تكريم ليلى علوي في مهرجان وهران الدولي للفيلم العربي

38 فيلمًا من 17 دولة تشارك فيه

ليلى علوي أثناء تكريمها ({الشرق الأوسط})
ليلى علوي أثناء تكريمها ({الشرق الأوسط})
TT

تكريم ليلى علوي في مهرجان وهران الدولي للفيلم العربي

ليلى علوي أثناء تكريمها ({الشرق الأوسط})
ليلى علوي أثناء تكريمها ({الشرق الأوسط})

أطلق مهرجان وهران الدولي للفيلم العربي والذي يستمر حتى 12 يونيو (حزيران) الحالي تحت شعار «الواقع في دور البطولة» بتكريم «ذهبي» للممثلة المصرية ليلى علوي وسط حضور جزائري محلي وعربي لافت.
وصعدت الفنانة التي ارتدت فستانا أسود مرصع الصدر إلى خشبة المسرح لتتسلم هدية خاصة ونادرة من والي ولاية وهران عبارة عن برنس - عباءة - مشغول بالخيوط الذهبية.
وقالت في كلمة أمام الحضور الذي كان في مقدمته وزير الثقافة الجزائري عز الدين ميهوبي ورئيس المهرجان إبراهيم صديقي «سعيدة جدا بهذه الدورة وسعيدة بتكريمي في مهرجان وهران».
وأضافت: «تحية كبيرة مني ومن شعب مصر للشعب الجزائري.. ولا يمكن أن أنسى تأثري في طفولتي بالمرأة الجزائرية بقوتها وقوة إرادتها وتحملها وكبريائها وفيلم المخرج يوسف شاهين للسيدة جميلة بوحيرد». مؤكدة أنها فخورة أن تكرم بنفس المهرجان الذي كرم سيدة الشاشة العربية الراحلة فاتن حمامة.
وينتظر أن يكرم المهرجان نجوما سينمائية وأسماء ثقافية لامعة في الوطن العربي وهم من الجزائر الروائية آسيا جبار والممثلة فتيحة بربار والمخرج عمار العسكري والفنان سيد علي كويرات، إلى جانب فاتن حمامة من مصر والناقد السوري قصي صالح درويش. ويكرم المهرجان أيضا المخرج الجزائري محمد لخضر حامينا، الذي حاز جائزة السعفة الذهبية في مهرجان كان عن فيلم «وقائع سنوات الجمر» قبل أربعين عاما.
وقد اختير فيلمه «غروب الظلال» لافتتاح المهرجان، في حين يختتم فيلم «لطفي» الجزائري أيضا للمخرج محمد راشدي عروض هذه الدورة التي تقدم نحو أربعين فيلما روائيا ووثائقيا، قصيرا وطويلا.
وكان من بين الحضور في حفل الافتتاح - الذي أذيع على الهواء مباشرة في التلفزيون المحلي والفضائيات الجزائرية - الممثل المصري يحيى الفخراني وزوجته الكاتبة لميس جابر والمخرج الجزائري محمد لخضر حمينة والمغني الجزائري الشاب خالد إضافة للكثير من النجوم.
ووقع اختيار إدارة المهرجان على 38 فيلما من 17 دولة للمشاركة ضمن ثلاث فئات للأفلام الروائية الطويلة والأفلام الوثائقية والأفلام القصيرة. وتحل السينما التركية ضيف شرف دورة هذا العام التي تستمر حتى الثاني عشر من يونيو (حزيران).
ويشارك 12 فيلما في مسابقة الأفلام الروائية الطويلة والتي يرأس لجنة تحكيمها الناقد السينمائي اللبناني إبراهيم العريس.
ومن أبرز الأفلام المشاركة في المهرجان يحضر الفيلم الأردني «ذيب» لمخرجه ناجى أبو نوار، الذي يتناول سحر الصحراء الأردنية في الحكم العثماني في جنوب الأردن من خلال ملحمية تستحضر العادات البدوية والعلاقة بين الأرض والزمان والمكان والصراع من أجل البقاء، ويشارك أيضا كل من فيلم المخرجة الفلسطينية نجوى النجار «عيون الحرامية»، وهو من بطولة الممثل خالد أبو النجا وسعاد ماسي المغنية الجزائرية الشهيرة. فيما اعتذر الممثل نور الشريف عن المشاركة في عرض فيلمه «بتوقيت القاهرة» للمخرج أمير رمسيس، وهو من بطولة آيتن عامر وسمير صبري وميرفت أمين والممثلة درة؛ حيث يتناول الفيلم الحب والفن في الزمن الجميل بين جيلين في حكاية مؤثرة، يحضر فيها تأثير الزهايمر والذكريات الجميلة في أسلوب رشيق. وعلى هامش المهرجان أيضا، ينظم «الصالون العربي للسينما والتلفزيون» بمشاركة 80 ممثلا لتسع دول عربية هي، الإمارات العربية، لبنان، مصر، فلسطين، العراق، سوريا، تونس، فرنسا والجزائر، وأكثر من أربعين مؤسسة إعلامية وشركات إنتاج فنية عالمية؛ بالإضافة إلى أبرز المنتجين الجزائريين مع إعطاء فرصة للمهنيين الشباب.
ومن أبرز الأفلام المشاركة بهذه المسابقة «بتوقيت القاهرة» للمخرج المصري أمير رمسيس و«جوق العميين» للمغربي محمد محنكر و«ذيب» للأردني ناجي أبو نوار و«الأم» للسوري باسل الخطيب.
ويعرض من اليمن فيلم خديجة السلامي «أنا نجوم بنت العاشرة ومطلقة» الذي حاز جائزة الفيلم الروائي في مهرجان دبي الأخير. وهو شارك في عدد كبير من المهرجانات منذ اندلاع الحرب في اليمن. وصور هناك قبل ذلك في ظروف صعبة للغاية.
ويشارك لبنان في مسابقة وهران من خلال فيلم غسان سلهب «الوادي» الذي جال بدوره على عدة مهرجانات دولية، ونال جائزة في مهرجان أبوظبي السينمائي في دورته الأخيرة.
أما مسابقة الأفلام الوثائقية، فتضم 13 عملا يعكس الواقع العربي ويهتم بالتاريخ الحديث لهذه البلدان، من قبيل فيلم «ريف» المغربي و«فيلم عبودية في اليمن» لأشرف مشهراوي و«كاليدونيا.. مظلمة النفي» للجزائري عبد القادر مام.
وسيعرض في المسابقة أيضا وثائقي مصري من إخراج ماغي أنور يتناول سيرة الفنانة الراحلة فاتن حمامة التي يكرمها المهرجان، فضلا عن فيلم جزائري يتناول سيرة الكاتب الجزائري الراحل الطاهر وطار من إخراج محمد الزاوي.
وتضم مسابقة الفيلم القصير 15 فيلما، بينها أعمال من البحرين وليبيا والإمارات، فيما رفع المهرجان شعار «الواقع هو البطل» وهو شعار تجسد في معظم الأعمال المختارة.



