حرص المهندس المصري محمد حلمي، المقيم في القاهرة، وأحد محبي الفنان عمرو دياب، على عيش تجربة حضور حفلات الساحل الشمالي «الفاخرة» التي لطالما شاهد صورها، وتابع أخبارها عبر «السوشيال ميديا» والمواقع المصرية، باعتبارها أمراً «مختلفاً» عما اعتاد مشاهدته في حفلات «الهضبة» في القاهرة، إذ يطلب منظمو حفلات الساحل ارتداء لون موحد، يكون غالباً «الأبيض».
لا يرى حلمي اختلافات جذرية بين حفلات عمرو دياب وغيره من المشاهير في القاهرة أو الساحل إلا في إجراءات التنظيم وعناصر إبهار المسرح الذي يقف عليه المطربون، وأماكن جلوس الحضور، بينما يؤدي «الهضبة» بالمستوى والحماس نفسه في كل حفلاته.
وبينما لا يحرص منظمو حفلات دياب أو غيره من الفنانين في القاهرة على ترك مساحات واسعة بين الجمهور أو تقديم مأكولات ومشروبات على طاولات منمقة، بحسب حلمي فإن منظمي حفلات الساحل الشمالي حاولوا الاستفادة قدر الإمكان من رواد القرى السياحية بالساحل الشمالي المصري من أصحاب الدخول المرتفعة، وتقسيم الجمهور إلى فئات عدة، كل حسب مقدرته المالية، حتى وصلت بعض أسعار التذاكر إلى مائة ألف جنيه مصري (الدولار الأميركي يعادل 18.9 جنيه مصري).
وأثارت أسعار تذاكر الحفلات الغنائية في الساحل الشمالي، هذا العام جدلاً واسعاً في مصر، حيث اعتبر متابعون تحديد سعر مائة ألف جنيه مصري، لتذكرة حفل دياب «مبالغ فيه جداً»، بالإضافة إلى تحديد سعر تذكرة حفل الفنانة المصرية روبي، بنحو 53 ألف جنيه والمقرر إقامته في 12 أغسطس (آب) المقبل، كما لامست أسعار تذاكر الفنانة هيفاء وهبي 35 ألف جنيه مصري، فيما بلغ سعر تذكرة حفل الفنان العراقي كاظم الساهر، بالساحل الشمالي، والذي يعود لمصر بعد غياب نحو 13 عاماً إلى ثمانية آلاف جنيه.
واستفزت هذه الأرقام المعلنة من قبل منظمي الحفلات نواباً بالبرلمان المصري، كان من بينهم النائبة آمال عبد الحميد عضو لجنة الخطة والموازنة بمجلس النواب، والتي تقدمت بطلب إحاطة الشهر الجاري، موجه لمصطفى مدبولي رئيس الوزراء المصري، ومحمد معيط وزير المالية لـ«النظر في تلك الحفلات التي تستفز المواطنين في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة التي تمر بها البلاد، وفرض ضرائب مضاعفة على تلك النوعية من الحفلات باهظة الثمن»، بحسب بيان لها.
بدوره، يكشف منظم الحفلات المصري، مصطفى أبو دشيش، سر ارتفاع أسعار تذاكر حفلات الساحل الشمالي هذا العام مقارنة بالأعوام الماضية قائلاً لـ«الشرق الأوسط»: «حفلات الساحل الشمالي التي تنتشر أخبارها وتوصف بأنها (فاخرة)، ليست متاحة لكل فئات المجتمع، فهي حفلات خاصة يستهدف فيها المنظمون فئة معينة من الجماهير بمنتجعات سياحية فاخرة، لا يسكنها إلا الأثرياء، لذلك تكون أسعار دخولها باهظة».
ورغم تزايد أعداد الحفلات الفاخرة بالساحل الشمالي، أخيراً، فإنها لم تمنع تنظيم حفلات جماهيرية متوسطة الأسعار، يستهدف فيها المنظمون والمطربون الجمهور العادي العاشق للمطرب، وفق أبو دشيش.
ويفسر أبو دشيش، الجدل المصاحب لحفلات الساحل الشمالي، قائلاً: «رغم أن هذه الأسعار تعد جديدة على أذن المستمع المصري، فإنها منتشرة في كافة الدول العربية»، موضحاً أن «الأسعار الكبيرة موجودة في مصر منذ فترة وخصوصاً في حفلات بعض المطربين الخليجيين الكبار الذين يحيون حفلات خاصة في الأعياد بالقاهرة، ولكنها حفلات لا يتم الترويج لها بشكل واسع، لأنها تستهدف جمهوراً محدداً».
