السودان: مخاوف من التشظي في حروب قبلية مدارة سياسياً

يتساكن في النيل الأزرق السكان الأصليون والوافدون من ولايات و«هوسا» ذات الامتداد النيجيري

محتجون من قبيلة «الهوسا» في مدينة الأُبَيض حاضرة إقليم كردفان أمس (أ.ف.ب)
محتجون من قبيلة «الهوسا» في مدينة الأُبَيض حاضرة إقليم كردفان أمس (أ.ف.ب)
TT

السودان: مخاوف من التشظي في حروب قبلية مدارة سياسياً

محتجون من قبيلة «الهوسا» في مدينة الأُبَيض حاضرة إقليم كردفان أمس (أ.ف.ب)
محتجون من قبيلة «الهوسا» في مدينة الأُبَيض حاضرة إقليم كردفان أمس (أ.ف.ب)

قبل أن يفيق السودانيون من صدمة القتال الأهلي الجاري في ولاية غرب دارفور، فإذا هم يفاجأون بالعنف الذي يحمل «البصمة» ذاتها، يتفجر في ولاية النيل الأزرق، ويؤدي لمقتل العشرات وإصابة المئات بجراح، ونزوح الآلاف إلى خارج مناطقهم، هرباً من الاشتباكات المسلحة التي شبت بين مجموعتي «هوسا» و«همج» وقبائل «أنقسنا» المتساكنين في الإقليم منذ مئات السنين، قبل أن يتمدد إلى عدد من ولايات السودان الأخرى، بما فيها العاصمة الخرطوم.
بدأ الصراع أول الأمر بحملات تحريض موسعة بين المجموعتين، إثر منح مجموعة «هوسا» «النظارة»، وهي أعلى الإدارة الأهلية في المنطقة المحددة، ويخضع لها عدد من «العموديات»، وعادة ما يكون لـ«النظارة» أرض تخصها يطلق عليها محلياً «حاكورة». وقفت ضد هذا التوجه، المكونات التي تزعم أنها من «السكان الأصليين»، وهم ضد «الهوسا» الذين يعدونهم من الوافدين، ثم تطور إلى نزاع دامٍ بين المجموعتين، قتل فيه حتى اللحظة العشرات. وتداعت قبيلة «هوسا» في كل أنحاء السودان لنصرة منسوبيها، وخرجت مظاهرات منددة بما حدث لمجموعتهم في النيل الأزرق.
وتتساكن في النيل الأزرق مجموعة «السكان الأصليين»، وهم قبائل «الأنقسنا»، و«الهمج»، و«الوطاويط»، إلى جانب مجموعة من الوافدين من الولايات الأخرى، إضافة إلى قبيلة «هوسا» ذات الامتداد النيجيري، والتي وفدت إلى السودان قبل مئات السنين، وأصبحت جزءاً من نسيجه الاجتماعي، وتشكل ثقلاً ديموغرافياً كبيراً في الولاية.
وظلت هذه المجموعات متعايشة بسلام منذ الدولة السنارية التي تأسست عام 1504؛ لكن بعد نشوب التمرد الجنوبي اختارت مجموعة من القبائل الانحياز لجنوب السودان في الحرب الأهلية، بينما ظلت القبائل الأخرى على انتمائها للمركز في الخرطوم، ومن هنا دخلت السياسة أسوار القبلية، وتطور الصراع من صراع على الموارد إلى صراع «سياسة» ونفوذ.
وعندما استولى «نظام الإخوان» على السلطة بانقلاب الرئيس المعزول عمر البشير على الحكم في السودان 1989، اشتغلوا على سياسة إعادة التخطيط الاجتماعي والديموغرافي في السودان، فأعادوا للإدارة الأهلية سطوتها التي فقدتها في عهد حكم الرئيس الأسبق جعفر النميري، وسعت لتوظيفها سياسياً، فقربت بعض المجموعات القبلية على حساب مجموعات أخرى.
واشتغل الإنقاذيون على المجموعة العربية ضد المجموعات الأفريقية المعروفة بـ«الزرقة»، ونتج عن ذلك حرب دارفور، ثم انتقلت بهذه السياسة (فرق تسد) إلى شرق البلاد وجنوبها؛ بل ووسطها، قبل أن تؤدي تلك السياسة لفصل جنوب السودان في عام 2011، وتكوين دولته المستقلة.
