رانيل ويكريميسنغه... «رئيس طوارئ» في سريلانكا المأزومة

هل ينجح السياسي المخضرم في كسب ثقة المانحين الكبار؟

رانيل ويكريميسنغه... «رئيس طوارئ» في سريلانكا المأزومة
TT

رانيل ويكريميسنغه... «رئيس طوارئ» في سريلانكا المأزومة

رانيل ويكريميسنغه... «رئيس طوارئ» في سريلانكا المأزومة

كان لا بد للاضطرابات الاحتجاجية التي فجرتها الأزمة الاقتصادية والمعيشية الخانقة أن تهز النظام السياسي في سريلانكا. وحقاً خلال الأسابيع الأخيرة، أسقط ومن ثم، أسندت رئاسة الحكومة يوم 12مايو (أيار) الماضي للرئيس السابق رانيل ويكريميسنغه، في محاولة للملمة الأوضاع. غير أن الاضطرابات المتصاعدة أجبرت لاحقاً رئيس الجمهورية على الفرار من قصره، ثم من البلاد، وانتخب مجلس النواب بالأمس ويكريميسنغه رئيساً للجمهورية. هذه الخطوة التي قوبلت برد فعل سلبي جداً من الشارع الغاضب بدت لكثيرين خطوة يائسة للجم الانهيار الكامل، ومحاولة قد تكون الأخيرة لإطلاق مبادرات سياسية واقتصادية مقبولة دولياً، ولا سيما أن الرئيس الجديد – القديم، سياسي محافظ مخضرم وموثوق في الدوائر الاقتصادية الدولية.
بين معسكري المتفائلين بخبرة الرئيس رانيل ويكريميسنغه (73 سنة) آملين بقدرته على حل أزمة سريلانكا الحادة الراهنة، والمشككين بقدرة «الطاقم السياسي» التقليدي الذي ينتمي إليه الرئيس الجديد – القديم في إحداث نقلة نوعية تخرج البلاد من الهوة الاقتصادية التي انزلقت إليها، بسبب آفات الفساد والمحسوبية العائلية والانقسامات الإثنية – الطائفية والتدخلات الأجنبية من القوى الكبرى، ولا سيما في آسيا.
النشأة والمسيرة
ولد رانيل ويكريميسنغه في العاصمة السريلانكية كولومبو لأسرة سنهالية مرموقة وثرية، يوم 24 مارس (آذار) 1949. وتتصل أسرته بصلات قربى ومصاهرة مع عدد من أبرز الأسر الأرستقراطية والنافذة سياسياً، ما ساعده إلى حد بعيد في مسيرتيه في عالمي المحاماة والسياسة.
تلقى تعليمه في كولومبو بالمدرسة الإعدادية الملكية، ثم في الكلية الملكية حيث كان أحد أصدقائه وزملاء صفه أنورا بندرانايكه ابن رئيسة الوزراء (يومذاك) سيريمافو بندرانايكه – أول امرأة تتولى رئاسة حكومة في العالم.
بعدها التحق ويكريميسنغه بمعهد الحقوق في جامعة سيلان (سيلان هو الاسم القديم لسريلانكا)، وهي التي تعرف اليوم بجامعة كولومبو. وإثر تخرّجه أكمل امتحانات معهد سيلان للحقوق، وأدى يمين ممارسة مهنة المحاماة عام 1972.
المسيرة السياسية
غير أن شغف رانيل ويكريميسنغه بالسياسة، وهو سليل أسرتين لهما خبرة طويلة في حقول الإدارة والسياسة والإعلام، اجتذبه إلى الحياة السياسية حيث انخرط في الحزب الوطني المتحد (الـ«يو إن بي»).
هذا الحزب العريق أسس عام 1946، ويعد منذ الاستقلال إحدى القوتين الرئيسيتين في البلاد، وهو يمثل تيار يمين الوسط ويستقطب الفئات البورجوازية والثرية ورجال العمل. وفي مواجهة الحزب الوطني المتحد، منذ مطلع عقد الخمسينات نشط حزب قوي التصق طويلاً بأسرتي بندرانايكه وراجاباكسا وحمل عبر السنين بضعة أسماء أشهرها «حزب سريلانكا الحرية» (سريلانكا فريدوم) ولقد أسس هذا الحزب المعروف حالياً باسم «حزب تحالف الحرية الشعبي في سريلانكا» سولومون بندرانايكه عام 1951، وقاده إلى الحكم عام 1956 قبل اغتياله. وعلى الأثر تولت الزعامة الحزبية ولاحقاً رئاسة الحكومة أرملته سيريمافو، وهو محسوب أيديولوجياً على تيار يسار الوسط الاشتراكي، ويحظى بقاعدة سنهالية بوذية قومية كبيرة.
