«الإطار» يرشح السوداني لرئاسة الحكومة العراقية

الأنظار تتجه إلى موقف الصدر من الاختيار

جلسة سابقة للبرلمان العراقي (إ.ب.أ)
جلسة سابقة للبرلمان العراقي (إ.ب.أ)
TT

«الإطار» يرشح السوداني لرئاسة الحكومة العراقية

جلسة سابقة للبرلمان العراقي (إ.ب.أ)
جلسة سابقة للبرلمان العراقي (إ.ب.أ)

بعد ساعات من إعلان مستشار الأمن القومي العراقي، قاسم الأعرجي، اعتذاره عن عدم قبول الترشح لمنصب رئيس الوزراء، اختارت قوى «الإطار التنسيقي» الشيعية بالإجماع وزير العمل والصناعة الأسبق محمد شياع السوداني (52 عاماً) مرشحاً لرئاسة الحكومة العراقية المقبلة. ويتزعم السوداني حالياً تيار «الفراتين» وله عدد من النواب في البرلمان، لكنه كان في السابق قيادياً بارزاً في حزب الدعوة - تنظيم العراق وفي ائتلاف دولة القانون.
وشغل السوداني عدة وزارات في حكومات سابقة، كما أنه وللدورة الثالثة عضو في البرلمان، إذ دخل الانتخابات البرلمانية الأخيرة التي أجريت في أكتوبر (تشرين الأول) 2021 بقائمة مستقلة اسمها «تيار الفراتين». ويعد السوادني ضمن من باتوا يسموا قادة الخط الثاني في الإطار التنسيقي الشيعي. وطبقاً لمخرجات الاجتماع الذي عقد يوم الاثنين في منزل زعيم تحالف «الفتح» هادي العامري، فقد تم التوافق على السوداني مرشحاً بالإجماع بعد أن تنافس مع مستشار الأمن القومي قاسم الأعرجي الذي انسحب بناءً على ضغوط مارسها عليه العامري، وفق المعلومات المتسربة عن الاجتماع. وبذلك أصبح السوداني هو مرشح التسوية المقبول من كل الأطراف داخل الإطار.

