

- شخصية حازمة وقوية
تتميز شخصية مورمو بالحزم والقوة، وأيضاً بالبساطة الشديدة. فهي - وسط معاناتها الشخصية - أغرقت نفسها في العمل، وعملت بجد من أجل توفير الرعاية لآلاف الأطفال المعوّزين، ونشطت كثيراً في مجال الرعاية الاجتماعية... عاملة على توفير الموارد المائية لمناطق معرضة للجفاف وبناء مدارس ومراكز صحية، علاوة على دعم منشآت تتعلق بمجال الدعم.
وفي العام 2016، صارت أول امرأة تتولى منصب حاكم ولاية جهارخاند. ولقد شغلت هذا المنصب لفترة 6 سنوات، رجعت بعد انتهائها إلى قريتها يوم 12 يوليو (تموز) 2021، وظلت تعيش هناك منذ ذلك الحين قبل أن تنتقل إلى القصر الرئاسي في دلهي.
بوجه عام، تحرص مورمو على الابتعاد عن الأضواء وعن الجدل، لكنها أثبتت قوة كبيرة كحاكمة لجهارخاند. وفي حينه، رفضت المصادقة على التعديلات التي أدخلتها الحكومة بقيادة «بهاراتيا جاناتا» على قانون الإيجارات القائم منذ عام 1908، والذي يسمح باستغلال الأراضي القبلية لأغراض تنموية دون تغيير في الملكية. وأثارت التعديلات اضطرابات داخل المناطق القبلية التي رأت فيها تمييعاً لحقوق القبائل؛ ما أجبر الحكومة على إعادة التفكير في الأمر.
من ناحيتها، لا تزال فاسانث كومار غيري، معلّمة مورمو السابقة، تتذكر الابتسامة التي حملها وجه فتاة صغيرة تتشبث بيد والدها في أول زيارة لها للمدرسة. وبحماسة شديدة لنجاح تلميذتها «الرئيسة»، قالت كومار غيري (85 سنة) «نحن معشر المعلمين كنّا على يقين من أنها ستصل إلى مناصب كبرى وتجعلنا فخورين بها. لقد شاهدتها تكافح وتتألق، من عضو مجلس بلدي ثم مجلس تشريعي فوزيرة وحاكمة ولاية جهارخاند». وأضافت بصوت مرتجف عبر الهاتف «بعد أن أصبحت الحاكمة، أهدت جميع المعلمين شالات حريرية، بمَن فيهم أنا».
في الحقيقة، لم يسمع كثيرون من سكان قرية «الرئيسة» عن حي رايزينا هيل - حيث تقع أهم مقرات السلطة في نيودلهي ومنها العنوان السكني الجديد لمورمو ـ ولا هم على دراية بحدود السلطات الدستورية للرئيس الهندي، إلا أنهم في الوقت الذي يصلّون من أجلها، يطالبون بالمزيد من التنمية في مناطق الغابات التي يسكنون بها. وعلى مستوى شخصي حميم، تقول رابندرا باتنايك، صديقة الأسرة منذ 40 سنة، وهي صحافية مقيمة في رايرانغبور، عن مورو «إنها امرأة بسيطة واحتياجاتها قليلة، وطعامها المفضل (الباخالا)، وهو طبق يصنع من الأرز واللبن الرائب. وهي نباتية صارمة، ملتزمة بالتعاليم الهندوسية، وفي حين تنأى عن الخرافات فإنها مؤمنة جداً بقيَم ثقافتها القبلية».