رجل اليمين المعتدل
تدرّج ويكريميسنغه صعوداً في صفوف الحزب الوطني المتحد، وشغل عدداً من المسؤوليات الحزبية إلى أن نجح في دخول البرلمان عام 1977. وعلى الأثر عيّن نائباً لوزير الخارجية في الحكومة التي ترأسها جونيوس جاياواردينه، زعيم الحزب واحد كبار «دهاته». ولم يطل الوقت حتى رقّعه جاياواردينه وسلمه منصب وزير شؤون الشباب والتشغيل في أكتوبر (تشرين الأول) 1977، وكان يوم ذلك أصغر الوزراء سناً في تاريخ سريلانكا. وخلال 3 سنوات، أي في عام 1980، أصبح وزيراً للتربية والتعليم.
في رئاسة الحكومة
بعدها، في عهد الزعيم الجديد للحزب الوطني المتحد راناسينغي بريماداسا، أسند إلى ويكريميسنغه منصب وزير الصناعة عام 1989، وفي العام نفسه قاد كتلة حزبه في البرلمان. وعلى صعيد رئاسة الحكومة، تولى ويكريميسنغه رئاسة الحكومة 6 مرات بين 1993 - على أثر اغتيال بريماداسا في تفجير انتحاري كبير نفذه تنظيم «نمور التاميل» - و1994، ثم بين 2001 و2004، وبين 2015 و2018، وبين 2018 و2019، ثم منذ مايو (أيار) من هذا العام... قبل انتخابه بالأمس رئيساً للجمهورية.
خلال هذه الفترة كان الصراع محتدماً بين الحزبين التقليديين الكبيرين، كذلك كانت الاضطرابات الدامية تقض مضاجع الساسة، فبعد اغتيال بريماداسا، اغتيل خلفه غاميني ديساناياكي في نوفمبر (تشرين الثاني) 1994 أثناء مشاركته في حملة الانتخابات الرئاسية، وعلى الأثر عيّن ويكريميسنغه زعيماً للحزب.
وفي العام 1999 رشحه الحزب الوطني المتحد لرئاسة الجمهورية إلا أنه خسر المعركة أمام زعيمة حزب «سريلانكا الحرية» تشاندريكا بندرانايكه كوماراتونغا، ابنة الرئيسة بندرانايكه. ثم خسر مجدداً الانتخابات الرئاسية التالية أمام ماهيندا راجاباكسا، الذي تولى زعامة الحزب (بعدما صار «تحالف الحرية الشعبي») خلفاً لكوماراتونغا. وكان راجاباكسا بعد شغله رئاسة الجمهورية بين 2005 و2015، قد عاد ليشغل منصب رئيس الحكومة في عهد رئاسة شقيقه الأصغر غوتابايا راجاباكسا في نوفمبر 2019. ولقد سبقه إلى الاستقالة في مايو الماضي وغادر تحت ضغط الغضب الشعبي، وبعدها، أسندت رئاسة الحكومة لويكريميسنغه.
غير أن مغادرة ماهيندا راجاباكسا لم يوقف الاحتجاجات والاضطرابات، بل دفع تفاقم الوضع الرئيس غوتابايا إلى الاستقالة بدوره، ومغادرة البلاد. ومجدداً، وقع الاختيار على غريمهما السياسي المخضرم، فانتخب لرئاسة الجمهورية.
الصين... والأزمة الاقتصادية
إبان فترة حكم الشقيقين راجاباكسا، ازداد بوضوح نفوذ الصين السياسي والاقتصادي سريلانكا. ولئن كان سوء الإدارة والفساد السياسي والمالي لعبا دوراً محورياً في الأزمة المستحكمة الراهنة، فإن علاقة أسرة راجاباكسا – في نظر المراقبين الغربيين – مع الصين ورطت سريلانكا وأثقلت كاهلها.
إذ يقول مراقبون غربيون وهنود تابعوا لسنوات تطور الأمور أن ما عادت سريلانكا قادرة على سداد ديونها الخارجية بسبب العجز عن دفع قيمة خدمة الدين المستحق للصين. ويشير هؤلاء المراقبون أن بكين موّلت في سريلانكا، كما موّلت في أماكن أخرى من العالم، بينها عدد من الدول الأفريقية مشاريع بنية تحتية عديمة الجدوى.