بعد هدوء نسبي للنزاعات القبلية والأهلية في السودان بعد ثورة ديسمبر (كانون الأول) 2018، فإن باستيلاء الجيش على السلطة مجدداً في 25 أكتوبر (تشرين الأول) 2021، عادت السياسات القديمة بحثاً عن تأييد ومرجعية سياسية، ما أدى لتأجيج النزاعات القبلية مجدداً، فاندلعت نزاعات دامية في ولاية غرب دارفور، برغم توقيع اتفاقية سلام جوبا، ومشاركة قادة التمرد الدارفوري في الحكم.
وتشير تقارير صحافية إلى «أصابع» قادة عسكريين، وعلى وجه الخصوص من «قوات الدعم السريع»، ومن الجيش، وهي تتلاعب بالأحداث في دارفور مجدداً، مدعومة بتحالفها مع الحركات المسلحة عدوها السابق، ومحاولاتهم المستميتة لإعادة تعيين الخريطة الديموغرافية في الإقليم وملكية الأراضي، وأدى ذلك لصدامات مسلحة بين المجموعة الأفريقية والعربية تحت ذريعة الصراع التقليدي، ونتج عنها مقتل المئات وجرح ونزوح الآلاف مجدداً.
ونقلت تقارير صحافية محلية أن أحداث النيل الأزرق ما هي إلا تمظهر لـ«الأصابع» التي تلاعبت بالتركيبة القبلية والسكانية في دارفور، بدعم مجموعات سكانية على حساب مجموعات أخرى، وهو ما دفع الحزب الشيوعي السوداني لتوجيه اتهامات مباشرة لـ«الحركة الشعبية لتحرير السودان» جناح مالك عقار، عضو مجلس السيادة الحالي، بمحاولة استمالة مجموعة «هوسا» ذات الكثافة السكانية الكبيرة لجانبه، وفي سبيل ذلك وعدهم بـ«نظارة» على حساب النظارات التقليدية في المنطقة التي تقوم على الأرض.
من جهته، حمّل رئيس الحزب «الاتحادي الموحد» وأحد قادة ثورة ديسمبر البارزين، محمد عصمت، المسؤولية عن اشتعال الحرائق في ولايات النيل الأزرق والبحر الأحمر وغرب دارفور، ومن ثم كسلا، مباشرة على «النظام الانقلابي» وأنصاره من أنصار النظام البائد وحلفائهم، لتحقيق غرض استمرار السلطة الانقلابية القادرة على بسط الأمن.
وتوقع عصمت أن تسارع السلطة الحاكمة خلال الأيام القليلة القادمة إلى فرض حالة الطوارئ مرة أخرى بعد أن رفعتها صورياً، وقال: «ربما نشهد تعيين حكام عسكريين للولايات، بما يمكّن الجيش من بسط سلطته، وتصدير فكرة إلى الشعب السوداني وللمجتمع الدولي تقول إن الأوضاع في البلاد لا تحتمل غير سلطة قادرة على بسط الأمن».
وأسند عصمت فكرته إلى «غياب الأجهزة الأمنية» ومماطلتها في التحسب للأحداث وإخمادها قبل اشتعالها، وأضاف: «هذا يعني أن السلطة قد أغمضت عيونها الأمنية عن هذه الأحداث المتوقعة، ما أدى لنشوب اشتباكات قبلية بشكل شبه يومي؛ بل دخول أطراف قبلية لم تكن جزءاً من الصراعات القبلية المتوارثة».
واتهم القيادي البارز «السلطة المركزية» بتوزيع «هبات إدارية» على قيادات الإدارة الأهلية من «نظار وعمد وشراتي» من الموالين لها، محاولة بذلك تعظيم دورها السياسي، في الوقت الذي تحرم فيه بعض القبائل من «رتب» النظارات والعمد والشراتي، وقال: «وجهت قيادات من المجلس الأعلى للبجا والنظارات المستقلة، اتهامات مباشرة وصريحة لمسؤولين كبار بتقديم (رشاوى) لبعض أفراد وقيادات التنظيم، وذلك أحدث شرخاً واضحاً بين أبناء البجا في الشرق».
ورأى عصمت أن ما يحدث بكل معطياته: «يقودنا إلى أن السلطة الحاكمة تسعى من وراء هذه الأحداث إلى إشعال الحرائق في السودان، حتى تستطيع تهيئة الأجواء لاستمرار الانقلاب»، والأسبوع الماضي اتهمت مجموعة داخل المجلس الأعلى لنظارات البجا والعموديات المستقلة، عرفت بمجموعة «أوبشار»، مسؤولاً كبيراً في الدولة بدفع رشاوى لتفتيت المجلس، وقالت إن مستشاري هذا المسؤول يوزعون الأموال والرشى على شباب في الشرق عبر التطبيقات البنكية، لزيادة الشقة بين أطراف البجا، وانحياز متلقي الرشاوى لطرف دون الآخر.
