تقديرات يمنية بتهريب 10 آلاف قطعة أثرية خلال سنوات الحرب

أغلبها يباع في مزادات أميركية وأوروبية

قطع أثرية يمنية تم تهريبها وبيعها في الخارج (حصلت «الشرق الأوسط» على الصور من الباحث اليمني عبد الله محسن)
قطع أثرية يمنية تم تهريبها وبيعها في الخارج (حصلت «الشرق الأوسط» على الصور من الباحث اليمني عبد الله محسن)
TT

تقديرات يمنية بتهريب 10 آلاف قطعة أثرية خلال سنوات الحرب

قطع أثرية يمنية تم تهريبها وبيعها في الخارج (حصلت «الشرق الأوسط» على الصور من الباحث اليمني عبد الله محسن)
قطع أثرية يمنية تم تهريبها وبيعها في الخارج (حصلت «الشرق الأوسط» على الصور من الباحث اليمني عبد الله محسن)

كان مزاد «أرتميس» في الولايات المتحدة، الأسبوع الماضي، يعرض بيع قطعة أثرية يمنية، عبارة عن وجه لرجل من مملكة قتبان التي ظهرت في القرن الرابع قبل الميلاد، مصنوع من المرمر، يتميز بدرجات ألوان ناعمة صفراء وبيضاء.
قبل ذلك، وفي الخامس من الشهر الحالي، كانت دار «سوذبي» في لندن تعرض قطعاً أثرية أخرى للبيع في مزاد النحت القديم والأعمال الفنية؛ حيث بيع بعض تلك القطع.
كما يشهد عدد من العواصم الغربية مزادات لبيع قطع أثرية يمنية تم تهريبها أو سرقتها في فترات متعددة، أغلبها خلال سنوات الحرب التي أشعلتها الميليشيات الحوثية. وتشير تقديرات الباحث المختص في شؤون الآثار، عبد الله محسن، إلى أن 10 آلاف قطعة تم تهريبها.

ويذكر محسن الذي يكرس معظم وقته لمتابعة الآثار اليمنية في مزادات الآثار في العالم لـ«الشرق الأوسط»، أن العاصمة الإسبانية مدريد شهدت في 17 من شهر يونيو (حزيران) الماضي، بيع قطعتين أثريتين تم تهريبهما خلال سنوات الحرب. القطعة الأولى عبارة عن شاهد قبر، يعود إلى القرن الثالث قبل الميلاد، ووزنه 16 كيلوغراماً، واقتناه لأول مرة بعد تهريبه «غاليري خيسوس فيكو مدريد» في عام 2014، وعرضته مجموعة «إيفيرجان» الإسبانية خلال الفترة من 2018- 2020 في مزاد «سيتدارت».
والقطعة الأخرى -بحسب محسن- هي شاهد قبر أيضاً، وتعود للفترة الزمنية نفسها، والجهة نفسها هي التي اقتنتها، ويلقي باللوم على الجانب الحكومي الذي لم يتحرك لمنع البيع، رغم أنه نشر عن ذلك قبل إتمام عملية البيع بنحو أسبوعين.

غياب الإحصاءات الرسمية
بشأن عدد القطع التي تم تهريبها خلال سنوات الحرب، يقول محسن إنه لا يمكن تقديم رقم محدد للقطع الأثرية التي هربت إلى الخارج «لعدم وجود إحصاءات رسمية، ولأن ما يظهر في الغالب هو القطع المعروضة في المزادات أو المتاحف، أو في صفحات الترويج للقطع المهربة على منصات التواصل الاجتماعي».
ويقدر الباحث اليمني أنه من خلال متابعته لما يعرض في المزادات والمنصات المتعددة أثناء فترة الحرب، وجود ما يزيد عن عشرة آلاف قطعة أثرية تم تهريبها؛ لأن الحرب ساهمت في ذلك؛ حيث تمت عمليات نهب وتهريب منظمة وواسعة لكميات من القطع الأثرية.
ويورد محسن قصة أحد كبار مالكي الآثار في اليمن والذي توفي مؤخراً، ويقول إن أبناءه دخلوا في تحكيم قبلي لتقاسم القطع التي كان يمتلكها والدهم، وهي بالآلاف، ليتم توزيعها بينهم بحسب قواعد الميراث الشرعي.
وتوقع أن يكون مصير هذه القطع إلى الخارج بعد ذلك، إن لم تبادر الدولة لمصادرتها، مبيناً أن هناك عمليات بيع متعددة تتم بعيداً عن المزادات المعروفة، وفي جلسات بيع مقفلة؛ خصوصاً في بعض الدول العربية.
وفيما يخص تعقب الآثار المهربة، واتخاذ الإجراءات القانونية والدبلوماسية لاستعادتها، يصفها محسن بأنها محبطة للمهتمين ولمجتمع الآثار «رغم الجهود التي يقوم بها سفير اليمن لدى اليونيسكو (الدكتور محمد جميح)».

