مارون حكيم في «تحية إلى بلادي» يوثق مدينة تسترجع روحها

مارون حكيم يوثق في «تحية إلى بلادي» بيروت المشظاة (الشرق الأوسط)
مارون حكيم يوثق في «تحية إلى بلادي» بيروت المشظاة (الشرق الأوسط)
TT

مارون حكيم في «تحية إلى بلادي» يوثق مدينة تسترجع روحها

مارون حكيم يوثق في «تحية إلى بلادي» بيروت المشظاة (الشرق الأوسط)
مارون حكيم يوثق في «تحية إلى بلادي» بيروت المشظاة (الشرق الأوسط)

لم يشأ الفنان التشكيلي مارون حكيم أن يمر مشواره مع الرسم والنحت دون توطيد علاقته بالمدينة. فلطالما سرقته طبيعة لبنان من زحمتها وعجقتها هو الذي يقبع هادئاً في منزله بين أحضان الطبيعة في مزرعة يشوع.
ولعل الانفجار المدوي الذي شهدته بيروت في 4 أغسطس (آب) من عام 2020 يقف مباشرة وراء هذه اللفتة إلى المدينة. ولأن الجراح كانت كبيرة ومن الصعب تجاوزها أو إهمالها قرر مارون حكيم أن يطيبها بريشته. استحضر مساحات مضيئة من طبيعة لبنان وجمعها بأحزان ركام المدينة. فألفت لوحاته المعروضة في غاليري «أرت أون 56» في شارع الجميزة تحية فنية مجبولة بتراب الوطن.
تطغي العمارة على لوحات مارون حكيم في «تحية إلى بلادي»، فصورها رمادية بلون الإسمنت تارة، مكتظة بالألوان وبنوافذها المضاءة تارة أخرى. استعار من غيوم السماء صوراً وصفها مازحاً بـ«لطشات مارون حكيم» تتراوح بين الأمل والسلام والدماء. تسافر مع كل لوحة كتواقيع يدمغ بها لوحاته وتطرح علامات الاستفهام عند ناظرها. ولم ينسَ أن يعطي لبحر بيروت مكانته شاقاً طريقاً مضنياً نحو المدينة الغارقة بالركام.
يطل مارون حكيم في هذا المعرض بعد غياب دام نحو 4 سنوات، أمضاها كما ذكر لـ«الشرق الأوسط» في العمل، ما سيمكنه من تنظيم 4 معارض و«تحية إلى بلادي» جزء منها.
عن لوحاته يقول الفنان: «اللافت في هذا المعرض أنه يجمع زمنين، واحد لما قبل الانفجار أي زمن الريف والجمال والسكينة والشمس والجبل. وزمن ما بعد الانفجار الذي على الرغم من الدمار الذي يسوده يحمل طاقات فرج وأمل لافتين». ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «هذه الكارثة أعتبرها مفصلية في حياتنا كلبنانيين. لم يسبق أن رسمت المدينة بعدها فرغبت في توثيق هذا الزمن فنياً».

يتضمن معرض «تحية إلى بلادي» أعمال نحت ورسم لمارون حكيم (الشرق الأوسط)

لا يفصل مارون حكيم بين الزمنين تقنياً أو من ناحية الأسلوب، فيلمس زائر المعرض اتصالهما ببعضهما فنياً. وبين لوحات «ضوء من قلب الركام»، و«عندما تتساقط السماء على المدينة»، و«أرض الرماد تنتظر فجرها»، و«مدينة تسترجع روحها» وغيرها تأسرك ريشة مارون حكيم التي تنثر الفرح. فهو يأبى الاستسلام والخنوع لقدر قاسٍ، لذلك استخدم ألواناً زاهية تخرج صارخة بالرجاء من قلب الدمار. «للألوان معانيها بالطبع من فاتحة وقاتمة، ولكن نرى النور يخرق هذه العتمة. أما الغيوم التي ترينها في سماء لوحاتي فهي بمثابة السفر إلى عالم جديد وبنظرة مختلفة».
مارون حكيم الفنان المخضرم الذي عاش لبنان الحرب والسلم، لا يرى أن هناك تبدلات كثيرة حصلت في البلاد. «لطالما عشنا فسحات أمل، كنا نلاقيها بفرح بين خضة وأخرى. بيد أن هذا الانفجار الكبير هزّ كياننا، لذا رغبت في تثبيته فنياً كصفحة من تاريخنا الطويل».
يتلون معرض مارون حكيم ببعض منحوتاته التي تتناول موضوعات المرأة والجمال، «أحضّر لمعرض خاص بمنحوتاتي وجميعها تدعو إلى السلام والمحبة. فلا يمكننا أن نستسلم وننزوي في العتمة، بل علينا أن نتخطى وجعنا. والفنان عامة يحمل رسالة مفعمة بالأمل تزود الناس بطاقة إيجابية يحتاج إليها».