إلى جانب ما أفاد به عصمت، فإن لجان المقاومة في مدينة الدمازين، حاضرة «النيل الأزرق»، اتهمت الأجهزة الأمنية بـ«التقصير» والتقاعس عن دورها في الحماية الاستباقية للمواطنين وحفظ أمنهم وسلامتهم، وإيقاف فتيل الفتنة والفرقة، واعتبرتها «شريكاً أساسياً في إزهاق أرواح المواطنين العزل»، واعتبرت تصرفها استمراراً لسياسات سابقة وسيرهم في خطى ونهج «نظام الكيزان الساقط، بافتعاله الدائم للفتن والصراعات القبلية لتمرير أو خلق توازنات سياسية جديدة».
لم تتحرك القوات الأمنية لدرء الفتنة إلا بعد مرور أيام من القتل والاحتراب، وهو ما وصفته لجان المقاومة بـ«السكوت المتعمد من قبل سلطات حاكم الإقليم»، واعتبرت القرارات المتأخرة الصادرة من سلطة الأمر الواقع «هروباً للأمام، ومحاولة لتعليق المسؤولية في شماعة غيرها»، وهذا ما أكده ظهور رئيس أركان الجيش وإعلانه «التزام القوات المسلحة بواجباتها الدستورية ومهامها الوطنية بحماية البلاد، وعدم التفريط في أمنها واستقرارها»، «بعد أن بلغ الدم الركب».
ويتهم كثيرون قوات الجيش والشرطة، بأنها لم تتحرك إلا بعد أيام من القتال في النيل الأزرق، ولم تتحرك إلا بعد أسابيع من القتال في غرب دارفور، وأسابيع من القتال في جنوب كردفان؛ بل وفقاً للمعارضة فإنها تواطأت مع أحداث الشرق، ليكتمل هلال التوتر على طول غرب وجنوب وشرق السودان؛ بل وامتد حتى إلى بعض الوسط والشمال، ولوحظت بوادر نزاع في «البطانة» ضد موالين لحركة مسلحة، واضطراب بين مجموعات سكانية في شمال السودان ومجموعات وافدة.
وقال المحلل السياسي أحمد خليل، إن «السلطة في الخرطوم وظفت التوتر القبلي لإشعال حروب أهلية بين من أطلق عليهم مجموعات أحفاد سلاطين (الأنقسنا) وقبيلة (هوسا)». وأضاف: «(الهوسا) بحكم طبيعتهم مسالمون ونشطون، ويعملون في النشاط الاقتصادي والخدمي، ما جعلهم يسيطرون على الاقتصاد والتجارة في الإقليم، وهو الأمر الذي يثير على الدوام حفيظة بقية المكونات».
وتعد مجموعة «هوسا» من أهم قبائل أفريقيا، ويبلغ عديدها في كل القارة أكثر من عشرة ملايين، وتعيش في حزام يمتد في نيجيريا والسنغال والسودان، وقد قدموا إلى السودان منذ مئات السنين، بعضهم على شكل هجرات جماعية وبعضهم عن طريق الحج الذي يعبر من غرب أفريقيا إلى الأراضي المقدسة، ويبلغ عددهم في السودان نحو 3 ملايين، يدينون بالإسلام على الطريقة «التجانية»، وتمتد أماكنهم من دارفور إلى النيل الأزرق والقضارف وكسلا وسنار، وأسهموا بشكل كبير في رفع الوعي الديني بتشييد «الخلاوي» لتحفيظ القرآن الكريم، والتي تطورت في وقت لاحق للتعليم النظامي.
ويجمع المراقبون والمحللون والمعارضون على أن أحداث الدمازين ليست معزولة؛ بل هي جزء من سياسة «شد الأطراف» المدروسة والمخططة، ويقولون إنها تمتد في حزام قاعدته في دارفور، يمر بجنوب كردفان والنيل الأزرق وكسلا والقضارف، ليبلغ بورتسودان في أقصى الشرق، حين يندلع القتال في أحد أطرافه سرعان ما تتمدد نيرانه في الهشيم العشائري محدثاً حرائق هائلة، وقبل أن تنطفئ النار القديمة، يقدح زناده من يمسك «الريموت» في الخرطوم ليشعل حرباً جديدة.


