الصراع الداخلي والكيانات الموازية... هل يضعفان الحركة الحوثية أم يعززان قوتها؟

تقدم الجيش الوطني في مأرب (الإعلام العسكري اليمني)
تقدم الجيش الوطني في مأرب (الإعلام العسكري اليمني)
TT

الصراع الداخلي والكيانات الموازية... هل يضعفان الحركة الحوثية أم يعززان قوتها؟

تقدم الجيش الوطني في مأرب (الإعلام العسكري اليمني)
تقدم الجيش الوطني في مأرب (الإعلام العسكري اليمني)

يستمر الصراع داخل الحركة الحوثية في اليمن، ويتخذ العديد من المظاهر والوسائل، ما بين تنافس على مراكز النفوذ والمال، وإنشاء كيانات موازية لمؤسسات الدولة التي تسيطر عليها الميليشيات، وحتى الاغتيالات، إلا أن هذا الصراع، وبرغم قدمه؛ لم يشهد تصعيداً يصل إلى الذروة ليهدد ويضعف بنيتها ووجودها.
الأسبوع الماضي سقط القيادي الحوثي، في مديرية بني حشيش، أبو فضل يحيى منير الحنمي برصاص مجهولين، بالقرب من مطار صنعاء الدولي، واتهمت قبيلته ميليشيا الحوثي بعملية الاغتيال، في حين رجح مراقبون أن حادثة الاغتيال مشهد من مسلسل ما يُعرف بصراع الأجنحة الحوثية.
تعددت الإشارات إلى هذا الصراع، والنتائج المحتملة عنه، وأورد فريق الخبراء الأممي قبل عام نماذج من التنافس بين شخصيات داخل الحركة، متهماً إياهم بالإثراء من الموارد الحكومية والعامة، محدداً محمد علي الحوثي، وأحمد حامد، وعبد الكريم الحوثي، كبناة قواعد للتنافس تم تأمينها بكيانات أمنية تابعة لهم، محذراً من أنها تقوض جهود السلام والعمل الإنساني.
ويرى الباحث السياسي مصطفى ناجي الجبزي، أن تسمية الصراع داخل الحركة الحوثية بصراع الأجنحة غير دقيق، كونها حركة غير واضحة بالشكل الكافي، فهي نشأت وصعدت بالحرب كحركة ذات تراتبية قيادة قتالية، ولا تعبر عن تحالفات سياسية وآيديولوجية واجتماعية، بمعنى أنها جماعة مقاتلة بعقيدة واحدة، لها رأس مقدس وأدوات وظيفية فقط.
ويضيف الجبزي في حديثه لـ«الشرق الأوسط»: «الطابع العسكري هو الغالب على أدوات الحركة الحوثية، فهي لا تمارس السياسة إلا من خلال مقاتلين، وحتى في المفاوضات التي تشارك فيها، يتم إيفاد مقاتلين ميدانيين؛ لأن الكتلة المقاتلة هي المهيمنة، أما الكتلة التي حاولت أن تمارس السياسة فتم تهميشها أو تصفيتها».
ويفسر الجبزي التباينات داخل الحركة الحوثية اجتماعياً، فهي تسببت في فرز طائفي، إلا أن داخلها فرز اجتماعي قائم على تقديس فئة معينة، وما دون هذه الفئة مجرد جنود وأتباع ليس لهم ثقل في مراكز القرار.
ويستدرك: «رغم ذلك ثمة استثناءات؛ حيث تتشكل دوائر ذات بعد مناطقي يقوم على علاقة الريف بالمدينة، فالحوثيون المنتمون إلى محافظة صعدة؛ لهم الحظوة والأفضلية على غيرهم من الحوثيين المنتمين إلى مدن أخرى؛ لكن هناك استثناء لتفضيل القادمين من خارج التيار السلالي في صعدة على من ينتمون لهذا التيار في مدن أخرى».
ويتفق الباحث السياسي فارس البيل مع رؤية الجبزي، في أن طبيعة التنظيمات الآيديولوجية غالباً محكومة بهياكل قيادية صارمة يحكمها الولاء المطلق والانقياد التام؛ حيث إن القيادات الآيديولوجية القائمة على فكرة الدين تحديداً، لا تسمح بوجود توجهات داخلية أو تعدد الأفكار، فتبقى حالة القيادة العليا مقدسة لدى الهياكل الداخلية.
وفي حديثه لـ«الشرق الأوسط» يرى البيل أن طبيعة الصراع الذي تخوضه الميليشيا يجعلها بحاجة للاستعانة بقدرات لم تمتحن ولاءها بشكل كامل، وعدمية مشروع الميليشيا وارتكازه على قيم لا إنسانية ولا أخلاقية، وحالة التكالب على المصالح؛ تؤدي جميعها إلى حالة من الهلع والطمع، ومحاولة اقتناص الغنائم، أو كسب رضا القيادة أو النظام الإيراني.
وهذه التقاطعات -كما يشير- تُنشئ حالة من الصراع الشخصي وإن كان خفياً؛ لكن القرار داخل الجماعة شمولي وصنمي، ولذلك فإن ما يخلق مثل هذه الصراعات، هي الظروف والتطورات والغايات الطارئة، لا المنهجية، ولا وجود أفكار مخالفة.
