بايدن يسعى لتهدئة غضب بكين بسبب زيارة محتملة من بيلوسي إلى تايوان

في خامس وأهم اتصال هاتفي بين بايدن وتشي

الرئيس الأميركي جو بايدن ونظيره الصيني تشي جينبينغ (أ.ف.ب)
الرئيس الأميركي جو بايدن ونظيره الصيني تشي جينبينغ (أ.ف.ب)
TT
20

بايدن يسعى لتهدئة غضب بكين بسبب زيارة محتملة من بيلوسي إلى تايوان

الرئيس الأميركي جو بايدن ونظيره الصيني تشي جينبينغ (أ.ف.ب)
الرئيس الأميركي جو بايدن ونظيره الصيني تشي جينبينغ (أ.ف.ب)

أجرى الرئيس الأميركي جو بايدن مكالمة ساخنة استمرت ساعتين وعشرين دقيقة مع الرئيس الصيني شي جينبينغ، الخميس، وصفها مسؤولو البيت الأبيض بأنها تسعى للحفاظ على استقرار العلاقات وتهدئة التوترات، فيما نظر إليها المحللون على أنها المحادثة الأهم والأخطر على خلفية تصاعد التوترات بشأن تايوان والرحلة المحتملة من قبل رئيسة مجلس النواب الأميركي نانسي بيلوسي إلى تايوان. وقد حذرت الصين من رد فعل حازم وقوي إذا أقدمت بيلوسي على زيارة الجزيرة. وتنظر الصين إلى تلك الرحلة بوصفها تنتهك الاتفاق بين واشنطن وبكين قبل نصف قرن بوقف العلاقات الأميركية الرسمية مع تايبيه.
وقالت وسائل الإعلام الصينية الحكومية إن رئيسا الدولتين أجريا اتصالات وتبادلات متعمقة بشأن العلاقات بين الصين والولايات المتحدة. وأوضحت أن الزعيم الصيني شي جينبينغ أبلغ الرئيس الأميركي جو بايدن بأنه يتعين على الولايات المتحدة الالتزام بمبدأ «الصين الواحدة» فيما يتعلق بتايوان، والتأكد من أن أفعال الولايات المتحدة تتماشى مع أقوالها. وقال الرئيس الصيني لبايدن إن الصين تعارض بشدة استقلال تايوان وتدخل القوى الخارجية.
من جانبه؛ قال البيت الأبيض إن المكالمة بين بايدن وشي تعدّ جزءاً من جهود الإدارة للحفاظ على خطوط اتصال وتعميقها بين الولايات المتحدة وجمهورية الصين الشعبية لإدارة الخلافات بشكل مسؤول والعمل معاً حيث تتوافق المصالح.
وأوضح البيت الأبيض أن الرئيسين ناقشا مجموعة من القضايا المهمة للعلاقات الثنائية وغيرها من القضايا الإقليمية والعالمية ومن بينها التغير المناخي والأمن الصحي.
وحول ما يتعلق بتايوان، قال بيان البيت الأبيض إن بايدن أكد لنظيره الصيني أن سياسة الولايات المتحدة لم تتغير وأن بلاده تعارض بشدة الجهود أحادية الجانب لتغيير الواضع الراهن أو تقويض السلام والاستقرار عبر مضيق تايوان.
ويعدّ هذا الاتصال الهاتفي الخامس بين الرئيسين منذ تولي الرئيس الأميركي بايدن منصبه، ولا يبدو أن رئيسة مجلس النواب نانسي بيلوسي تخطط للتراجع عن الرحلة رغم التحذيرات الصينية. وأشار مساعدون بمكتبها إلى أن رحلتها ستشمل محطات في إندونيسيا واليابان وسنغافورة دون تأكيد أو نفي نية السفر إلى تايوان.