وفي حالة سريلانكا بالذات، استغلت بكين صداقتها لماهيندا راجاباكسا لتوقيع اتفاق لبناء ميناء هامبانتوتا والمطار المجاور له في بلدة ماتالا إبان فترة حكمه. وفيما بعد، على أثر تولي مايتريبالا سيريسينا - خليفة ماهيندا - السلطة، حاول الرئيس الجديد الحد من اعتماد سريلانكا وسكانها البالغ تعدادهم نحو 22 مليون نسمة على الصين، إلا أن الحال انتهى به إلى منح ميناء هامبانتوتا للصين بموجب عقد انتفاع مدته 99 سنة، مع وجود بند يمنح بكين حق تمديد العقد 99 أخرى.
وهنا يجدر التذكير بأن فريق العمل الذي يتابع وضع سريلانكا في صندوق النقد الدولي، والذي كان في سريلانكا خلال الفترة الأخيرة، عاد إلى مقر الصندوق في واشنطن من دون التوصل إلى أي اتفاق.
وحول هذه النقطة، ثمة من يشير إلى أن الدوائر المالية العالمية من واقع اطلاعها على دقائق الأزمة، ما كانت متفائلة بقيام حكومة مستقرة تستطيع تنفيذ برنامج صندوق النقد الدولي. والمعروف على نطاق واسع في أوساط خبراء الاقتصاد أن أي مساعدة من الصندوق أو البنك الدولي تكون في العادة مرفوقة بشروط صارمة لضمان ألا يساء إدارة الأموال أو يساء التصرف بها. لكن مقابل ذلك، الجميع يعرف – وبالأخص، القوى العالمية الكبرى مثل الصين - أهمية موقع سريلانكا الجغرافي على أحد أهم طرق الشحن في العالم، وهو ما يعقد الاستخفاف بأمرها، وقد يحول تماماً دون ترك دولة بهذه الأهمية الإستراتيجية تنهار. وكانت «الشرق الأوسط» قد نشرت ما قاله الدكتور غانيشان ويغنارجا، الزميل غير المقيم في معهد دراسات جنوب آسيا في جامعة سنغافورة الوطنية، عن الوضع «وهو أن سريلانكا ستحتاج إلى ما يتراوح بين 20 و25 مليار دولار أميركي خلال السنوات الثلاث المقبلة من صندوق النقد الدولي وكيانات متعددة الأطراف، ودول صديقة أخرى لجعل اقتصادها في وضع جيد، وتحقيق نمو». وتابع ويغنارجا موضحاً «إلى جانب مساعدة صندوق النقد الدولي، ثمة حاجة إلى تمويل عاجل من الهند والصين والدول الغربية، ليس فقط لتلبية الاحتياجات الأساسية للشعب مثل الوقود والغذاء والدواء، بل أيضاً للمساعدة في تحقيق الاستقرار الاقتصادي».
دين خارجي ضخم
وعلى صعيد متصل، تفيد الأرقام بأن حجم الدين الخارجي لسريلانكا يبلغ حالياً 51 مليار دولار. ووفقاً لسلطات كولومبو، يتوجب عليها سداد 8.6 مليار دولار من الدين الخارجي عام 2022. ولكن نتيجة لنفاد العملة الأجنبية من البلاد بحلول مايو الفائت، تعذر على السلطات السريلانكية سداد المستحق عليها من الديون للمرة الأولى.
والحال، أنه منذ ذلك الحين توقفت كل الواردات، وحدث نقص كبير في الوقود والغذاء والسلع المعيشية. وحسب المصادر الاقتصادية الهندية، فإنه عندما لجأت حكومة كولومبو إلى صندوق النقد الدولي، كانت الأوضاع في سريلانكا قد وصلت إلى الحضيض، وباتت البلاد تعيش على منح ومساعدات مقدّمة من «جارتها» الأكبر الهند. ووفق هذه المصادر، بلغت المنح والمساعدات الهندية خلال الفترة الممتدة بين يناير (كانون الثاني) ويونيو (حزيران) الفائتين 3.5 مليار دولار. ولكن مع هذا لم تتمكن الحكومة من تلبية الاحتياجات الأساسية للشعب السريلانكي، من وقود للمركبات إلى الطعام، مروراً بالأدوية التي تحتاجها في المستشفيات الحكومية، وسط تضخم في أسعار السلع الغذائية بلغت نسبته 56 في المائة.