ويصف نشوء الكيانات الموازية بالسلوك الاستراتيجي للنظام الإيراني داخلياً وخارجياً، والغاية منها خلق دولة داخل الدولة مطلقة الولاء، بعيدة عن المساءلة، وتخدم المشروع بسريتها وأنماطها، ولا يتدخل في نشاطها أحد. وعن تأثير هذا الصراع والكيانات الناشئة بسببه، يُرجح البيل أن يكون عميقاً، فهو يخلق حالة من الانقسام والتشظي في المجتمع، ويحتاج إلى عقود طويلة لمحو آثاره، كما أنه يخلق أنماطاً من المصالح والولاءات والمنافع، يصبح ضررها بالغاً على المديين القريب والبعيد.
إلا أن المؤرخ بلال الطيب يذهب في اتجاه آخر؛ حيث ينظر إلى جماعة الحوثي كعصابة، ومن الطبيعي حدوث الخلافات داخل أجنحتها حسب رأيه؛ خصوصاً في حال التنافس على اقتسام غنائم الحرب الجنونية التي أشعلت فتيلها، متوقعاً أن تكون هذه الخلافات بداية النهاية.
ويلجأ الباحث الطيب أثناء حديثه لـ«الشرق الأوسط» إلى التاريخ، مذكراً بصراع أسلاف الحوثيين بدءاً من الهادي يحيى بن الحسين الرسي في القرن العاشر الميلادي، وأمراء آل شرف الدين في القرن السادس عشر، وأمراء آل حميد الدين في القرن العشرين، الذين انهارت دولهم جميعاً للسبب نفسه.
ويطالب الطيب السلطة الشرعية ومكوناتها بسحب البساط من تحت أقدام الحوثي، والعمل مع شيوخ القبائل، واستمالتهم إلى صفها، وتعزيز حضور الدولة، وتوفير الخدمات الأساسية للمواطنين، وبناء الثقة لديهم، ومساعدتهم على مواجهة الحوثيين.
ويعدد أحد الباحثين في مركز أبحاث مقره العاصمة صنعاء لـ«الشرق الأوسط»، أنواع الصراع، فمنها ما هو عقدي، والذي كانت ضحيته قيادات تم إقصاؤها أو تصفيتها، ومنها ما هو مرتبط بإدارة الحرب والتوسع والمفاوضات، ومنها ما هو صراع غنائم.
وحسب الباحث الذي فضل عدم ذكر اسمه لأسباب شخصية؛ فإن هناك نوعاً خامساً من الصراعات حول صناعة القرار والولاء، ويختلف مع الجبزي والبيل في وصف هذه الصراعات، ويشدد على أنها صراعات أجنحة فعلية، إلا أن تأثيرها على الحركة نسبي، يؤدي إلى إضعافها من جهة، وتقويتها من جهة أخرى.
ويخشى أن هذه الصراعات، وما ينجم عنها من إنشاء كيانات موازية لمؤسسات الدولة؛ تضعف المؤسسات والمجتمع، وتعطل إمكانية حدوث عملية سلام، كون الأجنحة المتصارعة ستتمسك بمكاسبها وغنائمها، وسترفض التخلي عن مراكز النفوذ التي صنعتها.
ويُوَصِّف المرجعيات الحوثية بأنها موزعة بين عبد الملك الحوثي صاحب القرار العسكري، ومحمد علي الحوثي الذي يتولى إدارة المؤسسات التي تسيطر عليها الميليشيا، والتعامل مع القبائل وأي مكونات اجتماعية وسياسية موجودة، في حين يتولى محمد عبد السلام فليتة وعبد الملك العجري الجانب التفاوضي، إلا أن القرار النهائي في كل ذلك يعود إلى عبد الملك الحوثي.
ويضع احتمالين فقط: أن تؤدي هذه التباينات إلى إضعاف الحركة، وذلك عند حدوث تهديد وجودي كالهزائم العسكرية المتتابعة بسرعة، أو أعمال مقاومة عسكرية منظمة وفاعلة في مناطق سيطرتها؛ حيث سيؤدي ذلك إلى تبادل الاتهامات بالخيانة، وقد يتصاعد إلى المواجهات المباشرة، ومحاولة النجاة من خلال التفاوض مع الخصم.
وعن دور إيران في إدارة الصراع داخل الحركة الحوثية؛ استبعد أن تكون لها مصلحة في حدوث تصدعات؛ لكنه يجد لحسن إيرلو، المعين سفيراً لطهران لدى الميليشيات، دوراً في تسوية الخلافات، وإزاحة بعض الشخصيات عن مراكزها لما تمثله من ضرر، وربما يكون قد فشل في هذه المهمة، أو لم ينجزها حتى وفاته. وبالعودة إلى الباحث مصطفى الجبزي؛ فإن الحركة الحوثية انشقاق اجتماعي، وبالتالي فإن أي انشقاق داخلها لا معنى له، ما دامت تعمل بذهنية تفكيك المجتمع، ونشاطها سيؤدي إلى ضعف المجتمع ومكوناته ومؤسساته الرسمية والشعبية والاجتماعية، وهي قد قضت على كل هذه المؤسسات التي يمكن أن تقاومها، وأوجدت مؤسسات بديلة خاصة بها.
ويضرب مثلاً بكيفية بناء الولاءات داخل الحركة الحوثية، بشخصيتَي صالح هبرة وعبد الله الرزامي اللذين كان لهما الفضل في صعود الحركة في بداياتها، إلا أنهما تمت إزاحتهما بسبب عدم انتمائهما إلى التيار الاجتماعي نفسه المكون للحركة؛ حيث يجري استقطاب جيل جديد يؤدي الطاعة لزعيم الحركة.


