رانيل ويكريميسنغه... «رئيس طوارئ» في سريلانكا المأزومة

هل ينجح السياسي المخضرم في كسب ثقة المانحين الكبار؟

رانيل ويكريميسنغه... «رئيس طوارئ» في سريلانكا المأزومة
TT

رانيل ويكريميسنغه... «رئيس طوارئ» في سريلانكا المأزومة

رانيل ويكريميسنغه... «رئيس طوارئ» في سريلانكا المأزومة

كان لا بد للاضطرابات الاحتجاجية التي فجرتها الأزمة الاقتصادية والمعيشية الخانقة أن تهز النظام السياسي في سريلانكا. وحقاً خلال الأسابيع الأخيرة، أسقط ومن ثم، أسندت رئاسة الحكومة يوم 12مايو (أيار) الماضي للرئيس السابق رانيل ويكريميسنغه، في محاولة للملمة الأوضاع. غير أن الاضطرابات المتصاعدة أجبرت لاحقاً رئيس الجمهورية على الفرار من قصره، ثم من البلاد، وانتخب مجلس النواب بالأمس ويكريميسنغه رئيساً للجمهورية. هذه الخطوة التي قوبلت برد فعل سلبي جداً من الشارع الغاضب بدت لكثيرين خطوة يائسة للجم الانهيار الكامل، ومحاولة قد تكون الأخيرة لإطلاق مبادرات سياسية واقتصادية مقبولة دولياً، ولا سيما أن الرئيس الجديد – القديم، سياسي محافظ مخضرم وموثوق في الدوائر الاقتصادية الدولية.
بين معسكري المتفائلين بخبرة الرئيس رانيل ويكريميسنغه (73 سنة) آملين بقدرته على حل أزمة سريلانكا الحادة الراهنة، والمشككين بقدرة «الطاقم السياسي» التقليدي الذي ينتمي إليه الرئيس الجديد – القديم في إحداث نقلة نوعية تخرج البلاد من الهوة الاقتصادية التي انزلقت إليها، بسبب آفات الفساد والمحسوبية العائلية والانقسامات الإثنية – الطائفية والتدخلات الأجنبية من القوى الكبرى، ولا سيما في آسيا.
النشأة والمسيرة
ولد رانيل ويكريميسنغه في العاصمة السريلانكية كولومبو لأسرة سنهالية مرموقة وثرية، يوم 24 مارس (آذار) 1949. وتتصل أسرته بصلات قربى ومصاهرة مع عدد من أبرز الأسر الأرستقراطية والنافذة سياسياً، ما ساعده إلى حد بعيد في مسيرتيه في عالمي المحاماة والسياسة.
تلقى تعليمه في كولومبو بالمدرسة الإعدادية الملكية، ثم في الكلية الملكية حيث كان أحد أصدقائه وزملاء صفه أنورا بندرانايكه ابن رئيسة الوزراء (يومذاك) سيريمافو بندرانايكه – أول امرأة تتولى رئاسة حكومة في العالم.
بعدها التحق ويكريميسنغه بمعهد الحقوق في جامعة سيلان (سيلان هو الاسم القديم لسريلانكا)، وهي التي تعرف اليوم بجامعة كولومبو. وإثر تخرّجه أكمل امتحانات معهد سيلان للحقوق، وأدى يمين ممارسة مهنة المحاماة عام 1972.
المسيرة السياسية
غير أن شغف رانيل ويكريميسنغه بالسياسة، وهو سليل أسرتين لهما خبرة طويلة في حقول الإدارة والسياسة والإعلام، اجتذبه إلى الحياة السياسية حيث انخرط في الحزب الوطني المتحد (الـ«يو إن بي»).
هذا الحزب العريق أسس عام 1946، ويعد منذ الاستقلال إحدى القوتين الرئيسيتين في البلاد، وهو يمثل تيار يمين الوسط ويستقطب الفئات البورجوازية والثرية ورجال العمل. وفي مواجهة الحزب الوطني المتحد، منذ مطلع عقد الخمسينات نشط حزب قوي التصق طويلاً بأسرتي بندرانايكه وراجاباكسا وحمل عبر السنين بضعة أسماء أشهرها «حزب سريلانكا الحرية» (سريلانكا فريدوم) ولقد أسس هذا الحزب المعروف حالياً باسم «حزب تحالف الحرية الشعبي في سريلانكا» سولومون بندرانايكه عام 1951، وقاده إلى الحكم عام 1956 قبل اغتياله. وعلى الأثر تولت الزعامة الحزبية ولاحقاً رئاسة الحكومة أرملته سيريمافو، وهو محسوب أيديولوجياً على تيار يسار الوسط الاشتراكي، ويحظى بقاعدة سنهالية بوذية قومية كبيرة.