- مكاسب حزبها السياسية
على صعيد آخر، مع أن رحلة مورمو تشكل مصدر إلهام للجميع، فإن ترشيحها من قِبل حزب قومي هندوسي قوي مثل حزب بهاراتيا جاناتا يثير مسألة الرمزية في السياسة. ويرى خبراء سياسيون، أنه مع فوز مرشحته الرئاسية - أي مورمو - يتطلع «بهاراتيا جاناتا» بقيادة رئيس الوزراء مودي نحو التقارب مع المجتمعات القبلية، وفي الوقت ذاته على خلق جمهور انتخابي عبر مختلف أرجاء الهند.
وهنا يقول المحلل السياسي رابي داس «فيما يتعلق بحكومة حزب بهاراتيا جاناتا الحاكمة، فإن مورمو تشكل جزءاً جوهرياً من المشروع الأكبر لرئيس الوزراء مودي... وهو استراتيجية مدروسة لزيادة انتشار صورة من الهندوسية المتعاطفة والشاملة بين سكان القبائل في عموم الهند». ويضيف «يُعدّ انتخاب مورمو ضربة بارعة من مودي تبعث برسالة سياسية قوية إلى المضطهدين، وتحمل دلالات سياسية قوية، وأيضاً دلالات اجتماعية ودينية مهمة، تهدف إلى هدم ثنائية التمييز بين القبائل والفئات غير القبلية التي نمّاها في البداية الحكام الاستعماريون، ثم السياسيون الهنود في وقت لاحق على مدى الـ150 سنة الماضية. أما الهدف، فهو إنهاء حد لسياسات الهوية السياسية المفتتة التي طبّعتها وأضفت عليها الشرعية دولة الاستقلال النهروية».
من ناحية أخرى، لم تُلهم رحلة مورمو النساء فحسب، بل ألهمت أيضاً الأقليات الأخرى، وسيعمل انتخابها رئيسة في المستقبل على حث المزيد من الناس على امتهان السياسة. ومع ذلك، ثمة مخاوف من أن يصبح الأمر مجرد مهمة يقوم بها الحزب الحاكم من أجل خدمة علاقاته العامة؛ الأمر الذي سيقلل من فرص التأثير الفعلي الذي يمكن أن يحققه القرار.


مقالات ذات صلة

11 قتيلاً في تسرب للغاز بمنطقة صناعية بالهند

العالم 11 قتيلاً في تسرب للغاز بمنطقة صناعية بالهند

11 قتيلاً في تسرب للغاز بمنطقة صناعية بالهند

قتل 11 شخصاً بعد تسرب للغاز في الهند، حسبما أعلن مسؤول اليوم (الأحد)، في حادثة صناعية جديدة في البلاد. ووقع التسرب في منطقة جياسبورا وهي منطقة صناعية في لوديانا بولاية البنجاب الشمالية.

«الشرق الأوسط» (أمريتسار)
العالم الهند: مقتل 10 من عناصر الأمن في هجوم لمتمردين ماويين

الهند: مقتل 10 من عناصر الأمن في هجوم لمتمردين ماويين

قُتل عشرة من عناصر الأمن الهنود وسائقهم المدني في ولاية تشاتيسغار اليوم (الأربعاء) في انفجار عبوة ناسفة لدى مرور مركبتهم، حسبما أكدت الشرطة لوكالة الصحافة الفرنسية، متهمة متمردين ماويين بالوقوف وراء الهجوم. وقال فيفيكانند المسؤول الكبير في شرطة تشاتيسغار «كانوا عائدين من عملية عندما وقع الانفجار الذي استهدف مركبتهم».

«الشرق الأوسط» (نيودلهي)
يوميات الشرق «الصحة العالمية» تُحذر من دواء آخر للسعال مصنوع في الهند

«الصحة العالمية» تُحذر من دواء آخر للسعال مصنوع في الهند

قالت منظمة الصحة العالمية إنه تم العثور على مجموعة من أدوية الشراب الملوثة والمصنوعة في الهند، تحديداً في جزر مارشال وميكرونيزيا. وحذرت المنظمة من أن العينات المختبرة من شراب «غيوفينسين تي جي» لعلاج السعال، التي تصنعها شركة «كيو بي فارماشيم» ومقرها البنغاب، أظهرت «كميات غير مقبولة من ثنائي إيثيلين جلايكول وإيثيلين جلايكول»، وكلا المركبين سام للبشر ويمكن أن يكونا قاتلين إذا تم تناولهما. ولم يحدد بيان منظمة الصحة العالمية ما إذا كان أي شخص قد أُصيب بالمرض. يأتي التحذير الأخير بعد شهور من ربط منظمة الصحة العالمية بين أدوية السعال الأخرى المصنوعة في الهند ووفيات الأطفال في غامبيا وأوزبكستان.

