إذا لم تقرأ البيان الصحافي الصادر عن جامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية بالسعودية «كاوست» بمناسبة اكتشاف نوع جديد من أسماك الدنيس بالبحر الأحمر، فمن المؤكد أنه سيدهشك أن يكون الفيزيائي البريطاني دونال برادلي، الأستاذ في فيزياء المواد، ونائب رئيس «كاوست»، ضمن أعضاء الفريق البحثي المسؤول عن الاكتشاف، إذ لا تبدو هناك أي علاقة بين فيزياء المواد والاكتشاف الجديد.
وكان اسم برادلي بين الباحثين المتخصصين في علوم البحار، خلال الدراسة المنشورة أول أغسطس (آب) الجاري في «جورنال أوف فيش بيولوجي»، والتي تم من خلالها الإعلان عن إضافة سمكة دنيس نادرة، إلى القائمة المعروفة لهذا النوع بالبحر الأحمر، وتم إطلاق اسمَي والدة وزوجة برادلي على النوع الجديد، وذلك «تقديراً» لدوره في هذا الاكتشاف.
وكانت القائمة تضم ثلاثة أنواع تعيش في بيئة البحر الأحمر، وهي أسماك الدنيس من النوع المعروف باسم «الحرير الذهبي» أو (أكانثوباغروس بيردا)، والدنيس مزدوج الشريط (أكانثوباغروس بيفاشاتس)، وسمكة حفارة (رابدوسارجوس حفارة)، وأضافت الدراسة النوع الرابع الذي أُطلق عليه، كالأنواع الأخرى، اسماً شائعاً واسماً علمياً.
وأُعطي برادلي لدوره في الاكتشاف، الحق في التسمية، فاختار اسماً شائعاً مستوحى من اسم زوجته ليصبح اسم السمكة «بيف برادلي»، واسماً علمياً مستوحى من اسم والدته السيدة «ني أوكونور»، ليصبح الاسم العلمي «أكانثوباغروس أوكونورا».
ويحكي بيان صحافي أصدرته «كاوست» الدور الذي لعبه برادلي في هذا الاكتشاف، إذ إنه لاحظ في سمكة نجح في اصطيادها خلال ممارسته هذه الهواية في شاطئ جامعة الملك عبد الله للعلوم والتكنولوجيا (كاوست) قرب ثول بجدة، بعض السمات الفريدة بشكل واضح، التي تميزها عن الأنواع الأخرى، حيث كانت تتمتع بجبهة أكثر انحداراً، وبقعة سوداء مميزة على الحافة الخلفية لغطاء الخياشيم، وزعنفة صدرية أكثر اصفراراً، ولون جسم باهت.
نوع شائع من الدنيس البحري (أكانثوباغروس بيفاشاتس)
ولم يعثر برادلي، في الكتب والمواقع الإلكترونية على أي مواصفات تتشابه مع تلك السمكة، فعاد في فبراير (شباط) 2021، وسأل عالم البحار ومدير مركز أبحاث البحر الأحمر في جامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية الدكتور مايك بيرومين، عمّا إذا كان يمكن أن يكون هذا نوعاً جديداً.
أجرى فريق بيرومين تحليلاً جينياً للسمكة، مما أدى إلى دراسة أكثر تفصيلاً، مع نتائج كانت مثيرة للاهتمام بما يكفي جعلت فريق بيرومين يرددون دوماً في مراسلاتهم الإلكترونية عبارة: «نتمنى ألا يأكل نائب الرئيس تلك السمكة».
والمفارقة التي يحكيها برادلي في البيان، أنه «ضاعف» جهود الصيد، على أمل الحصول على بعض العينات الأخرى، لكنه لم يوفَّق، حتى إن ابنته الصغرى قالت لزوجته: «يبدو أن والدي عثر على سمكة منقرضة».
وبينما كان يفعل ذلك، حفز عثوره على هذه السمكة فريقاً من علماء البحار في «كاوست» على استخدام مصيدة تعتمد على المد والجزر بشاطئ «كاوست» الشمالي لاصطياد المزيد، ونجحوا في هذه المهمة، واستطاعوا تقديم وصف دقيق في دراستهم لهذه السمكة.
وهذه السمكة كبيرة نسبياً (يصل طولها إلى نحو 30 سم)، وعلى الرغم من الدراسات الأولى التي أُجريت على الدنيس في المنطقة منذ نحو 250 عاماً، فإنه لم يتم الإبلاغ عن هذا النوع من قبل، كما لم تُرصد في أسواق الأسماك المحلية، وأحد التخمينات لعدم ظهورها من قبل هو أن «هذه السمكة تفضل المياه الضحلة حول أشجار المنغروف، وهذه ليست هدفاً منظماً لنشاط مصايد الأسماك أو الغوص العلمي».
ويرى برادلي في تصريحات خاصة لـ«الشرق الأوسط»، أن هذا الاكتشاف تأكيد على أن الملاحظة و«العقل الفضولي»، قد «يتسببان في ذوبان الفواصل بين التخصصات»، ويقول: «مساهمتي في الدراسة اعتمدت على هذه المهارة، وسهّل خبراء العلوم البحرية هذا الاكتشاف، من خلال تأكيد أن الاختلافات التي لاحظتها، كانت بالفعل السمة المميزة لنوع جديد».
ورأى أن إطلاق اسم والدته وزوجته على السمكة، بمثابة «تكريم بسيط من جانبه لهما»، وأضاف: «احتفلت والدتي بعيد ميلادها التسعين في سبتمبر (أيلول) الماضي، لذا كان من المميّز جداً أن أتمكن من تسمية السمكة باسمها، فقد درستْ علم الأحياء في الجامعة، وأجرتْ أبحاثاً في علم النبات، لذا فهي على دراية كبيرة بالتسمية العلمية للأنواع المختلفة».
وعن الفرق بين الاسم الشائع والعلمي، أوضح أن الأنواع لها اسم علمي (باللاتينية) منظَّم في شكله ويتبع قواعد التصنيف لإعطاء تصنيف منهجي، ولا يتبع الاسم الشائع مثل هذه الإرشادات الدقيقة ويمكن أن يكون وصفياً للجغرافيا، أو السمات البارزة للحيوان أو يكون مرتبطاً بشخص، وقد اخترت اسم زوجتي في الاسم الشائع، «تقديراً لعطائها».
وعبّر عن سعادته بالحوارات الساخرة التي صاحبت اكتشافه، سواء بين أعضاء الفريق البحثي أو مع أفراد أسرته، وقال: «العلم مهنة اجتماعية إلى حد كبير، وتساعد التفاعلات الاجتماعية على العمل بشكل جيد في فرق، والاستمتاع جزء مهم من كونك عالماً».
ووصف البحر الأحمر بأنه «بقعة ساخنة للتنوع البيولوجي»، وقال إن «هناك بلا شك الكثير من أنواع الأسماك والحيوانات البحرية الأخرى التي تنتظر من يكتشفها»، وأضاف: «أعمل الآن في نيوم كمستشار أول لمؤسسة التعليم والبحث والابتكار وجامعة نيوم، وسأعمل مع الزملاء لاستكشاف ما إذا كانت سمكة (أكانثوباغروس أوكونورا) موجودة أيضاً في منطقة نيوم، فحتى الآن لم يتم العثور على السمكة إلا في محيط شاطئ كاوست»، وتابع: «قد تكون هذه الأنواع مثيرة للاهتمام من وجهة نظر علمية، ولكنها قد تكون ذات صلة أيضاً بتحديد فرص جديدة لتربية الأحياء البحرية المستوطنة في البحر الأحمر لدعم استدامة الغذاء».