الحزب الوطني المتحد... في سطور
-الحزب الوطني المتحد في سريلانكا، حزب محافظ معتدل يتموضع على يمين وسط الساحة السياسية.
-أسس الحزب في سبتمبر (أيلول) 1946.
-تولى السلطة (منفرداً أو متحالفاً) لمدة 38 سنة من أصل 74 سنة من الاستقلال.
-كان القوة المهيمنة على الساحة السياسية في الفترات: من 1947 إلى 1956، ومن 1965 إلى 1970، ومن 1977 إلى 1994، ومن 2001 إلى 2004، ومن 2015 إلى 2019.
-أبرز قادة الحزب: ددلي سينانياكه، وجونيوس جاياواردينه، وراناسينغي بريماداسا وأخيراً رانيل ويكريميسنغه.



أفريقيا... ساحة تنافس جديد بين الهند والصين

Chinese Foreign Minister Wang Yi (C) speaks during a press conference with Senegal's Foreign Minister Yassine Fall (L) and Congo Foreign Minister Jean-Claude Gakosso (R) at the Forum on China-Africa Cooperation (FOCAC) in Beijing on September 5, 2024. (Photo by GREG BAKER / AFP)
Chinese Foreign Minister Wang Yi (C) speaks during a press conference with Senegal's Foreign Minister Yassine Fall (L) and Congo Foreign Minister Jean-Claude Gakosso (R) at the Forum on China-Africa Cooperation (FOCAC) in Beijing on September 5, 2024. (Photo by GREG BAKER / AFP)
TT

أفريقيا... ساحة تنافس جديد بين الهند والصين

Chinese Foreign Minister Wang Yi (C) speaks during a press conference with Senegal's Foreign Minister Yassine Fall (L) and Congo Foreign Minister Jean-Claude Gakosso (R) at the Forum on China-Africa Cooperation (FOCAC) in Beijing on September 5, 2024. (Photo by GREG BAKER / AFP)
Chinese Foreign Minister Wang Yi (C) speaks during a press conference with Senegal's Foreign Minister Yassine Fall (L) and Congo Foreign Minister Jean-Claude Gakosso (R) at the Forum on China-Africa Cooperation (FOCAC) in Beijing on September 5, 2024. (Photo by GREG BAKER / AFP)

منذ فترة ولايته الأولى عام 2014، كان رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي أكبر مناصر للعلاقات بين الهند وأفريقيا.

على خلفية ذلك، تجدر الإشارة إلى أن الحكومة الهندية بذلت جهداً استثنائياً للتواصل مع الدول الأفريقية عبر زيارات رفيعة المستوى من القيادة العليا، أي الرئيس ونائب الرئيس ورئيس الوزراء، إلى ما مجموعه 40 بلداً في أفريقيا بين عامي 2014 و2019. ولا شك أن هذا هو أكبر عدد من الزيارات قبل تلك الفترة المحددة أو بعدها.

من ثم، فإن الزيارة التي قام بها مؤخراً رئيس الوزراء الهندي مودي إلى نيجيريا قبل سفره إلى البرازيل لحضور قمة مجموعة العشرين، تدل على أن زيارة أبوجا (في نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي) ليست مجرد زيارة ودية، وإنما خطوة استراتيجية لتعزيز القوة. مما يؤكد على التزام الهند ببناء علاقات أعمق مع أفريقيا، والبناء على الروابط التاريخية، والخبرات المشتركة، والمنافع المتبادلة.

صرح إتش. إس. فيسواناثان، الزميل البارز في مؤسسة «أوبزرفر» للأبحاث وعضو السلك الدبلوماسي الهندي لمدة 34 عاماً، بأنه «من خلال تعزيز الشراكات الاقتصادية، وتعزيز التعاون الدفاعي، وتعزيز التبادل الثقافي، تُظهِر الهند نفسها بصفتها لاعباً رئيسياً في مستقبل أفريقيا، في الوقت الذي تقدم فيه بديلاً لنهج الصين الذي غالباً ما يتعرض للانتقاد. إن تواصل الهند في أفريقيا هو جزء من أهدافها الجيوسياسية الأوسع نطاقاً للحد من نفوذ الصين».