مقالات ذات صلة

غروندبرغ يتحدث عن «نقاش جوهري» مع العليمي ويدعو لتقديم التنازلات

العالم العربي غروندبرغ يتحدث عن «نقاش جوهري» مع العليمي ويدعو لتقديم التنازلات

غروندبرغ يتحدث عن «نقاش جوهري» مع العليمي ويدعو لتقديم التنازلات

وصف المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الخميس) اللقاء الذي جمعه برئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني رشاد العليمي في عدن بـ«المثمر والجوهري»، وذلك بعد نقاشات أجراها في صنعاء مع الحوثيين في سياق الجهود المعززة للتوصل إلى تسوية يمنية تطوي صفحة الصراع. تصريحات المبعوث الأممي جاءت في وقت أكدت فيه الحكومة اليمنية جاهزيتها للتعاون مع الأمم المتحدة والصليب الأحمر لما وصفته بـ«بتصفير السجون» وإغلاق ملف الأسرى والمحتجزين مع الجماعة الحوثية. وأوضح المبعوث في بيان أنه أطلع العليمي على آخر المستجدات وسير المناقشات الجارية التي تهدف لبناء الثقة وخفض وطأة معاناة اليمنيين؛ تسهيلاً لاستئناف العملية السياسية

علي ربيع (عدن)
العالم العربي الحوثيون يفرجون عن فيصل رجب بعد اعتقاله 8 سنوات

الحوثيون يفرجون عن فيصل رجب بعد اعتقاله 8 سنوات

في خطوة أحادية أفرجت الجماعة الحوثية (الأحد) عن القائد العسكري اليمني المشمول بقرار مجلس الأمن 2216 فيصل رجب بعد ثماني سنوات من اعتقاله مع وزير الدفاع الأسبق محمود الصبيحي شمال مدينة عدن، التي كان الحوثيون يحاولون احتلالها. وفي حين رحب المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ بالخطوة الحوثية الأحادية، قابلتها الحكومة اليمنية بالارتياب، متهمة الجماعة الانقلابية بمحاولة تحسين صورتها، ومحاولة الإيقاع بين الأطراف المناهضة للجماعة. ومع زعم الجماعة أن الإفراج عن اللواء فيصل رجب جاء مكرمة من زعيمها عبد الملك الحوثي، دعا المبعوث الأممي في تغريدة على «تويتر» جميع الأطراف للبناء على التقدم الذي تم إنجازه