100 عامٍ من عاصي الرحباني

عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
TT

100 عامٍ من عاصي الرحباني

عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)

في الرابع من شهر الخِصب وبراعم اللوز والورد، وُلد عاصي الرحباني. كانت البلادُ فكرةً فَتيّة لم تبلغ بعد عامها الثالث. وكانت أنطلياس، مسقط الرأس، قريةً لبنانيةً ساحليّة تتعطّر بزهر الليمون، وتَطربُ لارتطام الموج بصخور شاطئها.
لو قُدّر له أن يبلغ عامه المائة اليوم، لأَبصر عاصي التحوّلات التي أصابت البلاد وقُراها. تلاشت الأحلام، لكنّ «الرحباني الكبير» ثابتٌ كحقيقةٍ مُطلَقة وعَصي على الغياب؛ مقيمٌ في الأمس، متجذّر في الحاضر وممتدّةٌ جذوره إلى كل الآتي من الزمان.


عاصي الرحباني خلال جلسة تمرين ويبدو شقيقه الياس على البيانو (أرشيف Rahbani Productions)

«مهما قلنا عن عاصي قليل، ومهما فعلت الدولة لتكريمه قليل، وهذا يشمل كذلك منصور وفيروز»، يقول المؤلّف والمنتج الموسيقي أسامة الرحباني لـ«الشرق الأوسط» بمناسبة مئويّة عمّه. أما الصحافي والباحث محمود الزيباوي، الذي تعمّق كثيراً في إرث الرحابنة، فيرى أن التكريم الحقيقي يكون بتأليف لجنة تصنّف ما لم يُنشر من لوحاته الغنائية الموجودة في إذاعتَي دمشق ولبنان، وتعمل على نشره.
يقرّ أسامة الرحباني بتقصير العائلة تجاه «الريبرتوار الرحباني الضخم الذي يحتاج إلى تضافر جهود من أجل جَمعه»، متأسفاً على «الأعمال الكثيرة التي راحت في إذاعة الشرق الأدنى». غير أنّ ما انتشر من أغانٍ ومسرحيات وأفلام، على مدى أربعة عقود من عمل الثلاثي الرحباني عاصي ومنصور وفيروز، أصبح ذخيرةً للقرون المقبلة، وليس للقرن الرحباني الأول فحسب.