مقالات ذات صلة

الرياض تكثف اتصالاتها لوقف التصعيد في السودان

شمال افريقيا الرياض تكثف اتصالاتها لوقف التصعيد في السودان

الرياض تكثف اتصالاتها لوقف التصعيد في السودان

كثَّفت المملكة العربية السعودية، جهودَها الدبلوماسية لوقف التصعيد في السودان، إلى جانب مساعداتها لإجلاء آلاف الرعايا من أكثر من مائة دولة عبر ميناء بورتسودان. وأجرى وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان، أمس، اتصالات هاتفية، مع الأمين العام لجامعة الدول العربية أحمد أبو الغيط، ووزير الخارجية الجيبوتي محمود علي يوسف، بحث خلالها الجهود المبذولة لوقف التصعيد العسكري بين الأطراف السودانية، وإنهاء العنف، وتوفير الحماية اللازمة للمدنيين، بما يضمن أمنَ واستقرار ورفاه السودان وشعبه.

شمال افريقيا «أمانة» السعودية تجلي 1765 شخصاً لـ32 دولة من السودان

«أمانة» السعودية تجلي 1765 شخصاً لـ32 دولة من السودان

نقلت سفينة «أمانة» السعودية، اليوم (الخميس)، نحو 1765 شخصاً ينتمون لـ32 دولة، إلى جدة، ضمن عمليات الإجلاء التي تقوم بها المملكة لمواطنيها ورعايا الدول الشقيقة والصديقة من السودان، إنفاذاً لتوجيهات القيادة. ووصل على متن السفينة، مساء اليوم، مواطن سعودي و1765 شخصاً من رعايا «مصر، والعراق، وتونس، وسوريا، والأردن، واليمن، وإريتريا، والصومال، وأفغانستان، وباكستان، وأفغانستان، وجزر القمر، ونيجيريا، وبنغلاديش، وسيريلانكا، والفلبين، وأذربيجان، وماليزيا، وكينيا، وتنزانيا، والولايات المتحدة، وتشيك، والبرازيل، والمملكة المتحدة، وفرنسا، وهولندا، والسويد، وكندا، والكاميرون، وسويسرا، والدنمارك، وألمانيا». و

«الشرق الأوسط» (جدة)
شمال افريقيا مصريون يسهمون في إغاثة النازحين عند المعابر الحدودية

