ماكرون يؤكد استمرار الالتزام بأمن أفريقيا

باريس تسعى لانتهاج استراتيجية مختلفة لحضورها العسكري

الرئيسان الكاميروني بول بيا والفرنسي إيمانويل ماكرون في القصر الرئاسي في ياوندي، أمس (رويترز)
الرئيسان الكاميروني بول بيا والفرنسي إيمانويل ماكرون في القصر الرئاسي في ياوندي، أمس (رويترز)
TT

ماكرون يؤكد استمرار الالتزام بأمن أفريقيا

الرئيسان الكاميروني بول بيا والفرنسي إيمانويل ماكرون في القصر الرئاسي في ياوندي، أمس (رويترز)
الرئيسان الكاميروني بول بيا والفرنسي إيمانويل ماكرون في القصر الرئاسي في ياوندي، أمس (رويترز)

قطعاً، لا تصح المقارنة بين انسحاب القوات الأميركية المتسرع والمهين من أفغانستان وانسحاب قوة «برخان» الفرنسية من مالي، بعد حضور عسكري متواصل دام لتسع سنوات، وكان غرضه مكافحة التنظيمات الإرهابية (المتفرعة عن داعش والقاعدة) بالنظر إلى أن خروج القوة الفرنسية يتم بانتظام وتروٍّ ولا يعني تخليها عن بلدان الساحل وقواعدها العسكرية المنتشرة في القارة الأفريقية.
ومع ذلك، فإن الهم الأول للرئيس إيمانويل ماكرون في جولته الأفريقية التي بدأها من ياوندي، عاصمة الكاميرون، هو طمأنة الأفارقة وتأكيد أن باريس ما زالت ملتزمة بأمنهم واستقرار بلادهم، ولكن بصورة مختلفة عما كانت عليه سابقاً. وفي أول مناسبة توافرت له في العاصمة الكاميرونية بمناسبة المؤتمر الصحافي المشترك مع الرئيس بول بيا، ثم لاحقاً في لقائه الجالية الفرنسية الكبيرة في الكاميرون، سارع ماكرون لإيصال رسالته الأساسية مؤكداً أن بلاده «لن تتخلى عن أمن القارة الأفريقية» مضيفاً لاحقاً أنها «ستبقى ملتزمة بأمن القارة من أجل توفير الدعم لشركائنا الأفارقة وبناءً على طلبهم». وبما أن الانسحاب من مالي يثير الكثير من التساؤلات لا بل المخاوف فقد حرص ماكرون على توضيح رؤيته وخطط باريس تنظيمياً وعسكرياً بقوله: «نعيد تنظيم منظومتنا بالانسحاب من مالي لأن الإطار السياسي لم يعد متوفراً (...)، بهدف توسيع جهازنا، خارج منطقة الساحل، إلى خليج غينيا والدول التي يتعين عليها الآن مواجهة مجموعات إرهابية تتمدد وتتسبب باضطرابات للمنطقة كلها». ولا تتوقف الجهود الفرنسية عند بلدان الساحل أو خليج غينيا، بل تشمل وفق الرئيس الفرنسي الدول المطلة على بحيرة تشاد (تشاد، النيجر، نيجيريا والكاميرون) لمساعدتها على محاربة الإرهابيين الذين ينشرون الموت، منذ سنوات عديدة، في أقصى شمال الكاميرون.
هذه الرسائل سيكررها ماكرون في محطاته الأفريقية الثلاث (الكاميرون وبنين وغينيا بيساو) التي يزورها تباعاً وحتى الثامن والعشرين من هذا الشهر في أول جولة له خارج القارة الأفريقية منذ إعادة انتخابه.
وتتخوف باريس من تمدد التنظيمات الإرهابية الناشطة في مالي وبوركينا فاسو والنيجر فيما يسمى «المثلث الحدودي» بين الدول الثلاث المذكورة إلى دول خليج غينيا. ومن المرتقب أن تنهي قيادة الأركان الفرنسية انسحاب قوة «برخان» من مالي مع نهاية شهر أغسطس (آب) القادم وهي بصدد إعادة نشرها قسماً منها في النيجر حيث تشغل قاعدة جوية في مطار نيامي.