«فوتي احفظي، قومي سجّلي»
«كان بركاناً يغلي بالعمل... يكتب بسرعة ولا يتوقف عند هاجس صناعة ما هو أجمل، بل يترك السرد يمشي كي لا ينقطع الدفق»، هكذا يتذكّر أسامة عمّه عاصي. وفي بال الزيباوي كذلك، «عاصي هو تجسيدٌ للشغف وللإنسان المهووس بعمله». لم يكن مستغرباً أن يرنّ الهاتف عند أحد أصدقائه الساعة الثالثة فجراً، ليخرج صوت عاصي من السمّاعة قارئاً له ما كتب أو آخذاً رأيه في لحنٍ أنهاه للتوّ.
ووفق ما سمعه الزيباوي، فإن «بعض تمارين السيدة فيروز وتسجيلاتها كان من الممكن أن يمتدّ لـ40 ساعة متواصلة. يعيد التسجيل إذا لم يعجبه تفصيل، وهذا كان يرهقها»، رغم أنه الزوج وأب الأولاد الأربعة، إلا أن «عاصي بقي الأستاذ الذي تزوّج تلميذته»، على حدّ وصف الزيباوي. ومن أكثر الجمل التي تتذكّرها التلميذة عن أستاذها: «فوتي احفظي، قومي سَجّلي». أضنى الأمر فيروز وغالباً ما اعترفت به في الحوارات معها قبل أن تُطلقَ تنهيدةً صامتة: «كان ديكتاتوراً ومتطلّباً وقاسياً ومش سهل الرِضا أبداً... كان صعب كتير بالفن. لمّا يقرر شي يمشي فيه، ما يهمّه مواقفي».


عاصي وفيروز (تويتر)
نعم، كان عاصي الرحباني ديكتاتوراً في الفن وفق كل مَن عاصروه وعملوا معه. «كل العباقرة ديكتاتوريين، وهذا ضروري في الفن»، يقول أسامة الرحباني. ثم إن تلك القسوة لم تأتِ من عدم، فعاصي ومنصور ابنا الوَعر والحرمان.
أثقلت كتفَي عاصي منذ الصغر همومٌ أكبر من سنّه، فتحمّلَ وأخوه مسؤولية العائلة بعد وفاة الوالد. كان السند المعنوي والمادّي لأهل بيته. كمعطفٍ ردّ البردَ عنهم، كما في تلك الليلة العاصفة التي استقل فيها دراجة هوائية وقادها تحت حبال المطر من أنطلياس إلى الدورة، بحثاً عن منصور الذي تأخّر بالعودة من الوظيفة في بيروت. يروي أسامة الرحباني أنها «كانت لحظة مؤثرة جداً بين الأخوين، أبصرا خلالها وضعهما المادي المُذري... لم ينسيا ذلك المشهد أبداً، ومن مواقفَ كتلك استمدّا قوّتهما».
وكما في الصِبا كذلك في الطفولة، عندما كانت تمطر فتدخل المياه إلى المدرسة، كان يظنّ منصور أن الطوفان المذكور في الكتاب المقدّس قد بدأ. يُصاب بالهلَع ويصرخ مطالباً المدرّسين بالذهاب إلى أخيه، فيلاقيه عاصي ويحتضنه مهدّئاً من رَوعه.

«سهرة حبّ»... بالدَين
تعاقبت مواسم العزّ على سنوات عاصي الرحباني. فبعد بدايةٍ متعثّرة وحربٍ شرسة ضد أسلوبه الموسيقي الثائر على القديم، سلك دروب المجد. متسلّحاً بخياله المطرّز بحكايا جدّته غيتا و«عنتريّات» الوالد حنّا عاصي، اخترع قصصاً خفتت بفعلِ سحرِها الأصواتُ المُعترضة. أما لحناً، فابتدعَ نغمات غير مطابقة للنظريات السائدة، و«أوجد تركيبة جديدة لتوزيع الموسيقى العربية»، على ما يشرح أسامة الرحباني.