كان البيت الأبيض قد أعلن صباح الخميس الجدول اليومي للرئيس بايدن دون أن يكون مدرجاً فيه الاتصال الهاتفي مع الرئيس الصيني، لكنه عاد وأعلن مرة أخرى إجراء الاتصال في الثامنة والنصف صباح الخميس بتوقيت واشنطن. ويبدو أنه كان هناك قلق من احتمال رفض الصين إجراء الاتصال؛ حيث لم يؤكد جون كيربي، منسق مجلس الأمن القومي للاتصالات الاستراتيجية، التاريخ والوقت المحددين حينما سأله الصحافيون مساء الأربعاء في المؤتمر الصحافي بالبيت الأبيض، واكتفى كيربي بالقول إن المحادثة الهاتفية ستجرى قريباً خلال الأيام المقبلة. وفي اليوم نفسه؛ قال المتحدث باسم وزارة الخارجية الصينية تشاو ليجيان في مؤتمر صحافي في بكين إنه ليست لديه معلومات حول القمة الهاتفية بين الرئيسين.
وقال كيربي للصحافيين، مساء الأربعاء، إن التوترات في بحر الصين الجنوبي «تأتي دائماً بشكل روتيني في محادثات واشنطن وبكين، حيث يتعلق الأمر بادعاءات الصين البحرية التي لا يدعمها القانون الدولي». وأضاف: «هناك الكثير حول العلاقات الثنائية بين البلدين التي يجب أن يتحدث عنها الزعيمان، والشيء الرئيسي هو أن الرئيس بايدن يريد التأكد من أن خطوط الاتصال مع الرئيس شي ستظل مفتوحة؛ لأنهم بحاجة إلى ذلك، ومن الواضح أن التوترات بشأن تايوان، والسلوك العدواني القسري للصين في المحيطين الهادي والهندي ومضيق تايوان، والتوترات في العلاقات الاقتصادية، والحرب الروسية غير المبررة ضد أوكرانيا... أتوقع أن تكون كل هذه الأمور جزءاً من المحادثة».
وشدد كيربي للصحافيين على أن الرئيس بايدن حريص على إبقاء خطوط اتصال مفتوحة مع الرئيسي تشي. ويراهن مسؤولو البيت الأبيض على تجنب اشتعال أزمة عند مضيق تايوان، خصوصاً مع إرسال البنتاغون حاملة طائرات عند المضيق وتحركات صينية مماثلة، مما قد يخلق أزمة ثقة بين البلدين. وشدد كيربي على أن بايدن سيؤكد مجدداً أنه لا يوجد تغيير في التزام أميركا بسياسة «صين واحدة».
كان بايدن قد تحدث مع الرئيس الصيني في مارس (آذار) الماضي، وأشادت بكين وقتها بالتزام بايدن بسياسة «الصين الواحدة» وتأكيدها أن التحالفات الأميركية الآسيوية لا تستهدف الصين ولا تسعى لاستقلال تايوان. وقال بايدن في ذلك الوقت إن بلاده ليست لديها نية لإشعال صراع مع الصين.
وتمثل تايوان عقبة رئيسية في تهدئة التوترات مع الصين؛ حيث تحاول إدارة بايدن تحقيق استقرار في العلاقات مع ثاني أكبر اقتصاد في العالم، لكن الطبيعة التنافسية بين واشنطن وبكين في مجالات جيوسياسية واقتصادية وتجارية وسيبرانية جعلت المخاوف تزداد مع تصاعد التوترات بما يشكل عواقب عالمية.
وتشتعل حلبة التنافس بين الولايات المتحدة والصين عبر مجالات عدة من المنافسة العسكرية إلى التجارية إلى التكنولوجية، إضافة إلى قضايا جيوسياسية تشمل: كوريا الشمالية، والعلاقات الصينية - الروسية، واستيراد بكين النفط من موسكو، إضافة إلى الخلافات التجارية التي أثارتها إدارة ترمب السابقة حول الرسوم الجمركية. وقد صرحت إدارة بايدن أنها تدرس تخفيف الرسوم الجمركية على الواردات الصينية؛ وهي التعرفات التي فرضتها إدارة ترمب السابقة. وتسعى إدارة بايدن بهذه الخطوة لمحاصرة معدلات التضخم العالية داخل الولايات المتحدة وتهدئة الحرب التجارية التي كادت تشتعل خلال عهد الإدارة السابقة.