رجل اليمين المعتدل
تدرّج ويكريميسنغه صعوداً في صفوف الحزب الوطني المتحد، وشغل عدداً من المسؤوليات الحزبية إلى أن نجح في دخول البرلمان عام 1977. وعلى الأثر عيّن نائباً لوزير الخارجية في الحكومة التي ترأسها جونيوس جاياواردينه، زعيم الحزب واحد كبار «دهاته». ولم يطل الوقت حتى رقّعه جاياواردينه وسلمه منصب وزير شؤون الشباب والتشغيل في أكتوبر (تشرين الأول) 1977، وكان يوم ذلك أصغر الوزراء سناً في تاريخ سريلانكا. وخلال 3 سنوات، أي في عام 1980، أصبح وزيراً للتربية والتعليم.
في رئاسة الحكومة
بعدها، في عهد الزعيم الجديد للحزب الوطني المتحد راناسينغي بريماداسا، أسند إلى ويكريميسنغه منصب وزير الصناعة عام 1989، وفي العام نفسه قاد كتلة حزبه في البرلمان. وعلى صعيد رئاسة الحكومة، تولى ويكريميسنغه رئاسة الحكومة 6 مرات بين 1993 - على أثر اغتيال بريماداسا في تفجير انتحاري كبير نفذه تنظيم «نمور التاميل» - و1994، ثم بين 2001 و2004، وبين 2015 و2018، وبين 2018 و2019، ثم منذ مايو (أيار) من هذا العام... قبل انتخابه بالأمس رئيساً للجمهورية.
خلال هذه الفترة كان الصراع محتدماً بين الحزبين التقليديين الكبيرين، كذلك كانت الاضطرابات الدامية تقض مضاجع الساسة، فبعد اغتيال بريماداسا، اغتيل خلفه غاميني ديساناياكي في نوفمبر (تشرين الثاني) 1994 أثناء مشاركته في حملة الانتخابات الرئاسية، وعلى الأثر عيّن ويكريميسنغه زعيماً للحزب.
وفي العام 1999 رشحه الحزب الوطني المتحد لرئاسة الجمهورية إلا أنه خسر المعركة أمام زعيمة حزب «سريلانكا الحرية» تشاندريكا بندرانايكه كوماراتونغا، ابنة الرئيسة بندرانايكه. ثم خسر مجدداً الانتخابات الرئاسية التالية أمام ماهيندا راجاباكسا، الذي تولى زعامة الحزب (بعدما صار «تحالف الحرية الشعبي») خلفاً لكوماراتونغا. وكان راجاباكسا بعد شغله رئاسة الجمهورية بين 2005 و2015، قد عاد ليشغل منصب رئيس الحكومة في عهد رئاسة شقيقه الأصغر غوتابايا راجاباكسا في نوفمبر 2019. ولقد سبقه إلى الاستقالة في مايو الماضي وغادر تحت ضغط الغضب الشعبي، وبعدها، أسندت رئاسة الحكومة لويكريميسنغه.
غير أن مغادرة ماهيندا راجاباكسا لم يوقف الاحتجاجات والاضطرابات، بل دفع تفاقم الوضع الرئيس غوتابايا إلى الاستقالة بدوره، ومغادرة البلاد. ومجدداً، وقع الاختيار على غريمهما السياسي المخضرم، فانتخب لرئاسة الجمهورية.
الصين... والأزمة الاقتصادية
إبان فترة حكم الشقيقين راجاباكسا، ازداد بوضوح نفوذ الصين السياسي والاقتصادي سريلانكا. ولئن كان سوء الإدارة والفساد السياسي والمالي لعبا دوراً محورياً في الأزمة المستحكمة الراهنة، فإن علاقة أسرة راجاباكسا – في نظر المراقبين الغربيين – مع الصين ورطت سريلانكا وأثقلت كاهلها.
إذ يقول مراقبون غربيون وهنود تابعوا لسنوات تطور الأمور أن ما عادت سريلانكا قادرة على سداد ديونها الخارجية بسبب العجز عن دفع قيمة خدمة الدين المستحق للصين. ويشير هؤلاء المراقبون أن بكين موّلت في سريلانكا، كما موّلت في أماكن أخرى من العالم، بينها عدد من الدول الأفريقية مشاريع بنية تحتية عديمة الجدوى.
