القديم الجديد في الحرب الأوكرانيّة

TT

القديم الجديد في الحرب الأوكرانيّة

لطالما أراد الإنسان معرفة طالعه وما يُخبّئ له المستقبل. من هنا قراءة كف اليد، أو القراءة في بقايا تفل فنجان القهوة لتفسير الرسوم انطلاقا من حالات إنسانيّة تراكمت في وعينا. فالماضي مرّ وحصل وأصبح معروفاً، حتى ولو كانت تفسيراته مختلفة. وقد يمكن التعامل مع اللحظة الحاليّة لأنها آنيّة ومرئيّة بأم العين، وهي تعكس نتيجة ما خُطّط له. لكن المستقبل هاجس الإنسان منذ بدء وعيه، أو حتى منذ خروجه من جنّة رب العالمين، وهو سرّ الأسرار، يُخبّئ مفاجآت كثيرة، فنبسّطه إلى أقصى الدرجات كي نستطيع التعامل معه.
وبهذا التبسيط، وبسببه، تُرتكب الأخطاء، ونأخذ الدروس منها. وإلا، فما معنى رسم الاستراتيجيّات للتعامل مع المستقبل؟
يدرّس صندوق الرمل (Sand Box) في الكليّات الحربيّة. وفيه ترسم تضاريس أرض المعركة بالرمل، من جبال، ووديان وسهول، وضمنها الطرقات. وعليه، يُجسّد القادة العسكريون خططهم، ويوزعون القوى، وتُرسم خطط المناورة. وبعد دراسة أرض المعركة على صندوق الرمل، يذهب القادة مع شعور غالب بأن النصر أصبح مضموناً. وهكذا يفعل العدوّ من الجهّة الأخرى، فتنام الجبهتان على نصر افتراضي. وعند ساعة الصفر، تفضح طبيعة الحرب حقيقة الميدان، لتأتي المفاجأة للكلّ. لكن الذي يستمرّ، هو من استطاع التأقلم بشكل أسرع من عدوّه، وهو الذي أعدّ الوسائل المُتخيّلة قبل الطلقة الأولى للمعركة.
حوّلت الثورة التكنولوجيّة صندوق الرمل إلى لعبة الحرب على الحاسوب (War Game). والهدف من لعبة الحرب هو توقّع المجهول، لكن بناءً على معلومات عن الحروب التي تراكمت منذ آلاف السنين. وتُضخُّ هذه المعلومات ضمن برنامح (Algorithm المشتق اسمه من اسم الخوارزمي). وكلّما كبُرت هذه المعلومات (Data) كان التوقّع أفضل. فالهدف من لعبة الحرب هو خلق أنماط معيّنة (Patterns) عن السلوك المُحتمل للعدوّ.
ويعود أصل لعبة الحرب إلى بدايات القرن الـ19، مع الملازم البروسيّ جورج فون رايسويتز، الذي أقنع رؤساءه بأنه يمكن إعادة رسم الحرب على الخريطة، باستعمال اللونين الأزرق للصديق، والأحمر للعدو. وهكذا تصبح الحرب لعبة رسوم متحرّكة على ورق الخريطة.
استعمل النازيّون لعبة الحرب قبيل غزو روسيا العام 1941، ومنها عرفوا أن مشكلة الجيش الألماني الخطيرة ستكون في اللوجستيّة. فكيف يمكن تأمين اللوجستيّة لـ4 ملايين جندي على مسافات طويلة، وفي حرب هجوميّة تستهلك الكثير من المواد والعتاد والذخيرة؟
وبسبب الخوف من هتلر، ولإرضائه، تجاهل القادة العسكريون الألمان معضلة اللوجستيّة، فكانت الكارثة.
يقول الخبراء إنه لا يمكن أبداً التوقّع، خصوصاً فيما يتعلق بنتائج الحرب. لكن الأكيد، أن لعبة الحرب تتيح للقادة العسكريين فرصة التأقلم عن بُعد مع واقع ميداني لم يُختبر بعد، كما تتيح لهم القدرة على تخيّل السيناريوهات المحتملة. وكما يُقال: «لا مجال للدرس أثناء القتال».
فعلى سبيل المثال، استعملت مدرسة الدراسات العليا البحريّة الأميركيّة في مونتيري- كاليفورنيا، برنامجاً لمعرفة نتائج الحرب الأوكرانيّة قبيل بدئها (حسب مقال في مجلّة الإيكونيميست). واستعمل هذا البرنامج معلومات أو «داتا» من 96 معركة كانت قد وقعت في الفترة الممتدّة منذ آخر عام من الحرب العالميّة الأولى وحتى يومنا هذا. لكن، بعد أن أُدخلت المعلومات عن حرب بوتين على أوكرانيا، مباشرة بعد بدئها في 24 فبراير (شباط) الماضي، أتت النتيجة على الشكل التالي:
على مقياس من واحد إلى سبعة (1-7)، أعطى البرنامج علامة (2) للمهاجم، و(5) للمدافع.
هذه النتيجة لم تتوقّعها وكالة الاستخبارات الأميركيّة، لأنها بشّرت الرئيس بايدن بأن كييف ستسقط بسرعة، ومن الضروري الذهاب بعدها إلى حرب مقاومة وعصابات.
إذاً، من الطبيعي أن يكون الرئيس بوتين قد درس لعبة الحرب مع قادته العسكريين في حربه على أوكرانيا. ومن الطبيعي، وبسبب التاريخ المشترك بين البلدين، أن يكون الرئيس بوتين قد توقّع سلوك القادة الأوكرانيين في أيّ سيناريو محتمل. وإذا كان الأمر كذلك، قد يمكن طرح الأسئلة التالية، وباختصار:
لماذا ذهب الجيش الروسي إلى طريقة حرب لم يعتد عليها؟
لماذا كبّر الرئيس بوتين أهدافه واستعمل وسائل محدودة؟
لماذا قُتل الكثير من القادة العسكريين من ذوي الرتب العالية على الجبهات الأماميّة؟
لماذا لم تؤخذ بعين الاعتبار المسائل اللوجستيّة الأساسيّة لجيش يهاجم على جبهة تمتدّ أكثر من 2000 كلم، خصوصاً في المرحلة الأولى من الحرب؟
لماذا يتدخّل الرئيس بوتين في التراتبيّة العسكريّة لإعطاء الأوامر حتى مستوى عقيد؟
وأخيرا وليس آخراً، أين تظهّرت الثورة العسكريّة في إعادة تنظيم وتشكيل وتسليح الجيش الروسي ليكون جيشاً عصريّاً قادراً على خوض حروب القرن الـ21؟