في النهاية، تظل قضية تايوان القضية الأكثر سخونة؛ حيث تنظر الصبن إلى مساندة واشنطن السياسية والعسكرية لتايوان على أنها تأييد لاستقلال تايوان التي تعدّها الصين جزءاً من أراضيها. ورغم أن الولايات المتحدة أعلنت مراراً تمسكها بسياسة «الصين الواحدة»؛ فإن الغموض الاستراتيجي الذي اتبعته في التعامل مع تايوان والانتقادات الأميركية للتدخلات والضغوط العسكرية الصينية على تايبيه، يخاطر بزيادة التوترات بصفة خاصة عند مضيق تايوان.
وقد قال بايدن صراحة إنه لا يؤيد خطط بيلوسي زيارة تايوان في أغسطس (آب) المقبل برفقة وفد من الحزبين الديمقراطي والجمهوري، إلا إنه لم يتضح حتى الآن إذا ما كان البيت الأبيض قد نجح في أثناء بيلوسي عن مخططاتها، خصوصاً أن بيلوسي ستكون أكبر شخصية سياسية أميركية تزور تايوان منذ زيارة رئيس مجلس النواب الأسبق نيوت غينغريتش للجزيرة عام 1997.
وتحتفل الصين خلال أغسطس بالذكرى الخامسة والتسعين لتأسيس الجيش الصيني، ولذا؛ فإن زيارة بيلوسي إلى تايوان لإظهار التضامن مع تايبيه يخلق كثيراً من الشكوك وما تعدّها بكين إهانة للرئيس الصيني.
واقترح بعض المحللين على بيلوسي تأجيل الزيارة لوقت لاحق من العام الحالي لتجنب اشتعال التوترات في توقيت بالغ الحساسية للصين، بينما يرى مراقبون أنه لا ينبغي لبيلوسي إجراء الزيارة على الإطلاق. وتشير تسريبات من مساعدين بالكونغرس إلى أن بيلوسي تريد إجراء هذه الزيارة التي تأجلت من أبريل (نيسان) الماضي؛ لأنها ستتوج مسيرة بيلوسي السياسية التي استمرت 30 عاماً في الكونغرس بالوقوف على الأراضي التايوانية مع رئيسة تايوان تساي إنغ وين. وهناك شكوك عالية في قدرة الديمقراطيين على الاحتفاظ بالسيطرة على مجلس النواب بعد انتخابات التجديد النصفي في نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل، وبالتالي شكوك في إمكان احتفاظ بيلوسي بمنصبها.
يأتي ذلك بينما دخلت حاملة الطائرات الأميركية «يو إس إس رونالد ريغان» إلى بحر الصين الجنوبي، وقال بيان لـ«الأسطول السابع الأميركي» إن حاملة الطائرات (من طراز «نيميتز» التي تعمل بالطاقة النووية) تقوم بعمليات روتينية مقررة فيما عدّتها الصين نوعاً من استعراض العضلات.
ويحذر المحللون من أن سوء التعامل مع قضية تايوان قد يكون له أثر مدمر على العلاقات الثنائية، ولذا؛ فإن التحدي أمام بايدن هو إعادة تأكيد التزاماته تجاه الصين، وإقناع الرئيس الصيني بأنه لا يملك سلطة منع زيارة رئيسة مجلس النواب نانسي بيلوسي إلى تايوان، لكنه في الوقت نفسه لا يؤيد استقلال تايوان، وسيكون عليه شرح الأسباب وراء إرسال واشنطن المعدات العسكرية الدفاعية لتايوان لرفع قدراتها في الدفاع عن نفسها ضد أي هجوم صيني.
كانت الصين تأمل أن تتباطأ المنافسة مع الولايات المتحدة في عهد بايدن، لكنها شعرت بالقلق مع قيام واشنطن بتعزيز شبكة من التحالفات والشراكات لمواجهة الصين؛ منها تحالف «إيكوس» مع بريطانيا وأستراليا، والتحالفات مع دول جنوب شرقي آسيا في رحلته الآسيوية الأخيرة، وفي المقابل؛ سعت بكين إلى تعزيز شراكتها مع موسكو، وأعلن تشي وبوتين «شراكة لا حدود لها» لتعاون البلدين، خلال زيارة بوتين إلى الصين لحضور دورة الألعاب الأولمبية الشتوية قبل أيام من الغزو الروسي لأوكرانيا.