وفي حالة سريلانكا بالذات، استغلت بكين صداقتها لماهيندا راجاباكسا لتوقيع اتفاق لبناء ميناء هامبانتوتا والمطار المجاور له في بلدة ماتالا إبان فترة حكمه. وفيما بعد، على أثر تولي مايتريبالا سيريسينا - خليفة ماهيندا - السلطة، حاول الرئيس الجديد الحد من اعتماد سريلانكا وسكانها البالغ تعدادهم نحو 22 مليون نسمة على الصين، إلا أن الحال انتهى به إلى منح ميناء هامبانتوتا للصين بموجب عقد انتفاع مدته 99 سنة، مع وجود بند يمنح بكين حق تمديد العقد 99 أخرى.
وهنا يجدر التذكير بأن فريق العمل الذي يتابع وضع سريلانكا في صندوق النقد الدولي، والذي كان في سريلانكا خلال الفترة الأخيرة، عاد إلى مقر الصندوق في واشنطن من دون التوصل إلى أي اتفاق.
وحول هذه النقطة، ثمة من يشير إلى أن الدوائر المالية العالمية من واقع اطلاعها على دقائق الأزمة، ما كانت متفائلة بقيام حكومة مستقرة تستطيع تنفيذ برنامج صندوق النقد الدولي. والمعروف على نطاق واسع في أوساط خبراء الاقتصاد أن أي مساعدة من الصندوق أو البنك الدولي تكون في العادة مرفوقة بشروط صارمة لضمان ألا يساء إدارة الأموال أو يساء التصرف بها. لكن مقابل ذلك، الجميع يعرف – وبالأخص، القوى العالمية الكبرى مثل الصين - أهمية موقع سريلانكا الجغرافي على أحد أهم طرق الشحن في العالم، وهو ما يعقد الاستخفاف بأمرها، وقد يحول تماماً دون ترك دولة بهذه الأهمية الإستراتيجية تنهار. وكانت «الشرق الأوسط» قد نشرت ما قاله الدكتور غانيشان ويغنارجا، الزميل غير المقيم في معهد دراسات جنوب آسيا في جامعة سنغافورة الوطنية، عن الوضع «وهو أن سريلانكا ستحتاج إلى ما يتراوح بين 20 و25 مليار دولار أميركي خلال السنوات الثلاث المقبلة من صندوق النقد الدولي وكيانات متعددة الأطراف، ودول صديقة أخرى لجعل اقتصادها في وضع جيد، وتحقيق نمو». وتابع ويغنارجا موضحاً «إلى جانب مساعدة صندوق النقد الدولي، ثمة حاجة إلى تمويل عاجل من الهند والصين والدول الغربية، ليس فقط لتلبية الاحتياجات الأساسية للشعب مثل الوقود والغذاء والدواء، بل أيضاً للمساعدة في تحقيق الاستقرار الاقتصادي».
دين خارجي ضخم
وعلى صعيد متصل، تفيد الأرقام بأن حجم الدين الخارجي لسريلانكا يبلغ حالياً 51 مليار دولار. ووفقاً لسلطات كولومبو، يتوجب عليها سداد 8.6 مليار دولار من الدين الخارجي عام 2022. ولكن نتيجة لنفاد العملة الأجنبية من البلاد بحلول مايو الفائت، تعذر على السلطات السريلانكية سداد المستحق عليها من الديون للمرة الأولى.
والحال، أنه منذ ذلك الحين توقفت كل الواردات، وحدث نقص كبير في الوقود والغذاء والسلع المعيشية. وحسب المصادر الاقتصادية الهندية، فإنه عندما لجأت حكومة كولومبو إلى صندوق النقد الدولي، كانت الأوضاع في سريلانكا قد وصلت إلى الحضيض، وباتت البلاد تعيش على منح ومساعدات مقدّمة من «جارتها» الأكبر الهند. ووفق هذه المصادر، بلغت المنح والمساعدات الهندية خلال الفترة الممتدة بين يناير (كانون الثاني) ويونيو (حزيران) الفائتين 3.5 مليار دولار. ولكن مع هذا لم تتمكن الحكومة من تلبية الاحتياجات الأساسية للشعب السريلانكي، من وقود للمركبات إلى الطعام، مروراً بالأدوية التي تحتاجها في المستشفيات الحكومية، وسط تضخم في أسعار السلع الغذائية بلغت نسبته 56 في المائة.