علي ربيع (عدن)
العالم العربي أعداد اللاجئين الأفارقة إلى اليمن ترتفع لمعدلات ما قبل الجائحة

أعداد اللاجئين الأفارقة إلى اليمن ترتفع لمعدلات ما قبل الجائحة

في مسكن متواضع في منطقة البساتين شرقي عدن العاصمة المؤقتة لليمن، تعيش الشابة الإثيوبية بيزا ووالدتها.

محمد ناصر (عدن)
العالم العربي كيانات الحوثيين المالية تتسبب في أزمة سيولة نقدية خانقة

كيانات الحوثيين المالية تتسبب في أزمة سيولة نقدية خانقة

فوجئ محمود ناجي حين ذهب لأحد متاجر الصرافة لتسلّم حوالة مالية برد الموظف بأن عليه تسلّمها بالريال اليمني؛ لأنهم لا يملكون سيولة نقدية بالعملة الأجنبية. لم يستوعب ما حصل إلا عندما طاف عبثاً على أربعة متاجر.

محمد ناصر (عدن)
العالم العربي تحذيرات من فيضانات تضرب اليمن مع بدء الفصل الثاني من موسم الأمطار

تحذيرات من فيضانات تضرب اليمن مع بدء الفصل الثاني من موسم الأمطار

يجزم خالد محسن صالح والبهجة تتسرب من صوته بأن هذا العام سيكون أفضل موسم زراعي، لأن البلاد وفقا للمزارع اليمني لم تشهد مثل هذه الأمطار الغزيرة والمتواصلة منذ سنين طويلة. لكن وعلى خلاف ذلك، فإنه مع دخول موسم هطول الأمطار على مختلف المحافظات في الفصل الثاني تزداد المخاطر التي تواجه النازحين في المخيمات وبخاصة في محافظتي مأرب وحجة وتعز؛ حيث تسببت الأمطار التي هطلت خلال الفصل الأول في مقتل 14 شخصا وإصابة 30 آخرين، كما تضرر ألف مسكن، وفقا لتقرير أصدرته جمعية الهلال الأحمر اليمني. ويقول صالح، وهو أحد سكان محافظة إب، لـ«الشرق الأوسط» عبر الهاتف، في ظل الأزمة التي تعيشها البلاد بسبب الحرب فإن الهطول ال

محمد ناصر (عدن)

تنديد أميركي باستمرار احتجاز الحوثيين موظفي المنظمات الدولية

مسلّحون حوثيون خلال تجمع في صنعاء دعا إليه زعيمهم (رويترز)
مسلّحون حوثيون خلال تجمع في صنعاء دعا إليه زعيمهم (رويترز)
TT

تنديد أميركي باستمرار احتجاز الحوثيين موظفي المنظمات الدولية

مسلّحون حوثيون خلال تجمع في صنعاء دعا إليه زعيمهم (رويترز)
مسلّحون حوثيون خلال تجمع في صنعاء دعا إليه زعيمهم (رويترز)

ندَّد السفير الأميركي لدى اليمن، ستيفن فاجن، الجمعة، باستمرار احتجاز الحوثيين الموظفين العاملين في وكالات أممية ومنظمات دولية وبعثات دبلوماسية، وذلك بمناسبة مرور 90 يوماً منذ آخِر حملة اعتقالات شنّتها الجماعة في أوساط الموظفين الإغاثيين.

تنديد السفير الأميركي جاء بعد تصريحات لوزير الإعلام اليمني، معمر الإرياني، أدان فيها انتزاع الحوثيين الاعترافات بالإكراه من موظفي الأمم المتحدة والمنظمات الدولية المعتقلين، وانتقد ما وصفه بـ«تراخي المجتمع الدولي» إزاء انتهاكات الجماعة المدعومة من إيران.