«الشرق الأوسط» (نيودلهي)
العالم الأمم المتحدة تتوقع تفوق الهند على الصين من ناحية عدد السكان

الأمم المتحدة تتوقع تفوق الهند على الصين من ناحية عدد السكان

أعلنت الأمم المتحدة اليوم (الاثنين)، أن الهند ستتجاوز الأسبوع المقبل الصين من ناحية عدد السكان، لتغدو الدولة الأكثر اكتظاظاً في العالم بنحو 1.43 مليار نسمة. وقالت إدارة الشؤون الاقتصادية والاجتماعية التابعة للأمم المتحدة إنه «بحلول نهاية هذا الشهر، من المتوقع أن يصل عدد سكان الهند إلى 1.425.775.850 شخصاً، ليعادل ثم يتجاوز عدد سكان البر الرئيسي للصين». وطوال أكثر من مائة عام، كانت الصين الدولة الأكثر سكاناً في العالم، تليها الهند في المرتبة الثانية على مسافة راحت تتقلّص باطراد في العقود الثلاثة الأخيرة. ويأتي ذلك رغم غياب إحصاءات رسمية لعدد السكان في الهند منذ أواخر القرن الماضي.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
العالم اعتقال «انفصالي» من السيخ في الهند

اعتقال «انفصالي» من السيخ في الهند

أفاد مسؤول في شرطة ولاية البنجاب الهندية، اليوم (الأحد)، بأن قوات من الأمن ألقت القبض على «الانفصالي» المنتمي للسيخ أمريتبال سينغ، بعد البحث عنه لأكثر من شهر، في خطوة ضد إقامة وطن مستقل في الولاية المتاخمة لباكستان. وأدى بزوغ نجم سينغ (30 عاماً)، وهو واعظ بولاية البنجاب الشمالية الغربية حيث يشكّل السيخ الأغلبية، إلى إحياء الحديث عن وطن مستقل للسيخ. كما أثار مخاوف من عودة أعمال العنف التي أودت بحياة عشرات الآلاف في الثمانينات وأوائل التسعينات من القرن الماضي أثناء تمرد للسيخ. وقال مسؤول كبير بشرطة البنجاب لصحافيين: «ألقي القبض على أمريتبال سينغ في قرية رود بمنطقة موجا في البنجاب، بناء على معلوم

«الشرق الأوسط» (نيودلهي)

ترمب يختار روبيو وزيراً للخارجية بعدما تأكد من ولائه وتبنّيه شعارات «ماغا»

TT

ترمب يختار روبيو وزيراً للخارجية بعدما تأكد من ولائه وتبنّيه شعارات «ماغا»

روبيو
روبيو

بينما يراقب العالم السياسات الخارجية للرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، التي ستتحدّد على أساس شعاره «جعل أميركا عظيمة مرة أخرى» (ماغا)، بادر ترمب إلى تشكيل فريق سياسة خارجية وأمن قومي «متجانس»، لا يكرّر الأخطاء والصدامات التي خاضها في ولايته الأولى؛ إذ على مدى السنوات الثماني الماضية، جمع ترمب ما يكفي من الموالين، لتعيين مسؤولين من ذوي التفكير المماثل؛ لضمان ألا تواجهه أي مقاومة منهم. ومع سيطرة الحزب الجمهوري - الذي أعاد ترمب تشكيله «على صورته» - على مجلسي الشيوخ والنواب والسلطة القضائية العليا، ستكون الضوابط على سياساته أضعف بكثير، وأكثر ودية مع حركة «ماغا»، مما كانت عليه عام 2017. وهذا يشير إلى أن واشنطن ستتكلّم عن سياستها الخارجية بصوت واحد خلال السنوات الأربع المقبلة، هو صوت ترمب نفسه. لكن وعلى الرغم من أن قدرته على قيادة آلية السياسة الخارجية ستتعزّز، فإن قدرته على تحسين مكانة الولايات المتحدة في العالم مسألة أخرى.