الحزب الوطني المتحد... في سطور
-الحزب الوطني المتحد في سريلانكا، حزب محافظ معتدل يتموضع على يمين وسط الساحة السياسية.
-أسس الحزب في سبتمبر (أيلول) 1946.
-تولى السلطة (منفرداً أو متحالفاً) لمدة 38 سنة من أصل 74 سنة من الاستقلال.
-كان القوة المهيمنة على الساحة السياسية في الفترات: من 1947 إلى 1956، ومن 1965 إلى 1970، ومن 1977 إلى 1994، ومن 2001 إلى 2004، ومن 2015 إلى 2019.
-أبرز قادة الحزب: ددلي سينانياكه، وجونيوس جاياواردينه، وراناسينغي بريماداسا وأخيراً رانيل ويكريميسنغه.



عبد الرحمن محمد عبد الله «عرّو»... دبلوماسي يقود «أرض الصومال» في «توقيت مصيري»

يأتي انتخاب «عرّو» في وقت حرج لإقليم أرض الصومال لا سيما مع تحديات استمرار رفض مقديشو توقيع الإقليم مذكرة تفاهم مع إثيوبيا
يأتي انتخاب «عرّو» في وقت حرج لإقليم أرض الصومال لا سيما مع تحديات استمرار رفض مقديشو توقيع الإقليم مذكرة تفاهم مع إثيوبيا
TT

عبد الرحمن محمد عبد الله «عرّو»... دبلوماسي يقود «أرض الصومال» في «توقيت مصيري»

يأتي انتخاب «عرّو» في وقت حرج لإقليم أرض الصومال لا سيما مع تحديات استمرار رفض مقديشو توقيع الإقليم مذكرة تفاهم مع إثيوبيا
يأتي انتخاب «عرّو» في وقت حرج لإقليم أرض الصومال لا سيما مع تحديات استمرار رفض مقديشو توقيع الإقليم مذكرة تفاهم مع إثيوبيا