وجاء في بيان السفير فاجن قوله: «يصادف اليوم ذكرى مرور تسعين يوماً على احتجاز الحوثيين موظفين أبرياء يعملون مع الأمم المتحدة، ومنظمات غير حكومية، وبعثات دبلوماسية، وأيضاً أكثر من ألف يوم على الاحتجاز غير القانوني لاثني عشر من الموظفين الحاليين والسابقين التابعين للسفارة الأميركية لدى اليمن على أيادي المجموعة الإرهابية نفسها».

وأضاف البيان: «إن ارتكاب الحوثيين هذه الأفعال ضد مواطنيهم اليمنيين لهو دلالة عميقة على قِصر النظر، والقسوة، واللاإنسانية؛ إذ إن الحوثيين قد فرّقوا بهذه الإجراءات بين هؤلاء المعتقلين وأُسرهم؛ اعتماداً على تُهم وهمية وباطلة لا تتوافق مع واقع حياة هؤلاء الناس الملتزمين بعائلاتهم وباليمن ومستقبله».

وحذَّر فاجن من أن هذه الإجراءات قد تفاقم معاناة اليمنيين الذين يعيشون في مناطق سيطرة الحوثيين، وذلك بالمخاطرة بفقدان المساعدات الإنسانية المهمة.

وشدَّد السفير الأميركي بالقول: «لن نرتاح حتى يعود زملاؤنا اليمنيون بسلام إلى عائلاتهم، ونطالب الحوثيين بإطلاق سراح جميع المعتقلين فوراً».

70 موظفاً إغاثياً

وكانت الجماعة الحوثية قد أطلقت، في يونيو (حزيران) الماضي، موجة اعتقالات شملت 13 موظفاً يمنياً في الوكالات الأممية، وعشرات من موظفي المنظمات الدولية والمحلية العاملة في المجال الإغاثي والإنساني، حيث تحدثت تقارير حقوقية عن اعتقال نحو 70 شخصاً.

ودأبت الجماعة على توجيه تُهم للمعتقلين في المنظمات الأممية والدولية بـ«التخابر والتجسس» لمصلحة الولايات المتحدة، وانتزاع اعترافات بالإكراه تُدين المعتقلين وبثّها عبر وسائل إعلامها.

عدد من سفراء الاتحاد الأوروبي خلال لقائهم في زيارة سابقة إلى عدن رئيس مجلس القيادة اليمني رشاد العليمي (سبأ)

وفي وقت سابق، قال سفراء الاتحاد الأوروبي لدى اليمن، في بيان، إنهم يشعرون بقلق عميق إزاء الاحتجاز التعسفي من قِبل الحوثيين لموظفين لدى الأمم المتحدة والمنظمات غير الحكومية الدولية والمحلية وبعثات دبلوماسية في اليمن.

وأكد السفراء الأوروبيون أن استمرار احتجاز الموظفين الإنسانيين من قِبل الحوثيين دون أي تواصل معهم لأكثر من 90 يوماً حتى الآن، «يعوق بشدة قدرة المجتمع الدولي على مساعدة ملايين اليمنيين المحتاجين إلى المساعدات بشكل عاجل».

وشدّد السفراء على أنهم يدعمون، بشكل كامل، ويؤكدون الدعوات الدولية المتكررة، التي أطلقها الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، للإفراج الفوري وغير المشروط عن المعتقلين في سجون الجماعة الحوثية.

ولم تُفلح، حتى الآن، المطالب الأممية والدولية في إقناع الجماعة الحوثية بالإفراج عن المعتقلين، وسط دعوات الحكومة اليمنية المتكررة لنقل مقارّ الوكالات الأممية والمنظمات الدولية من صنعاء الخاضعة للحوثيين إلى مدينة عدن؛ حيث العاصمة المؤقتة للبلاد.

اعترافات مُفبركة

على خلفية الاعترافات «المفبركة» التي تبثّها الجماعة الحوثية للمعتقلين الموظفين لدى المنظمات الأممية والدولية، وصف وزير الإعلام اليمني، معمر الإرياني، ذلك بأنه «جريمة نكراء».

وقال الإرياني، في تصريح رسمي: «إن ما تنشره ميليشيا الحوثي الإرهابية، التابعة لإيران، من اعترافات متسلسلة ومُفبركة لنخبة المجتمع؛ من أكاديميين وخبراء وموظفين في المنظمات الدولية والمحلية، والبعثات الدبلوماسية، أفنوا حياتهم في خدمة البلد، واستخدامهم بوصفهم مادة للدعاية الإعلامية والبروباغندا السياسية، جريمة نكراء لم يسبق لها مثيل، إذ تكشف عن همجية الجماعة وتخلفها وتجردها من كل القيم والاعتبارات الإنسانية والأخلاقية، واستهانتها واستخفافها باليمنيين»، على حد قوله.

