بوتين يؤكد «استحالة عزل روسيا»... والكرملين يشدد مواقفه تجاه المفاوضات

موسكو تتحدث عن حسم «تحرير دونباس» قبل نهاية العام... والأقاليم الانفصالية تستكمل هياكلها

بوتين خلال ترؤسه اجتماعاً حكومياً عبر الفيديو في موسكو أمس (إ.ب.أ)
بوتين خلال ترؤسه اجتماعاً حكومياً عبر الفيديو في موسكو أمس (إ.ب.أ)
TT

بوتين يؤكد «استحالة عزل روسيا»... والكرملين يشدد مواقفه تجاه المفاوضات

بوتين خلال ترؤسه اجتماعاً حكومياً عبر الفيديو في موسكو أمس (إ.ب.أ)
بوتين خلال ترؤسه اجتماعاً حكومياً عبر الفيديو في موسكو أمس (إ.ب.أ)

تزامن تشديد لهجة الكرملين، حيال المفاوضات المتعثرة مع أوكرانيا، مع اتجاه أوروبا إلى تعزيز ضغوطها على القيادة الروسية. وقال الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أمس (الاثنين) إن «من المستحيل عزل روسيا عن باقي العالم»، في أول رد مباشر على بحث الاتحاد الأوروبي فرض رزمة جديدة من العقوبات على موسكو. وشدد خلال اجتماع حكومي على أن بلاده تواجه ظروف الحصار ونقص المعدات والتقنيات، مؤكدا على إعطاء أولوية للتركيز على تطوير التكنولوجيات الروسية ودعم الشركات السريعة النمو.
وزاد بوتين خلال الاجتماع «من الواضح أننا لا نستطيع أن نتطور بمعزل عن بقية العالم ونحن لن نفعل ذلك. كما تعلمون لا يمكن في عالم اليوم رسم دوائر عازلة حول كل شيء... وإنشاء سياج ضخم، هذا غير ممكن».
وأقر بوتين أن بلاده تواجه «تحديا كبيرا» لكنه قال إنها «قطعا لن تستسلم. بل العكس هو الصحيح. حتى عندما ندرك الكم الهائل من الصعوبات التي تنتظرنا، فإننا سنعمل بجد وبكفاءة من أجل التوصل لحلول جديدة».
وكان وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي أكدوا أمس (الاثنين) أثناء اجتماعهم في بروكسل أنه لا يجب أن يكون هناك أي شك بشأن التزامهم تجاه العقوبات المفروضة على روسيا، رغم تزايد التوترات بسبب ارتفاع أسعار الطاقة في أوروبا.
في غضون ذلك، بدا أن موسكو تتجه نحو فرض شروط جديدة للتفاوض مع الجانب الأوكراني تعكس «الوضع على الأرض» في إشارة إلى تقدم القوات الروسية في منطقة دونباس خلال الشهرين الأخيرين. وقال مساعد الرئيس الروسي، يوري أوشاكوف، إن الوفد الأوكراني المفاوض لا يحافظ على أي اتصالات مع روسيا بعد التوصل إلى اتفاقيات إسطنبول في أبريل (نيسان) الماضي.
وزاد أن المفاوضات «تم قطعها بعد التوصل إلى اتفاقية مبدئية في إسطنبول. بعد ذلك لم يحافظ الوفد الأوكراني على أي اتصالات معنا»، مضيفاً أنه «يعني ذلك أنه إذا تم استئناف المفاوضات فستكون ظروف إجرائها مختلفة تماما. لكن حتى الآن لا يوجد هناك أي اهتمام من جانب كييف ومن جانب الدول الغربية على حد سواء».
في الأثناء، عاد النقاش إلى الواجهة حول المواعيد المحتملة لنهاية العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا، وفي حين جدد الناطق باسم الكرملين، دميتري بيسكوف، التأكيد على عدم وجود إطار زمني للعملية العسكرية، رجحت القوات الانفصالية الموالية لموسكو أن يتم استكمال السيطرة على مناطق دونباس بالكامل قبل حلول نهاية العام الجاري.
وقال بيسكوف في حوار تلفزيوني أمس (الاثنين) إن «العملية العسكرية سوف تنتهي عند تحقيق جميع أهدافها». وزاد أنه «ليس لدينا شك في أن العملية العسكرية لن تنتهي إلا بعد تحقيق أهدافها، وقد شدد الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، مرارا وتكرارا على أن القوات المسلحة الروسية لديها أوامر واضحة بتجنب إلحاق الضرر بالبنية التحتية المدنية لأوكرانيا، وتجنب سقوط ضحايا من المدنيين. لذلك تعمل القوات المسلحة الروسية بحذر شديد، باستخدام أسلحة عالية الدقة، تستثني أي ضربات موجهة إلى البنية التحتية المدنية، الأمر الذي لا يمكننا قوله عن الجانب الأوكراني».