مصريون يسهمون في إغاثة النازحين عند المعابر الحدودية

بعد 3 أيام عصيبة قضتها المسنة السودانية زينب عمر، بمعبر «أشكيت» من دون مياه نظيفة أو وجبات مُشبعة، فوجئت لدى وصولها إلى معبر «قسطل» المصري بوجود متطوعين مصريين يقدمون مياهاً وعصائر ووجبات جافة مكونة من «علب فول وتونة وحلاوة وجبن بجانب أكياس الشيبسي»، قبل الدخول إلى المكاتب المصرية وإنهاء إجراءات الدخول المكونة من عدة مراحل؛ من بينها «التفتيش، والجمارك، والجوازات، والحجر الصحي، والكشف الطبي»، والتي تستغرق عادة نحو 3 ساعات. ويسعى المتطوعون المصريون لتخفيف مُعاناة النازحين من السودان، وخصوصاً أبناء الخرطوم الفارين من الحرب والسيدات والأطفال والمسنات، بالتعاون مع جمعيات ومؤسسات أهلية مصرية، على غر

شمال افريقيا الأمم المتحدة تطلب 445 مليون دولار لمساعدة الفارين من السودان

الأمم المتحدة تطلب 445 مليون دولار لمساعدة الفارين من السودان

أعلنت الأمم المتحدة، الخميس، أنها تحتاج إلى 445 مليون دولار لمساعدة 860 ألف شخص توقعت أن يفروا بحلول أكتوبر (تشرين الأول) المقبل من القتال الدامي في السودان بين الجيش وقوات الدعم السريع. وأطلقت مفوضية الأمم المتحدة السامية لشؤون اللاجئين هذا النداء لجمع الأموال من الدول المانحة، مضيفة أن مصر وجنوب السودان سيسجّلان أكبر عدد من الوافدين. وستتطلب الاستجابة للأزمة السودانية 445 مليون دولار حتى أكتوبر؛ لمواجهة ارتفاع عدد الفارين من السودان، بحسب المفوضية. وحتى قبل هذه الأزمة، كانت معظم العمليات الإنسانية في البلدان المجاورة للسودان، التي تستضيف حالياً الأشخاص الفارين من البلاد، تعاني نقصاً في التمو

«الشرق الأوسط» (جنيف)
شمال افريقيا الصراع في الخرطوم يوجّه ضربة جديدة للاقتصاد

الصراع في الخرطوم يوجّه ضربة جديدة للاقتصاد

وجّه الصراع المحتدم الذي يعصف بالسودان ضربة قاصمة للمركز الرئيسي لاقتصاد البلاد في العاصمة الخرطوم. كما عطّل طرق التجارة الداخلية، مما يهدد الواردات ويتسبب في أزمة سيولة. وفي أنحاء مساحات مترامية من العاصمة، تعرضت مصانع كبرى ومصارف ومتاجر وأسواق للنهب أو التخريب أو لحقت بها أضرار بالغة وتعطلت إمدادات الكهرباء والمياه، وتحدث سكان عن ارتفاع حاد في الأسعار ونقص في السلع الأساسية. حتى قبل اندلاع القتال بين طرفي الصراع في 15 أبريل، عانى الاقتصاد السوداني من ركود عميق بسبب أزمة تعود للسنوات الأخيرة من حكم الرئيس السابق عمر البشير واضطرابات تلت الإطاحة به في عام 2019.

