كيف أصبحت ألمانيا رهينة الغاز الروسي؟

جزء من خط «نورد ستريم 1» للغاز في ألمانيا (رويترز)
جزء من خط «نورد ستريم 1» للغاز في ألمانيا (رويترز)
TT

كيف أصبحت ألمانيا رهينة الغاز الروسي؟

جزء من خط «نورد ستريم 1» للغاز في ألمانيا (رويترز)
جزء من خط «نورد ستريم 1» للغاز في ألمانيا (رويترز)

تنفست ألمانيا ودول أوروبية أخرى، اليوم الخميس، الصعداء مع استئناف إمدادات الغاز من روسيا عبر خط أنابيب «نورد ستريم1»، بعد 10 أيام من الترقب والتوتر بسبب أعمال صيانة.
ورغم أن الصيانة كانت مبرمجة سابقاً، فإن الترقب كان يعود للخشية من امتناع روسيا عن معاودة ضخ الغاز بخطوة ضغط في سياق التجاذب بينها وبين الغرب بسبب غزو أوكرانيا.
لكن كيف أصبحت ألمانيا؛ القوة الاقتصادية الكبرى في أوروبا، رهينة فتح روسيا صنابير أنابيب الغاز؟
في ذروة الحرب الباردة، بدأ الاتحاد السوفياتي شراء الأنابيب من ألمانيا لبناء خطوط مخصصة لنقل النفط والغاز، تتيح له الاستفادة من احتياطاته الهائلة في مجال الطاقة.
لكن إدارة الرئيس الأميركي جون كيندي، القلقة من نمو القدرة السوفياتية في مجال الطاقة، تمكنت من حظر صادرات الأنابيب الألمانية.
وبعد رفع العقوبات في عام 1966، وقع البلدان اتفاقاً تاريخياً لـ«الأنابيب مقابل الغاز»، حصل بموجبه الاتحاد السوفياتي على أنابيب من الفولاذ لقاء توفير الغاز لألمانيا، وفق ما ذكرته وكالة الصحافة الفرنسية.
في 1973، تلقت ألمانيا الغربية شحناتها الأولى من النفط الخام من سيبيريا. وعند سقوط جدار برلين (1989)، كان الاتحاد السوفياتي مصدراً لنحو نصف واردات ألمانيا الغربية من الغاز.
تمكنت ألمانيا من شراء الغاز الروسي بأسعار أشبه ما تكون بالتشجيعية، مما شكل دفعاً قوياً لقطاعها الصناعي.
https://twitter.com/aawsat_News/status/1549524483177738240
مع تحرير أسواق الغاز والكهرباء الأوروبية في مطلع أعوام الألفين، بدأت شركات الطاقة البحث عن «العرض الأوفر، وكان ذلك الغاز الطبيعي الروسي»، وفق سيغمار غابريال الذي كان وزيراً للاقتصاد في عهد المستشارة الألمانية السابقة أنجيلا ميركل.
وكان غابريال من شخصيات «الحزب الاشتراكي الديمقراطي»، إضافة إلى المستشار السابق غيرهارد شرودر، الذين دفعوا لتطوير العلاقات التجارية مع روسيا. وواصلت ميركل هذه السياسة عندما خلفت شرودر في المستشارية عام 2005.
وفي حوار صحافي أجرته بعد اعتزالها السياسة في 2021، دافعت ميركل عن هذا التوجه، عادّةً أن العلاقات التجارية الوثيقة مع موسكو كانت تصب «لصالح» برلين.
وتعززت شبكة اعتماد ألمانيا على الغاز الروسي على مدى العقود؛ ففي 1994، بدأت أعمال بناء خط أنابيب «يامال» الذي يعبر بولندا وبيلاروسيا، وفي 2011 بدأ العمل في «نورد ستريم1» الذي يمر أسفل بحر البلطيق.
ومع دخول «نورد ستريم1» الخدمة، قررت ألمانيا العمل تدريجاً على التخلي عن الطاقة النووية إثر حادثة محطة «فوكوشيما» اليابانية. كما تعهدت بعد ذلك بخفض الاعتماد على الفحم الحجري وتعزيز الطاقة المتجددة.
وكانت برلين تأمل في أن يعوض الغاز انخفاض موارد مصادر الطاقة الأخرى.
في هذا الإطار، قررت حكومة ميركل عام 2015 إطلاق مشروع «نورد ستريم2» مع روسيا، وهو خط أنابيب موازٍ للأول يتيح مضاعفة واردات الغاز.
https://twitter.com/aawsat_News/status/1548985938306629632
وأثار المشروع توتراً بين ألمانيا وشركائها الأوروبيين والولايات المتحدة الذين عدّوا أنه يمنح الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ورقة ضغط محفوفة بالمخاطر.
وبعد أعوام من أعمال البناء واستثمارات بمبالغ ضخمة، قررت ألمانيا تجميد المشروع، مع إعلان المستشار الحالي أولاف شولتس «تعليق» المصادقة على تشغيله قبل يومين من بدء روسيا غزوها أوكرانيا.
وبقي الاعتماد على واردات الطاقة الروسية قائماً رغم ذلك، مما جعل يدي ألمانيا مقيدتين في النزاع في أوكرانيا، واحتفظت روسيا بمصدر لعائدات قد تستخدم لتمويل الحرب.
ويعدّ بن ماك ويليامس، المحلل المختص في شؤون الطاقة في معهد «بروغل»، أن ألمانيا أخطأت الحساب. ويقول: «يتضح بشكل جلي أن ثمة رهاناً كان قائماً: إذا حصلنا على كمية كبيرة من الطاقة الروسية، فإنه يمكننا بالتالي السيطرة على روسيا، وسيكون أمام روسيا الكثير لتخسره إذا أزعجت ألمانيا أو عادتها، ولذلك لن تقوم» بقطع الإمدادات عنها. ويضيف لوكالة الصحافة الفرنسية: «كان هذا هو الرهان، وكان (رهاناً) خاطئاً».
وتقول برلين إن شركة «غازبروم» الروسية العملاقة للطاقة، بدأت منذ يونيو (حزيران) الماضي تقييد الإمدادات، مما يمنع ألمانيا من تجديد احتياطاتها من المادة الحيوية قبل حلول موسم البرد.


