كيف تمكن باحثو «كاوست» من تحويل «لعنة الأبعاد» إلى نعمة؟

ابتكار مخطط للوصول إلى تنبؤات مستقبلية أكثر دقة

كيف تمكن باحثو «كاوست» من تحويل «لعنة الأبعاد» إلى نعمة؟
TT

كيف تمكن باحثو «كاوست» من تحويل «لعنة الأبعاد» إلى نعمة؟

كيف تمكن باحثو «كاوست» من تحويل «لعنة الأبعاد» إلى نعمة؟

هل سبق لك أن كنتَ في منتصف سرد قصة لشخص ما أو كنت تحاول جاهداً شرح موضوع معقد، وفجأة ينظر إليك الشخص الآخر ويسأل: «ما الهدف؟» يمكننا هنا أن نرى أن هذا الشخص ربما يكون مشغولاً، ويريد فقط إجابة سريعة ودقيقة. وهذا هو جوهر مفهوم تقليل أو تقليص الأبعاد عند مواجهة كثير من البيانات، من أجل الوصول إلى الهدف أو المعلومة الدقيقة.
في عالم البيانات الضخمة اليوم، يشير مصطلح «لعنة الأبعاد» إلى مجموعة من المشكلات التي تنشأ عند التعامل مع البيانات عالية الأبعاد (أي تلك التي تحتوي على عدد كبير من السمات أو الملاحظات).
والصعوبات التي تأتي مع البيانات عالية الأبعاد عادة ما تظهر أثناء تحليل البيانات أو تصورها لتحديد الأنماط، وأيضاً تظهر أثناء تدريب نماذج التعلم الآلي، التحليل العددي، أخذ العينات، التوافقية، استخراج البيانات وقواعد البيانات. صاغ هذا المصطلح عالم الرياضيات التطبيقي الأميركي ريتشارد بيلمان (1984 - 1920) لوصف المشكلة الناجمة عن الزيادة الأسية في الحجم المرتبط بدوره بإضافة «أبعاد إضافية» إلى الفضاء الرياضي.

تنبؤات موثوقة
يعد التنبؤ لما سيحدث غداً من مشكلات وما يستجد من مخاطر ومهددات ركناً أساسياً من أركان التخطيط السليم للمستقبل، وفي هذا الاتجاه طوَّر فريق بحثي بقيادة جامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية (كاوست) مخططاً للتنبؤ، يمكن أن يتنبأ بالمسار المستقبلي للمَعلمات البيئية (خاصية متغيرة وقابلة للقياس تعتبر قيمتها عاملاً محدداً لخصائص نظام بيئي) بشكل أكثر موثوقية. وساعدهم على ذلك مسح البيانات السابقة لكل من التطابقات الجزئية والكاملة، مع الاستعانة بالملاحظات الحالية.
وتعد عملية جمع البيانات على فترات منتظمة بمرور الوقت أمراً شائعاً في كثير من المجالات، لكنها واسعة الانتشار بشكل خاص في مجالات البيئة والنقل والبحوث البيولوجية، إذ تنبع أهمية هذه البيانات من استخدامها لمراقبة الحالة الراهنة وتسجيلها، وكذلك للمساعدة في التنبؤ بما قد يأتي في المستقبل.
تتمثل الطريقة الحالية لاستخدام هذه البيانات في البحث عن الأنماط أو المسارات السابقة في البيانات التي تتطابق مع المسار الحالي. لكن بشكل عملي لا توجد أي مطابقات كاملة على الإطلاق، وبالتالي يتعين على المتنبئ العثور على إطارات زمنية أصغر فأصغر في البيانات السابقة التي توفر تطابقاً جزئياً. وهو ما ينتج عنه فقدان السياق، وفقدان أي اتجاهات أكثر اتساعاً كانت لتعطي تنبؤاً أفضل، إضافة إلى احتمالية استقطاب ضجيج أو تشوش عشوائي.