اختار الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، السيناتور ماركو روبيو، مرشحاً لمنصب وزير الخارجية، بعد قطع الأخير شوطاً كبيراً في تقديم الولاء له. للعلم، علاقة الرجلين التي بدأت منذ عام 2016، وانتهت بشكل تصادمي بعد هزيمة روبيو في الانتخابات الرئاسية التمهيدية للحزب الجمهوري، تحولت إلى علاقة تحالفية إثر دعم روبيو كل ما قاله وفعله ترمب تقريباً إبّان فترة رئاسته الأولى.

هذا الواقع قد يعزّز تثبيت روبيو في مجلس الشيوخ - الذي يمضي فيه الآن فترته الثالثة - من دون عقبات جدية، في ظل دوره وتاريخه في المجلس، منذ أن فاز بمقعد فيه عام 2010. وحقاً، لاقى اختيار روبيو استحساناً حتى من بعض الديمقراطيين، منهم السيناتور الديمقراطي جون فيترمان، الذي قال إنه سيصوّت للمصادقة على تعيينه. كذلك أشاد السيناتور الديمقراطي مارك وارنر، رئيس لجنة الاستخبارات الحالي، في بيان، بروبيو ووصفه بأنه ذكي وموهوب.

ملف الخارجية للرئيس

روبيو، من جهته، لم يترك شكاً حيال مَن يقرر السياسة الخارجية للولايات المتحدة، عندما قال إن من يحددها، ليس وزير الخارجية، بل الرئيس. وبالتالي فإن مهمة مَن سيشغل المنصب ستكون تنفيذ سياسات هذا الرئيس، وهي تهدف إلى تأمين «السلام من خلال القوة»، ووضع مصالح «أميركا في المقام الأول».

وحقاً، يلخص روبيو رؤيته لأميركا بالقول: «هي أعظم دولة عرفها العالم على الإطلاق، لكن لدينا مشاكل خطيرة في الداخل وتحدّيات خطيرة في الخارج». وأردف: «نحن بحاجة إلى إعادة التوازن لاقتصادنا المحلي، وإعادة الصناعات الحيوية إلى أميركا، وإعادة بناء قوتنا العاملة من خلال تعليم وتدريب أفضل». واستطرد: «لا شيء من هذا سهل، لكن لا يمكننا أن نتحمل الفشل. هذا هو السبب في أنني ملتزم ببناء تحالف متعدّد الأعراق من الطبقة العاملة على استعداد للقتال من أجل هذا البلد والدخول في قرن أميركي جديد».

ولكن من هو ماركو روبيو؟ وما أبرز مواقفه الداخلية والخارجية؟ وكيف أدت استداراته السياسية إلى تحوّله واحداً من أبرز المرشحين للعب دور في إدارة ترمب، بل كاد يكون نائبه بدلاً من جي دي فانس؟

سجل شخصي

ولد ماركو روبيو قبل 53 سنة في مدينة ميامي بولاية فلوريدا، التي يعدّها موطنه. كان والده يعمل نادلاً ووالدته عاملة في أحد الفنادق. وفي حملته الأولى لمجلس الشيوخ، حرص دائماً على تذكير الناخبين بخلفيته من الطبقة العاملة، التي كانت تشير إلى التحوّلات الطبقية التي طرأت على قاعدة الحزب الجمهوري، وتحوّلت إلى علامة انتخابية، مع شعار «فقط في أميركا»، بوصفه ابناً لمهاجرَين كوبيّين... أصبح عضواً في مجلس الشيوخ الأميركي.

عندما كان في الثامنة من عمره، انتقلت الأسرة إلى مدينة لاس فيغاس بولاية نيفادا، حيث أمضى نحو 6 سنوات من طفولته، بعدما وجد والداه وظائف في صناعة الفنادق المتنامية فيها. وفي سن الرابعة عشرة من عمره، عاد مع عائلته إلى ميامي. ومع أنه كاثوليكي، فإنه تعمّد في إحدى كنائس لطائفة المورمون في لاس فيغاس، غير أنه في فلوريدا كان يحضر القداديس في إحدى الكنائس الكاثوليكية بضاحية كورال غايبلز، وإن كان قد شارك الصلوات سابقاً في كنيسة «كرايست فيلوشيب»، وهي كنيسة إنجيلية جنوبية في ويست كيندال بولاية فلوريدا.