مقالات ذات صلة

ألمانيا تسحب قواتها من مالي... وتؤكد أنها «باقية»

العالم ألمانيا تسحب قواتها من مالي... وتؤكد أنها «باقية»

ألمانيا تسحب قواتها من مالي... وتؤكد أنها «باقية»

عشية بدء المستشار الألماني أولاف شولتس زيارة رسمية إلى أفريقيا، هي الثانية له منذ تسلمه مهامه، أعلنت الحكومة الألمانية رسمياً إنهاء مهمة الجيش الألماني في مالي بعد 11 عاماً من انتشاره في الدولة الأفريقية ضمن قوات حفظ السلام الأممية. وعلى الرغم من ذلك، فإن الحكومة الألمانية شددت على أنها ستبقى «فاعلة» في أفريقيا، وملتزمة بدعم الأمن في القارة، وهي الرسالة التي يحملها شولتس معه إلى إثيوبيا وكينيا.

راغدة بهنام (برلين)
العالم ألمانيا لتعزيز حضورها في شرق أفريقيا

ألمانيا لتعزيز حضورها في شرق أفريقيا

منذ إعلانها استراتيجية جديدة تجاه أفريقيا، العام الماضي، كثفت برلين نشاطها في القارة غرباً وجنوباً، فيما تتجه البوصلة الآن شرقاً، عبر جولة على المستوى الأعلى رسمياً، حين يبدأ المستشار الألماني أولاف شولتس، الخميس، جولة إلى منطقة القرن الأفريقي تضم دولتي إثيوبيا وكينيا. وتعد جولة المستشار الألماني الثانية له في القارة الأفريقية، منذ توليه منصبه في ديسمبر (كانون الأول) عام 2021. وقال مسؤولون بالحكومة الألمانية في إفادة صحافية، إن شولتس سيلتقي في إثيوبيا رئيس الوزراء آبي أحمد والزعيم المؤقت لإقليم تيغراي غيتاتشو رضا؛ لمناقشة التقدم المحرز في ضمان السلام بعد حرب استمرت عامين، وأسفرت عن مقتل عشرات