مقالات ذات صلة

بايدن يستضيف رئيس الفلبين لمواجهة تصاعد التوترات مع الصين

الولايات المتحدة​ بايدن يستضيف رئيس الفلبين لمواجهة تصاعد التوترات مع الصين

بايدن يستضيف رئيس الفلبين لمواجهة تصاعد التوترات مع الصين

في تحول كبير نحو تعزيز العلاقات الأميركية - الفلبينية، يستضيف الرئيس الأميركي جو بايدن، الرئيس الفلبيني فرديناند ماركوس جونيور، في البيت الأبيض مساء الاثنين، في بداية أسبوع من اللقاءات رفيعة المستوى، تمثل تحولاً في العلاقة بين البلدين التي ظلت في حالة من الجمود لفترة طويلة. زيارة ماركوس لواشنطن التي تمتد 4 أيام، هي الأولى لرئيس فلبيني منذ أكثر من 10 سنوات.

هبة القدسي (واشنطن)
العالم الحرب الباردة بين أميركا والصين... هل تتغيّر حرارتها؟

الحرب الباردة بين أميركا والصين... هل تتغيّر حرارتها؟

من التداعيات المباشرة والأساسية للحرب في أوكرانيا عودة أجواء الحرب الباردة وبروز العقلية «التناحرية» التي تسود حالياً العلاقة بين الولايات المتحدة والصين. ومع كل ما يجري في العالم، نلمح الكثير من الشرارات المحتملة التي قد تؤدي إلى صدام بين القوتين الكبريين اللتين تتسابقان على احتلال المركز الأول وقيادة سفينة الكوكب في العقود المقبلة... كان لافتاً جداً ما قالته قبل أيام وزيرة الخزانة الأميركية جانيت يلين وشكّل انعطافة كبيرة في مقاربة علاقات واشنطن مع بكين، من حيّز المصالح الاقتصادية الأميركية إلى حيّز الأمن القومي.

أنطوان الحاج
الاقتصاد الشركات الأميركية في الصين  تخشى مزيداً من تدهور علاقات البلدين

الشركات الأميركية في الصين تخشى مزيداً من تدهور علاقات البلدين

تخشى الشركات الأميركية في الصين بشكل متزايد من مزيد من التدهور في العلاقات بين البلدين، وفقاً لدراسة استقصائية أجرتها غرفة التجارة الأميركية في الصين. وأعرب 87 في المائة من المشاركين في الدراسة عن تشاؤمهم بشأن توقعات العلاقة بين أكبر الاقتصادات في العالم، مقارنة بنسبة 73 في المائة في استطلاع ثقة الأعمال الأخير. ويفكر ما يقرب من ربع هؤلاء الأشخاص، أو بدأوا بالفعل، في نقل سلاسل التوريد الخاصة بهم إلى دول أخرى.

«الشرق الأوسط» (بكين)
الاقتصاد دعوات أميركية للحد من اعتماد الدول الغنية على السلع الصينية

دعوات أميركية للحد من اعتماد الدول الغنية على السلع الصينية

من المتوقع أن يبحث قادة مجموعة الدول السبع الصناعية الكبرى في قمتهم المقررة باليابان الشهر المقبل، الاتفاق على تحديد رد على التنمر الاقتصادي من جانب الصين.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
الاقتصاد الصين تنتقد «الإكراه الاقتصادي» الأميركي

الصين تنتقد «الإكراه الاقتصادي» الأميركي

انتقدت بكين الجمعة، عزم واشنطن فرض قيود جديدة على استثمارات الشركات الأميركية في نظيرتها الصينية، معتبرة أن خطوة كهذه هي أقرب ما يكون إلى «إكراه اقتصادي فاضح وتنمّر تكنولوجي». وتدرس إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن، برنامجاً لتقييد استثمارات خارجية أميركية، بما يشمل بعض التقنيات الحسّاسة التي قد تكون لها آثار على الأمن القومي. وتعاني طموحات الصين التكنولوجية أساساً من قيود تفرضها الولايات المتحدة ودول حليفة لها، ما دفع السلطات الصينية إلى إيلاء أهمية للجهود الرامية للاستغناء عن الاستيراد في قطاعات محورية مثل أشباه الموصلات. وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية الصينية وانغ ونبين، إن «الولايات المتحد

«الشرق الأوسط» (بكين)

بعد 5 سنوات من الجائحة... «كورونا» أصبح مرضاً متوطناً

سيدة تقوم باختبار «كوفيد» في الفلبين (أ.ب)
سيدة تقوم باختبار «كوفيد» في الفلبين (أ.ب)
TT
20

بعد 5 سنوات من الجائحة... «كورونا» أصبح مرضاً متوطناً

سيدة تقوم باختبار «كوفيد» في الفلبين (أ.ب)
سيدة تقوم باختبار «كوفيد» في الفلبين (أ.ب)

بعد 5 سنوات من بدء جائحة «كورونا»، أصبح «كوفيد-19» الآن أقرب إلى المرض المتوطن، وفقاً لخبراء الصحة.

وقال خبراء في الولايات المتحدة إن «كوفيد-19» أصبح مشابهاً للإنفلونزا -وهي مرض متوطن- من حيث خطر الإصابة بمرض شديد والاستشفاء والوفاة.