«الشرق الأوسط» (الخرطوم)

ليبيا تستكشف حلاً لأزمتها مع قدوم «الساكن الجديد للبيت الأبيض»

بعد حسم نتائج الانتخابات... يتساءل جل الليبيين عن مدى قدرة ترمب على حلحلة أزمة بلادهم المستعصية (رويترز)
بعد حسم نتائج الانتخابات... يتساءل جل الليبيين عن مدى قدرة ترمب على حلحلة أزمة بلادهم المستعصية (رويترز)
TT

ليبيا تستكشف حلاً لأزمتها مع قدوم «الساكن الجديد للبيت الأبيض»

بعد حسم نتائج الانتخابات... يتساءل جل الليبيين عن مدى قدرة ترمب على حلحلة أزمة بلادهم المستعصية (رويترز)
بعد حسم نتائج الانتخابات... يتساءل جل الليبيين عن مدى قدرة ترمب على حلحلة أزمة بلادهم المستعصية (رويترز)

عقب معركة انتخابات رئاسية أميركية انتهت بفوز دونالد ترمب بالرئاسة، يستكشف سياسيون ليبيون آفاق حل أزمة بلادهم الممتدة منذ سنوات، وسط تباين تقديراتهم بشأن أداء البيت الأبيض حيال ليبيا، في ظل إدارة جديدة.

والانتخابات الرئاسية الأميركية الجديدة هي الرابعة، التي مرّت على الليبيين منذ اندلاع أزمتهم عام 2011، وتتزامن مع جمود سياسي في ليبيا، تتقاسمه حكومتان: الأولى تتمركز في غرب البلاد وتسمى حكومة الوحدة «المؤقتة» برئاسة عبد الحميد الدبيبة، وأخرى في الشرق مكلفة من مجلس النواب، وتسمى «الاستقرار» برئاسة أسامة حماد.

* ثبات السياسة الأميركية

قد ينحصر اهتمام الليبيين بتوجهات الرئيس الأميركي الجديد في طبقتين سياسيتين: الأولى، وفق نائب رئيس حزب الشعب الحر، محمد مخلوف، هي «الحكومة والمجلس التشريعي»، أمّا الأخرى فتتمثل في «الأحزاب والنشطاء والأكاديميين والباحثين والتجار».

أعضاء بالمجلس الرئاسي الليبي (أرشيفية)

واستبق المبعوث الأميركي ريتشارد نورلاند والقائم بالأعمال جريمي برنت انتخابات البيت الأبيض بسلسلة لقاءات معتادة مع وزراء وفاعلين سياسيين ليبيين خلال الأيام الماضية، بينما كان التحرك الأبرز على مستوى تواصل واشنطن مع الأطراف الليبية هو لقاءات رئيس مجلس النواب الليبي، عقيلة صالح، مع مسؤولين بوزارة الخارجية الأميركية في واشنطن في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي.

وفي مقابل تساؤلات متابعين عن مصير اتصالات الأطراف السياسية الليبية مع الإدارة الأميركية الجديدة، توقع عضو مجلس النواب، الصالحين عبد النبي، «استمرار التواصل بين مجلس النواب والإدارة الأميركية الجديدة»، موضحاً لـ«الشرق الأوسط» أن السياسة الأميركية «ثابتة تجاه ليبيا والعالم العربي، ولا تتغير بتعاقب الإدارات».

رئيس مجلس النواب الليبي خلال لقاء مع القائم بأعمال وكيل وزارة الخارجية الأميركية جون باس في واشنطن (مجلس النواب)

في سياق ذلك، يبدي سياسيون ليبيون قلقاً من انعكاسات نتائج انتخابات الرئاسة الأميركية على مستقبل الأزمة الليبية، من بينهم عضو المجلس الأعلى للدولة، أبو القاسم قزيط، الذي أبدى تحفظاً حيال الرئيس الأميركي المنتخب، رغم أنه يستبعد «تعاطف أي من الحزبين الديمقراطي والجمهوري مع الأزمة في ليبيا».

وعبر قزيط عن مخاوف من «مفاجآت ترمب»، مشيراً، في تصريحات لـ«الشرق الأوسط»، إلى «الحاجة إلى رزانة أي رئيس أميركي، باعتبار أن قراراته تنعكس على ملايين الناس في العالم، وليس ليبيا وحدها»، متوقعاً أن يمضي الرئيس الجديد وفق «منطق الصفقة؛ حيث سيكون جامحاً أكثر مما شهدته فترته الرئاسية السابقة»، واعتبر في هذا السياق أن ترمب «ليس لديه ما يخسره».