مقالات ذات صلة

زيلينسكي: روسيا تنشر مزيداً من القوات الكورية الشمالية في كورسك

أوروبا عربة عسكرية أوكرانية تحمل أسرى يرتدون الزي العسكري الروسي بالقرب من الحدود مع روسيا (أ.ف.ب) play-circle 00:45

زيلينسكي: روسيا تنشر مزيداً من القوات الكورية الشمالية في كورسك

قال الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، السبت، إن موسكو بدأت إشراك «عدد ملحوظ» من القوات الكورية الشمالية.

«الشرق الأوسط» (كييف)
أوروبا جنود أوكرانيون يستعدون لتحميل قذيفة في مدفع هاوتزر ذاتي الحركة عيار 122 ملم في دونيتسك أول من أمس (إ.ب.أ)

مسيّرات أوكرانية تهاجم منشأة لتخزين الوقود في وسط روسيا

هاجمت طائرات مسيرة أوكرانية منشأة للبنية التحتية لتخزين الوقود في منطقة أوريول بوسط روسيا.

«الشرق الأوسط» (موسكو)
أوروبا الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي (قناته عبر «تلغرام»)

زيلينسكي يدعو إلى  تحرك غربي ضد روسيا بعد الهجمات الأخيرة

دعا الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، الغرب إلى التحرك في أعقاب هجوم صاروخي جديد وهجوم بالمسيرات شنتهما روسيا على بلاده

«الشرق الأوسط» (كييف)
أوروبا المتحدث باسم الكرملين دميتري بيسكوف (د.ب.أ)

الكرملين: التصريح الأخير لترمب بشأن أوكرانيا «يتماشى تماماً» مع الموقف الروسي

نوّه الكرملين الجمعة بالتصريح الأخير لدونالد ترمب الذي اعترض فيه على استخدام أوكرانيا صواريخ أميركية لاستهداف مناطق روسية.

«الشرق الأوسط» (موسكو)
أوروبا القوات الأوكرانية تقصف مواقع روسية على خط المواجهة في منطقة خاركيف (أ.ب)

مسؤول كبير: أوكرانيا ليست مستعدة لإجراء محادثات مع روسيا

كشف أندريه يرماك رئيس مكتب الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي في مقابلة أذيعت في وقت متأخر من مساء أمس (الخميس) إن كييف ليست مستعدة بعد لبدء محادثات مع روسيا.

«الشرق الأوسط» (كييف)

هل يمكن رفع عقوبات الأمم المتحدة عن «هيئة تحرير الشام» والجولاني؟

أبو محمد الجولاني يتحدث في الجامع الأموي بدمشق 8 ديسمبر 2024 (أ.ب)
أبو محمد الجولاني يتحدث في الجامع الأموي بدمشق 8 ديسمبر 2024 (أ.ب)
TT

هل يمكن رفع عقوبات الأمم المتحدة عن «هيئة تحرير الشام» والجولاني؟

أبو محمد الجولاني يتحدث في الجامع الأموي بدمشق 8 ديسمبر 2024 (أ.ب)
أبو محمد الجولاني يتحدث في الجامع الأموي بدمشق 8 ديسمبر 2024 (أ.ب)

تخضع «هيئة تحرير الشام»، التي قادت قوات المعارضة للإطاحة بالرئيس السوري بشار الأسد، لعقوبات من الأمم المتحدة منذ فترة طويلة، وهو ما وصفه المبعوث الخاص للمنظمة الدولية إلى سوريا غير بيدرسون، بأنه «عامل تعقيد لنا جميعاً».

