شنّت كييف منذ أسابيع عدّة هجوماً مضاداً لاستعادة خيرسون، العاصمة الإقليمية الوحيدة التي سيطرت عليها موسكو منذ 24 فبراير (شباط). وبينما لا يزال خط المواجهة مستقراً نسبياً، تشنّ أوكرانيا هجمات بشكل متزايد عبر استخدام أنظمة صاروخية أميركية وأوروبية جديدة تستهدف مستودعات الأسلحة. الأمر الذي أثار حفيظة موسكو، التي اتهمت الولايات المتحدة وبريطانيا أمس (الخميس) بتدريب القوات الأوكرانية، وهو ما وصفته بأنه يأتي في إطار «الحرب الهجينة» التي تشنها الدولتان العضوان في حلف شمال الأطلسي على روسيا.
وقال مسؤولون أوكرانيون إن القوات الأوكرانية قصفت نقطتي تفتيش عسكريتين ومنصة إنزال أمس (الخميس)، في ثاني هجوم هذا الأسبوع على منطقة تسيطر عليها روسيا في جنوب أوكرانيا. ونقل سيرهي براتشوك، المتحدث باسم إدارة إقليم أوديسا، عن قيادة العمليات في الجنوب، قولها إن الهجوم الجديد على نوفا كاخوفكا في منطقة خيرسون أسفر عن مقتل 13 «محتلاً»، دون أن تقدم أدلة على ذلك. ولم يصدر تعليق من وزارة الدفاع الروسية على الفور. وكان الجيش الأوكراني قد قال الثلاثاء إن هجوماً شنته قواته على نوفا كاخوفكا أسفر عن مقتل 52 شخصاً. وذكرت وكالة تاس الروسية للأنباء أن سلطات البلدة التي عينتها روسيا قالت إن 7 أشخاص على الأقل قتلوا في ذلك الهجوم.
وبدورها، قالت وزارة الدفاع الروسية، الخميس، إن قواتها الجوية أسقطت طائرتين مقاتلتين أوكرانيتين، ودمرت مجموعة من مدافع هاوتزر من طراز «إم 777» الأميركية الصنع في شرق أوكرانيا. وأضافت الوزارة، في بيانها اليومي، أنها قصفت مصنعاً في منطقة زابوريجيا الجنوبية بصواريخ من طراز كاليبر، ما أدى إلى تدمير مركبات قتالية أوكرانية.
وقال الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي إن صواريخ روسية أصابت منشأتين مجتمعيتين في غرب أوكرانيا أمس (الخميس)، ما أسفر عن مقتل 20 شخصاً وإصابة عدد أكبر. وأضاف في مؤتمر دولي يهدف إلى إجراء ملاحقات بتهم جرائم حرب في أوكرانيا: «صباح (الخميس)، أصابت الصواريخ الروسية مدينة فينيتسا، وهي مدينة عادية ومسالمة. ضربت صواريخ كروز منشأتين مجتمعيتين، وأسفر ذلك عن تدمير منازل ومركز طبي واشتعال النار في السيارات وعربات الترام... ترتب على الإرهاب الروسي مقتل 20 شخصاً حتى الآن».
واستهدفت الغارات منطقة تقع على بعد مئات الكيلومترات من الخطوط الأمامية. وأعلن جهاز الإسعاف الأوكراني أن ما لا يقل عن 12 شخصاً لقوا حتفهم الخميس في ضربات روسية استهدفت مدينة فينيتسا بوسط أوكرانيا التي كانت حتى الآن بعيدة عن المعارك. ونشرت خدمة الإسعاف على «فيسبوك» أنها أحصت ظهراً «12 قتيلاً و25 جريحاً» فيما يكافح رجال الإطفاء حريقاً تسبب به القصف. وفي مداخلة عبر الفيديو أمام المؤتمر الذي تنظّمه المحكمة الجنائية الدولية والمفوضية الأوروبية وهولندا، دعا زيلينسكي إلى إنشاء «محكمة خاصة» للتحقيق «في جرائم العدوان الروسي على أوكرانيا».
وفي فينيتسا، أظهرت الصور التي نشرتها خدمة حالات الطوارئ الأوكرانية عشرات الجثث المتفحّمة ومبنى من 10 طوابق دمّره الانفجار والحريق الذي أعقبه. وأشار الجيش الأوكراني إلى أن «3 صواريخ» استهدفت موقفاً للسيارات والمبنى التجاري وسط المدينة الذي يحتوي مكاتب وشركات صغيرة. وأوضح المتحدث باسم القوات الجوية الأوكرانية، يوري إغنات، أن غواصات في البحر الأسود أطلقت هذه الصواريخ.