حياة مغلفة بـ«هم الاستقلال»، سواءً عن المستعمر القديم في السنوات الأولى، أو تشكيل «الدولة المستقلة» طوال فترتَي الشباب والشيخوخة، لم تثنِ عبد الرحمن محمد عبد الله «عرّو» عن مواصلة العمل لتحقيق حلمه. إذ تفتحت عينا «عرّو» في مدينة هرجيسا، عاصمة إقليم «أرض الصومال» وكبرى مدنه، يوم 29 أبريل (نيسان) 1955، على نداءات للاستقلال عن الاستعمار البريطاني، وتحقّق ذلك وعمره نحو 5 سنوات... وهو الآن يأمل باعتراف دولي للإقليم - الذي كان يُعرف سابقاً بـ«الصومال البريطاني» - وهو يترأسه بعمر الـ69 كسادس رئيس منذ انفصاله عن الجمهورية الصومالية عام 1991.

عاش عبد الرحمن محمد عبد الله «عرّو» حياته بين دهاليز الدبلوماسية وسنوات غربة وتقلبات السياسة، وسجل أرقاماً قياسية، أبرزها أنه كان أطول رؤساء مجلس نواب إقليم «أرض الصومال» (صوماليلاند) عهداً مسجّلاً 12 سنة.

وجاء إعلان انتخابه رئيساً للإقليم في 19 نوفمبر (تشرين الثاني) المودّع، في ظرف تاريخي وتوقيت مصيري يواجهان بلاده وسط توترات حادة، أبرزها مع الحكومة الصومالية الفيدرالية - التي لا تعترف بانفصاله - وترفض اتفاقاً مبدئياً أقرّه سلفه موسى بيحي عبدي مطلع 2024 مع إثيوبيا اعتبرت أنه يهدّد سيادة البلاد.

المولد والنشأة

وُلد عبد الرحمن محمد عبد الله «عرّو» وفق مصادر «الشرق الأوسط»، في عائلة مكوّنة من 7 فتيات و3 أولاد، وهو حالياً متزوج ولديه 5 أبناء.

بدأ تعليمه الابتدائي في مدينة بربرة، ثاني كبرى مدن الإقليم وميناؤه الرئيس. وتابع تعليمه الثانوي في هرجيسا، منتقلاً إلى المدرسة الثانوية عام 1977. وبعد ذلك، انتقل إلى العاصمة الصومالية الفيدرالية مقديشو، حيث التحق بكلية سيدام ومنها حصل على درجة البكالوريوس في المحاسبة، وتضم شهاداته أيضاً درجة الماجستير في إدارة الأعمال ودبلوماً في حل النزاعات.

بين عامي 1978 و1981، عمل «عرّو» في منظمة معنية بالتنمية الاجتماعية في مقديشو. وبين عامي 1981 و1988 شغل منصباً دبلوماسياً في وزارة الخارجية الصومالية بإدارة التعاون الاقتصادي. ومن مايو (أيار) 1988 إلى عام 1996، قبل أن يعمل مستشاراً للسفارة الصومالية في موسكو ثم نائب السفير والقائم بالأعمال.

العيش في الخارج

بعد انهيار الحكومة الصومالية، انتقل «عرّو» عام 1996 إلى فنلندا، التي كانت عائلته تقيم فيها منذ سنوات عدة وحصل على جنسيتها وظل مقيماً فيها حتى عام 1999.

للعلم، خلال عامي 1997 و1998 كان مساعد المنظمة الدولية للهجرة في فنلندا. بيد أنه عاد إلى إقليم أرض الصومال عام 1999، وبعد أقل من سنتين، أصبح «عرّو» أحد مؤسسي «حزب العدالة والتنمية» UCID - حزب المعارضة البارز - مع فيصل علي وارابي منافسه في الانتخابات الرئاسية هذا العام، وحينذاك شغل منصب نائب الأمين العام للحزب.