سافر مودي إلى 14 دولة أفريقية خلال السنوات العشر الماضية من حكمه بالمقارنة مع عشر زيارات لنظيره الصيني شي جينبينغ. بيد أن زيارته الجديدة إلى نيجيريا تعد أول زيارة يقوم بها رئيس وزراء هندي لهذه الدولة منذ 17 عاماً. كانت الأهمية التي توليها نيجيريا للهند واضحة من حقيقة أن رئيس الوزراء الهندي مُنح أعلى وسام وطني في البلاد، وسام القائد الأكبر، وهو ثاني شخصية أجنبية فقط تحصل على هذا التميز منذ عام 1969، بعد الملكة إليزابيث الثانية؛ مما يؤكد على المكانة التي توليها نيجيريا للهند.

نجاح الهند في ضم الاتحاد الأفريقي إلى قمة مجموعة العشرين

كان الإنجاز الكبير الذي حققته الهند هو جهدها لضمان إدراج الاتحاد الأفريقي عضواً دائماً في مجموعة العشرين، وهي منصة عالمية للنخبة تؤثر قراراتها الاقتصادية على ملايين الأفارقة. وقد تم الإشادة برئيس الوزراء مودي لجهوده الشخصية في إدراج الاتحاد الأفريقي ضمن مجموعة العشرين من خلال اتصالات هاتفية مع رؤساء دول مجموعة العشرين. وكانت جهود الهند تتماشى مع دعمها الثابت لدور أكبر لأفريقيا في المنصات العالمية، وهدفها المتمثل في استخدام رئاستها للمجموعة في منح الأولوية لشواغل الجنوب العالمي.

يُذكر أن الاتحاد الأفريقي هو هيئة قارية تتألف من 55 دولة.

دعا مودي، بصفته مضيف مجموعة العشرين، رئيس الاتحاد الأفريقي، غزالي عثماني، إلى شغل مقعده بصفته عضواً دائماً في عصبة الدول الأكثر ثراء في العالم، حيث صفق له القادة الآخرون وتطلعوا إليه.

وفقاً لراجيف باتيا، الذي شغل أيضاً منصب المدير العام للمجلس الهندي للشؤون العالمية في الفترة من 2012 - 2015، فإنه «لولا الهند لكانت مبادرة ضم الاتحاد الأفريقي إلى مجموعة العشرين قد فشلت. بيد أن الفضل في ذلك يذهب إلى الهند لأنها بدأت العملية برمتها وواصلت تنفيذها حتى النهاية. وعليه، فإن الأفارقة يدركون تمام الإدراك أنه لولا الدعم الثابت من جانب الهند ورئيس الوزراء مودي، لكانت المبادرة قد انهارت كما حدث العام قبل الماضي أثناء رئاسة إندونيسيا. لقد تأثرت البلدان الأفريقية بأن الهند لم تعد تسمح للغرب بفرض أخلاقياته».

التوغلات الصينية في أفريقيا

تهيمن الصين في الواقع على أفريقيا، وقد حققت توغلات أعمق في القارة السمراء لأسباب استراتيجية واقتصادية على حد سواء. بدأت العلاقات السياسية والاقتصادية الحديثة بين البر الصيني الرئيسي والقارة الأفريقية في عهد ماو تسي تونغ، بعد انتصار الحزب الشيوعي الصيني في الحرب الأهلية الصينية. زادت التجارة بين الصين وأفريقيا بنسبة 700 في المائة خلال التسعينات، والصين حالياً هي أكبر شريك تجاري لأفريقيا. وقد أصبح منتدى التعاون الصيني - الافريقي منذ عام 2000 المنتدى الرسمي لدعم العلاقات. في الواقع، الأثر الصيني في الحياة اليومية الأفريقية عميق - الهواتف المحمولة المستخدمة، وأجهزة التلفزيون، والطرق التي تتم القيادة عليها مبنية من قِبل الصينيين.

كانت الصين متسقة مع سياستها الأفريقية. وقد عُقدت الدورة التاسعة من منتدى التعاون الصيني - الأفريقي في سبتمبر (أيلول) 2024، في بكين.