العالم ألمانيا تشن حملة أمنية كبيرة ضد مافيا إيطالية

ألمانيا تشن حملة أمنية كبيرة ضد مافيا إيطالية

في عملية واسعة النطاق شملت عدة ولايات ألمانية، شنت الشرطة الألمانية حملة أمنية ضد أعضاء مافيا إيطالية، اليوم (الأربعاء)، وفقاً لوكالة الأنباء الألمانية. وأعلنت السلطات الألمانية أن الحملة استهدفت أعضاء المافيا الإيطالية «ندرانجيتا». وكانت السلطات المشاركة في الحملة هي مكاتب الادعاء العام في مدن في دوسلدورف وكوبلنتس وزاربروكن وميونيخ، وكذلك مكاتب الشرطة الجنائية الإقليمية في ولايات بافاريا وشمال الراين - ويستفاليا وراينلاند – بفالتس وزارلاند.

«الشرق الأوسط» (برلين)
الرياضة مدير دورتموند: لن أخوض في نقاش ضربة الجزاء غير المحتسبة أمام بوخوم

مدير دورتموند: لن أخوض في نقاش ضربة الجزاء غير المحتسبة أمام بوخوم

لا يرغب هانز يواخيم فاتسكه، المدير الإداري لنادي بوروسيا دورتموند، في تأجيج النقاش حول عدم حصول فريقه على ركلة جزاء محتملة خلال تعادله 1 - 1 مع مضيفه بوخوم أول من أمس الجمعة في بطولة الدوري الألماني لكرة القدم. وصرح فاتسكه لوكالة الأنباء الألمانية اليوم الأحد: «نتقبل الأمر.

«الشرق الأوسط» (ميونيخ)
شؤون إقليمية الاتحاد الأوروبي يطالب طهران بإلغاء عقوبة الإعدام بحق مواطن ألماني - إيراني

الاتحاد الأوروبي يطالب طهران بإلغاء عقوبة الإعدام بحق مواطن ألماني - إيراني

قال الاتحاد الأوروبي إنه «يدين بشدة» قرار القضاء الإيراني فرض عقوبة الإعدام بحق المواطن الألماني - الإيراني السجين جمشيد شارمهد، وفقاً لوكالة «الأنباء الألمانية». وأيدت المحكمة العليا الإيرانية يوم الأربعاء حكم الإعدام الصادر بحق شارمهد.

«الشرق الأوسط» (بروكسل)

العالم يخسر المعركة ضد الجريمة المنظمة

تتلقى امرأة المساعدة عندما أحرق مدنيون غاضبون جثث أفراد عصابة مشتبه بهم في هايتي (رويترز)
تتلقى امرأة المساعدة عندما أحرق مدنيون غاضبون جثث أفراد عصابة مشتبه بهم في هايتي (رويترز)
TT

العالم يخسر المعركة ضد الجريمة المنظمة

تتلقى امرأة المساعدة عندما أحرق مدنيون غاضبون جثث أفراد عصابة مشتبه بهم في هايتي (رويترز)
تتلقى امرأة المساعدة عندما أحرق مدنيون غاضبون جثث أفراد عصابة مشتبه بهم في هايتي (رويترز)

بينما يشهد العالم ركوداً في التجارة العالمية وتراجع الاستثمارات عبر الحدود، هناك استثناء صارخ لهذه الفوضى الاقتصادية: العصابات الدولية والجريمة المنظمة التي تشهد ازدهاراً غير مسبوق، مستغلة التكنولوجيا الحديثة وانتشار المخدرات الصناعية لتوسيع نفوذها عالمياً. وفقاً لتقرير لمجلة «إيكونوميست».