يعرف عن روبيو أنه من مشجعي كرة القدم الأميركية، وكان يحلم بالوصول إلى دوري كرة القدم الأميركي عندما لعب في المدرسة الثانوية، إلا أنه لم يتلق سوى عرضين من كليتين جامعيتين. وبدايةً اختار كلية تاركيو غير المعروفة، التي تقع في بلدة يقل عدد سكانها عن 2000 شخص في المنطقة الشمالية الغربية الريفية من ولاية ميسوري. ولكن عندما واجهت الكلية الإفلاس وتعرّض للإصابة، تخلى روبيو عن كرة القدم وانتقل إلى فلوريدا، ليتخرّج ببكالوريوس في العلوم السياسية في جامعة فلوريدا، ثم في كلية الحقوق بجامعة ميامي.

في عام 1998، تزوّج روبيو من جانيت دوسديبيس، وهي أمينة صندوق سابقة في أحد المصارف، ومشجعة لنادي ميامي دولفينز لكرة القدم الأميركية، وأنجبا أربعة أطفال، وهو يعيش الآن وعائلته في ويست ميامي بولاية فلوريدا. ووفق موقع «أوبن سيكريت. أورغ»، بدءاً من عام 2018، كان صافي ثروة روبيو سلبياً؛ إذ تجاوزت ديونه 1.8 مليون دولار أميركي.

مسيرته السياسية الطموحة

يوم 13 سبتمبر (أيلول) 2005، في سن 34 سنة انتخب روبيو عضواً في مجلس النواب في فلوريدا، وأصبح رئيساً له عام 2006، بعد انسحاب منافسيه دينيس باكسلي وجيف كوتكامب ودينيس روس، ليغدو أول أميركي من أصل كوبي يتولى هذا المنصب، حتى عام 2008.

عام 2010، كان روبيو يُعد مرشحاً ضعيفاً ضد الحاكم (آنذاك) تشارلي كريست لترشيح الحزب الجمهوري لمجلس الشيوخ. وبالفعل، تعرّض لضغوط من قادة الحزب للانسحاب من السباق والترشح بدلاً من ذلك لمنصب المدعي العام، مع وعود من الحزب بإخلاء الميدان له. ويومذاك كتب في مذكراته «ابن أميركي»، قائلاً: «لقد أقنعت نفسي تقريباً بالانسحاب». غير أنه عاد وتمسك بموقفه، وكتب في تلك المرحلة أنه شعر بأنه لا يستطيع التراجع عن كلمته. وبقي في السباق، وفاز بأول فترة له في مجلس الشيوخ، حيث أعيد انتخابه في عام 2016، ثم مرة أخرى في عام 2022.

وعام 2016، دخل روبيو السباق الرئاسي منافساً مجموعة كبيرة من الجمهوريين، منهم دونالد ترمب، وفاز في لاية مينيسوتا، بينما حل السيناتور تيد كروز (من تكساس) ثانياً، وترمب ثالثاً. بعدها كانت انتصاراته الأخرى الوحيدة في واشنطن العاصمة وبورتوريكو. ومن ثم، انسحب بعدما هزمه ترمب في ولايته فلوريدا جامعاً 46 في المائة من الأصوات بينما جاء روبيو ثانياً بنسبة 27 في المائة. وخلال ذلك السباق، تبادل الرجلان الإهانات؛ إذ لقّبه ترمب بـ«ماركو الصغير»، وردّ روبيو بإهانة ترمب ووصفه بأنه «محتال» و«مبتذل». ولكن عندما أعادت قناة «آيه بي سي نيوز» في وقت سابق من هذا العام بث بعض تعليقاته عن ترمب عام 2016، قلل روبيو من أهميتها، بالقول: «كانت حملة». وفعلاً، بعد تولّي ترمب الرئاسة عام 2017، تحسنت علاقاتهما وظل على مقربة منه، حتى بعدما اختار ترمب السيناتور الشاب جي دي فانس (من أوهايو) لمنصب نائب الرئيس. بل سافر روبيو مع ترمب خلال المرحلة الأخيرة من سباق 2024، وألقى خطابات باللغتين الإنجليزية والإسبانية في العديد من التجمعات في اليوم الأخير من الحملة.