                                                                           محمد شياع السوداني (إ.ب.أ)
وتتجه الأنظار الآن إلى حي الحنانة في مدينة النجف حيث مقر زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر، لمعرفة ما إذا كان سيعطي الضوء الأخضر لترشيح السوداني أم لا، إذ يأتي اختياره بعد مرور 9 شهور على إجراء الانتخابات البرلمانية، دون الاتفاق على شخصية لرئيس الوزراء. ورغم أن السوداني كان أحد 10 مرشحين تم تداول أسمائهم خلال الفترة الماضية فإن قوى الإطار التنسيقي انقسمت بين مؤيد لما اصطلح عليه الخط الأول من القادة وبين معارض لهم. ويتكون الخط الأول من قادة الإطار التنسيقي من كل من نوري المالكي زعيم ائتلاف دولة القانون، وهادي العامري زعيم تحالف الفتح، وحيدر العبادي زعيم ائتلاف النصر، وفالح الفياض رئيس هيئة الحشد الشعبي.
وكان كل من القادة الأربعة قد رشحوا أنفسهم للمنصب أو جرى ترشيحهم من قبل آخرين ليدخلوا طوال الشهر الماضي مرحلة من الجدل لم تسفر عن نتيجة. ومع أن العامري أعلن رسمياً انسحابه من الترشح للمنصب فقد كتب المالكي تغريدة على موقع «تويتر» قال فيها إنه لن يقف حجر عثرة أمام أي قرار يتخذه الإطار التنسيقي على صعيد ترشيح أي اسم يتم التوافق عليه. أما العبادي والفياض فلم يعلنا ترشحهما للمنصب، لكن جرى تداول اسميهما كمرشحي تسوية، لا سيما بعد أن بدا النزاع واضحاً بين المالكي والعامري.
وطبقاً لما تسرب من معلومات من خلف الكواليس طوال الأيام القليلة الماضية، فبينما بدا أن حظوظ قادة الخط الأول انتهت أو كادت تنتهي، وفي مقدمتهم المالكي الذي يعاني حالياً من تداعيات أزمة التسريبات المسجلة، فإن آمال قادة الخط الثاني انتعشت لجهة اختيار واحد منهم لتولي المنصب. لكن وفي ضوء الخلاف داخل قوى الإطار بين من يريد المضي في إجراءات تشكيل الحكومة القادمة بصرف النظر عن الموقف مما يتخذه الصدر من خطوة تالية، أو من يريد اختيار شخصية لا تستفز زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر.
وفي هذا السياق وطبقاً للمعلومات المتداولة فإن موقف الصدر من محمد شياع السوداني سوف يتبلور خلال الأيام أو ربما الساعات المقبلة. وبينما لا يمكن التكهن بما يمكن أن يتخذه الصدر من موقف فإن هذا يتوقف على مدى قناعة الصدر بأن المالكي ليس له دور في اختيار محمد السوداني بحكم أنه كان ينتمي سابقاً إلى «ائتلاف دولة القانون». وفي حال قبل الصدر بالسوداني فإن إجراءات تشكيل الحكومة القادمة سوف تمضي بسلاسة في حال حسم الأكراد موقفهم بشأن اختيار مرشحهم لرئاسة الجمهورية. أما في حال كان للصدر موقف سلبي من اختيار السوداني فإن المشهد القادم سوف ينفتح على مفاجآت قد تكون غير محسوبة ليس أقلها استمرار الحكومة الحالية لوقت أطول والتهيؤ لانتخابات جديدة.
كردياً، فإن وصول الشيعة إلى الاتفاق على مرشح واحد لرئاسة الوزراء سوف يجبرهم خلال الأيام القليلة القادمة على التوافق إما على مرشح واحد لرئاسة الجمهورية أو دخول البرلمان بمرشحين. فالحزبان الكرديان استفادا طوال الشهور الماضية من الخلاف الكردي - الكردي على طريق عدم الاستعجال في حسم مرشحهم نظراً للخلافات العميقة بين الحزبين الرئيسيين، الديمقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني. لكن اتفاق الشيعة على مرشح واحد قطع عليهم طريق استمرار الخلافات بينهما، وبالتالي سوف يجبران على التوصل إلى صيغة معينة ما أن يعلن البرلمان عن تحديد موعد جلسة انتخاب رئيس الجمهورية حيث يوجد أكثر من 40 مرشحاً للمنصب، ما عدا مرشحي الحزبين الكرديين الرئيسيين.


مقالات ذات صلة

الأمم المتحدة تحث دول جوار العراق على مساعدته في حل مشكلة نقص المياه ومخاطر الجفاف والتلوث

المشرق العربي الأمم المتحدة تحث دول جوار العراق على مساعدته في حل مشكلة نقص المياه ومخاطر الجفاف والتلوث

الأمم المتحدة تحث دول جوار العراق على مساعدته في حل مشكلة نقص المياه ومخاطر الجفاف والتلوث

حثت الممثلة الخاصة للأمين العام للأمم المتحدة لدى العراق، جينين هينيس بلاسخارت، أمس (الخميس)، دول العالم، لا سيما تلك المجاورة للعراق، على مساعدته في حل مشكلة نقص المياه ومخاطر الجفاف والتلوث التي يواجهها. وخلال كلمة لها على هامش فعاليات «منتدى العراق» المنعقد في العاصمة العراقية بغداد، قالت بلاسخارت: «ينبغي إيجاد حل جذري لما تعانيه البيئة من تغيرات مناخية». وأضافت أنه «يتعين على الدول مساعدة العراق في إيجاد حل لتأمين حصته المائية ومعالجة النقص الحاصل في إيراداته»، مؤكدة على «ضرورة حفظ الأمن المائي للبلاد».