تنبؤ وظيفي
يقول البروفسور هيرناندو أومباو، أستاذ الرياضيات التطبيقية والعلوم الحاسوبية بجامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية (كاوست): «إن التنبؤ بمسارات السلاسل الزمنية المستقبلية هو التحدي بعينه، نظراً لأن المسارات تتكون من كثير من الملاحظات المتسلسلة أو (الأبعاد)؛ ما يقلل من نجاح مناهج التنبؤ متعدد المتغيرات، وتُعرف هذه المشكلة بـ(لعنة الأبعاد)».
في سبيل التغلب على هذا التحدي، طوَّر الدكتور شيوهاو جياو، باحث ما بعد الدكتوراه في «كاوست»، طريقة تسمى التنبؤ الوظيفي الجزئي (PFP)، تقوم على دمج المعلومات من جميع المسارات السابقة الكاملة والجزئية. ويستخدم هذا النهج المُحسَّن جميع البيانات المتاحة؛ حيث يلتقط كلاً من الاتجاهات طويلة المدى والمسارات الجزئية المتطابقة جيداً.
يوضح جياو: «من خلال تسوية المسارات، يمكننا تحويل (لعنة الأبعاد) إلى نعمة عن طريق التقاط الصورة الكبيرة للمعلومات الديناميكية للمسارات». ويردف قائلاً: «تتضمن طريقتنا نهجاً لم تحققه الطرق السابقة؛ حيث يقوم بدمج كل من معلومات الاعتماد عبر المسارات وداخلها».
علاوةً على ذلك، يتضمن النهج إجراءً يتم بشكل تدريجي، حيث يتم تحليل البيانات أولاً لمسارات كاملة أطول، ومن ثَمّ يتم استخراج المكونات الجزئية «المتبقية»، واعتبارها أجزاءً مستقلة عن الاتجاهات السابقة، وأي شيء متبقٍ يتم تركه للضجيج العشوائي. وبعدها يتم تطبيق الخطوات الثلاث على نافذة التنبؤ.
تعاون فريق البحث مع البروفسور ألكسندر أوي، من جامعة كاليفورنيا؛ حيث تم تطبيق طريقة الباحثين هناك في التنبؤ بالجسيمات الدقيقة في الهواء وتدفق حركة المرور، وبيّنوا أن طريقة التنبؤ الوظيفي الجزئي (PFP) أعطت تنبؤات أكثر دقة بكثير من الطرق الحالية، خاصةً التنبؤات طويلة المدى. يقول أومباو: «تشير طريقتنا إلى إمكانية تحقيق تحسُّن واضح في التنبؤ بالمسارات المستقبلية، من خلال دمج معلومات التبعية داخل المسارات وعبرها».


مقالات ذات صلة

علماء ينتجون «نموذج جنين بشري» في المختبر

علوم النموذج تم تطويره باستخدام الخلايا الجذعية (أرشيف - رويترز)

علماء ينتجون «نموذج جنين بشري» في المختبر

أنتجت مجموعة من العلماء هيكلاً يشبه إلى حد كبير الجنين البشري، وذلك في المختبر، دون استخدام حيوانات منوية أو بويضات.

«الشرق الأوسط» (لندن)
علوم الهياكل الشبيهة بالأجنة البشرية تم إنشاؤها في المختبر باستخدام الخلايا الجذعية (أرشيف - رويترز)

علماء يطورون «نماذج أجنة بشرية» في المختبر

قال فريق من الباحثين في الولايات المتحدة والمملكة المتحدة إنهم ابتكروا أول هياكل صناعية في العالم شبيهة بالأجنة البشرية باستخدام الخلايا الجذعية.

«الشرق الأوسط» (لندن)
علوم علماء يتمكنون من جمع حمض نووي بشري من الهواء والرمال والمياه

علماء يتمكنون من جمع حمض نووي بشري من الهواء والرمال والمياه

تمكنت مجموعة من العلماء من جمع وتحليل الحمض النووي البشري من الهواء في غرفة مزدحمة ومن آثار الأقدام على رمال الشواطئ ومياه المحيطات والأنهار.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
علوم صورة لنموذج يمثل إنسان «نياندرتال» معروضاً في «المتحف الوطني لعصور ما قبل التاريخ» بفرنسا (أ.ف.ب)

دراسة: شكل أنف البشر حالياً تأثر بجينات إنسان «نياندرتال»

أظهرت دراسة جديدة أن شكل أنف الإنسان الحديث قد يكون تأثر جزئياً بالجينات الموروثة من إنسان «نياندرتال».