لم يترك روبيو شكاً حيال مَن يقرر سياسة واشنطن الخارجية

عندما قال إن من يحددها هو الرئيس... لا وزير الخارجية

سياسات روبيو المحافظة

بدءاً من أوائل عام 2015، حصل روبيو على تصنيف بنسبة 98.67 في المائة من قبل «اتحاد المحافظين الأميركيين»، بناء على سجلّه التصويتي مدى الحياة في مجلس الشيوخ. وعام 2013 كان روبيو السيناتور السابع عشر الأكثر محافظة. ويصنّف مركز سن القوانين الفعالة روبيو باستمرار بين أعضاء مجلس الشيوخ الثلاثة الأكثر فاعلية في الكونغرس.

يُذكر أن روبيو دخل مجلس الشيوخ بدعم قوي من جماعة «حفلة الشاي» التي كانت تمثل اليمين الأكثر محافظة في الحزب الجمهوري. لكن دعمه في عام 2013 لتشريع الإصلاح الشامل للهجرة بهدف توفير مسار للحصول على الجنسية لـ11 مليون مهاجر غير موثق في أثناء تنفيذ تدابير مختلفة لتعزيز الحدود الأميركية، أدى إلى انخفاض دعمهم له. وللعلم، رغم تمرير ذلك المشروع في مجلس الشيوخ، أسقطه المتشددون في مجلس النواب.

ثم، بمرور الوقت، نأى روبيو بنفسه عن جهوده السابقة للتوصل إلى «حل وسط» بشأن الهجرة؛ كالعديد من مواقفه الداخلية والخارجية التي عُدّت سبباً رئيساً لتغير علاقة ترمب به؛ إذ اعتمد مواقف أكثر تشدداً بشأن الهجرة، ورفض مساعي الحزب الديمقراطي إزاء ملف الهجرة منذ عام 2018 وحتى 2024.

في مارس (آذار) 2016، عارض روبيو ترشيح الرئيس باراك أوباما للقاضي ميريك غارلاند للمحكمة العليا، متذرعاً «لا أعتقد أنه يجوز لنا المضي قدماً بمرشح في العام الأخير من ولاية هذا الرئيس. أقول هذا، حتى لو كان الرئيس جمهورياً». لكنه في سبتمبر (أيلول) 2020، إثر وفاة القاضية الليبرالية روث بايدر غينزبيرغ، أشاد روبيو بترشيح ترمب للقاضية المحافظة إيمي باريت للمحكمة، وصوّت لتثبيتها في 26 أكتوبر (تشرين الأول)، قبل 86 يوماً من انتهاء ولاية ترمب الرئاسية.

أيضاً في مارس 2018، دافع روبيو عن قرار إدارة ترمب بإضافة سؤال الجنسية إلى تعداد عام 2020. ورجح الخبراء يومها أن يؤدي إدراج هذا السؤال إلى نقص حاد في تعداد السكان وبيانات خاطئة؛ إذ سيكون المهاجرون غير المسجلين أقل استعداداً للاستجابة للتعداد.

وحول الميزانية الفيدرالية، يدعم روبيو مع إعطاء الأولوية للإنفاق الدفاعي، ويرفض الإجماع العلمي بشأن تغير المناخ، الذي ينص على أن تغير المناخ حقيقي ومتقدم وضار وينجم في المقام الأول عن البشر. كذلك يعارض روبيو قانون الرعاية الميسرة (أوباما كير) وقد صوّت لإلغائه رغم فشل المحاولة. وهو معارض صريح للإجهاض، وقال إنه سيحظره حتى في حالات الاغتصاب وزنا المحارم، مع استثناءات إذا كانت حياة الأم في خطر.وأخيراً، يدعم روبيو تحديد ضرائب الشركات بنسبة 25 في المائة، وتعديل قانون الضرائب، ووضع حد أقصى للتنظيمات الاقتصادية، ويقترح زيادة سن التقاعد للضمان الاجتماعي بناءً على متوسط العمر المتوقع الأطول. ويعارض المعايير الفيدرالية الأساسية المشتركة للتعليم، كما يدعو إلى إغلاق وزارة التعليم الفيدرالية.