كما زوّدت الصين البلدان الأفريقية بمليارات الدولارات في هيئة قروض ساعدت في بناء البنية التحتية المطلوبة بشدة. علاوة على ذلك، فإن تعزيز موطئ قدم لها في ثاني أكبر قارة من حيث عدد السكان في العالم يأتي مع ميزة مربحة تتمثل في إمكانية الوصول إلى السوق الضخمة، فضلاً عن الاستفادة من الموارد الطبيعية الهائلة في القارة، بما في ذلك النحاس، والذهب، والليثيوم، والمعادن الأرضية النادرة. وفي الأثناء ذاتها، بالنسبة للكثير من الدول الأفريقية التي تعاني ضائقة مالية، فإن أفريقيا تشكل أيضاً جزءاً حيوياً من مبادرة الحزام والطريق الصينية، حيث وقَّعت 53 دولة على المسعى الذي تنظر إليه الهند بريبة عميقة.

كانت الصين متسقة بشكل ملحوظ مع قممها التي تُعقد كل ثلاث سنوات؛ وعُقدت الدورة التاسعة لمنتدى التعاون الصيني - الأفريقي في سبتمبر 2024. وفي الوقت نفسه، بلغ إجمالي تجارة الصين مع القارة ثلاثة أمثال هذا المبلغ تقريباً الذي بلغ 282 مليار دولار.

الهند والصين تناضلان من أجل فرض الهيمنة

تملك الهند والصين مصالح متنامية في أفريقيا وتتنافسان على نحو متزايد على الصعيدين السياسي والاقتصادي.

في حين تحاول الصين والهند صياغة نهجهما الثنائي والإقليمي بشكل مستقل عن بعضهما بعضاً، فإن عنصر المنافسة واضح. وبينما ألقت بكين بثقلها الاقتصادي الهائل على تطوير القدرة التصنيعية واستخراج الموارد الطبيعية، ركزت نيودلهي على كفاءاتها الأساسية في تنمية الموارد البشرية، وتكنولوجيا المعلومات، والتعليم، والرعاية الصحية.

مع ذلك، قال براميت بول شاودهوري، المتابع للشؤون الهندية في مجموعة «أوراسيا» والزميل البارز في «مركز أنانتا أسبن - الهند»: «إن الاستثمارات الهندية في أفريقيا هي إلى حد كبير رأسمال خاص مقارنة بالصينيين. ولهذا السبب؛ فإن خطوط الائتمان التي ترعاها الحكومة ليست جزءاً رئيسياً من قصة الاستثمار الهندية في أفريقيا. الفرق الرئيسي بين الاستثمارات الهندية في أفريقيا مقابل الصين هو أن الأولى تأتي مع أقل المخاطر السياسية وأكثر انسجاماً مع الحساسيات الأفريقية، لا سيما فيما يتعلق بقضية الديون».

ناريندرا مودي وشي جينبينغ في اجتماع سابق (أ.ب)

على عكس الصين، التي ركزت على إقامة البنية التحتية واستخراج الموارد الطبيعية، فإن الهند من خلال استثماراتها ركزت على كفاءاتها الأساسية في تنمية الموارد البشرية، وتكنولوجيا المعلومات، والأمن البحري، والتعليم، والرعاية الصحية. والحقيقة أن الشركات الصينية كثيراً ما تُتهم بتوظيف أغلب العاملين الصينيين، والإقلال من جهودها الرامية إلى تنمية القدرات المحلية، وتقديم قدر ضئيل من التدريب وتنمية المهارات للموظفين الأفارقة. على النقيض من ذلك، يهدف بناء المشاريع الهندية وتمويلها في أفريقيا إلى تيسير المشاركة المحلية والتنمية، بحسب ما يقول الهنود. تعتمد الشركات الهندية أكثر على المواهب الأفريقية وتقوم ببناء قدرات السكان المحليين. علاوة على ذلك، وعلى عكس الإقراض من الصين، فإن المساعدة الإنمائية التي تقدمها الهند من خلال خطوط الائتمان الميسرة والمنح وبرامج بناء القدرات هي برامج مدفوعة بالطلب وغير مقيدة. ومن ثم، فإن دور الهند في أفريقيا يسير جنباً إلى جنب مع أجندة النمو الخاصة بأفريقيا التي حددتها أمانة الاتحاد الأفريقي، أو الهيئات الإقليمية، أو فرادى البلدان، بحسب ما يقول مدافعون عن السياسة الهندية.