وزير الإعلام اليمني معمر الإرياني (سبأ)

وأوضح الوزير اليمني أن «المتتبع لهذه السلسلة من الاعترافات المُفبركة»، ومضامينها التي قال إنها «تثير السخرية»، يكتشف أن ما يسمى جهاز الأمن والمخابرات، التابع لميليشيا الحوثي، «رسم سيناريو مُسبقاً لمزاعم وجود نشاط استخباراتي أجنبي في اليمن، ثم بحث عن ضحايا لأداء الأدوار في تلك المشاهد الهزيلة لإثبات صحة تلك المزاعم».

وأضاف أن الجماعة قامت بتلقين المعتقلين عبارات الاعتراف، «مقابل وعود بالإفراج عنهم، دون أي اعتبار لأعمارهم ومكانتهم وأدوارهم في خدمة المجتمع، ومشاعر أهاليهم».

وأشار الإرياني إلى أن الهدف مما وصفه بـ«الدعاية السياسية الرخيصة» هو ادعاء أن اليمن كانت قبل انقلاب الحوثي، مسرحاً للتدخلات الأجنبية، وساحةً لنشاط الاستخبارات الدولية، قبل أن يأتي زعيم الجماعة عبد الملك الحوثي لوضع حد لهذا الاختراق.

وإضافة إلى هذا الهدف، قال الوزير اليمني إن الجماعة الحوثية تسعى إلى شرعنة سياساتها التدميرية الممنهجة لمؤسسات الدولة، واستمرار وصايتها على المنظمات الدولية والمحلية، وفرض قيودها على الحريات العامة والخاصة، وإرهاب المجتمع، وفق تعبيره.

ادعاءات باطلة

وأكد وزير الإعلام اليمني، في تصريحه، أن الضحايا الأبرياء الذين تعرضوا للاختطاف من قِبل الحوثيين والإخفاء القسري والتعذيب النفسي والجسدي طيلة أعوام، وجرى تلطيخ سُمعتهم بنشر صورهم واعترافاتهم التي انتُزعت تحت الضغط والإكراه، كانوا يؤدون مهامّهم الروتينية ووظائفهم بشكل اعتيادي في مؤسساتهم ومنظماتهم وسفاراتهم، كما هو حاصل في كل دول العالم، وأن كل ما تُروِّج له ميليشيا الحوثي من تُهم تجسس بحقِّهم، هي ادعاءات كاذبة وتُهم باطلة لا أساس مادياً ولا معنوياً لها.

موظفون أمميون وعاملون سابقون في السفارة الأميركية اعتقلهم الحوثيون بتهمة التجسس (إعلام حوثي)

واتهم الإرياني المجتمع الدولي بالتراخي في التعامل مع الجماعة الحوثية، طيلة السنوات الماضية، و«غض الطرف عن ممارساتها الإجرامية»، وقال إن ذلك «أسهم في الوصول لهذه المرحلة الخطيرة التي تقتحم فيها الميليشيات مقارّ المنظمات الدولية، وتتعامل مع موظفيها والبعثات الدبلوماسية بصفتهم جواسيس، وعملاء، وتقتادهم للمعتقلات، وتتخذهم على طريقة (داعش) و(القاعدة) أدوات للدعاية والضغط والابتزاز والمساومة».

وطالب وزير الإعلام اليمني بموقف دولي حازم إزاء انتهاكات الحوثيين الصارخة للقانون الدولي والإنساني، واتخاذ إجراءات قوية ورادعة تتناسب مع الجرائم التي يرتكبونها.

ودعا الإرياني إلى ممارسة ضغوط حقيقية على الجماعة الحوثية لإطلاق جميع المحتجَزين قسراً من موظفي الأمم المتحدة والمنظمات الدولية والمحلية، والبعثات الدبلوماسية، والشروع الفوري في تصنيفها «منظمة إرهابية عالمية»، ودعم الحكومة لفرض سيطرتها وتثبيت الأمن والاستقرار على كامل الأراضي اليمنية.