وتوصلت باريس ونيامي إلى اتفاق تقوم بموجبه فرنسا بنشر قوة من عدة مئات من الرجال مع عتادهم في منطقة الحدود المثلثة لمساعدة القوات النيجيرية على مواجهة تغلغل الجهاديين. كذلك ترابط مجموعة من قوات الكوماندوس الفرنسية التي لا يعلن عن أنشطتها في واغادوغو، عاصمة بوركينا فاسو. وتخطط باريس لزيادة حضورها العسكري في بلدان خليج غينيا وبعض بلدان حوض تشاد لمد يد المساعدة للقوات المحلية في حربها. ثمة تحول كبير سيطرأ على الانتشار العسكري الفرنسي في أفريقيا، وقد أشار إليه ماكرون بقوله إن فرنسا مستعدة للاستجابة لما يطلبه شركاؤها الأفارقة ما يعني عملياً أنها لم تعد راغبة في احتلال الصف الأمامي الذي تخليه للقوات المحلية.
وقال ماكرون إن القوات الفرنسية «تتواجد هناك بطريقة حتى أكثر وضوحاً، بناءً على طلب الدول الأفريقية، وهو طلب جلي وصريح، من خلال حضورنا بشكل أكبر في مسألة التدريب العسكري والمعدات وتوفير الدعم للجيوش الأفريقية والبقاء قريبين منها، لمساعدتها في زيادة قدراتها، من خلال ربط جهازنا دائماً بالأمن والدفاع والدبلوماسية والتنمية». وفي نظره، فإن «هذه الثلاثية هي الوحيدة التي تسمح بالاستجابة لحالة الطوارئ الأمنية في مواجهة الإرهاب وبمعالجة الأسباب الجذرية للإرهاب».
وكان ماكرون قد دعا قيادة الأركان الفرنسية لكي تقدم له خطة لإعادة الانتشار تأخذ بعين الاعتبار هذا التوجه الأساسي الذي غرضه احتواء الشعور المعادي لفرنسا والذي ترى فيه باريس بصمات دول منافسة لها في أفريقيا أكانت هذه تسمى روسيا أو تركيا أو الصين... واللافت أن جولته الأفريقية تتزامن مع جولة وزير الخارجية الروسي التي بدأها من القاهرة وتشمل الكونغو وأوغندا وإثيوبيا.
ثمة مسائل كثيرة كانت موضع مناقشات بين ماكرون وبيا وعلى رأسها الأزمة الغذائية المترتبة على الحرب الروسية على أوكرانيا ومبادرة باريس لتشجيع ودعم القطاع الزراعي والدفع باتجاه الاكتفاء الذاتي والتعاون مع القطاع الزراعي الفرنسي والأوروبي وتكذيب الرواية الروسية التي تحمل الأوروبيين والأميركيين مسؤولية الأزمة. ثم إن هناك المسائل الثنائية وحرص باريس على إظهار اهتمامها بالمجتمع المدني الكاميروني ورغبته في تحقيق «مصالحة الذاكرتين» الفرنسية والكاميرونية نظراً للسياسة القمعية التي اتبعتها باريس خلال إدارتها للكاميرون منذ عشرينات القرن الماضي وحتى استقلالها في عام 1960؛ لذا فقد دعا الرئيس الفرنسي المؤرخين من الجانبين بـ«عمل مشترك» هدفه إلقاء «كامل الضوء» على اللحظات المؤلمة المترتبة على الممارسات الفرنسية. ولذلك أعلن ماكرون فتح كامل الأرشيف الفرنسي للاستعانة به من أجل هذه المهمة. واليوم، يحط ماكرون في بنين قبل أن ينهي جولته الخميس في غينيا بيساو.