وقالوا إن فيروس «كورونا»، المسبب لمرض «كوفيد»، أصبح الآن أقل فتكاً، على الرغم من أنه أكثر قابلية للانتقال، ومن المتوقع أن يستمر في مواجهة موجات قد يكون بعضها شديداً.

وقد تطوَّر فيروس «كورونا» من خلال 4 متغيرات. وقالت مونيكا غاندي، خبيرة الأمراض المعدية في جامعة كاليفورنيا في سان فرنسيسكو: «لقد فعل هذا الوباء ما تفعله الأوبئة عادةً، استقر في حالة توطن، ما يعني يقظة مستمرة من جانبنا»، الأمر الذي يتطلب التطعيم والعلاجات المستمرة لإبقاء الفيروس تحت السيطرة وتقليل شدة الأعراض.

نهاية الوباء بقرار رسمي

​​وقال الخبراء إنه في حين لم تعلن السلطات الصحية عن نهاية مرحلة الوباء في الولايات المتحدة، فقد فعل الرئيس جو بايدن ذلك، في الواقع، من خلال توقيع قرار في عام 2023 ينهي حالة الطوارئ الوطنية لفيروس «كورونا»، وفق ما نقلت صحيفة «واشنطن بوست» الأميركية.

وتُعد التصريحات الرسمية التي تُشير إلى نهاية الأوبئة أمراً غير مألوف، ولا توجد عتبة واضحة لتحول المرض من جائحة إلى وباء، لكن توطن «كوفيد» مُتفق عليه إلى حد كبير في المجتمع الطبي، كما قال ويليام شافنر، أستاذ الأمراض المعدية والطب الوقائي في جامعة فاندربيلت. وأضاف: «لقد أصبح هذا الأمر متأصلاً في أسلوب حياتنا».

طفل يرتدي قناعاً واقياً ضمن عمال مهاجرين مع عائلاتهم يحاولون العودة إلى قراهم يسيرون نحو محطة حافلات في نيودلهي (أ.ب)
طفل يرتدي قناعاً واقياً ضمن عمال مهاجرين مع عائلاتهم يحاولون العودة إلى قراهم يسيرون نحو محطة حافلات في نيودلهي (أ.ب)

وفي هذا الصدد، صرح بول برينس، المتحدث باسم مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها، في بيان، بأن انتهاء إعلان حالة الطوارئ الصحية العامة «يعكس تحولاً من مرحلة الاستجابة للطوارئ إلى مرحلتي التعافي والصيانة».

وأضاف: «في حين أن إصابات (كوفيد-19) لا تزال شائعة، فإن احتمالية أن تؤدي الإصابات الفردية إلى مرض شديد لدى معظم الناس في الولايات المتحدة أقل مما كانت عليه في عام 2020».

لكن ويليام هاناغ، عالم الأوبئة في كلية هارفارد تي إتش تشان للصحة العامة، قال إن عدد حالات الإصابة بفيروس «كورونا» لا يزال مرتفعاً، مقارنة بجميع الفيروسات الأخرى باستثناء الإنفلونزا، وفق الصحيفة الأميركية.

وأشارت مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها إلى أن الإنفلونزا تتزايد في جميع أنحاء البلاد، ما أدَّى إلى ما لا يقل عن 520 ألف حالة دخول للمستشفى و22 ألف حالة وفاة حتى الآن في موسم الإنفلونزا هذا، الذي بدأ أواخر سبتمبر (أيلول).

وأضاف: «المرض المُعدي الوحيد الذي تستقبل الولايات المتحدة منه أكثر من 10 آلاف حالة وفاة سنوياً هو الإنفلونزا، أو على الأقل كان كذلك حتى الآن، ولا يزال لدينا أكثر من ذلك بكثير مع (كوفيد)».

وأشارت وسائل إعلام أميركية إلى انخفاض الحالات الخطيرة والوفيات منذ بداية الجائحة، وذلك استناداً إلى بيانات أسبوعية مؤقتة للوفيات، وزيارات أقسام الطوارئ بسبب «كوفيد» من 11 يناير (كانون الثاني) 2020 إلى 1 مارس (آذار) 2025.

أسباب انخفاض وتيرة الإصابات

وقال خبراء إن انخفاض وتيرة الإصابات يعود جزئياً إلى المناعة المكتسبة من العدوى الطبيعية والتطعيم، وتطور الفيروس إلى متحورات أقل فتكاً، وأن عدداً من المرضى الأكثر عرضة للإصابة قد توفوا بالفعل.