الجريمة المنظمة تنمو بمعدلات قياسية

يورغن ستوك، الذي أنهى مؤخراً فترة عمله أمينا عاما لـ«الإنتربول»، أكد أن العالم يشهد نمواً غير مسبوق في احترافية واتساع نطاق الجريمة المنظمة. وبينما أظهرت الإحصائيات انخفاضاً عالمياً في معدلات جرائم القتل بنسبة 25 في المائة منذ بداية القرن، تحذر منظمات دولية من ارتفاع هائل في أنشطة العصابات التي تتجاوز الحدود الوطنية لتتحول إلى شبكات عالمية متعددة الأنشطة.

التكنولوجيا: سلاح جديد في يد العصابات

أسهمت التقنيات الحديثة، مثل التطبيقات المشفرة والعملات الرقمية، في تسهيل عمليات الاتصال ونقل الأموال بين العصابات دون ترك أي أثر. الإنترنت المظلم بات سوقاً مفتوحاً لتجارة البضائع الممنوعة، بينما ظهرت الجرائم الإلكترونية كمجال جديد يدر أرباحاً بمليارات الدولارات.

تقديرات تشير إلى أن عائدات الاحتيال والسرقات الرقمية بلغت 7.6 مليار دولار في عام 2023، في وقت يستغل فيه المجرمون أدوات الذكاء الاصطناعي لابتكار طرق جديدة للاحتيال.

يحمل الناس أمتعتهم أثناء فرارهم من حيهم بعد هجمات العصابات التي أثارت رد فعل مدنياً عنيفاً في بورت أو برنس بهايتي (رويترز)

المخدرات الصناعية تغير قواعد اللعبة

مع التحول إلى المخدرات المصنعة كالميثامفيتامين والفنتانيل، أصبحت العصابات أقل اعتماداً على مناطق زراعة النباتات المخدرة مثل الكوكا أو الأفيون. هذه المخدرات، الأرخص والأقوى تأثيراً، ساهمت في توسيع نشاط العصابات إلى أسواق جديدة، خصوصاً في جنوب شرق آسيا، حيث زادت المصادرات بأربعة أضعاف بين 2013 و2022.

تنويع الأنشطة والانتشار الجغرافي

لم تعد العصابات تقتصر على نشاط واحد؛ فهي الآن تجمع بين تجارة المخدرات، الاتجار بالبشر، القرصنة الرقمية، وحتى تهريب الأحياء البرية. على سبيل المثال، أصبحت عصابات ألبانيا لاعباً رئيسياً في سوق الكوكايين بالإكوادور، بينما تستغل عصابة «ترين دي أراجوا».الفنزويلية أزمة اللاجئين لتعزيز أرباحها من تهريب البشر.

يستجوب السكان شخصاً ليس من الحي بعد محاولة هجوم ليلي شنتها عصابات على ضاحية بيتيون فيل الثرية ما أثار استجابة مدنية عنيفة في بورت أو برنس بهايتي (رويترز)

العصابات والسياسة: تأثير متصاعد

امتدت أيدي العصابات إلى التأثير على السياسة في بعض الدول. ففي الإكوادور، اغتيل مرشح رئاسي على يد أفراد يُعتقد ارتباطهم بعصابات كولومبية، بينما شهدت المكسيك مقتل عشرات المرشحين السياسيين في الانتخابات الأخيرة.

العالم في مواجهة تحدٍّ عالمي

على الرغم من النجاحات الفردية لبعض الدول في مكافحة الجريمة، يبقى التعاون الدولي في مواجهة العصابات محدوداً مقارنة بتوسعها السريع عبر الحدود. خبراء يؤكدون أن النهج التقليدي لإنفاذ القانون يحتاج إلى تحديث جذري لمواكبة التحديات التي تفرضها الجريمة المنظمة في عصر العولمة.