في المقابل، أعرب إدوارد باسورين المتحدث الرسمي باسم قوات دونيتسك عن اعتقاده بأنه «سيتم تحرير كامل دونباس قبل نهاية هذا العام». وأضاف باسورين «لقد حققنا تقدما محددا، وفي المستقبل - ولن نتحدث هنا عن مواعيد دقيقة - لكن تحرير أراضي دونباس سينجز هذا العام بالكامل».
وبالتزامن، أعلن رئيس لوغانسك المعين من جانب موسكو ليونيد باسيتشنيك، أن تشكيل الإدارات في جميع مدن ومناطق «الجمهورية» قد اكتمل. وكان باسيتشنيك قد وقع على المرسوم الخاص بإنشاء إدارات في مدن ومناطق الإقليم الانفصالي في أوائل مارس (آذار) الماضي، وتزامن ذلك مع تعيينات واسعة قامت بها السلطات في دونيتسك وفي الإدارات الموالية لموسكو في زاباروجيه وخيرسون وبعض البلدات الأخرى الخاضعة للسيطرة الروسية. وكانت مصادر روسية أشارت أخيرا، إلى أن التعيينات للمناصب الرئيسية في المناطق الأوكرانية «المحررة» قد غلب عليها العنصر الروسي بشكل قوي ومباشر بعدما كانت غالبية قيادات المناطق الانفصالية في السابق تعتمد على مسؤولين محليين.
ميدانيا، أمر وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو قادة الجيش بإدخال تعديلات على تكتيكات العمليات العسكرية وآليات توجيه الضربات المدفعية والصاروخية، في مسعى للتصدي لتعاظم تأثير الأسلحة والمعدات الغربية المسلمة إلى أوكرانيا على مسار المعارك. ودعا شويغو أمس الاثنين خلال اجتماع مع قادة الجيش لأن تكون أولويته هي «تدمير الصواريخ وقذائف المدفعية الأوكرانية بعيدة المدى، على خلفية استخدام الأسلحة التي قدمها الغرب لضرب خطوط الإمداد الروسية». وقالت وزارة الدفاع في بيان إن شويغو تفقد كتيبة «فوستوك»، التي تقاتل في أوكرانيا وتضم مقاتلين من الشيشان والجمهوريات القوقازية الأخرى. وأضافت أن الوزير «أصدر تعليمات للقائد بإعطاء الأولوية لأسلحة العدو من الصواريخ والمدفعية بعيدة المدى». وتابعت الوزارة أن الأسلحة الغربية تُستخدم في قصف مناطق سكنية في دونباس التي تسيطر عليها روسيا وإشعال النيران عمداً في حقول القمح وصوامع تخزين الحبوب. وبثت قناة «زفيزدا» التلفزيونية التابعة للجيش لقطات لشويغو، مرتدياً الزي القتالي، وهو يتحدث إلى جانب نائبه يونس بك يفكوروف.
على صعيد آخر، اتهمت المتحدثة باسم الخارجية الروسية، ماريا زاخاروفا، بريطانيا بتصعيد تحركاتها ضد روسيا على خلفية مقتل مسلح بريطاني في دونباس. وقالت إن لندن تقوم بـ«تسييس وتصعيد الموقف حول وفاة مرتزق بريطاني».
وكانت داريا موروزوفا مفوضة شؤون حقوق الإنسان في دونيتسك قالت في وقت سابق إن المرتزق البريطاني بول جونسون أنتوني دومينيك أوري، الذي كان محتجزا في دونيتسك، توفي قبل أسبوع بسبب المرض وحالة الاكتئاب «بسبب اللامبالاة بمصيره في وطنه». واستدعت الخارجية البريطانية السفير الروسي في لندن أندريه ياكين وسلمته مذكرة احتجاج.
وفي إطار حصيلة العمليات العسكرية خلال اليوم الماضي، أعلنت وزارة الدفاع الروسية أنها قتلت نحو 250 مسلحا أجنبيا بضربة صاروخية روسية استهدفت مركز انتشار لمقاتلي «الفيلق الأجنبي» الأوكراني في دونباس. وأوضح الناطق العسكري إيغور كوناشينكوف أن الضربة نفذت بصواريخ عالية الدقة أطلقت من الجو على بلدة قنسطنطينوفكا في دونيتسك، وقال إنها أسفرت أيضا عن تدمير سبع مدرعات و12 مركبة خاصة. وذكر كوناشينكوف أنه نتيجة ضربة صاروخية استهدفت نقطة انتشار مؤقتة لإحدى كتائب لواء الدفاع الإقليمي في مقاطعة تشيركاسي (وسط)، تم القضاء على 60 مسلحا، وتدمير راجمتي صواريخ وأربعة مدافع. ووفقا للناطق فقد دمرت غارات نفذتها القوات الروسية في دونيتسك أكثر من 10 راجمات صواريخ «غراد»، و8 قطع من المدرعات، فيما أدى قصف بالمدفعية الصاروخية لمطار ميداني عسكري أوكراني في دونيتسك أيضا، إلى تدمير مروحيتين من طراز «مي - 8» وإلحاق أضرار جسيمة بمروحيتين أخريين.