لوحات تدور بين العتمة والنور يعرضها غاليري «أرت أون 56» في الأشرفية (الشرق الأوسط)

وأنت تنظر إلى لوحات المعرض، تمتزج المشاعر وتتفلت أحاسيسك المنكوبة تارة والمحلقة تارة أخرى بشكل تلقائي. فتواكب تفاصيل زمن غاص فيه الفنان حكيم إلى حد العظم. ومع لوحات «ثلج الموت»، و«البحر الجريح»، و«دموع» تجري وقفة مع الزمن وتسترجع شبح المدينة الخائفة والمضطربة والموحشة. ومع لوحة «غريقة الدم» يتفاقم تفاعلك مع ريشة حكيم ضمن مشهد لبيروت الجريحة. ولتخرج فجأة من غيبوبتك هذه عندما ينتقل نظرك إلى لوحات «البدر»، و«غيمة صيف»، و«صنين بنادي الليلكي»، و«ملعب الشمس». فهنا الدنيا حلوة ولبنان الأخضر لا يزال حاضراً، يصمت أنينك بعد أن يسبح في فلك الأمل والألوان. وبين لوحات تنقل إليك مواسم الصيف والشتاء وقطاف الزيتون وحقول القمح والجبال الشامخة، تدرك أن لكل دمعة نهاية. فريشة مارون حكيم المتألقة التي مهما كبرت المساحات التي تفترشها، لن تكفيها المحيطات ليبزغ نورها مرة جديدة.
«تحية إلى بلادي» في غاليري «آرت أون 56»، رحلة ممتعة يمضيها زائره بين عتمة مؤقتة وفجر دائم. فتخزن ذاكرته مشهدية فنية مدموغة بالأمل بعد أن حاول مارون حكيم بريشته ترميم أوجاع مدينة.


مقالات ذات صلة

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

يوميات الشرق رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً. فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه.

يوميات الشرق ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته.

فاطمة عبد الله (بيروت)
يوميات الشرق هشام خرما لـ«الشرق الأوسط»: أستلهمُ مؤلفاتي الموسيقية من التفاصيل

هشام خرما لـ«الشرق الأوسط»: أستلهمُ مؤلفاتي الموسيقية من التفاصيل

يعتمد الموسيقار المصري هشام خرما طريقة موحّدة لتأليف موسيقاه، تقتضي البحث في تفاصيل الموضوعات للخروج بـ«ثيمات» موسيقية مميزة. وهو يعتزّ بكونه أول موسيقار عربي يضع موسيقى خاصة لبطولة العالم للجمباز، حيث عُزفت مقطوعاته في حفل الافتتاح في القاهرة أخيراً.

محمود الرفاعي (القاهرة)
يوميات الشرق معرض «أحلام الطبيعة» في ألمانيا

معرض «أحلام الطبيعة» في ألمانيا

زائرون يشاهدون عرضاً في معرض «أحلام الطبيعة - المناظر الطبيعية التوليدية»، بمتحف «كونستبلاست للفنون»، في دوسلدورف، بألمانيا. وكان الفنان التركي رفيق أنادول قد استخدم إطار التعلم الآلي للسماح للذكاء الصناعي باستخدام 1.3 مليون صورة للحدائق والعجائب الطبيعية لإنشاء مناظر طبيعية جديدة. (أ ب)

«الشرق الأوسط» (لندن)
يوميات الشرق «نلتقي في أغسطس»... آخر رواية لغارسيا ماركيز ترى النور العام المقبل

«نلتقي في أغسطس»... آخر رواية لغارسيا ماركيز ترى النور العام المقبل

ستُطرح رواية غير منشورة للكاتب غابرييل غارسيا ماركيز في الأسواق عام 2024 لمناسبة الذكرى العاشرة لوفاة الروائي الكولومبي الحائز جائزة نوبل للآداب عام 1982، على ما أعلنت دار النشر «راندوم هاوس» أمس (الجمعة). وأشارت الدار في بيان، إلى أنّ الكتاب الجديد لمؤلف «مائة عام من العزلة» و«الحب في زمن الكوليرا» سيكون مُتاحاً «عام 2024 في أسواق مختلف البلدان الناطقة بالإسبانية باستثناء المكسيك» و«سيشكل نشره بالتأكيد الحدث الأدبي الأهم لسنة 2024».

