وقود جديد للطائرات من «بكتيريا التربة»

باحثون توصلوا إلى آلية تسمح بتكرار إنتاجه

البكتيريا التي تصنع الجزيئات المحتوية على البروبان الحلقي (الفريق البحثي)
البكتيريا التي تصنع الجزيئات المحتوية على البروبان الحلقي (الفريق البحثي)
TT

وقود جديد للطائرات من «بكتيريا التربة»

البكتيريا التي تصنع الجزيئات المحتوية على البروبان الحلقي (الفريق البحثي)
البكتيريا التي تصنع الجزيئات المحتوية على البروبان الحلقي (الفريق البحثي)

تقوم الطائرات بنقل الأشخاص، وشحن البضائع، وتنفيذ العمليات العسكرية، لكن الوقود البترولي الذي يشغلها شحيح. وفي دراسة نشرت في 30 يونيو (حزيران) الماضي بمجلة «جول»، وجد الباحثون في مختبر لورانس بيركلي، التابع لوزارة الطاقة الأميركية، طريقة لتوليد وقود نفاث بديل عن طريق حصاد جزيء كربون غير عادي ينتج عن عملية التمثيل الغذائي للبكتيريا الموجودة عادة في التربة.
يقول المؤلف الرئيسي بابلو كروز موراليس، الباحث بالجامعة التقنية بالدنمارك، والذي كان يعمل بمختبر لورانس بريكلي في تقرير نشره الموقع الإلكتروني لدار النشر «سيل برس»، إن «كل ما يتطلب طاقة لإنتاجه سيطلق الطاقة عندما يشتعل، وعندما يتم اشتعال وقود الطائرات البترولية، فإنه يطلق كمية هائلة من الطاقة، ويعتقد العلماء أنه لا بد من وجود طريقة لتكرار هذا دون انتظار ملايين السنين لتكوين وقود أحفوري جديد».
وتولدت الفكرة قبل سنوات، عندما كان كروز موراليس، يعمل بمختبر جاي كيسلينغ بجامعة كاليفورنيا، حيث اقترح كيسلينغ حينها العمل على تصنيع جزيء صعب لديه القدرة على إنتاج الكثير من الطاقة، وقال لموراليس حينها إن تحقيقه سيكون إنجازا غير مسبوق. والجزيء الذي أراد كيسلينغ إعادة إنشائه يسمى «جيوسمين»، ويتم إنتاجه طبيعيا بواسطة «ستربتوميسيس»، وهي بكتيريا شائعة، كان موراليس عمل عليها في الماضي.
يقول موراليس: «الوصفة موجودة بالفعل في الطبيعة، حيث يتم إنتاج الجزيء ذي الشكل المسنن عن طريق التمثيل الغذائي الأصلي للبكتيريا أثناء تناولها للغلوكوز، فعندما تأكل السكر أو الأحماض الأمينية، فإنها تكسرها وتحولها إلى لبنات بناء للروابط من الكربون إلى الكربون».
ويضيف «أنت تصنع دهونا في جسمك بنفس الطريقة، وبنفس الكيمياء، لكن هذه العملية البكتيرية لها بعض التقلبات المثيرة للاهتمام، والتي تعطي الجزيئات خصائصها المميزة. وهذه التقلبات، هي اندماج حلقات البروبان الحلقي، وهي حلقات من ثلاث ذرات كربون مرتبة في شكل مثلث». وبعد تحليل دقيق، وجد الفريق البحثي أن الإنزيمات المسؤولة عن تكوين جزيئات البروبان الحلقي عالية الطاقة كانت عبارة عن مركبات بوليكيتيد. يقول موراليس: «توليفات البوليكيتيد هي الأداة البيولوجية النهائية لصنع الكيمياء العضوية».
ويوضح أن الوقود الذي تنتجه البكتيريا يعمل كثيرا مثل وقود الديزل الحيوي، ويحتاج إلى المعالجة حتى يشتعل عند درجة حرارة أقل من درجة الحرارة اللازمة لحرق الأحماض الدهنية، ولكن عند الاشتعال، سيكون قويا بما يكفي لإرسال صاروخ إلى الفضاء. ويضيف «إذا تمكنا من صنع هذا الوقود بالبيولوجيا، فلا توجد أعذار لاستمرار الوقود التقليدي، فهذا يفتح الباب أمام إمكانية جعل الإنتاج مستداما».
وفي المستقبل، يأمل كروز موراليس أن يتمكن هو وفريق باحثي وزارة الطاقة الذين عملوا في المشروع من توسيع نطاق هذه العملية بحيث يمكن استخدام الوقود البديل بالفعل في الطائرات. يقول: «يجيب السير في هذا الاتجاه سريعا، لأن الوقود الأحفوري سوف ينفد، وستكون هناك نقطة، ليست بعيدة من الآن، عندما نحتاج إلى حلول بديلة».