مقالات ذات صلة

زيلينسكي: مقتل 15 ألف جندي روسي خلال القتال في كورسك

أوروبا دبابة روسية مدمرة في منطقة كورسك (أ.ب)

زيلينسكي: مقتل 15 ألف جندي روسي خلال القتال في كورسك

أكد مسؤول عسكري أوكراني، الاثنين، أن قواته تكبّد قوات موسكو «خسائر» في كورسك بجنوب روسيا، غداة إعلان الأخيرة أن أوكرانيا بدأت هجوماً مضاداً في هذه المنطقة.

«الشرق الأوسط» (كييف)
أوروبا الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون يلقي كلمته أمام السفراء الفرنسيين 6 يناير 2025 بقصر الإليزيه في باريس (رويترز)

ماكرون يدعو أوكرانيا لخوض «محادثات واقعية» لتسوية النزاع مع روسيا

قال الرئيس الفرنسي ماكرون إن على الأوكرانيين «خوض محادثات واقعية حول الأراضي» لأنهم «الوحيدون القادرون على القيام بذلك» بحثاً عن تسوية النزاع مع روسيا.

«الشرق الأوسط» (باريس)
أوروبا جندي روسي خلال تدريبات عسكرية في الخنادق (لقطة من فيديو لوزارة الدفاع الروسية)

روسيا تعلن السيطرة على «مركز لوجيستي مهم» في شرق أوكرانيا

سيطرت القوات الروسية على مدينة كوراخوف بشرق أوكرانيا، في تقدّم مهم بعد شهور من المكاسب التي جرى تحقيقها بالمنطقة.

«الشرق الأوسط» (موسكو)
أوروبا صورة تظهر حفرة بمنطقة سكنية ظهرت بعد ضربة صاروخية روسية في تشيرنيهيف الأوكرانية (رويترز)

روسيا تعلن اعتراض 8 صواريخ أميركية الصنع أُطلقت من أوكرانيا

أعلن الجيش الروسي اليوم (السبت)، أنه اعترض 8 صواريخ أميركية الصنع أطلقتها أوكرانيا في اتجاه أراضيه.

«الشرق الأوسط» (موسكو)
أوروبا رجال إنقاذ أوكرانيون في موقع هجوم مسيّرة روسية بكييف (إ.ب.أ)

مقتل 5 أشخاص على الأقل بهجمات متبادلة بين روسيا وأوكرانيا

أسفرت هجمات روسية بمسيّرات وصواريخ على أوكرانيا، يوم الجمعة، عن مقتل ثلاثة أشخاص على الأقلّ، في حين قُتل شخصان في ضربات أوكرانية طالت مناطق روسية.