حمزة مصطفى (بغداد)
المشرق العربي بارزاني: ملتزمون قرار عدم وجود علاقات بين العراق وإسرائيل

بارزاني: ملتزمون قرار عدم وجود علاقات بين العراق وإسرائيل

أكد رئيس إقليم كردستان العراق نيجرفان بارزاني، أمس الخميس، أن الإقليم ملتزم بقرار عدم وجود علاقات بين العراق وإسرائيل، مشيراً إلى أن العلاقات مع الحكومة المركزية في بغداد، في أفضل حالاتها، إلا أنه «يجب على بغداد حل مشكلة رواتب موظفي إقليم كردستان». وأوضح، في تصريحات بمنتدى «العراق من أجل الاستقرار والازدهار»، أمس الخميس، أن الاتفاق النفطي بين أربيل وبغداد «اتفاق جيد، ومطمئنون بأنه لا توجد عوائق سياسية في تنفيذ هذا الاتفاق، وهناك فريق فني موحد من الحكومة العراقية والإقليم لتنفيذ هذا الاتفاق».

«الشرق الأوسط» (بغداد)
المشرق العربي رئيس الوزراء العراقي: علاقاتنا مع الدول العربية بلغت أفضل حالاتها

رئيس الوزراء العراقي: علاقاتنا مع الدول العربية بلغت أفضل حالاتها

أعلن رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني أن علاقات بلاده مع الدول العربية الشقيقة «وصلت إلى أفضل حالاتها من خلال الاحترام المتبادل واحترام سيادة الدولة العراقية»، مؤكداً أن «دور العراق اليوم أصبح رياديا في المنطقة». وشدد السوداني على ضرورة أن يكون للعراق «هوية صناعية» بمشاركة القطاع الخاص، وكذلك دعا الشركات النفطية إلى الإسراع في تنفيذ عقودها الموقعة. كلام السوداني جاء خلال نشاطين منفصلين له أمس (الأربعاء) الأول تمثل بلقائه ممثلي عدد من الشركات النفطية العاملة في العراق، والثاني في كلمة ألقاها خلال انطلاق فعالية مؤتمر الاستثمار المعدني والبتروكيماوي والأسمدة والإسمنت في بغداد.

حمزة مصطفى (بغداد)
المشرق العربي السوداني يؤكد استعداد العراق لـ«مساندة شركائه الاقتصاديين»

السوداني يؤكد استعداد العراق لـ«مساندة شركائه الاقتصاديين»

أكد رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني استعداد العراق لـ«مساندة شركائه الاقتصاديين»، داعياً الشركات النفطية الموقّعة على جولة التراخيص الخامسة مع العراق إلى «الإسراع في تنفيذ العقود الخاصة بها». جاء ذلك خلال لقاء السوداني، (الثلاثاء)، عدداً من ممثلي الشركات النفطية العالمية، واستعرض معهم مجمل التقدم الحاصل في قطاع الاستثمارات النفطية، وتطوّر الشراكة بين العراق والشركات العالمية الكبرى في هذا المجال. ووفق بيان صادر عن مكتب رئيس الوزراء، وجه السوداني الجهات المختصة بـ«تسهيل متطلبات عمل ملاكات الشركات، لناحية منح سمات الدخول، وتسريع التخليص الجمركي والتحاسب الضريبي»، مشدّداً على «ضرورة مراعا

«الشرق الأوسط» (بغداد)
المشرق العربي مباحثات عراقية ـ إيطالية في مجال التعاون العسكري المشترك