وسبق أن اندلعت عاصفة جدل في الفترة الرئاسية الأولى لترمب، إثر مكالمة هاتفية أجراها في أبريل (نيسان) 2019 مع القائد العام لـ«الجيش الوطني»، خليفة حفتر، وهو ما فسّره البعض حينها بـ«انحيازه لمعسكر حفتر».

عبد الحميد الدبيبة رئيس حكومة الوحدة (حكومة الوحدة)

في الوقت نفسه، لا تغيب عن حسابات بعض السياسيين الليبيين انعكاسات وصول ساكن جديد للبيت الأبيض على الدور الروسي في بلادهم، إذ لا يستبعد رئيس حزب التغيير الليبي، جمعة القماطي، أن «يهتم ترمب كثيراً بالتغلغل الروسي في ليبيا، بل سيعقد صفقات مع روسيا»، بحسب تصوره.

وتنطلق رؤية القماطي من فرضية أن «فوز ترمب قد يحمل انسحاباً أميركياً أكبر من الملف الليبي، في ضوء نهج سابق لترمب يرى أن الصين، وليست روسيا، هي الخصم والخطر الأول».

وفي المقابل، فإن «إدارة جو بايدن كانت ترى في تغلغل خصمها الرئيسي روسيا أكبر تحدٍّ في ليبيا»، حسب رئيس حزب التغيير لـ«الشرق الأوسط».

وخلال الأشهر القليلة الماضية، ازداد الحديث عن اتجاه موسكو لتعزيز وجودها العسكري في ليبيا، وفق تقارير محلية تحدثت أخيراً عن «نقل عتاد عسكري إلى قاعدتي الجفرة وبراك الشاطئ الجويتين في وسط البلاد وجنوبها».

* غياب تأثير الرئيس الجديد

فريق آخر من الساسة الليبيين لا يرى تأثيراً يذكر لتوجهات الرئيس الأميركي الجديد، إذ يبدي نائب رئيس مجلس النواب الليبي، فوزي النويري، دهشته من الحديث عن انعكاس مباشر لذلك على الليبيين.

ويذهب النويري إلى القول إن «الملف الليبي لم يكن ضمن الملفات ذات الأولوية المطروحة على مكتب الرئيس الأميركي، في ظل أي إدارة ديمقراطية أو جمهورية»، ورأى، في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، أن «الليبيين منشغلون في إدارة وتدوير أزمتهم بالتدخلات الخارجية»، ولمّح إلى «ضعف في جهود البعثة الأممية من أجل الوصول لتسوية شاملة ودائمة في ليبيا».

أسامة حماد رئيس الحكومة المكلفة من مجلس النواب (الحكومة)

لكن يبدو أن المواطن الليبي هو «الحاضر الغائب في هذه المعادلة»، وفق نائب رئيس حزب الشعب الحر، الذي أشار لـ«الشرق الأوسط» إلى «عزوف المواطن الليبي عن الاهتمام بشخص الرئيس الجديد لأميركا، لأنها مسألة لا تؤثر على حياته من واقع تجارب سابقة».

في غضون ذلك، رأى مراقبون «غياب اهتمام النشطاء والمدونين الليبيين بانتخابات الرئاسة الأميركية»، وسط انشغال بالأزمة الليبية، وشائعات عن «خفض ضريبة النقد الأجنبي في البلاد».

ورغم تباين التقديرات بشأن موقف الإدارة الأميركية من الملف الليبي، فإن المحك الأول، حسب متابعين، هو تعيين سفير جديد للولايات المتحدة، بعد تعثر إدارة بايدن في تعيين الدبلوماسية الأميركية، جينيفر غافيتو، بعد تأخر استغرق 32 شهراً للبت في قرار تعيينها في المنصب، وربما عودة السفارة إلى طرابلس بعد غياب دام 10 سنوات.