«الشرق الأوسط» (موسكو - كييف)

2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
TT

2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)

لا يوجد فراغ مسموح به في الطبيعة. فالطبيعة لا تغيّر طبيعتها، لأنها تكره الفراغ. في الفراغ لا حياة، لا صراع ولا تاريخ. فالتاريخ يتنقّل بين الفوضى والنظام. يُفرض النظام بالإكراه، فتوضع القوانين لتُفرض بالقوّة والإكراه أيضاً. هكذا كتب ألبير كامو، الفيلسوف الفرنسي في كتابه «الإنسان المتمرّد»، (The Rebel): «في النظام، كما في الفوضى، هناك شيء من العبوديّة». تستهدف الثورة النظام القائم، فتخلق الفوضى. لكنها مُلزمة بإعادة تكوين نظام جديد. وبين الفوضى والنظام، يدفع الإنسان العاديّ الأثمان.

يقول السياسيّ الراحل هنري كيسنجر ما معناه: إن الفراغ يجلب الحرب والهجوم. فهل سيكون عام 2025 عام ملء الفراغات، أو خلق بعضها؟

دخان يتصاعد من شمال قطاع غزة خلال قصف الجيش الإسرائيلي (أرشيفية - أ.ف.ب)

بعد عملية 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، تغيّرت موازين القوى في المنطقة. سقطت «حماس». سقط «حزب الله». سقط النظام في سوريا... وبذلك انهارت وحدة الساحات، أو ما يُسمّى محور المقاومة. وبسبب ذلك، سقطت منظومات كانت قائمة. وتظهّرت الفراغات القاتلة. ها هي إسرائيل تدمّر قطاع غزّة، لتخلق فراغاً لا توجد فيه حركة «حماس»، ولتؤسّس لحالة معيّنة قد يُطلَق عليها «الاحتلال التغييريّ»، (Transformative). بكلام آخر، فُرض الاحتلال أمراً واقعاً خارج القانون الدوليّ، لكنه طويل، ومُكلف للمُحتلّ، الأمر الذي قد يخلق ثقافة جديدة، ومختلفة عما كانت قبلها، حتى ولو تطلّب الأمر جيلاً من الزمن.

دخلت إسرائيل لبنان خلال الحرب الأخيرة، فخلقت منطقة عازلة. وها هي اليوم تُحصّنها استباقاً للسيناريو السيّئ. خلقت إسرائيل هذا الفراغ على الحدود اللبنانيّة، كما في داخل قطاع غزّة بالقوّة العسكريّة المُفرطة. لكن البقاء في لبنان واحتلال المنطقة العازلة، هو أمر مختلف تماماً عن احتلال قطاع غزّة.

بعد سقوط النظام في سوريا، سارعت إسرائيل إلى احتلال مزيد من الأراضي السوريّة وتوسيع المنطقة العازلة. لكنه احتلال من دون استعمال للقوّة، حتى ولو دمّر الطيران الإسرائيليّ قدرات الجيش السوريّ المستقبليّ. إنه احتلال مؤقّت-طويل. لكن المفارقة هي إعلان إسرائيل أن الجولان لن يعود إلى سوريا، وهو احتلال كأمر واقع (De Facto). ولتحرير الجولان، لا بد من حرب أو تفاوض، وهذان أمران متعذّرَان حالياً لأسباب كثيرة. وعليه قد يمكن حالياً إعلان وفاة مقولة كسينجر: «لا حرب في الشرق الأوسط من دون مصر، ولا سلام من دون سوريا».

صورة نشرها الجيش الإسرائيلي وقال إنها لجولة رئيس الأركان هرتسي هاليفي الميدانية في جنوب لبنان (أرشيفية)

حال العالم

في أوكرانيا يستعين الرئيس بوتين في حربه بالتكنولوجيا الغربيّة لتصميم صواريخه، آخرها الصاروخ الفرط صوتيّ «أوريشنيك». كما يستعين بالمُسيّرات الإيرانيّة، والعسكر الكوري الشمالي لتحرير الأرض الروسية في كورسك. يريد بوتين الاحتلال التغييري للشرق الأوكرانيّ.

في منطقة نفوذ الصين، يسعى التنين إلى استرداد جزيرة تايوان على أنها جزء تاريخيّ من الصين الكبرى. فهي تحضّر البحريّة الصينيّة، كون الحرب، وفي حال حصولها، سيكون أغلبها في البحر. ورداً على ذلك، بدأ تشكُّل كثير من التحالفات ردّاً على السلوك الصينيّ.