ويضيف: «وفقاً للقانون اليمني، لا توجد جهة حكومية محددة لها صلاحيات اتخاذ إجراءات قانونية لمتابعة الآثار اليمنية في الخارج، ورفع الدعاوي القضائية لاستعادتها، ولها قدرة على التحرك داخلياً وخارجياً، على الرغم من أن الإنابة القانونية عن الدولة من مهام ومسؤوليات وزارة الشؤون القانونية في جميع قضايا الدولة، بكافة شخصياتها الاعتبارية العامة أمام الجهات القضائية وهيئات التحكيم اليمنية والأجنبية».
ويتابع في حديثه بالقول: «لا يوجد أي تنسيق بين هيئات الآثار والوزارة، ولا يوجد فريق قانوني متخصص في قضايا الآثار بالوزارة. أضف إلى ذلك قصور قانون الآثار اليمني الذي يمكن اعتباره قانوناً لتهريب الآثار وليس لحمايتها. ببساطة لا يوجد إطار قانوني سليم، ولا دائرة حكومية متخصصة ومؤهلة لاستعادة الآثار، ولا موارد وموازنات كافية».
وعلى خلاف هذه الرؤية، يعتقد هشام علي الثور، مستشار الهيئة اليمنية العامة للآثار، أنه استناداً إلى القوانين اليمنية والمعاهدات الدولية والثنائية، وبحسب الاتفاقيات الدولية مع الجهات الأممية ذات العلاقة، والخاصة بإعادة الممتلكات الثقافية لبلدانها الأصلية، فإن اليمن قادر على استعادة آثاره المهربة؛ إذ إنه موقِّع على «اتفاقية لاهاي» عام 1954، وملحقاتها الخاصة بمنع تصدير الممتلكات الثقافية، والبروتوكول الخاص بحماية الممتلكات الثقافية في حالات النزاع المسلح، واتفاقية اليونيسكو للتربية والعلوم والثقافة عام 1972، والمتعلقة بحماية التراث العالمي الثقافي والطبيعي، واتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الجريمة المنظمة.
ومع ذلك، ينتقد الثور عدم تفاعل الجهات الحكومية مع البلاغات ووقف عمليات البيع التي تمت، والتي كان آخرها في الأسبوع الأول من الشهر الحالي. ويؤكد أن اللجنة التنفيذية للرقابة الإلكترونية للقطع الأثرية المنهوبة، المسجلة وغير المسجلة، دعت الجميع داخلياً وخارجياً للتجاوب مع البلاغات والتعاميم الرسمية ورقياً وإلكترونياً، من قبلها للجهات ذات العلاقة داخلياً ودولياً، عبر اليونيسكو والإنتربول الدولي وعدم تجاهلها، حتى لا يتم إسقاط أحقية اليمن في استرداد واستعادة ما تم تهريبه إلى الخارج من الممتلكات الثقافية المسجلة أو غير المسجلة، في سنوات الحروب والعقود الخمسة الماضية.

استمرار البيع
تظهر إعلانات البيع أن مزاد «أرتكوريال» في باريس، باع في 17 ديسمبر (كانون الأول) 2015، قطعة أثرية تعود إلى أواخر الألفية الأولى قبل الميلاد. وهي رأس منمق بشعر يمر خلف الأذنين، يتدلى على طول العنق، وأنف مستقيم، وحواجب مقوسة غائرة، وعينين مطعمتين بالخزف أو الزجاج الأزرق والأبيض. وهذه القطعة كانت ضمن مقتنيات «إدموند م.» اشتراها في الثمانينات.
كما شهد مزاد معرض «أرتميس» في 13 فبراير (شباط) 2020، بيع تمثال ثور برونزي، عمره 3000 عام، وهو عبارة عن تمثال صغير من البرونز المصبوب، لثور واقف بأربعة أرجل، ممتلئ الجسم، وذيل كثيف ملفوف فوق الجزء الخلفي. ويتميز الرأس المنمق بعيون صغيرة، والتمثال يعود إلى أوائل الألفية الأولى قبل الميلاد، وكان بحوزة مجموعة الساحل الشرقي في الولايات المتحدة الأميركية، وتم الحصول عليه في الستينات.
مصادر عاملة في هيئة الآثار في مناطق سيطرة الميليشيات الحوثية، ذكرت لـ«الشرق الأوسط» أن هذه المناطق تشهد عمليات تهريب ونبش للمواقع الأثرية بصورة لم تعرفها البلاد منذ البدء في عمليات التنقيب في خمسينات القرن الماضي، وبالذات في محافظة إب التي توجد بها عاصمة الدولة الحميرية، ومحافظة الجوف التي كانت عاصمة لدولة معين وعاصمتها براقش، ومديرية صرواح في غرب محافظة مأرب، والتي تعد من المواقع الأثرية المهمة في المحافظة.
ويتم ذلك –وفق المصادر- بالتوازي مع نشاط ملحوظ في تجارة القطع الأثرية وتهريبها؛ حيث ساعد في ذلك إلغاء الحماية العسكرية عن كل المواقع الأثرية، ونظرة الميليشيات الحوثية إلى الآثار باعتبارها رموزاً جاهلية لا تستحق أي اهتمام، وينبغي عدم الاعتزاز بها.