مباحثات عراقية ـ إيطالية في مجال التعاون العسكري المشترك

بحث رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني مع وزير الدفاع الإيطالي غويدو كروسيتو العلاقات بين بغداد وروما في الميادين العسكرية والسياسية. وقال بيان للمكتب الإعلامي لرئيس الوزراء العراقي بعد استقباله الوزير الإيطالي، أمس، إن السوداني «أشاد بدور إيطاليا في مجال مكافحة الإرهاب، والقضاء على عصابات (داعش)، من خلال التحالف الدولي، ودورها في تدريب القوات الأمنية العراقية ضمن بعثة حلف شمال الأطلسي (الناتو)». وأشار السوداني إلى «العلاقة المتميزة بين العراق وإيطاليا من خلال التعاون الثنائي في مجالات متعددة، مؤكداً رغبة العراق للعمل ضمن هذه المسارات، بما يخدم المصالح المشتركة، وأمن المنطقة والعالم». وبي

حمزة مصطفى (بغداد)

فلسطينيون يبحثون عن ذويهم المختفين بعد مداهمات إسرائيلية في غزة

صباح الغرابلي تعرض سلسلة مفاتيح عليها صورة زوجها محمود الغرابلي في منزلها بخان يونس (أ.ب)
صباح الغرابلي تعرض سلسلة مفاتيح عليها صورة زوجها محمود الغرابلي في منزلها بخان يونس (أ.ب)
TT

فلسطينيون يبحثون عن ذويهم المختفين بعد مداهمات إسرائيلية في غزة

صباح الغرابلي تعرض سلسلة مفاتيح عليها صورة زوجها محمود الغرابلي في منزلها بخان يونس (أ.ب)
صباح الغرابلي تعرض سلسلة مفاتيح عليها صورة زوجها محمود الغرابلي في منزلها بخان يونس (أ.ب)

تقول ريم عجور إنها رأت زوجها، وابنتها البالغة من العمر 4 سنوات، آخِر مرة في مارس (آذار) الماضي، عندما داهم جنود إسرائيليون منزلاً عائلياً في شمال غزة. وتُطاردها تلك اللحظات الفوضوية الأخيرة، عندما أمرها الجنود بالرحيل، لتترك وراءها زوجها «طلال» وابنتها ماسة، وكلاهما مصابان.

وبعد ثمانية أشهر، لا تزال الأم، البالغة من العمر 23 عاماً، لا تملك إجابات حول مصيرهما. ويقول الجيش إنه لا يملك إجابات. وقد قامت القوات بتسوية المنزل الذي كانوا يقيمون فيه، بالأرض، بعد وقت قصير من الغارة.

وقالت ريم وهي تبكي، لوكالة «أسوشييتد برس»: «أنا حية وميتة في الوقت نفسه».

وتُعد ريم عجور واحدة من عشرات الفلسطينيين الذين تساعدهم منظمة إسرائيلية تُدعى «هموكيد»، وغرضها «مساعدة الفلسطينيين الذين يتعرضون إلى الاحتلال الإسرائيلي، والذي يسبب انتهاكاً صارخاً مستمراً لحقوقهم»، في البحث عن أفراد الأسرة الذين اختفوا، بعد أن فرَّقهم جنود إسرائيليون أثناء المداهمات والاعتقالات في قطاع غزة.

ريم عجور تجلس بجانب ابنها وائل وتمسك هاتفاً عليه صورة ابنتها ماسة وزوجها طلال المختفيين (أ.ب)

وتقول منظمة «هموكيد» إن حالة عجور، التي لا تشكل سوى جزء ضئيل من الآلاف الذين فُقدوا خلال الحرب التي استمرت 14 شهراً، تسلط الضوء على الافتقار إلى المساءلة في كيفية تعامل الجيش الإسرائيلي مع الفلسطينيين أثناء «العمليات البرية» في غزة.