«الشرق الأوسط» (لندن)
علوم دراسة تطرح نظرية جديدة بشأن كيفية نشأة القارات

دراسة تطرح نظرية جديدة بشأن كيفية نشأة القارات

توصلت دراسة جديدة إلى نظرية جديدة بشأن كيفية نشأة القارات على كوكب الأرض مشيرة إلى أن نظرية «تبلور العقيق المعدني» الشهيرة تعتبر تفسيراً بعيد الاحتمال للغاية.

«الشرق الأوسط» (لندن)

ألياف طبيعية تعزز كفاءة تقنيات تحلية المياه بتكلفة منخفضة

الألياف الطبيعية المستخلصة من مصادر نباتية وحيوانية تُعتبر بديلاً منخفض التكلفة وقابلًا للتحلل الحيوي (الدكتور محمد عجيزة)
الألياف الطبيعية المستخلصة من مصادر نباتية وحيوانية تُعتبر بديلاً منخفض التكلفة وقابلًا للتحلل الحيوي (الدكتور محمد عجيزة)
TT

ألياف طبيعية تعزز كفاءة تقنيات تحلية المياه بتكلفة منخفضة

الألياف الطبيعية المستخلصة من مصادر نباتية وحيوانية تُعتبر بديلاً منخفض التكلفة وقابلًا للتحلل الحيوي (الدكتور محمد عجيزة)
الألياف الطبيعية المستخلصة من مصادر نباتية وحيوانية تُعتبر بديلاً منخفض التكلفة وقابلًا للتحلل الحيوي (الدكتور محمد عجيزة)

تُشكل ندرة المياه العذبة تحدياً عالمياً زائداً، خصوصاً في المناطق الجافة التي تشهد استنزافاً سريعاً لمواردها المحدودة. كما يزيد النمو السكاني والتطور الاقتصادي من حدة المشكلة، حيث يرفعان الطلب على المياه لأغراض الشرب والزراعة والصناعة؛ مما يهدد الصحة العامة والأمن الغذائي.

وتعتمد الطرق التقليدية لتحلية المياه على الطاقة بشكل مكثف ولها آثار بيئية سلبية، بينما تعد تقنيات تحلية المياه بالطاقة الشمسية حلاً واعداً لمعالجة ندرة المياه والعمل المناخي، حيث تستفيد من الطاقة الشمسية المتجددة. وعلى الرغم من أن أنظمة «المقطرات» الشمسية لتحلية المياه تعد طريقة مستدامة، فإنها تواجه تحديات مثل الكفاءة المنخفضة التي تتراوح بين 30 و40 في المائة، ومعدلات إنتاج منخفضة للمياه العذبة، بالإضافة إلى التلوث البيئي الناجم عن استخدام مواد تقليدية، مثل المواد ذات التغير الطوري.

ألياف طبيعية

واستعرضت دراسة مرجعية أجراها باحثون مصريون، إمكانية استخدام الألياف الطبيعية بوصفها وسيلة مستدامة لتعزيز أداء الأنظمة الشمسية لتحلية المياه. وتتميز الألياف الطبيعية، المستخلصة من مصادر نباتية وحيوانية متاحة في المناطق النائية، بكونها بديلاً منخفض التكلفة، وقابلة للتحلل الحيوي، ومتعددة الاستخدامات.

ووفق النتائج المنشورة بعدد نوفمبر (تشرين الثاني) بدورية (Solar Energy)، يمكن للألياف الطبيعية مثل القطن، وقش الأرز، وألياف شجرة الموز، ونبات السيزال، وقش الخيزران، تحسين الأداء من خلال توفير الهيكل المسامي من أجل ترشيح المياه، وإزالة الشوائب، وتعزيز نقل الحرارة.