مقالات ذات صلة

غروندبرغ يتحدث عن «نقاش جوهري» مع العليمي ويدعو لتقديم التنازلات

العالم العربي غروندبرغ يتحدث عن «نقاش جوهري» مع العليمي ويدعو لتقديم التنازلات

غروندبرغ يتحدث عن «نقاش جوهري» مع العليمي ويدعو لتقديم التنازلات

وصف المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الخميس) اللقاء الذي جمعه برئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني رشاد العليمي في عدن بـ«المثمر والجوهري»، وذلك بعد نقاشات أجراها في صنعاء مع الحوثيين في سياق الجهود المعززة للتوصل إلى تسوية يمنية تطوي صفحة الصراع. تصريحات المبعوث الأممي جاءت في وقت أكدت فيه الحكومة اليمنية جاهزيتها للتعاون مع الأمم المتحدة والصليب الأحمر لما وصفته بـ«بتصفير السجون» وإغلاق ملف الأسرى والمحتجزين مع الجماعة الحوثية. وأوضح المبعوث في بيان أنه أطلع العليمي على آخر المستجدات وسير المناقشات الجارية التي تهدف لبناء الثقة وخفض وطأة معاناة اليمنيين؛ تسهيلاً لاستئناف العملية السياسية

علي ربيع (عدن)
العالم العربي الحوثيون يفرجون عن فيصل رجب بعد اعتقاله 8 سنوات

الحوثيون يفرجون عن فيصل رجب بعد اعتقاله 8 سنوات

في خطوة أحادية أفرجت الجماعة الحوثية (الأحد) عن القائد العسكري اليمني المشمول بقرار مجلس الأمن 2216 فيصل رجب بعد ثماني سنوات من اعتقاله مع وزير الدفاع الأسبق محمود الصبيحي شمال مدينة عدن، التي كان الحوثيون يحاولون احتلالها. وفي حين رحب المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ بالخطوة الحوثية الأحادية، قابلتها الحكومة اليمنية بالارتياب، متهمة الجماعة الانقلابية بمحاولة تحسين صورتها، ومحاولة الإيقاع بين الأطراف المناهضة للجماعة. ومع زعم الجماعة أن الإفراج عن اللواء فيصل رجب جاء مكرمة من زعيمها عبد الملك الحوثي، دعا المبعوث الأممي في تغريدة على «تويتر» جميع الأطراف للبناء على التقدم الذي تم إنجازه

علي ربيع (عدن)
العالم العربي أعداد اللاجئين الأفارقة إلى اليمن ترتفع لمعدلات ما قبل الجائحة

أعداد اللاجئين الأفارقة إلى اليمن ترتفع لمعدلات ما قبل الجائحة

في مسكن متواضع في منطقة البساتين شرقي عدن العاصمة المؤقتة لليمن، تعيش الشابة الإثيوبية بيزا ووالدتها.

محمد ناصر (عدن)
العالم العربي كيانات الحوثيين المالية تتسبب في أزمة سيولة نقدية خانقة

كيانات الحوثيين المالية تتسبب في أزمة سيولة نقدية خانقة

فوجئ محمود ناجي حين ذهب لأحد متاجر الصرافة لتسلّم حوالة مالية برد الموظف بأن عليه تسلّمها بالريال اليمني؛ لأنهم لا يملكون سيولة نقدية بالعملة الأجنبية. لم يستوعب ما حصل إلا عندما طاف عبثاً على أربعة متاجر.