مقالات ذات صلة

هل تنجح دعوات استعادة الجواهر الأفريقية المرصِّعة للتاج البريطاني؟

أفريقيا هل تنجح دعوات استعادة الجواهر الأفريقية المرصِّعة للتاج البريطاني؟

هل تنجح دعوات استعادة الجواهر الأفريقية المرصِّعة للتاج البريطاني؟

بينما تستعد بريطانيا لتتويج الملك تشارلز الثالث (السبت)، وسط أجواء احتفالية يترقبها العالم، أعاد مواطنون وناشطون من جنوب أفريقيا التذكير بالماضي الاستعماري للمملكة المتحدة، عبر إطلاق عريضة للمطالبة باسترداد مجموعة من المجوهرات والأحجار الكريمة التي ترصِّع التاج والصولجان البريطاني، والتي يشيرون إلى أن بريطانيا «استولت عليها» خلال الحقبة الاستعمارية لبلادهم، وهو ما يعيد طرح تساؤلات حول قدرة الدول الأفريقية على المطالبة باسترداد ثرواتها وممتلكاتها الثمينة التي استحوذت عليها الدول الاستعمارية. ودعا بعض مواطني جنوب أفريقيا بريطانيا إلى إعادة «أكبر ماسة في العالم»، والمعروفة باسم «نجمة أفريقيا»، وا

أفريقيا «النقد الدولي»: أفريقيا الخاسر الأكبر من «الاستقطاب العالمي»

«النقد الدولي»: أفريقيا الخاسر الأكبر من «الاستقطاب العالمي»

مع تركيز مختلف القوى الدولية على أفريقيا، يبدو أن الاقتصادات الهشة للقارة السمراء في طريقها إلى أن تكون «الخاسر الأكبر» جراء التوترات الجيو - استراتيجية التي تتنامى في العالم بوضوح منذ اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية. وتوقَّع تقرير صدر، (الاثنين)، عن صندوق النقد الدولي أن «تتعرض منطقة أفريقيا جنوب الصحراء للخسارة الأكبر إذا انقسم العالم إلى كتلتين تجاريتين معزولتين تتمحوران حول الصين وروسيا من جهة، والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي في المقابل». وذكر التقرير أن «في هذا السيناريو من الاستقطاب الحاد، ما يؤدي إلى أن تشهد اقتصادات أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى انخفاضا دائماً بنسبة تصل إلى 4 في الما

أفريقيا السعودية والاتحاد الأفريقي يبحثان وقف التصعيد العسكري في السودان

السعودية والاتحاد الأفريقي يبحثان وقف التصعيد العسكري في السودان

بحث الأمير فيصل بن فرحان بن عبد الله، وزير الخارجية السعودي، مع رئيس مفوضية الاتحاد الأفريقي، موسى فكي، اليوم (الثلاثاء)، الجهود المبذولة لوقف التصعيد العسكري بين الأطراف المتنازعة في السودان، وإنهاء العنف، وتوفير الحماية اللازمة للمدنيين السودانيين والمقيمين على أرضها، بما يضمن أمن واستقرار ورفاهية البلاد وشعبها. جاء ذلك خلال اتصال هاتفي أجراه وزير الخارجية السعودي، برئيس المفوضية، وتناول آخر التطورات والأوضاع الراهنة في القارة الأفريقية، كما ناقش المستجدات والموضوعات الإقليمية والدولية ذات الاهتمام المشترك.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
أفريقيا «مكافحة الإرهاب» تتصدر الأجندة الأوغندية في «السلم والأمن» الأفريقي

«مكافحة الإرهاب» تتصدر الأجندة الأوغندية في «السلم والأمن» الأفريقي

تتصدر جهود مكافحة ظاهرة التطرف والإرهاب، التي تؤرق غالبية دول القارة الأفريقية، الأجندة الأوغندية، خلال رئاستها مجلس السلم والأمن، التابع للاتحاد الأفريقي، في شهر مايو (أيار) الجاري. ووفق المجلس، فإنه من المقرر عقد اجتماع تشاوري في بروكسل بين الاتحاد الأوروبي والاتحاد الأفريقي، لمناقشة النزاعات والأزمات في البحيرات الكبرى والقرن والساحل، والصراع المستمر في جمهورية الكونغو الديمقراطية، ومكافحة تمرد حركة «الشباب» في الصومال، والتحولات السياسية المعقدة، فضلاً عن مكافحة الإرهاب في بلدان منطقة الساحل، كبنود رئيسية على جدول الأعمال. وأوضح المجلس، في بيان له، أن مجلس السلم والأمن الأفريقي سيناقش نتا