إقليم أرض الصومال شهد انتخابات لمجلس النواب، المكوّن من 82 نائباً، يوم 29 سبتمبر (أيلول) 2005. وكانت تلك أول انتخابات برلمانية متعددة الأحزاب تنظَّم في الإقليم منذ انفصاله عن جمهورية الصومال (الصومال الإيطالي سابقاً) عام 1991. ولقد انتخب «عرو» نائباً عن منطقة ساحل بربرة، وانتُخب لاحقاً رئيساً للبرلمان (مجلس النواب)، وإبّان فترة ولايته سُنّت معظم قوانين الإقليم وتشريعاته.

لكن، بعد نحو 6 سنوات، وإثر خلاف تفجّر مع وارابي، أسّس «عرّو» الذي يتكلم اللغات الإنجليزية والعربية والروسية، «الحزب الوطني» - أو حزب «وداني» (الوطني) - المعارض الذي يميل إلى اليسار المعتدل ويحمل رؤية تقدمية في قضايا الأقليات والحريات كما يدعم المزيد من اللامركزية.

يوم 2 أغسطس (آب) 2017، استقال «عرّو» من رئاسة البرلمان بعدما شغل المنصب لمدة 12 سنة، وهي أطول فترة لرئيس برلمان بتاريخ الإقليم، معلناً أنه يتهيأ لدور أكثر أهمية كرئيس لأرض الصومال. غير أن آماله تحطمت على صخرة موسى بيحي عبدي، مرشح «حزب السلام والوحدة والتنمية» في المرة الأولى.

لكنه حقق مراده بعدما أعاد الكرَّة وترشح في الانتخابات الرئاسية الأخيرة التي أجريت يوم 13 نوفمبر 2024، وحصل فيها على 63.92 في المائة من الأصوات متغلباً على عبدي الذي حل ثانياً بـ34.81 في المائة، لجنة الانتخابات الوطنية الرسمية بالإقليم.

الرئيس السادسانتخابات عام 2024 هي الانتخابات المباشرة الرابعة منذ عام 2003، ومع فوز «عرّو» غدا الرئيس الرابع حسب الانتخابات الرئاسية المباشرة لفترة تمتد إلى 5 سنوات، وكذلك أصبح الرئيس السادس في المجمل منذ انفصال الإقليم 18 مايو 1991. ويذكر أنه عقب إعلان انفصال إقليم أرض الصومال، انتخب السفير عبد الرحمن أحمد علي، رئيس الحركة الوطنية بالبلاد حينها، ليكون أول رئيس للإقليم عبر انتخابات غير مباشرة. وفي 1993 انتخب السياسي محمد إبراهيم عقال رئيساً، وفي عام 1997 وجدّد له لفترة ثانية.

وبعد وفاة عقال عام 2002 أثناء رحلة علاج في جنوب أفريقيا، انتًخب نائبه طاهر ريالي كاهن؛ رئيساً للبلاد لتكملة الفترة الانتقالية. ثم في عام 2003، أجريت أول انتخابات رئاسية مباشرة في الإقليم، أسفرت عن فوز حزب «اتحاد الأمة» بقيادة الرئيس طاهر ريالي كاهن على السياسي أحمد محمد سيلانيو.

وفي يونيو (حزيران) 2010، أُجريت ثاني انتخابات رئاسية مباشرة، وتمكن سيلانيو من الفوز بالرئاسة لفترة خمس سنوات. وانتهت الانتخابات الثالثة التي أجريت في 13 نوفمبر 2017، بفوز موسى بيحي عبدي، الذي حصل على 55 في المائة من الأصوات.

وكان من المقرر أن تُجرى انتخابات الرئاسة الرابعة في الإقليم عام 2022، لكن لجنة الانتخابات الوطنية أجّلتها إلى 2023 ثم إلى نوفمبر 2024 بعد تمديد نيابي لولاية الرئيس عبدي الذي يتولى الرئاسة منذ 2017. وأرجعت اللجنة التأجيلات إلى «قيود زمنية وتقنية ومالية»، وسط انتقادات من المعارضة، قبل أن يفوز «عرّو».