صورة تجمع عاصي ومنصور الرحباني وفيروز بالموسيقار محمد عبد الوهاب وفريد الأطرش، بحضور بديعة مصابني وفيلمون وهبي ونجيب حنكش (أرشيف Rahbani Productions)
كان عاصي مستعداً للخسارة المادية من أجل الربح الفني. يحكي محمود الزيباوي أنه، ولشدّة مثاليته، «سجّل مسرحية (سهرة حب) مرتَين ولم تعجبه النتيجة، فاقترض مبلغاً من المال ليسجّلها مرة ثالثة». ويضيف أن «أساطير كثيرة نُسجت حول الرحابنة، لكن الأسطورة الحقيقية الوحيدة هي جمال عملهم».
ما كانت لتكتمل أسطورة عاصي، لولا صوت تلك الصبية التي دخلت قفصَه الذهبي نهاد حدّاد، وطارت منه «فيروز».
«أدهشته»، يؤكّد الزيباوي؛ ويستطرد: «لكنّ أحداً منهما لم يعرف كيف يميّز بين نهاد حداد وفيروز»... «هي طبعاً المُلهِمة»، يقول أسامة الرحباني؛ «لمح فيها الشخصية التي لطالما أراد رسمَها، ورأى امرأةً تتجاوب مع تلك الشخصية»، ويضيف أن «عاصي دفع بصوت فيروز إلى الأعلى، فهو في الفن كان عنيفاً ويؤمن بالعصَب. كان يكره الارتخاء الموسيقي ويربط النجاح بالطبع الفني القوي، وهذا موجود عند فيروز».


زفاف عاصي الرحباني ونهاد حداد (فيروز) عام 1955 (تويتر)

دماغٌ بحجم وطن
من عزّ المجد، سرقت جلطة دماغيّة عاصي الرحباني عام 1972. «أكثر ما يثير الحزن أن عاصي مرض وهو في ذروة عطائه وإبداعه، وقد زادت الحرب اللبنانية من مرضه وصعّبت العمل كثيراً»، وفق الزيباوي. لم يكن القلق من الغد الغامض غريباً عليه. فهو ومنذ أودى انفجارٌ في إحدى الكسّارات بحياة زوج خالته يوسف الزيناتي، الذي كان يعتبره صياداً خارقاً واستوحى منه شخصيات لمسرحه، سكنته الأسئلة الحائرة حول الموت وما بعدَه.
الدماغ الذي وصفه الطبيب الفرنسي المعالج بأنه من أكبر ما رأى، عاد ليضيء كقمرٍ ليالي الحصّادين والعاشقين والوطن المشلّع. نهض عاصي ورجع إلى البزُق الذي ورثه عن والده، وإلى نُبله وكرمه الذي يسرد أسامة الرحباني عنهما الكثير.
بعد المرض، لانت قسوة عاصي في العمل وتَضاعفَ كرَمُه المعهود. يقول أسامة الرحباني إن «أقصى لحظات فرحه كانت لحظة العطاء». أعطى من ماله ومن فِكرِه، وعُرف بيدِه الموضوعة دائماً في جيبِه استعداداً لتوزيع النقود على المحتاجين في الشارع. أما داخل البيت، فتجسّد الكرَم عاداتٍ لطيفة وطريفة، كأن يشتري 20 كنزة متشابهة ويوزّعها على رجال العائلة وشبّانها.
خلال سنواته الأخيرة ومع احتدام الحرب، زاد قلق عاصي الرحباني على أفراد العائلة. ما كان يوفّر مزحة أو حكاية ليهدّئ بها خوف الأطفال، كما في ذلك اليوم من صيف 1975 الذي استُهدفت فيه بلدة بكفيا، مصيَف العائلة. يذكر أسامة الرحباني كيف دخل عاصي إلى الغرفة التي تجمّع فيها أولاد العائلة مرتعدين، فبدأ يقلّد الممثلين الأميركيين وهم يُطلقون النار في الأفلام الإيطالية، ليُنسيَهم ما في الخارج من أزيز رصاص حقيقي. وسط الدمار، بنى لهم وطناً من خيالٍ جميل، تماماً كما فعل وما زال يفعل في عامِه المائة، مع اللبنانيين.


عاصي الرحباني (غيتي)