مقالات ذات صلة

علماء ينتجون «نموذج جنين بشري» في المختبر

علوم النموذج تم تطويره باستخدام الخلايا الجذعية (أرشيف - رويترز)

علماء ينتجون «نموذج جنين بشري» في المختبر

أنتجت مجموعة من العلماء هيكلاً يشبه إلى حد كبير الجنين البشري، وذلك في المختبر، دون استخدام حيوانات منوية أو بويضات.

«الشرق الأوسط» (لندن)
علوم الهياكل الشبيهة بالأجنة البشرية تم إنشاؤها في المختبر باستخدام الخلايا الجذعية (أرشيف - رويترز)

علماء يطورون «نماذج أجنة بشرية» في المختبر

قال فريق من الباحثين في الولايات المتحدة والمملكة المتحدة إنهم ابتكروا أول هياكل صناعية في العالم شبيهة بالأجنة البشرية باستخدام الخلايا الجذعية.

«الشرق الأوسط» (لندن)
علوم علماء يتمكنون من جمع حمض نووي بشري من الهواء والرمال والمياه

علماء يتمكنون من جمع حمض نووي بشري من الهواء والرمال والمياه

تمكنت مجموعة من العلماء من جمع وتحليل الحمض النووي البشري من الهواء في غرفة مزدحمة ومن آثار الأقدام على رمال الشواطئ ومياه المحيطات والأنهار.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
علوم صورة لنموذج يمثل إنسان «نياندرتال» معروضاً في «المتحف الوطني لعصور ما قبل التاريخ» بفرنسا (أ.ف.ب)

دراسة: شكل أنف البشر حالياً تأثر بجينات إنسان «نياندرتال»

أظهرت دراسة جديدة أن شكل أنف الإنسان الحديث قد يكون تأثر جزئياً بالجينات الموروثة من إنسان «نياندرتال».

«الشرق الأوسط» (لندن)
علوم دراسة تطرح نظرية جديدة بشأن كيفية نشأة القارات

دراسة تطرح نظرية جديدة بشأن كيفية نشأة القارات

توصلت دراسة جديدة إلى نظرية جديدة بشأن كيفية نشأة القارات على كوكب الأرض مشيرة إلى أن نظرية «تبلور العقيق المعدني» الشهيرة تعتبر تفسيراً بعيد الاحتمال للغاية.

«الشرق الأوسط» (لندن)

«مرايا» الذكاء الاصطناعي تعكس دواخلها «مع كل التحيزات»

«بوابة السحاب» مرآة تعكس الحياة وتشوهاتها
«بوابة السحاب» مرآة تعكس الحياة وتشوهاتها
TT

«مرايا» الذكاء الاصطناعي تعكس دواخلها «مع كل التحيزات»

«بوابة السحاب» مرآة تعكس الحياة وتشوهاتها
«بوابة السحاب» مرآة تعكس الحياة وتشوهاتها

قبل بضع سنوات، وجدت شانون فالور نفسها أمام تمثال «بوابة السحاب (Cloud Gate)»، الضخم المُصمَّم على شكل قطرة زئبقية من تصميم أنيش كابور، في حديقة الألفية في شيكاغو. وبينما كانت تحدق في سطحه اللامع المرآتي، لاحظت شيئاً، كما كتب أليكس باستيرناك (*).

وتتذكر قائلة: «كنت أرى كيف أنه لا يعكس أشكال الأفراد فحسب، بل والحشود الكبيرة، وحتى الهياكل البشرية الأكبر مثل أفق شيكاغو... ولكن أيضاً كانت هذه الهياكل مشوَّهة؛ بعضها مُكبَّر، وبعضها الآخر منكمش أو ملتوٍ».

الفيلسوفة البريطانية شانون فالور

تشويهات التعلم الآلي

بالنسبة لفالور، أستاذة الفلسفة في جامعة أدنبره، كان هذا يذكِّرنا بالتعلم الآلي، «الذي يعكس الأنماط الموجودة في بياناتنا، ولكن بطرق ليست محايدة أو موضوعية أبداً»، كما تقول. أصبحت الاستعارة جزءاً شائعاً من محاضراتها، ومع ظهور نماذج اللغة الكبيرة (والأدوات الكثيرة للذكاء الاصطناعي التي تعمل بها)، اكتسبت مزيداً من القوة.

