البعثة الأممية في ليبيا «ضحية» الصراع الروسي ـ الأميركي

توسعت المناكفات السياسية بين موسكو وواشنطن بشأن القضايا الليبية الراهنة، وانتقلت من حيز الاعتراضات على وجود «المرتزقة» والمقاتلين الأجانب وكيفية إخراجهم من البلاد، إلى وضعية بعثة الأمم المتحدة للدعم هناك.
ومدد مجلس الأمن الدولي، مساء أول من أمس (الخميس)، تفويض البعثة الأممية في ليبيا، ثلاثة أشهر إضافية بعدما تعذر إصدار قرار بتمديد الولاية 12 شهراً، بعد معارضة موسكو التي تطالب بتعيين رئيس جديد للبعثة.
وهذا التمديد هو الخامس للبعثة منذ سبتمبر (أيلول) 2021 على خلفية استقالة السلوفاكي يان كوبيش، في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، وسط خلافات بين أعضاء مجلس الأمن بشأن تعيين مبعوث خاص جديد.
وفيما تتباين وجهات نظر السياسيين في ليبيا بين معارض لأداء البعثة ومؤيد لها، رأى عمر النعاس عضو الهيئة التأسيسية لمشروع الدستور الليبي، في تصريح لـ«الشرق الأوسط» أن البعثة «تنتهك قرارات مجلس الأمن».
وصوّت على قرار التمديد 12 عضواً، وامتنعت المجموعة الأفريقية التي تضم كينيا والجابون وغانا، عن التصويت بسبب قصر مدة التمديد، وهو الأمر الذي انتقدته السفيرة ليندا غرينفيلد ممثلة الولايات المتحدة لدى الأمم المتحدة، وعبّرت عن «الشعور بخيبة الأمل؛ لكون المجلس اضطر إلى قبول تمديد الولاية لمدة ثلاثة أشهر فقط»، وقالت إن هذا الإجراء قد يؤدي «لزيادة تعقيد جهود الأمانة العامة».
ورأت غرينفيلد أن «ادّعاء روسيا الخادع أن التفويض قصير المدة سيساعد الأمانة العامة في تأمين دعم المجلس الكامل لمرشح الممثل الخاص للأمين العام، قد ثبت خطأه بالفعل»، وذهبت إلى أن «إعادة النظر في ولاية البعثة كل بضعة أشهر تؤدي إلى صعوبة تنفيذ الخطط طويلة الأجل للبعثة، وتجعل من الصعب تعيين أفضل مرشح لهذا الدور».
ولفتت إلى «امتناع مجموعة الدول الأفريقية الثلاث في المجلس (الجابون وغانا وكينيا) عن التصويت احتجاجاً على إصرار روسيا على فترة ولاية مدتها ثلاثة أشهر. ونحن نشارك إحباط الدول الثلاث».
وفي 6 ديسمبر (كانون الأول) الماضي، عيّن الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، القائمة السابقة بأعمال رئيس البعثة الأممية في العاصمة طرابلس ستيفاني وليامز، مستشارة خاصة له في ليبيا.
وكان دميتري بوليانسكي، القائم بأعمال الممثل الدائم لروسيا لدى مجلس الأمن، قد أبدى دعم بلاده مشروع القرار الذي أعدته المملكة المتحدة بشأن تمديد ولاية البعثة الأممية في ليبيا، لكنه استنكر تمديد عمل وليامز، التي رأى أنها «ليس لديها تفويض مناسب من مجلس الأمن»، على الرغم من التأكيدات أن «تعيينها كان تدبيراً مؤقتاً».
وزاد بوليانسكي، من استنكاره أمام مجلس الأمن، وقال: «ليس من الطبيعي أن تكون بعثة الأمم المتحدة في ليبيا (مقطوعة رأس) لفترة طويلة، مما يحد من الأدوات المتاحة لها لدعم الحوار الليبي». ومضى يقول إن «التكوين الحالي لجهود الوساطة الأممية في ليبيا لا يتماشى مع المشكلات الملحّة للتسوية الليبية».
وانتهى القائم بأعمال الممثل الدائم لروسيا، داعياً الأمين العام للأمم المتحدة، إلى تقديم مرشح يكون «جديراً وموثوقاً لمنصب ممثله الخاص لليبيا ورئيس بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا، والذي يناسب اللاعبين الليبيين الرئيسيين، وكذلك الإقليميين، من أجل موافقة أعضاء مجلس الأمن على الترشيح».
ورأت مصادر تحدثت مع «الشرق الأوسط» أن «المناكفات السياسية بين موسكو وواشنطن بشأن القضايا الليبية هي انعكاس لتأثيرات الحرب الروسية على أوكرانيا، وأن البعثة الأممية ضحية هذه الخلافات»، رافضة «تحويل بلادها إلى ساحة للصراعات الدولية، والخلافات على توسيع النفوذ».
ودفعت التعقيدات التي واجهها غوتيريش، من بعض الدول المعترضة على تعيين مبعوث جديد لليبيا في ظل تعدد الرغبات وتقاطعها بين موسكو وواشنطن على وجه الخصوص، دفعته للتحايل بتعيين الدبلوماسية الأميركية وليامز، تحت اسم مستشارة للأمين العام، وهو الاسم الذي لم يسبق للبعثة اعتماده في ليبيا من قبل.
وعادت وليامز إلى ليبيا أوائل شهر ديسمبر الماضي، بعد مغادرة منصبها السابق رئيسة للبعثة بالإنابة، خلفاً لغسان سلامة، ومنذ ذلك الحين وهي تسعى بين الأفرقاء السياسيين للاتفاق على تنفيذ خريطة الطريق، وإجراء انتخابات رئاسية ونيابية في البلاد، بمرافقة منسق البعثة رايزدن زنينغا.
وباتت قضية «المرتزقة» والمقاتلين الأجانب في ليبيا وخصوصاً عناصر شركة «فاغنر» الروسية، أولوية لدى الولايات المتحدة، إذ إن سفيرها لدى ليبيا ومبعوثها الخاص ريتشارد نورلاند، يرى «حرب روسيا في أوكرانيا انعكاساً على نطاق واسع للدور المزعزع للاستقرار الذي لعبه (مرتزقة مجموعة فاغنر الروسية) في ليبيا ومنطقة الساحل».