قد تكون البيانات متحيزة نظراً لتخفيف قيود جمع البيانات والإبلاغ عنها مع انتهاء حالة الطوارئ الوطنية، لكن ما بقي ثابتاً هو أن كبار السن، وأولئك الذين يعانون من عوامل خطر معينة، بما في ذلك ضعف جهاز المناعة، والأشخاص غير الملقحين، هم أكثر عرضة للإصابة بأمراض خطيرة والوفاة.

سيدتان تبكيان في ذكرى وفاة والدة إحداهما بسبب «كوفيد» عند الجدار التذكاري لضحايا الوباء في لندن (رويترز)
سيدتان تبكيان في ذكرى وفاة والدة إحداهما بسبب «كوفيد» عند الجدار التذكاري لضحايا الوباء في لندن (رويترز)

وحتى الآن هذا الموسم، كان معدل دخول المستشفيات بسبب «كوفيد» أعلى بتسعة أضعاف لمن تزيد أعمارهم على 65 عاماً، مقارنةً بمن تقل أعمارهم عن 65 عاماً. ففي فبراير (شباط)، كانت 90 في المائة من وفيات «كوفيد» بين مَن تزيد أعمارهم على 65 عاماً. وتلقَّى ما يقرب من ربع البالغين الذين تزيد أعمارهم على 65 عاماً أحدث جرعة معززة من اللقاح حتى نهاية عام 2024.

وقال هاناغ: «من المؤسف للغاية أننا وصلنا إلى هذه النقطة التي لم يعد فيها كثير من الأشخاص الذين كان من الممكن حمايتهم».

وبغض النظر عن المرض الأساسي، تشير تقديرات التعداد السكاني إلى أن نحو 5.3 في المائة من البالغين في الولايات المتحدة، أي ما يعادل 14 مليون شخص، كانوا يعانون من «كوفيد» طويل الأمد أواخر العام الماضي، وهي حالة غالباً ما تتميز بالتعب وضبابية الدماغ وأعراض أخرى مُعيقة.

أهمية اللقاحات

ولا يزال اللقاح وسيلة دفاع. لسنوات، أظهرت الأبحاث أن لقاح فيروس «كورونا» فعَّال في الوقاية من المرض الشديد، ودخول المستشفى، والوفاة. وفي حين أن أكثر من 80 في المائة من البالغين في الولايات المتحدة تلقُّوا جرعة واحدة على الأقل من اللقاح، فإن 23 في المائة فقط حصلوا على جرعة مُعزّزة خلال موسم «كوفيد» هذا، وفقاً للبيانات.

إلى ذلك، قال إريك توبول، أستاذ الطب الجزيئي في مركز «سكريبس» للأبحاث: «أعتقد أن المشكلة تكمن في أن بعض الناس سيُخدعون بفكرة أن هذا الفيروس سيتلاشى. لا أعتقد أن هذا صحيح على الإطلاق».

وصرحت السلطات الصحية الفيدرالية بأن الجرعات المعززة هي الأكثر أهمية للأشخاص الذين تزيد أعمارهم على 65 عاماً، والذين يعانون من حالات طبية معينة مثل أمراض القلب والأوعية الدموية والسكري وضعف جهاز المناعة، أو لم يتلقوا أي تطعيم ضد الفيروس.

وقال توبول: «نعلم أن المناعة ليست طويلة الأمد. إذ يستمر الفيروس في التطور وإيجاد طرق جديدة لتحدي جهاز المناعة لدينا».

وبالإضافة إلى ذلك، قد لا يتمتع عدد من الأشخاص الذين يعانون من ضعف في جهاز المناعة -سواء بسبب العمر أو المرض- بمتانة الحماية نفسها. ويقول هاناغ: «عندما تقارن ذلك بحقيقة أن الفيروس مستمر في التطور، فإنهم أكثر عرضة للإصابة بالعدوى، وأكثر عرضة للإصابة بمرض شديد».

بشكل عام، إذا كانت معدلات التطعيم ضد فيروس «كورونا» مماثلة لمعدلات لقاح الإنفلونزا، التي تبلغ نحو 46 في المائة للبالغين بداية من 1 مارس، قال خبراء الصحة إنهم يتوقعون انخفاضاً كبيراً في معدل الوفيات المرتبطة بـ«كوفيد».

وقال روب مورفي، خبير الأمراض المعدية في جامعة نورث وسترن، إنه إذا استمر فيروس «كورونا» في التراجع، فقد يأتي وقت قد لا تكون فيه هناك حاجة إلى الجرعات المعززة سنوياً.