مرايا الذكاء الاصطناعي مثل البشر

تبدو «مرايا» الذكاء الاصطناعي مثلنا كثيراً؛ لأنها تعكس مدخلاتها وبيانات التدريب، مع كل التحيزات والخصائص التي يستلزمها ذلك. وبينما قد تنقل القياسات الأخرى للذكاء الاصطناعي شعوراً بالذكاء الحي، فإن «المرآة» تعبير أكثر ملاءمة، كما تقول فالور: «الذكاء الاصطناعي ليس واعياً، بل مجرد سطح مسطح خامل، يأسرنا بأوهامه المرحة بالعمق».

غلاف كتاب «مرايا الذكاء الاصطناعي»

النرجسية تبحث عن صورتها

كتابها الأخير «مرآة الذكاء الاصطناعي (The AI Mirror)»، هو نقد حاد وذكي يحطِّم عدداً من الأوهام السائدة التي لدينا حول الآلات «الذكية». يوجه بعض الاهتمام الثمين إلينا نحن البشر. في الحكايات عن لقاءاتنا المبكرة مع برامج الدردشة الآلية، تسمع أصداء نرجس، الصياد في الأساطير اليونانية الذي وقع في حب الوجه الجميل الذي رآه عندما نظر في بركة من الماء، معتقداً بأنه شخص آخر. تقول فالور، مثله، «إن إنسانيتنا مُعرَّضة للتضحية من أجل هذا الانعكاس».

تقول الفيلسوفة إنها ليست ضد الذكاء الاصطناعي، لكي نكون واضحين. وسواء بشكل فردي، أو بصفتها المديرة المشارِكة لمنظمة «BRAID»، غير الربحية في جميع أنحاء المملكة المتحدة المكرسة لدمج التكنولوجيا والعلوم الإنسانية، قدَّمت فالور المشورة لشركات وادي السيليكون بشأن الذكاء الاصطناعي المسؤول.

نماذج «مسؤولة» ومختبرة

وهي ترى بعض القيمة في «نماذج الذكاء الاصطناعي المستهدفة بشكل ضيق والآمنة والمختبرة جيداً والمبررة أخلاقياً وبيئياً» لمعالجة المشكلات الصحية والبيئية الصعبة. ولكن بينما كانت تراقب صعود الخوارزميات، من وسائل التواصل الاجتماعي إلى رفاق الذكاء الاصطناعي، تعترف بأن ارتباطها بالتكنولوجيا كان مؤخراً «أشبه بالوجود في علاقة تحوَّلت ببطء إلى علاقة سيئة. أنك لا تملك خيار الانفصال».

فضائل وقيم إنسانية

بالنسبة لفالور، إحدى الطرق للتنقل وإرشاد علاقاتنا المتزايدة عدم اليقين بالتكنولوجيا الرقمية، هي الاستفادة من فضائلنا وقيمنا، مثل العدالة والحكمة العملية. وتشير إلى أن الفضيلة لا تتعلق بمَن نحن، بل بما نفعله، وهذا جزء من «صراع» صنع الذات، بينما نختبر العالم، في علاقة مع أشخاص آخرين. من ناحية أخرى، قد تعكس أنظمة الذكاء الاصطناعي صورة للسلوك أو القيم البشرية، ولكن كما كتبت في كتابها، فإنها «لا تعرف عن التجربة الحية للتفكير والشعور أكثر مما تعرف مرايا غرف نومنا آلامنا وأوجاعنا الداخلية».

الخوارزميات والعنصرية وعدم المساواة

في الوقت نفسه تعمل الخوارزميات المدربة على البيانات التاريخية، بهدوء، على تقييد مستقبلنا بالتفكير نفسه الذي ترك العالم «مليئاً بالعنصرية والفقر، وعدم المساواة، والتمييز، وكارثة المناخ».

«كيف سنتعامل مع تلك المشكلات الناشئة التي ليست لها سابقة؟»، تتساءل فالور، وتشير: «مرايانا الرقمية الجديدة تشير إلى الوراء».

الاعتماد على السمات البشرية المفيدة

مع اعتمادنا بشكل أكبر على الآلات، وتحسينها وفقاً لمعايير معينة مثل الكفاءة والربح، تخشى فالور أننا نخاطر بإضعاف عضلاتنا الأخلاقية أيضاً، وفقدان المسار للقيم التي تجعل الحياة تستحق العناء.

مع اكتشافنا لما يمكن أن يفعله الذكاء الاصطناعي، سنحتاج إلى التركيز على الاستفادة من السمات البشرية الفريدة أيضاً، مثل التفكير القائم على السياق والحكم الأخلاقي، وعلى تنمية قدراتنا البشرية المتميزة. كما تعلمون. وهي تقول: «لسنا بحاجة إلى هزيمة الذكاء الاصطناعي. نحن بحاجة إلى عدم هزيمة أنفسنا».

* مجلة «فاست كومباني» - خدمات «تريبيون ميديا»

اقرأ أيضاً