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
أفريقيا مكافحة «الإرهاب» تتصدر أجندة أوغندا في مجلس الأمن الأفريقي

مكافحة «الإرهاب» تتصدر أجندة أوغندا في مجلس الأمن الأفريقي

تتصدر جهود مكافحة ظاهرة «التطرف والإرهاب»، التي تقلق كثيراً من دول القارة الأفريقية، أجندة أوغندا، خلال رئاستها مجلس السلم والأمن التابع للاتحاد الأفريقي، في مايو (أيار) الحالي. ومن المقرر عقد اجتماع تشاوري في بروكسل بين الاتحادين الأوروبي والأفريقي؛ لمناقشة النزاعات والأزمات في البحيرات الكبرى والقرن والساحل، والصراع المستمر في جمهورية الكونغو الديمقراطية، ومكافحة تمرد حركة «الشباب الإرهابية» في الصومال، والتحولات السياسية المعقدة، فضلاً عن مكافحة «الإرهاب» في بلدان منطقة الساحل، كبنود رئيسية على جدول الأعمال. وأوضح المجلس، في بيان، أنه سيناقش نتائج الحوار الوطني في تشاد، ولا سيما المسألتين ا

«الشرق الأوسط» (القاهرة)

إردوغان يعرض وساطة لحل الخلاف بين السودان والإمارات

من لقاء سابق بين إردوغان والبرهان في أنقرة (الرئاسة التركية)
من لقاء سابق بين إردوغان والبرهان في أنقرة (الرئاسة التركية)
TT

إردوغان يعرض وساطة لحل الخلاف بين السودان والإمارات

من لقاء سابق بين إردوغان والبرهان في أنقرة (الرئاسة التركية)
من لقاء سابق بين إردوغان والبرهان في أنقرة (الرئاسة التركية)

عرض الرئيس التركي رجب طيب إردوغان وساطة بلاده لحل الخلاف بين السودان ودولة الإمارات العربية المتحدة على غرار ما قامت به لتسوية الأزمة بين الصومال وإثيوبيا حول اتفاق الأخيرة مع إقليم أرض الصومال على استخدام ساحلها على البحر الأحمر.

وقال إردوغان، في اتصال هاتفي، الجمعة، مع رئيس مجلس السيادة السوداني عبد الفتاح البرهان، إن «بإمكان تركيا التوسط لحل الخلاف بين السودان ودولة الإمارات العربية المتحدة». وبحسب بيان للرئاسة التركية، تناول إردوغان مع البرهان، خلال الاتصال الهاتفي، العلاقات بين تركيا والسودان، وقضايا إقليمية وعالمية، وأكد أن تحقيق السلام والاستقرار في السودان والحفاظ على وحدة أراضيه وسيادته ومنع تحوله إلى ساحة للتدخلات الخارجية، من المبادئ الأساسية لتركيا.

ولفت إردوغان، بحسب البيان، إلى أن تركيا توسطت لحل الخلاف بين الصومال وإثيوبيا، وأن الاتفاق بين البلدين سيساهم في السلام بالمنطقة.

اتهامات متبادلة

ودأب قادة الجيش السوداني على اتهام دولة الإمارات العربية المتحدة، بدعم قوات «الدعم السريع» وتزويدها بالأسلحة والمعدات. وتقدم مندوب السودان في الأمم المتحدة الحارث إدريس الحارث، بشكوى رسمية ضدها، واتهمها بالتخطيط لإشعال الحرب ودعم «قوات الدعم السريع» بمساعدة من تشاد، طالباً إدانتها، بيد أن أبوظبي فندت تلك الاتهامات ووصفتها بأنها "ادعاءات لا أساس لها من الصحة، وتفتقر للأدلة الموثوقة.