كانت «هيئة تحرير الشام» تُعرف في السابق باسم «جبهة النصرة»، الجناح الرسمي لتنظيم «القاعدة» في سوريا، حتى قطعت العلاقات بالتنظيم في عام 2016. ومنذ مايو (أيار) 2014، أُدرجت الجماعة على قائمة مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة لعقوبات تنظيمي «القاعدة» و«داعش»، كما فُرض عليها تجميد عالمي للأصول وحظر أسلحة.

ويخضع عدد من أعضاء «هيئة تحرير الشام» أيضاً لعقوبات الأمم المتحدة مثل حظر السفر، وتجميد الأصول، وحظر الأسلحة، ومنهم زعيمها وقائد إدارة العمليات العسكرية أحمد الشرع، المكنى «أبو محمد الجولاني»، المدرج على القائمة منذ يوليو (تموز) 2013.

وقال دبلوماسيون إنه لا يوجد حالياً أي مناقشات عن رفع العقوبات التي فرضتها الأمم المتحدة على الجماعة. ولا تمنع العقوبات التواصل مع «هيئة تحرير الشام».

لماذا تفرض الأمم المتحدة عقوبات على «هيئة تحرير الشام» والجولاني؟ (رويترز)

لماذا تفرض الأمم المتحدة عقوبات على «هيئة تحرير الشام» والجولاني؟

فرضت الأمم المتحدة عقوبات على «جبهة النصرة»، لأن الجماعة مرتبطة بتنظيم «القاعدة»، ولأنها كانت «تشارك في تمويل أو تخطيط أو تسهيل أو إعداد أو ارتكاب أعمال أو أنشطة» مع «القاعدة» أو دعماً لها وتستقطب أفراداً وتدعم أنشطة «القاعدة».

وجاء في قائمة العقوبات التي فرضتها الأمم المتحدة: «في يناير (كانون الثاني) 2017، أنشأت جبهة النصرة (هيئة تحرير الشام)، وسيلة لتعزيز موقعها في التمرد السوري وتعزيز أهدافها باعتبارها فرعاً لتنظيم (القاعدة) في سوريا»... ورغم وصف ظهور «هيئة تحرير الشام» بطرق مختلفة (على سبيل المثال كاندماج أو تغيير في الاسم)، فإن جبهة «النصرة» استمرت في الهيمنة والعمل من خلال «هيئة تحرير الشام» في السعي لتحقيق أهدافها.

وفُرضت عقوبات على الجولاني بسبب ارتباطه بتنظيم «القاعدة» وعمله معه.

كيف يمكن رفع عقوبات الأمم المتحدة؟

تستطيع أي دولة عضو في الأمم المتحدة في أي وقت تقديم طلب لرفع العقوبات عن كيان أو شخص إلى لجنة عقوبات تنظيمي «داعش» و«القاعدة» التابعة لمجلس الأمن الدولي المؤلف من 15 دولة.

وإذا جاء الطلب من دولة لم تقترح في البداية فرض عقوبات الأمم المتحدة، فإن اللجنة تتخذ القرار بالإجماع.

وإذا تقدمت الدولة التي اقترحت في البداية فرض العقوبات بطلب الشطب من القائمة، فسيمحى الاسم من القائمة بعد 60 يوماً، ما لم توافق اللجنة بالإجماع على بقاء التدابير.

لكن إذا لم يتم التوصل إلى إجماع، يستطيع أحد الأعضاء أن يطلب إحالة الطلب إلى مجلس الأمن للتصويت عليه في غضون 60 يوماً.

ولم تتضح بعد الدول التي اقترحت فرض عقوبات على جبهة «النصرة» والجولاني.

ويستطيع أيضاً الشخص أو الكيان الخاضع للعقوبات أن يطلب إزالة التدابير عن طريق الاتصال بأمين عام المظالم، وهو منصب أنشأه المجلس في عام 2009، ليقوم بمراجعة الطلب.

وإذا أوصى أمين عام المظالم بإبقاء اسم ما على القائمة، فسيظل مدرجاً على القائمة. وإذا أوصى أمين عام المظالم بإزالة اسم ما، فسترفع العقوبات بعد عملية قد تستغرق ما يصل إلى 9 أشهر، ما لم توافق اللجنة في وقت أسبق بالإجماع على اتخاذ إجراء أو الإحالة إلى المجلس لتصويت محتمل.

هل هناك استثناءات من العقوبات؟

يستطيع الأشخاص الخاضعون لعقوبات الأمم المتحدة التقدم بطلب للحصول على إعفاءات فيما يتعلق بالسفر، وهو ما تقرره اللجنة بالإجماع.

ويقول المجلس إن عقوباته «لا تستهدف إحداث عواقب إنسانية تضر بالسكان المدنيين».

وهناك استثناء إنساني للأمم المتحدة ومنظمات الإغاثة يسمح «بتوفير أو معالجة أو دفع الأموال أو الأصول المالية الأخرى أو الموارد الاقتصادية، أو توفير السلع والخدمات اللازمة لضمان تقديم المساعدات الإنسانية في الوقت المناسب، أو لمساندة الأنشطة الأخرى التي تدعم الاحتياجات الإنسانية الأساسية».