المطاعم الشامية تغزو القاهرة والمدن الكبرى

يقبل عليها المصريون وتنافس أشهر أكلاتهم الشعبية

عامل يقطع «الشاورما» السورية
عامل يقطع «الشاورما» السورية
TT

المطاعم الشامية تغزو القاهرة والمدن الكبرى

عامل يقطع «الشاورما» السورية
عامل يقطع «الشاورما» السورية

تسللت الأكلات الشامية إلى موائد المصريين، وأصبحت تهدد عرش «الفول» و«الطعمية» و«الكشري»، أشهر الأكلات الشعبية المصرية. ومع نزوح آلاف السوريين إلى مصر جراء الحرب السورية، انتشرت بكثافة المطاعم الشامية في العاصمة القاهرة وبعض المدن الكبرى والساحلية، ووجدت ترحيبا في أوساط المصريين، نظرا لمذاقها الشهي وأسعارها المعقولة.
في حي مصر الجديدة (شرق القاهرة) يطالعك العديد من المطاعم السورية بتقديم أشهي وأشهر الأكلات السورية، أحدها اسمه «يا مال الشام»، ويضفي صوت المطرب السوري الشهير صباح فخري أجواء خاصة على المكان وهو يشدو: «يا مال الشام والله يا مالي طال المطال يا حلوة تعالي».. مازجا الثقافة السورية بالمذاق السوري الخاص.
داخل المطعم اكتظ الزبائن حتى امتلأت الطاولات، وزادت الطلبات على الأكلات المتنوعة من المطبخ السوري الأصلي. يقول بسام وهبي، سوري الجنسية ويعمل بالمطعم: «المصريون يحبون الأكل السوري بشكل خاص جدا، ورغم تعدد الأصناف المصرية، فإن هناك إقبالا قويا على الأطباق السورية؛ مثل الكنافة النابلسية، وفتة الشاورما، والكشري السوري الذي أصبح ينافس الكشري المصري بقوة الآن».. يضيف بسام: «أيضا السياح العرب يحبون الأكل السوري، ويتوافد الجميع على المطعم بأعداد كبيرة تفوق الجالية السورية ذاتها، ويطلبون أكلات بعينها مثل الملوخية الورق وخبز التنور والكبة السوري وورق العنب البارد، كما يحبون أيضا العديد من أنواع الجبن السورية ويطلبونها مثل الحلوم، والعكاوي، والنابلسية، ويقبلون عليها أكثر من السوريين أنفسهم.»
وسواء كنت محبا للأكل السوري أو اللبناني أو حتى اليمني، فإن الظاهرة إيجابية، من حيث الخلطة الحضارية والتعرف على عادات وتقاليد جديدة.. هذا ما يعكسه كلام أحمد إبراهيم، شاب مصري ينتظر ضمن صف من المصريين توافدوا في ساعة متأخرة من الليل على المطعم اللبناني «فتوش» الذي لم يختلف معه الوضع كثيرا عن نظيره السوري، حيث تصدح أغاني فيروز حاملة معها الحاضرين إلى الأجواء اللبنانية الأثيرة، تعززها لافتة علقت على باب المطعم تقول: «من جبال وحقول لبنان الخضراء، عمرت سفرة طويلة عريضة وصحون فوق بعضها البعض ووصلت لكل العالم، والطاولة مهما كبرت، بتبقى صغيرة، هذه هي المازة اللبنانية!»، في إشارة إلى خفة الأكل اللبناني وتميزه بالمذاق الرائع والفريد.
داخل المطعم يتنقل ميشال خوري، لبناني الجنسية ويعمل بالمطعم، بين الطاولات ليلاحق طلبات الزبائن المتوافدة، قبل أن يبدأ كلامه قائلا: «المطبخ اللبناني دخل قلوب كثير من الناس من مختلف الجنسيات حول العالم، خاصة الشعب المصري الشقيق بما يقدمه من تشكيلات ومذاقات متعددة وفريدة تستحوذ على حاسة الذوق والشم لديك، فتتلذذ بكل لقمة تتذوقها.. لقمة من هنا، لقمة من هناك، لتجد نفسك تتنقل من صحن لآخر بكل سعادة وحرية»، ويتابع وهو يشير بيديه: «هيك تبدأ المتعة مع تشكيلة من الأصناف حازت إعجاب المصريين كثيرا مثل التبولة والفتوش بزيت الزيتون، والحمص بالطحينة، والمتبل بالباذنجان، واللوبيا بالزيت، والكبة، والشيش طاووق، والكفتة، والفريكة بأنواعها سواء مع الدجاج أو اللحمة أو الخضراوات، كذلك الشيش باراك، والمجدرة، وما يصاحبها من مقبلات.. وغيرها كثير من الأطباق المحضرة والمطبوخة بكل حب والغنية بالطعم اللبناني الشهي، التي حازت إعجاب الزبائن المصريين حتى إذا شبعت العين، جاء دور الحلويات، وما أدراك ما الحلويات، شي ولا أطيب.. بدك بعد؟».
طارق عمر، مصري يعمل محاسبا بأحد البنوك، يبتسم وهو يأكل الفتوش اللبناني، ويقول في تفسيره للظاهرة: «الشعب المصري أكول بطبعه، ويحب الأصناف الجديدة والمتنوعة، لذلك يقبل على أكلات عربية من دول شقيقة؛ لبنانية وسورية ويمنية، لأنها قريبة من الروح المصرية، على عكس المطاعم الكورية والصينية والإيرانية، التي لا تجد مثل هذا الإقبال».
ومع هبوب رياح الربيع العربي، افتتحت المطاعم السورية واللبنانية واليمنية بكثرة وبشكل غير مسبوق في الشارع المصري، عندما نزح كثيرون إلى مصر لاجئين بحثا عن الأمن وهروبا من أنظمة سياسية سقطت وبعضها لا يزال آيلا للسقوط. لكن اللافت في هذه المطاعم حرصها على توفير جو راق وهادئ للزبائن، فثلما يقول أمين هواري، يمني الجنسية ويعمل في مطعم «حضرموت» اليمني: «لا بأس أن تكون هناك مطاعم عربية عديدة تتخذ من العاصمة المصرية موطنا لها، فهذه المطاعم تقدم أجود ما عندها من خدمات تضاهي جودة المطاعم الراقية المنتشرة في أنحاء العاصمة، وهذا يشكل عاملا إيجابيا بحد ذاته، كما أنها تعد عامل جاذب للسياحة، خاصة العربية منها». ويضيف: «موائد المصريين أصبحت لا تخلو من طبق يمني بعد أن تعودوا على مذاقه وأحبوه، ويوجد إقبال كثيف منهم علي خبز الرشوش اليمني والمعصوب والفول اليمني والبريك والشاي العدني، بجانب الأصناف الأخرى مثل المندي والزربيان والمقصقص والمقلقل وهو لحم غنم». ويشير هواري إلى أن الأكلات اليمنية تشكل جزءا لا يتجزأ من المطبخ العربي المقدم للمصريين والسياح العرب في كل المطاعم المنتشرة بالعاصمة، «كما يبدو أنها أصبحت منافسا قويا لأشهر الأكلات الشعبية المصرية وعلى رأسها الفول والطعمية والكشري».



رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».