ويقول هوما صديقي، الصحافي البارز الذي يكتب عن الشؤون الاستراتيجية، إن الهند قطعت في السنوات الأخيرة شوطاً كبيراً في توسيع نفوذها في أفريقيا، لكي تظهر بوصفها ثاني أكبر مزود للائتمان بالقارة. شركة الاتصالات الهندية العملاقة «إيرتل» - التي دخلت أفريقيا عام 1998، هي الآن أحد أكبر مزودي خدمات الهاتف المحمول في القارة، كما أنها طرحت خطاً خاصاً بها للهواتف الذكية من الجيل الرابع بأسعار زهيدة في رواندا. وكانت الهند رائدة في برامج التعليم عن بعد والطب عن بعد لربط المستشفيات والمؤسسات التعليمية في كل البلدان الأفريقية مع الهند من خلال شبكة الألياف البصرية. وقد ساعدت الهند أفريقيا في مكافحة جائحة «كوفيد – 19» بإمداد 42 بلداً باللقاحات والمعدات.

تعدّ الهند حالياً ثالث أكبر شريك تجاري لأفريقيا، حيث يبلغ حجم التجارة الثنائية بين الطرفين نحو 100 مليار دولار. وتعدّ الهند عاشر أكبر مستثمر في أفريقيا من حيث حجم الاستثمارات الأجنبية المباشرة. كما توسع التعاون الإنمائي الهندي بسرعة منذ أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، وكانت البلدان الأفريقية هي المستفيد الرئيسي من برنامج الخطوط الائتمانية الهندية.

قالت هارشا بانغاري، المديرة الإدارية لبنك الهند للاستيراد والتصدير: «على مدى العقد الماضي، قدمت الهند ما يقرب من 32 مليار دولار أميركي في صورة ائتمان إلى 42 دولة أفريقية، وهو ما يمثل 38 في المائة من إجمالي توزيع الائتمان. وهذه الأموال، التي تُوجه من خلال بنك الهند للاستيراد والتصدير، تدعم مجموعة واسعة من المشاريع، بما في ذلك الرعاية الصحية والبنية التحتية والزراعة والري».

رغم أن الصين تتصدر الطريق في قطاع البنية التحتية، فإن التمويل الصيني للبنية التحتية في أفريقيا قد تباطأ بشكل كبير خلال السنوات الأخيرة. برزت عملية تطوير البنية التحتية سمةً مهمة من سمات الشراكة التنموية الهندية مع أفريقيا. وقد أنجزت الهند حتى الآن 206 مشاريع في 43 بلداً أفريقياً، ويجري حالياً تنفيذ 65 مشروعاً، يبلغ مجموع الإنفاق عليها نحو 12.4 مليار دولار. وتقدم الهند أيضاً إسهامات كبيرة لبناء القدرات الأفريقية من خلال برنامجها للتعاون التقني والتكنولوجي، والمنح الدراسية، وبناء المؤسسات في القارة.

وتجدر الإشارة إلى أن الهند أكثر ارتباطاً جغرافياً من الصين بالقارة الأفريقية، وهي بالتالي تتشاطر مخاوفها الأمنية أيضاً. وتعتبر الهند الدول المطلة على المحيط الهندي في افريقيا مهمة لاستراتيجيتها الخاصة بمنطقة المحيطين الهندي والهادئ، ووقّعت الهند مع الكثير منها اتفاقيات للدفاع والشحن تشمل التدريبات المشتركة. كما أن دور قوات حفظ السلام الهندية موضع تقدير كبير.

يقول السفير الهندي السابق والأمين المشترك السابق لشؤون أفريقيا في وزارة الخارجية، السفير ناريندر تشوهان: «إن الانتقادات الموجهة إلى المشاركة الاقتصادية للصين مع أفريقيا قد تتزايد من النقابات العمالية والمجتمع المدني بشأن ظروف العمل السيئة والممارسات البيئية غير المستدامة والتشرد الوظيفي الذي تسببه الشركات الصينية. ويعتقد أيضاً أن الصين تستغل نقاط ضعف الحكومات الأفريقية، وبالتالي تشجع الفساد واتخاذ القرارات المتهورة. فقد شهدت أنغولا، وغانا، وغامبيا، وكينيا مظاهرات مناهضة للمشاريع التي تمولها الصين. وهناك مخاوف دولية متزايدة بشأن الدور الذي تلعبه الصين في القارة الأفريقية».