وفي المقابل وجهت دولة الإمارات رسالة إلى مجلس الأمن في 21 أبريل (نيسان)، شددت خلالها على أن نشر المعلومات المضللة والروايات الزائفة، يرمي إلى التهرب من المسؤولية، وتقويض الجهود الدولية الرامية إلى معالجة الأزمة الإنسانية في السودان بعد عام من الصراع بين الجيش و«قوات الدعم السريع». وأكدت أنها «ستظل ملتزمة بدعم الحل السلمي للصراع في السودان، ودعم أي عملية تهدف إلى وضع السودان على المسار السياسي للتوصل إلى تسوية دائمة، وتحقيق توافق وطني لتشكيل حكومة بقيادة مدنية».

الشيخ محمد بن زايد وعبد الفتاح البرهان في أبو ظبي 14 فبراير (أ.ف.ب)

وفي يوليو (تموز) الماضي، بحث رئيس الإمارات، الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، في اتصال هاتفي، مع رئيس مجلس السيادة السوداني، عبد الفتاح البرهان، «سبل دعم السودان للخروج من الأزمة التي يمر بها»، وأكد حرص دولة الإمارات على دعم جميع الحلول والمبادرات الرامية إلى وقف التصعيد وإنهاء الأزمة في السودان.

تعهدات تركية للبرهان

ووفقاً لنشرة صحافية صادرة عن مجلس السيادة السوداني، فإن الرئيس إردوغان تعهد للبرهان باستمرار تدفق المساعدات الإنسانية التركية للسودان، وباستئناف عمل الخطوط الجوية التركية قريباً، وباستعداد بلاده لتعزيز العلاقات الدبلوماسية بين البلدين، والتعاون في الزراعة والتعدين.

وذكر السيادي أن البرهان أشاد بمواقف تركيا «الداعمة للسودان»، وجهودها من أجل السلام والاستقرار في المنطقة والإقليم، ودورها في معالجة الكثير من القضايا الإقليمية والدولية، ودورها في الملف السوري، مبدياً ترحيبه بأي دور تركي لوقف الحرب «التي تسببت فيها ميليشيا الدعم السريع المتمردة». ودعا البرهان لتعزيز الاستثمارات التركية في مختلف المجالات، مؤكداً ثقته في مواقف الرئيس التركي رجب طيب إردوغان وحكومته الداعمة للشعب السوداني وخياراته.

ويرى مراقبون أن الاتصال الهاتفي بين إردوغان والبرهان في هذا التوقيت يأتي في ظل متغيرات وترتيبات جديدة في المنطقة تشمل السودان، بعد سقوط نظام بشار الأسد في سوريا.

ومنذ منتصف أبريل (نيسان) 2023، يخوض الجيش السوداني البرهان، و«قوات الدعم السريع» بقيادة محمد حمدان دقلو (حميدتي)، حرباً خلفت أكثر من 20 ألف قتيل، وما يزيد على 14 مليون نازح ولاجئ، وفق تقديرات الأمم المتحدة والسلطات المحلية.

حضور تركي في القرن الأفريقي

وقطعت تركيا، الأربعاء الماضي، خطوة كبيرة على طريق حل النزاع بين الصومال وإثيوبيا، بعد جولات من المباحثات بين الطرفين في إطار ما عرف بـ«عملية أنقرة»، يراها مراقبون ترسيخاً للحضور التركي القوي في منطقة القرن الأفريقي.