مداهمة منازل وملاجئ

وطوال الحرب، أجرت القوات العسكرية ما يعادل عملية فحص جماعي للسكان الفلسطينيين من خلال مداهمة المنازل والملاجئ، وإرسال الناس عبر نقاط التفتيش. كما تقوم القوات باعتقال واحتجاز الرجال، من العشرات إلى عدة مئات في المرة الواحدة، بحثاً عن أي شخص يُشتبه في ارتباطه بحركة «حماس»، في حين تُجبر عائلاتهم على الرحيل نحو أجزاء أخرى من غزة. والنتيجة هي تفكك الأُسر، وسط فوضى الحرب.

لكن الجيش لم يوضح كيف يتتبع كل من يفصله عن أسرته أو يعتقله أو يحتجزه. وحتى إذا نقلت القوات الفلسطينيين إلى الاحتجاز العسكري داخل إسرائيل، فيمكنها احتجازهم بمعزل عن العالم الخارجي لأكثر من شهرين، ولا يَعرف مكان وجودهم عائلاتهم أو محاموهم، وفقاً لجماعات حقوق الإنسان.

وتقول منظمة «هموكيد» إنه عندما يختفي الناس، يكاد يكون من المستحيل معرفة ما حدث. وتقول جيسيكا مونتيل، مديرة منظمة «هموكيد»: «لم نواجه قط حالة اختفاء قسري جماعي من غزة، دون تقديم أي معلومات لأسابيع وأسابيع للعائلات».

وأضافت مونتيل أن محكمة العدل العليا في إسرائيل رفضت التدخل للحصول على إجابات، على الرغم من التماسات منظمة «هموكيد».

ولم يردَّ الجيش الإسرائيلي عن حالات عجور وعائلتين أخريين اختفت، وفقاً لوكالة «أسوشييتد برس».

الأم وطفلتها تنزفان

أصيبت الطفلة ماسة عجور، البالغة من العمر 4 سنوات، برصاصة، ثم انفصلت عن والدتها، وكانت عائلة عجور تحتمي في منزل بمدينة غزة يعود لعائلة طلال، بعد نزوحها من منزلها في وقت سابق من الحرب. وقالت ريم إن القوات الإسرائيلية داهمت المنزل في 24 مارس (آذار)، وفتحت النار عندما اقتحمته.

أصيبت ريم، التي كانت حاملاً في شهرها الثالث، برصاصة في بطنها. وأصيب طلال بجرح في ساقه، وكان ينزف بغزارة. كانت ماسة راقدة مُغمى عليها، مصابة برصاصة في كتفها، على الرغم من أن ريم قالت إنها رأتها لا تزال تتنفس.

وبينما كان أحد الجنود يضمد جرح الطفلة الصغيرة، وجَّه جندي آخر مسدسه إلى وجه ماسة، وأمرها بالخروج من المنزل. وقالت الأم إنها توسلت إليه أنها لا تستطيع ترك ماسة وطلال، لكن الجندي صاح: «اذهبي جنوباً».

ولم يكن أمام الأم ريم خيار آخر، فحملت ابنها الأصغر ونزلت إلى الشارع، وقالت: «لقد حدث كل شيء في غمضة عين. لقد حدث كل شيء بسرعة كبيرة». وكانت لا تزال تنزف، وسارت لمدة ساعتين ونصف الساعة وهي ممسكة ابنها.

وعندما وصلوا إلى مستشفى في وسط غزة، عالج الأطباء جرح بطنها، ووجدوا نبض الجنين. وبعد أسابيع، وجد الأطباء أن النبض توقف. وأجهضت.

شائعة تحيي الأمل

وقالت ريم، لوكالة «أسوشييتد برس»، إنه بعد عدة أسابيع، أخبر فلسطيني أُفرج عنه من سجن في جنوب إسرائيل، أسرتها أنه سمع اسم زوجها يُنادى به عبر مكبر صوت ضمن قائمة من المعتقلين، وقد أبقت الشائعة أمل ريم حياً، لكن الجيش أخبر منظمة «هموكيد» أنه ليس لديه سِجل باعتقال ماسة أو طلال.