محمد ناصر (عدن)
العالم العربي تحذيرات من فيضانات تضرب اليمن مع بدء الفصل الثاني من موسم الأمطار

تحذيرات من فيضانات تضرب اليمن مع بدء الفصل الثاني من موسم الأمطار

يجزم خالد محسن صالح والبهجة تتسرب من صوته بأن هذا العام سيكون أفضل موسم زراعي، لأن البلاد وفقا للمزارع اليمني لم تشهد مثل هذه الأمطار الغزيرة والمتواصلة منذ سنين طويلة. لكن وعلى خلاف ذلك، فإنه مع دخول موسم هطول الأمطار على مختلف المحافظات في الفصل الثاني تزداد المخاطر التي تواجه النازحين في المخيمات وبخاصة في محافظتي مأرب وحجة وتعز؛ حيث تسببت الأمطار التي هطلت خلال الفصل الأول في مقتل 14 شخصا وإصابة 30 آخرين، كما تضرر ألف مسكن، وفقا لتقرير أصدرته جمعية الهلال الأحمر اليمني. ويقول صالح، وهو أحد سكان محافظة إب، لـ«الشرق الأوسط» عبر الهاتف، في ظل الأزمة التي تعيشها البلاد بسبب الحرب فإن الهطول ال

محمد ناصر (عدن)

محمد حيدر... «البرلماني الأمني» والقيادي الاستراتيجي في «حزب الله»

صورة متداولة لمحمد حيدر
صورة متداولة لمحمد حيدر
TT

محمد حيدر... «البرلماني الأمني» والقيادي الاستراتيجي في «حزب الله»

صورة متداولة لمحمد حيدر
صورة متداولة لمحمد حيدر

خلافاً للكثير من القادة الذين عاشوا في الظل طويلا، ولم يفرج عن أسمائهم إلا بعد مقتلهم، يعتبر محمد حيدر، الذي يعتقد أنه المستهدف بالغارة على بيروت فجر السبت، واحداً من قلائل القادة في «حزب الله» الذين خرجوا من العلن إلى الظل.

النائب السابق، والإعلامي السابق، اختفى فجأة عن مسرح العمل السياسي والإعلامي، بعد اغتيال القيادي البارز عماد مغنية عام 2008، فتخلى عن المقعد النيابي واختفت آثاره ليبدأ اسمه يتردد في دوائر الاستخبارات العالمية كواحد من القادة العسكريين الميدانيين، ثم «قائداً جهادياً»، أي عضواً في المجلس الجهادي الذي يقود العمل العسكري للحزب.

ويعتبر حيدر قائداً بارزاً في مجلس الجهاد في الحزب. وتقول تقارير غربية إنه كان يرأس «الوحدة 113»، وكان يدير شبكات «حزب الله» العاملة خارج لبنان وعين قادة من مختلف الوحدات. كان قريباً جداً من مسؤول «حزب الله» العسكري السابق عماد مغنية. كما أنه إحدى الشخصيات الثلاث المعروفة في مجلس الجهاد الخاص بالحزب، مع طلال حمية، وخضر يوسف نادر.

ويعتقد أن حيدر كان المستهدف في عملية تفجير نفذت في ضاحية بيروت الجنوبية عام 2019، عبر مسيرتين مفخختين انفجرت إحداهما في محلة معوض بضاحية بيروت الجنوبية.

عمال الإنقاذ يبحثون عن ضحايا في موقع غارة جوية إسرائيلية ضربت منطقة البسطة في قلب بيروت (أ.ب)

ولد حيدر في بلدة قبريخا في جنوب لبنان عام 1959، وهو حاصل على شهادة في التعليم المهني، كما درس سنوات عدة في الحوزة العلمية بين لبنان وإيران، وخضع لدورات تدريبية بينها دورة في «رسم وتدوين الاستراتيجيات العليا والإدارة الإشرافية على الأفراد والمؤسسات والتخطيط الاستراتيجي، وتقنيات ومصطلحات العمل السياسي».

بدأ حيدر عمله إدارياً في شركة «طيران الشرق الأوسط»، الناقل الوطني اللبناني، ومن ثم غادرها للتفرغ للعمل الحزبي حيث تولى مسؤوليات عدة في العمل العسكري أولاً، ليتولى بعدها موقع نائب رئيس المجلس التنفيذي وفي الوقت نفسه عضواً في مجلس التخطيط العام. وبعدها بنحو ثماني سنوات عيّن رئيساً لمجلس إدارة تلفزيون «المنار».

انتخب في العام 2005، نائباً في البرلمان اللبناني عن إحدى دوائر الجنوب.