القواعد العسكرية الصينية والهندية في أفريقيا

قد يكون تحقيق التوازن بين البصمة المتزايدة للصين في أفريقيا عاملاً آخر يدفع نيودلهي إلى تعزيز العلاقات الدفاعية مع الدول الافريقية.

أنشأت الصين أول قاعدة عسكرية لها في الخارج في جيبوتي، في القرن الأفريقي، عام 2017؛ مما أثار قلق الولايات المتحدة؛ إذ تقع القاعدة الصينية على بعد ستة أميال فقط من قاعدة عسكرية أميركية في البلد نفسه.

تقول تقارير إعلامية إن الصين تتطلع إلى وجود عسكري آخر في دولة الغابون الواقعة في وسط أفريقيا. ونقلت وكالة أنباء «بلومبرغ» عن مصادر قولها إن الصين تعمل حالياً على دخول المواني العسكرية في تنزانيا وموزمبيق الواقعتين على الساحل الشرقي لأفريقيا. وذكرت المصادر أنها عملت أيضاً على التوصل إلى اتفاقيات حول وضع القوات مع كلا البلدين؛ الأمر الذي سيقدم للصين مبرراً قانونياً لنشر جنودها هناك.

تقليدياً، كان انخراط الهند الدفاعي مع الدول الأفريقية يتركز على التدريب وتنمية الموارد البشرية.

في السنوات الأخيرة، زادت البحرية الهندية من زياراتها للمواني في الدول الأفريقية، ونفذت التدريبات البحرية الثنائية ومتعددة الأطراف مع الدول الأفريقية. من التطورات المهمة إطلاق أول مناورة ثلاثية بين الهند وموزمبيق وتنزانيا في دار السلام في أكتوبر (تشرين الأول) عام 2022.

هناك مجال آخر مهم للمشاركة الدفاعية الهندية، وهو الدفع نحو تصدير معدات الدفاع الهندية إلى القارة.

ألقى التركيز الدولي على توسع الوجود الصيني في أفريقيا بظلاله على تطور مهم آخر - وهو الاستثمار الاستراتيجي الهندي في المنطقة. فقد شرعت الهند بهدوء، لكن بحزم، في بناء قاعدة بحرية على جزر أغاليغا النائية في موريشيوس.

تخدم قاعدة أغاليغا المنشأة حديثاً الكثير من الأغراض الحيوية للهند. وسوف تدعم طائرات الاستطلاع والحرب المضادة للغواصات، وتدعم الدوريات البحرية فوق قناة موزمبيق، وتوفر نقطة مراقبة استراتيجية لمراقبة طرق الشحن حول الجنوب الأفريقي.

وفي سابقة من نوعها، عيَّنت الهند ملحقين عسكريين عدة في بعثاتها الدبلوماسية في أفريقيا.

وفقاً لغورجيت سينغ، السفير السابق لدى إثيوبيا والاتحاد الأفريقي ومؤلف كتاب «عامل هارامبي: الشراكة الاقتصادية والتنموية بين الهند وأفريقيا»: «في حين حققت الهند تقدماً كبيراً في أفريقيا، فإنها لا تزال متخلفة عن الصين من حيث النفوذ الإجمالي. لقد بذلت الهند الكثير من الجهد لجعل أفريقيا في بؤرة الاهتمام، هل الهند هي الشريك المفضل لأفريقيا؟ صحيح أن الهند تتمتع بقدر هائل من النوايا الحسنة في القارة الأفريقية بفضل تضامنها القديم، لكن هل تتمتع بالقدر الكافي من النفوذ؟ من الصعب الإجابة عن هذه التساؤلات، سيما في سياق القوى العالمية الكبرى كافة المتنافسة على فرض نفوذها في المنطقة. ومع ذلك، فإن عدم القدرة على عقد القمة الرابعة بين الهند وأفريقيا حتى بعد 9 سنوات من استضافة القمة الثالثة لمنتدى الهند وأفريقيا بنجاح في نيودلهي، هو انعكاس لافتقار الهند إلى النفوذ في أفريقيا. غالباً ما تم الاستشهاد بجائحة «كوفيد - 19» والجداول الزمنية للانتخابات بصفتها أسباباً رئيسية وراء التأخير المفرط في عقد قمة المنتدى الهندي الأفريقي».