وهناك احتمال آخر؛ وهو أنهما لقيا حتفهما في مكان الحادث، لكن لم يتمكن أحد من البحث بين أنقاض مبنى الأسرة؛ لتحديد ما إذا كان هناك أي جثث.

ريم عجور مع ابنها وائل خارج مخيم الزوايدة في غزة (أ.ب)

وجاء اقتحام المبنى في الوقت الذي كانت فيه القوات الإسرائيلية تُقاتل أفراداً من «حماس» في الشوارع المحيطة، أثناء مداهمة مستشفى الشفاء القريب. وأخرجت القوات الإسرائيلية الأُسر من المنازل القريبة، وكثيراً ما دمرت المباني أو أشعلت فيها النيران، وفقاً لشهود عيان في ذلك الوقت.

وقد لا يعرف الجيش نفسه ما حدث للزوج طلال وابنته، كما قالت مونتيل من منظمة «هموكيد». وقالت: «هذا يوضح مشكلة أوسع نطاقاً».

وتُقيم ريم وابنها الآن في مخيم خيام خارج مدينة الزويدة بوسط غزة، وقالت إن ماسة «كانت مصدر سعادتي الأول»، بشعرها الأشقر وعينيها الزيتونيتين ووجهها «الأبيض مثل القمر». وقالت وهي تبكي إن عيد ميلاد ماسة الخامس كان في يوليو (تموز) الماضي. «لقد بلغت الخامسة وهي ليست معي».

هل يوثّق الجيش ما تفعله القوات في غزة؟

وبموجب مراجعة للقانون الإسرائيلي في زمن الحرب، يمكن احتجاز الفلسطينيين من غزة الذين يجري نقلهم إلى الاحتجاز العسكري في إسرائيل لأكثر من شهرين، دون الوصول إلى العالم الخارجي.

وتزعم إسرائيل أن القانون ضروري للتعامل مع العدد غير المسبوق من المعتقلين، في سعيها لتدمير حركة «حماس»، بعد هجوم 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023. ونقل الجيش نحو 1770 من معتقلي غزة إلى سجون مدنية، وفقاً لجماعات حقوق الإنسان، لكنه لم يكشف عن العدد الذي لا يزال قيد الاحتجاز.

في هذا الصدد، تقول ميلينا أنصاري، الباحثة في منظمة «هيومن رايتس ووتش»، إن إسرائيل ملزَمة، بموجب القانون الدولي، بتوثيق ما يحدث أثناء كل مداهمة لمنزل واعتقال. لكن الجيش ليس شفافاً بشأن المعلومات التي يجمعها عن المعتقلين أو عدد المعتقلين.

وقد طلبت منظمة «هموكيد» من الجيش معرفة مكان وجود 900 فلسطيني مفقود. وأكد الجيش أن نحو 500 منهم محتجزون في إسرائيل. وقال إنه ليس لديه سِجل باحتجاز الأربعمائة الآخرين.

طلبات للجيش والقضاء الإسرائيلي

وقد تقدمت المجموعة القانونية بطلب إلى المحكمة العليا الإسرائيلية للحصول على إجابات في 52 حالة من الفلسطينيين المختفين، بما في ذلك حالة ماسة وطفلين آخرين، حيث شهد شهود بأن القوات تعاملت مع المفقودين قبل اختفائهم.

وقالت مونتيل: «إن القضاة يرفضون القضايا ببساطة، دون حتى الاستفسار عن التدابير التي قد تكون ضرورية لمنع مثل هذه الحالات في المستقبل».

وقال متحدث باسم المحكمة إنها كثيراً ما تطلب من الجيش تقديم معلومات إضافية، لكنها غير مخوَّلة بالتحقيق إذا قال الجيش إنه لا يحتجزهم.