لافتاً إلى «ارتفاع أسعار تذاكر الحفلات الجماهيرية والخاصة في مصر، عقب قرار الحكومة المصرية بتعديل قانون ضريبة الدمغة بزيادة 5 في المائة على أسعار حفلات الملاهي الليلية والأمور الترفيهية والحفلات الغنائية في المدن الساحلية والشواطئ».
ويضم الساحل الشمالي الغربي لمصر، منتجعات سياحية فاخرة تبدأ من الإسكندرية (شرقاً، وتمتد إلى مدينة الضبعة غرباً) بمحاذاة شاطئ البحر المتوسط، واجتذبت مدينة العلمين الجديدة مطربين مشاهير بالآونة الأخيرة لإحياء حفلات بها، على غرار حفل عمر دياب الأخير بها والذي أثار ضجة واسعة بسبب أسعار تذاكره الباهظة.
ويؤكد منتجون ومنظمو حفلات مصريون، من بينهم وليد منصور، أن كل حفلات الساحل الشمالي ليست باهظة الثمن، كما يعتقد البعض، ويقول لـ«الشرق الأوسط»: «الحفلات الفاخرة أو باهظة الثمن، تعد قليلة مقارنة بالحفلات الجماهيرية الأخرى، بالساحل الشمالي»، مشيراً إلى وجود بعد التطورات والاختلافات في سوق المنافسة الغنائية بالعالم العربي، قائلاً: «الحفلات التي كانت تنظم خلال السنوات الماضية بين مصر ولبنان والإمارات، اختلفت، بعد دخول مدن عربية وخليجية أخرى حلبة المنافسة، وهذه المدن تجتذب كبار المطربين بأسعار فلكية، وهو ما جعل المطربين يرفعون أجورهم بشكل لافت، لأن سوق الطلب عليهم ازدادت».
وأشار منصور إلى عامل آخر مرتبط بسعر الدولار الأميركي الذي يعادل حالياً نحو 19 جنيهاً مصرياً، وهو ما يؤثر على حركة الحفلات لأنه يتم جلب معدات كثيرة من الخارج.
وعلى عكس الانتقادات الدائرة على صفحات «السوشيال ميديا» لحفلات الساحل الشمالي والتغيرات الاجتماعية والطبقية التي شهدتها، يرى الناقد الفني أحمد حسين صوان أن «هذه الحفلات تعد ترويجاً جيداً لمصر في الأسواق الخارجية، وإثبات جيد على أن مصر ومدنها قادرة على منافسة السوق الخليجية في إحياء الحفلات»، معتبراً رفع أسعار التذاكر أمراً طبيعياً مع ظل ارتفاع سعر الدولار وزيادة الطلب على المطربين في السعودية والإمارات»، لافتاً إلى «أن هذه الزيادة تصب أيضاً في مصلحة الدولة في النسب الخاصة التي يتم دفعها للجهات المسؤولة في الدولة بالإضافة إلى الضرائب».
ويشير إلى أن «المطرب الذي يصعد إلى المسرح ويمسك بميكروفونه لا ينظر لنوعية الجمهور المتواجد على الأرض، فهو يهدف فقط إلى تقديم فنه، لذلك نجد أن محمد منير وعمرو دياب يقدمان حفلات باهظة الثمن وتحقق نجاحاً كبيراً، وفي الوقت نفسه يحيون حفلات شعبية جماهيرية متوسطة الثمن وتحقق النجاح ذاته».
ويبدو أن حفلات الساحل الفاخرة، لا تهدف إلا لتحقيق أكبر قدر ممكن من الأرباح للمنظمين، إذ يؤكد منصور أن «أي منظم حفلات يريد أن يحقق مكسباً مادياً، يرفع أسعار حفلاته، لدرجة أن عدداً كبيراً من المنظمين ابتكروا فكرة الطاولات الجماعية التي تباع كتذكرة واحدة وتكون محددة الأفراد، لزيادة هامش الربح، واجتذاب الجمهور الذي يرى أن هذه الفكرة موفرة».
لكن في المقابل يرى حلمي أحد محبي عمرو دياب، أن «أداء (الهضبة) على مسارح الحفلات الجماهيرية والأخرى الفاخرة ثابت ولا يرتبط بنوعية الجمهور»، ويؤكد: «ربما أكون منحازاً للحفلات الشعبية أو الجماهيرية لأن تفاعل الحضور مع دياب يكون أكثر حدة من الحفلات الخاصة أو الفاخرة، التي يحضرها أصدقاء يحرصون على تمضية وقت ممتع فحسب، لكن من يذهب إلى الحفلات الجماهيرية يكون مشتاقاً جداً إلى سماع صوت فنانه المفضل، لذلك يظل طوال الوقت يحمسه ويشجعه».