«الشرق الأوسط» (بوغوتا)

رمال المريخ تصلح لبناء مستعمرات فضائية

فكرة بناء مستعمرات في الفضاء تظل حلماً طموحاً يسعى العلماء لتحقيقه (جامعة نورث وسترن)
فكرة بناء مستعمرات في الفضاء تظل حلماً طموحاً يسعى العلماء لتحقيقه (جامعة نورث وسترن)
TT

رمال المريخ تصلح لبناء مستعمرات فضائية

فكرة بناء مستعمرات في الفضاء تظل حلماً طموحاً يسعى العلماء لتحقيقه (جامعة نورث وسترن)
فكرة بناء مستعمرات في الفضاء تظل حلماً طموحاً يسعى العلماء لتحقيقه (جامعة نورث وسترن)

تَوَصَّلَ باحثون بجامعة ترينيتي في دبلن إلى طريقة لتحويل الرمال الموجودة على سطح المريخ والقمر إلى طوب صلب يمكن استخدامه في بناء مستعمرات مستقبلية في الفضاء.

واكتشف الباحثون طريقة لربط الصخور السطحية والرمال والغبار، والمعروفة باسم «الريغوليث»، باستخدام درجات حرارة منخفضة وكمية قليلة من الطاقة، وفق «بي بي سي».

وتعد فكرة بناء مستعمرات في الفضاء حلماً طموحاً يسعى العلماء والمهندسون لتحقيقه في السنوات المقبلة، حيث يمكن أن توفر هذه المستعمرات بيئة للعيش والعمل خارج كوكب الأرض، مثل القمر أو المريخ.

وتعتمد هذه الرؤية على استخدام الموارد المحلية، مثل الرمال والصخور الموجودة على السطح، لتقليل الاعتماد على النقل من الأرض؛ ما يقلل من التكاليف والانبعاثات البيئية.

وتمثل الابتكارات في تكنولوجيا البناء، مثل استخدام أنابيب الكربون النانوية والغرافين، خطوات مهمة نحو تحقيق هذا الحلم، حيث تسهم في إنشاء هياكل قوية وصديقة للبيئة قادرة على دعم الحياة البشرية.

وتمكّن الباحثون من ربط الجسيمات السطحية، مثل الصخور والرمال والغبار، معاً باستخدام درجات حرارة منخفضة وطاقة قليلة. وتتميز الكتل المبنية باستخدام أنابيب الكربون النانوية بكثافة منخفضة نسبياً، ولكنها تظهر قوة تقترب من قوة الغرانيت؛ ما يجعلها مناسبة لإنشاء هياكل خارج كوكب الأرض،.

وقال البروفيسور جوناثان كولمان، الذي يقود المشروع البحثي جامعة ترينيتي، إن هذا الاكتشاف قد يساعد على تقليل كمية مواد البناء التي تحتاج إلى النقل من الأرض لبناء قاعدة على القمر.

وأكد كولمان أن بناء قاعدة شبه دائمة على القمر أو المريخ سيتطلب استخداماً كافياً من المواد الموجودة في الموقع، وتقليل المواد والمعدات المنقولة من الأرض.

وعند بناء الهياكل في الفضاء، ستسهم الكتل المصنوعة من الجسيمات السطحية وأنابيب الكربون النانوية في تقليل الحاجة إلى نقل مواد البناء إلى الفضاء.

بالإضافة إلى ذلك، فإن هذه الكتل قادرة على توصيل الكهرباء؛ ما يمكن استخدامها كأجهزة استشعار داخلية لمراقبة الصحة الهيكلية للمباني خارج كوكب الأرض.

وتُبنى هذه الهياكل لتحتفظ بالهواء؛ لذا فإن القدرة على اكتشاف ومراقبة علامات التحذير المبكر لفشل الكتل أمر بالغ الأهمية.

ويعتقد الباحثون أن هذا الاكتشاف يمكن أن تكون له أيضاً تطبيقات عملية في صناعة البناء على الأرض، وذلك بسبب مادة نانوية مشابهة تسمى الغرافين، التي يمكن خلط كميات كبيرة منها مع الأسمنت في الخرسانة، ما يزيد من قوة الخرسانة بنسبة 40 في المائة.

كما يسهم تعزيز قوة الخرسانة في تقليل الكمية المطلوبة لبناء الهياكل. وتُعد الخرسانة حالياً أكثر المواد المستخدمة من صُنع الإنسان في العالم، حيث تشكل عملية تصنيع الخرسانة العالمية نحو 8 في المائة من إجمالي انبعاثات ثاني أكسيد الكربون في العالم.