وفي حالات ثلاثة فلسطينيين بالغين مفقودين قدّمتها منظمة «هموكيد»، زعم الجيش أولاً أنه لا يحتجزهم، ثم عثر على سجلات تفيد باحتجازهم، بعد أن ضغطت عليها منظمة «هموكيد»، للتحقق من ذلك.

وفي حالة أخرى، اكتشفت الشرطة العسكرية أن فلسطينيين اثنين كانت قد أنكرت في البداية احتجازهما - أب وابنه البالغ - تُوفيا في الحجز الإسرائيلي. ويقول مكتب الأمم المتحدة لحقوق الإنسان إن ما لا يقل عن 53 فلسطينياً معروفين لقوا حتفهم في الاحتجاز الإسرائيلي أثناء الحرب.

سبعيني مريض بالسرطان مختفٍ

كانت آخِر مرة رأت فيها عائلة الغرابلي، الشيخ البالغ من العمر 76 عاماً، محمود الغرابلي، عندما اقتحمت القوات الإسرائيلية منطقتهم في خان يونس، في 4 فبراير (شباط) الماضي. وأمر الجنود السكان بمغادرة المنطقة. وقال نجله أحمد الغرابلي، لوكالة «أسوشييتد برس»، إن عائلة الغرابلي اضطرت إلى حمل محمود، الذي يعاني السرطان، خارج المبنى على كرسي.

وبعد احتجاز بعض الرجال، أمر الجنود الباقين بالمغادرة. وصل محمود الغرابلي إلى تلة رملية بالقرب من المنزل. وقال أحمد الغرابلي إن شقيقه ذهب لمساعدة الأب، لكن الجنود صرخوا عليه ليغادر. وقال: «لقد تركنا والدنا بالقوة، وإلا لكان قد جرى إطلاق النار علينا».

أحمد الغرابلي يُظهر المنطقة التي رأى فيها والده محمود الغرابلي آخر مرة في خان يونس بقطاع غزة (أ.ب)

عادت العائلة بعد شهر، ولم تجد أي أثر لمحمود. قال أحمد الغربلي إنه «سار متراً تلو الآخر»؛ بحثاً عن آثار، فوجد عظاماً، لكنه لم يعرف لمن هي. وهو يحتفظ بها ملفوفة بقطعة قماش في المنزل.

وأبلغ الجيش منظمة «هموكيد» بأنه لا يوجد ما يشير إلى وجوده في الاعتقال الإسرائيلي.

صباح الغرابلي تُظهر بعض الوثائق الخاصة بزوجها محمود الغرابلي في منزلها بخان يونس (أ.ب)

وقالت زوجة محمود، صباح عبد السلام: «والله لا أنام في الليل». وأضافت: «سواء أكان قد اعتُقل أم قُتل، أخبرونا وسنرتاح».

اختفى أثناء البحث عن عائلته

الآثار الوحيدة المتبقية لرجل مفقود آخر؛ وهو محمود المقيد، البالغ من العمر 77 عاماً، هي قميصه وسراويله الممزقة وبطاقة هويته في الجيب. وقد عُثر عليهما في التراب بالقرب من المدرسة التي كان يحتمي بها هو وعائلته، عندما داهمتها القوات الإسرائيلية في 23 مايو (أيار) الماضي، في بلدة بيت لاهيا الشمالية.

وقال ابنه الطبيب راني المقيد، والذي جمع الرواية من شهود عيان وأفراد من الأسرة، إن الجنود أطلقوا سراح المقيد، وأرسلوه مع رجال آخرين إلى ملجأ آخر.

وبمجرد وصوله إلى الملجأ الثاني، عاد المقيد المُسن على الفور، مصمماً على العثور على زوجته وأحفاده الذين تركهم في المدرسة، كما أخبر شهود عيان ابنه. وكان الظلام قد حلَّ، بعد الواحدة صباحاً، وكانت القوات منتشرة في كل مكان بالمنطقة. ولم يرَ المقيد أسرته مرة أخرى.