التزامات وتحديات

جاء انتخاب «عرّو» في وقت حرج لإقليم أرض الصومال، لا سيما مع تحديات استمرار رفض مقديشو توقيع الإقليم مذكرة تفاهم مع إثيوبيا مطلع 2024، تسمح للأخيرة بمنفذ بحري على سواحل البحر الأحمر لأغراض تجارية وعسكرية، مقابل الاعتراف بالإقليم بصفته دولةً مستقلة، الأمر الذي عدّته الحكومة الصومالية «اعتداءً على سيادتها وأراضيها».

إذ بجانب تحدّي الميناء، يشكّل الملف الداخلي تحدّياً ثانياً - بالذات - في أبعاده الأمنية والاقتصادية والعشائرية. كذلك تعدّ العلاقات الخارجية، وبخاصة مع إثيوبيا، تحدياً ثالثاً. ويضاف إلى ما سبق تحديان آخران، الرابع يتصل بملف المفاوضات المعلّقة مع الحكومة الصومالية الفيدرالية، والخامس بملف «حركة الشباب» الإرهابية المتطرفة.

هذه التحديات الخمسة، تقابلها التزامات أكّدها الرئيس المنتخب أثناء حملاته الانتخابية، منها التزامه بإعادة فتح وتنفيذ الحوار بين الإقليم والحكومة الفيدرالية الصومالية، وفق ما ذكرته إذاعة «صوت أميركا» باللغة الصومالية عقب مقابلة معه. وخلال حملاته الانتخابية أيضاً، قال «عرّو» إن حزبه سيراجع «مذكرة التفاهم» مع إثيوبيا، من دون أن يرفضها. في حين نقلت «هيئة الإذاعة البريطانية» (بي بي سي) عن محمود آدم، الناطق باسم حزب «عرّو»، أن «الاتفاقية لم تُعرض على الحزب أثناء العملية، وأن الحزب لم يراجعها منذ ذلك الحين». وأردف: «بشكل عام، نرحب بأي تعاون عادل ومفيد مع جيراننا. ولقد كانت إثيوبيا على وجه الخصوص صديقاً عظيماً على مرّ السنين. وعندما نتولّى السلطة، سنقيّم ما فعلته الحكومة السابقة».

لكن سبق هذه التعهدات والتحديات برنامج سياسي لحزب «وداني» تضمن خطوطاً عريضة متعلقة بالسياسة الخارجية لانتخاب الرئيس «عرّو» في عام 2024، أبرزها أن تكون الإجراءات القانونية والدبلوماسية لأرض الصومال مبنية على المصالح الوطنية ولا تتورط في نزاعات سياسية واقتصادية مع دول أخرى.

وتتضمن النقاط نقطتي:

- العمل على انضمام أرض الصومال إلى المنظمات الدولية الرئيسة، كالاتحاد الأفريقي، والأمم المتحدة، والكومنولث، والهيئة الحكومية الدولية المعنية بالتنمية، وغيرها.

- وإجراء مراجعة سنوية للسياسة الخارجية، لتعكس التطورات العالمية وتضمن التوافق مع المصالح الوطنية.

خبراء حاورتهم «الشرق الأوسط»، قالوا إنه من الصعب التكهن حالياً بتداعيات فوز مرشح المعارضة على مسار مذكرة التفاهم مع إثيوبيا، لكنهم اعتبروا أن الرئيس المنتخب سيسلك استراتيجية أخرى لنيل الاعتراف الدولي، تقوم على تهدئة الخطاب السياسي تجاه مقديشو، وإرسال رسائل تطمينية لها؛ بغية حثّها على الاعتراف بـ«أرض الصومال» دولةً مستقلة، مقابل الوصول لصيغة قانونية جديدة معترف بها دولياً تحكم العلاقة بين المنطقتين، كصيغة الاتحاد الفيدرالي مثلاً.