إردوغان يتوسط الرئيس الصومالي ورئيس الوزراء الإثيوبي خلال مؤتمر صحافي في أنقرة مساء الأربعاء الماضي (الرئاسة التركية)

وأعلن الرئيس الصومالي، حسن شيخ محمود، ورئيس الوزراء الصومالي، آبي أحمد، في مؤتمر صحافي مع إردوغان مساء الأربعاء، أعقب 8 ساعات من المفاوضات الماراثونية سبقتها جولتان من المفاوضات في أنقرة في الأشهر الماضية، أنهما قررا بدء المفاوضات الفنية بحسن نية بحلول نهاية فبراير (شباط) 2025 على أبعد تقدير، والتوصل إلى نتيجة منها والتوقيع على اتفاق في غضون 4 أشهر، بحسب ما ورد في «إعلان أنقرة». وقبل الطرفان العمل معاً على حل نزاع حول خطة أديس أبابا لبناء ميناء في منطقة أرض الصومال الانفصالية، التي تسببت في زيادة زعزعة استقرار منطقة القرن الأفريقي.

وقال إردوغان إن البلدين الجارين توصلا، في ختام مفاوضات جرت بوساطته في أنقرة، إلى اتفاق «تاريخي» ينهي التوترات بينهما.

وبحسب نص إعلان أنقرة، الذي نشرته تركيا، اتفق البلدان على «التخلّي عن الخلافات في الرأي والقضايا الخلافية، والتقدّم بحزم في التعاون نحو رخاء مشترك، والعمل باتجاه إقرار إبرام اتفاقيات تجارية وثنائية من شأنها أن تضمن لإثيوبيا وصولاً إلى البحر «موثوقاً به وآمناً ومستداماً تحت السلطة السيادية لجمهورية الصومال الفيدرالية».

وأعرب إردوغان عن قناعته بأنّ الاتفاق سيضمن وصول إثيوبيا إلى البحر، قائلاً: «أعتقد أنه من خلال الاجتماع الذي عقدناه سيقدّم أخي شيخ محمود الدعم اللازم للوصول إلى البحر لإثيوبيا».

إردوغان مع الرئيس الصومالي ورئيس الوزراء الإثيوبي عقب توقيع إعلان أنقرة (الرئاسة التركية)

وتدخلت تركيا في النزاع بطلب من إثيوبيا، التي وقعت في الأول من يناير (كانون الثاني) الماضي اتفاقية مع منطقة «أرض الصومال»، التي أعلنت انفصالها عن الصومال عام 1991، لكن لم تحظ باعتراف المجتمع الدولي، وتشمل النقل البحري واستخدام ميناء بربرة على البحر الأحمر، واستغلال 20 كيلومتراً من ساحل أرض الصومال لمدة 50 عاماً مقابل الاعتراف باستقلالها عن الصومال، مع منحها حصة من شركة الخطوط الجوية الإثيوبية.

ترحيب دولي

ورحب وزير الخارجية الأميركي، أنتوني بلينكن، خلال لقائه إردوغان في أنقرة، ليل الخميس – الجمعة، بنجاح تركيا في التوصل إلى اتفاق بين الصومال وإثيوبيا. كما رحب الاتحاد الأوروبي بالاتفاق، وأشاد بدور الوساطة الذي لعبته تركيا بهذا الخصوص.

وترتبط تركيا بعلاقات قوية بإثيوبيا، كما أصبحت حليفاً وثيقاً للحكومة الصومالية في السنوات القليلة الماضية. وافتتحت عام 2017 أكبر قاعدة عسكرية لها في الخارج في مقديشو، وتقدم تدريباً للجيش والشرطة الصوماليين.

وبدأت في أواخر أكتوبر (تشرين الأول) الماضي أنشطة المسح الزلزالي للنفط والغاز الطبيعي في 3 مناطق مرخصة في الصومال تمثل كل منها مساحة 5 آلاف كيلومتر مربع، بموجب مذكرة تفاهم وقعت بين البلدين في مارس (آذار) الماضي، لتطوير التعاون في مجال النفط والغاز الطبيعي.

وجاء توقيع المذكرة بعد شهر واحد من توقيع اتفاقية إطارية للتعاون الدفاعي والاقتصادي، تقدم تركيا بمقتضاها دعماً أمنياً بحرياً للصومال، لمساعدته في الدفاع عن مياهه الإقليمية لمدة 10 سنوات.