يقول الدكتور محمد عجيزة، الباحث الرئيسي للدراسة بقسم الهندسة الميكانيكية في جامعة كفر الشيخ، إن الألياف الطبيعية توفر حلاً مستداماً لتحسين كفاءة تحلية المياه بالطاقة الشمسية مع تقليل الأثر البيئي، لأنها تتميز بالتحلل البيولوجي، ما يجعلها خياراً جذاباً لتعزيز كفاءة الأنظمة الشمسية في المناطق التي تفتقر إلى الموارد.

وأضاف لـ«الشرق الأوسط» أن الألياف الطبيعية توفر امتصاصاً عالياً للإشعاع الشمسي؛ مما يُحسّن الاحتفاظ بالحرارة ويزيد معدلات التبخر، كما تعزز الكفاءة الحرارية والعزل وتقلل الفاقد الحراري؛ مما يزيد من كفاءة التكثيف بفضل مساحتها السطحية الكبيرة، فيما تُسهّل خصائصها نقل المقطر الشمسي، وتوزيعه في المناطق النائية، حيث تقلل من الوزن الإجمالي له.

تقنيات تحلية المياه بالطاقة الشمسية تعد حلا ًواعداً لمعالجة ندرة المياه والعمل المناخي (جامعة واترلو)

تقييم الأداء

أثبتت الدراسة أن الألياف الطبيعية تتمتع بقدرة استثنائية على امتصاص المياه تصل إلى 234 في المائة، بالإضافة إلى خصائصها الحرارية المميزة؛ مما يتيح استخدامها بوصفها مواد عازلة أو ممتصة أو موصلة للحرارة في الأنظمة الشمسية. ويسهم ذلك في تحسين عمليات التبخير والتكثيف. وتعمل هذه الألياف على تعزيز نقل الحرارة وتقليل فقد الطاقة؛ مما يؤدي إلى تحسين الكفاءة بنسبة 15 في المائة. كما وجد الباحثون أن هذه الألياف أثبتت قدرتها على زيادة إنتاجية المياه العذبة بشكل ملحوظ، حيث حققت زيادة تصل إلى 123.5 في المائة مع قشور الجوز الأسود، و126.67 في المائة مع مزيج من ألياف النباتات التي تنمو في البرك والمستنقعات وألياف السيزال.

وبالمقارنة مع المقطرات التقليدية، حققت بعض الألياف زيادة ملحوظة في إنتاج المياه العذبة، مثل نشارة الخشب وقش الأرز (62 في المائة)، واللوف الأسود (77.62 في المائة)، وألياف السيزال (102.7 في المائة)، والقماش القطني (53.12 في المائة)، وألياف النخيل (44.50 في المائة)، وألياف الكتان (39.6 في المائة).

وحددت الدراسة أبرز مميزات التوسع في استخدام الألياف الطبيعية في تقنيات تحلية المياه بالطاقة الشمسية، مثل وفرة الموارد الشمسية والمساحات الواسعة لتركيب الأنظمة، بالإضافة لكون الألياف خياراً مستداماً. كما تدعم زيادة استنزاف الموارد المائية العالمية، ونمو السكان، وزيادة الوعي بتغير المناخ الحاجة الملحة لهذه التكنولوجيا.

في المقابل، أشار الباحثون إلى تحديات تواجه هذه التقنيات، منها قلة الاستثمارات في الطاقة المتجددة، والوعي المحدود بفوائد أنظمة التحلية الشمسية، بالإضافة إلى قلة الانتشار والعوائق التجارية مقارنة بالتقنيات التقليدية، والاختلافات في سياسات الطاقة بين الدول، ما يؤثر على إمكانية توسيع نطاق استخدامها.

وأوصى الباحثون بإجراء مزيد من الأبحاث لتحسين تركيبات الألياف الطبيعية، واستكشاف بدائل قابلة للتحلل الحيوي لتقليل الأثر البيئي. وأكدوا أهمية إجراء تقييمات شاملة لتقنيات التحلية الشمسية لتحقيق أقصى تأثير ممكن وتلبية الاحتياجات الزائدة للمياه بشكل مستدام؛ مما يسهم في دعم الأمن المائي، وتعزيز القدرة على التكيف مع التغيرات المناخية.