وفي مكان آخر من العالم، يُحضّر الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب مأسسة الصراع مع التنين الصينيّ. فهو يريد استعادة السيطرة على قناة بنما، نظراً إلى أهمية هذه القناة على الأمن القومي الأميركيّ. فهي الشريان الحيويّ الذي يربط الشرق الأميركي بالغرب. وهي التي أوصى بها المفكّر الاستراتيجيّ الأميركي البحريّ ألفريد ماهان. وهي التي أشرفت على بنائها الولايات المتحدة الأميركيّة، وذلك بعد انفصال بنما عن كولومبيا وبمساعدة البحريّة الأميركيّة آنذاك، خلال فترة حكم الرئيس الأميركي الراحل تيودور روزفلت. وبذلك، تكون القناة قد مرّت بثلاث مراحل هي: 1906 البناء مع الرئيس روزفلت، و1977 مع الرئيس جيمي كارتر الذي أعادها إلى بنما، واليوم مع الرئيس ترمب الذي يريد استردادها.

صور الرئيس الأسبق حافظ الأسد ممزقة للمرة الأولى في تاريخ سوريا (الشرق الأوسط)

يرى البعض أن تصريحات الرئيس ترمب مجرّد كلام عاديّ بسبب شخصيّته الفريدة. لكن الأكيد أن تصريحاته تنمّ عن عمق جيوسياسيّ بعيد المدى. فما معنى طرحه موضوع شراء جزيرة غرينلاند من الدنمارك؟ ما أهميّة هذه الجزيرة؟

إن ثقافة دبلوماسيّة الدولار (Dollar Diplomacy) في التاريخ الأميركي ليست جديدة. فهي قد اشترت لويزيانا من فرنسا عام 1803 بـ15 مليون دولار. كما اشترت من روسيا ولاية ألاسكا الحاليّة بـ7.2 مليون دولار.

شكّلت لويزيانا الربط بين الشرق والغرب الأميركيّ، كما سيطرت على أهمّ مرفأ أميركيّ يطلّ على خليج المكسيك. وبالحدّ الأدنى أخرجت دولة أوروبيّة من الأرض الأميركيّة. أما شراء ألاسكا، فقد أعطى أميركا إطلالة على مضيق بيرينغ الذي يطلّ بدوره على الأرض الروسيّة.

التحّولات الجيوسياسيّة الحاليّ

مع صعود الصين، تبدّلت موازين القوى العالميّة عمَّا كانت عليه خلال الحرب الباردة. فللصين قدرات كونيّة وفي كل الأبعاد، خصوصاً الاقتصاديّة والعسكريّة، وهذه أبعاد افتقر إليها الاتحاد السوفياتيّ. تسعى الصين إلى التموضع في القارة الأميركيّة. يُضاف إلى هذا التحوّل، الكارثة البيئيّة والاحتباس الحراري، الأمر الذي قد يفتح طرقاً بحريّة جديدة، حول الشمال الأميركيّ. خصوصاً أن ذوبان المحيط المتجّمد الشمالي سوف يُغيّر جغرافيّة الصراع الجيوسياسيّ بالكامل. ونتيجة لذلك، ستصبح الولايات المتحدة الأميركيّة تطلّ على ثلاثة محيطات بعد أن كانت تطلّ على محيطين.

وحدة مدفعية أوكرانية في منطقة زابوريجيا تطلق النار باتجاه القوات الروسية على خط المواجهة (أرشيفية - رويترز)

تتميّز غرينلاند بمساحتها الكبيرة، نحو مليوني كيلومتر مربع، مع عديد لا يتجاوز 56 ألف نسمة، وثروات مهمّة قد تجعل أميركا تستغني عن استيراد كثير من الثروات الطبيعيّة من الصين. خلال الحرب الباردة حاول الرئيس هاري ترومان شراء الجزيرة، وهي لا تزال تضمّ قاعدة عسكريّة جويّة أميركيّة.

في الختام، إذا استطاع الرئيس ترمب استعادة السيطرة على قناة بنما، وسيطر بشكل ما على غرينلاند، سيتكوّن مثلثّ جيوسياسيّ دفاعيّ حول الولايات المتحدة الأميركيّة يرتكز على: غرينلاند، وألاسكا، وقناة بنما. كل ذلك، بانتظار الرئيس ترمب في البيت الأبيض، وكيف سيتعامل مع العالم خصوصاً الصين. فهل سيكون انعزاليّاً أم انخراطيّاً أم مزيجاً من المقاربتين؟