وبعد الغارات، قال زيلينسكي: «كل يوم، تقتل روسيا مدنيين وتقتل أطفالاً أوكرانيين، وتطلق الصواريخ على أهداف مدنية حيث لا يوجد شيء عسكري. ما هذا إذا لم يكن عملاً إرهابياً سافراً؟». كذلك، أشار في مداخلته أمام مؤتمر لاهاي، الذي يشارك فيه وزراء العدل والخارجية الأوروبيون، إلى أنه «حتى هذه اللحظة قتل 20 شخصاً، من بينهم 3 أطفال. وأُصيب عدد كبير جداً بجروح». من جهته، شجب وزير الخارجية الأوكراني ديميتري كوليبا، الموجود في لاهاي «جريمة الحرب الروسية». وقالت مارغريتا سيمونيان رئيسة تحرير مجموعة سيغودنيا الإعلامية التابعة للدولة الروسية، عبر تطبيق تليغرام، كما نقلت عنها الصحافة الفرنسية، إن الجيش الروسي أبلغها بأنه استهدف «بيت الضبّاط؛ حيث كان ينتشر القوميون».
كانت الضربات الروسية بعيداً عن الخطوط الأمامية للجبهة نادرة نسبياً على مدى أسابيع عدّة. ولكن الحرب تتسع وتستعر حول مناطق مثل ميناء ميكولايف الاستراتيجي في الجنوب والقريب من البحر الأسود، الذي كان في وقت مبكر من صباح الخميس هدفاً «لضربة صاروخية هائلة»، لليوم الثاني على التوالي. وقالت الرئاسة الأوكرانية في إيجازها الصباحي اليومي: «تضرّرت مدرستان والبنية التحتية للمواصلات وفندق». وأظهرت الصور التي نشرتها السلطات المحلية بقايا مبنى دمره القصف، فيما كان عمّال البلدية ينظّفون الحطام الذي خلّفه الهجوم. لكن تبقى المعارك الأساسية مركّزة في شرق أوكرانيا وفي دونباس، الحوض الصناعي والتعديني الذي توعّدت موسكو باحتلاله بشكل كامل.
وأشار محافظ منطقة لوغانسك، سيرغي غايداي، إلى أن «هجمات المدفعية وقذائف الهاون تتواصل ويحاول الروس اقتحام سيفرسك وفتح الطريق نحو باخموت»؛ حيث قُتل مدني في قصف ليل الأربعاء - الخميس.
ويؤكد الانفصاليون المدعومون من موسكو أنهم باتوا قريبين من تحقيق نصر جديد، بعد أيام من سيطرتهم على عدّة مدن مهمة. ونقلت وكالة الأنباء الروسية «تاس» عن المسؤول الانفصالي دانييل بيزونوف قوله إن «سيرفسك باتت تحت سيطرتنا العملية، ما يعني أن بإمكاننا استهداف العدو في كل المنطقة».
في مكان أبعد قليلاً نحو الشمال، في منطقة إزيوم، قال جندي موجود في متاهة الخنادق التي حفرها الجيش الأوكراني على امتداد عشرات الأمتار، لوكالة الصحافة الفرنسية، على صوت نيران المدفعية: «نحفر عندما يكون الجو هادئاً، نختبئ عندما يبدأ إطلاق النار». إلا أنّ أحد الضبّاط أكد أن «الوضع تحت السيطرة»، مشيراً إلى أن الجيش الروسي لم يعد يتقدم في هذه المنطقة، وأنّ الهدف هو «نصر كامل».
وفي غضون ذلك، أعلنت السلطات التي عيّنتها موسكو في منطقة زابوريجيا الأوكرانية، التي يحتلّها الجيش الروسي جزئياً، الخميس، رغبتها في تنظيم استفتاء على ضمّها من قبل روسيا في بداية الخريف. وقال يفغيني باليتسكي، رئيس الإدارة المدنية والعسكرية التي أقيمت في هذه المنطقة التي يسيطر عليها الروس: «اتخذتُ قراراً بإجراء استفتاء في بداية الخريف».
وانتقدت وزارة الخارجية الروسية الولايات المتحدة وبريطانيا، أمس (الخميس)، لمساعدتهما في تدريب القوات المسلحة الأوكرانية، وهو ما وصفته بأنه يأتي في إطار «الحرب الهجينة» التي تشنها الدولتان العضوان في حلف شمال الأطلسي على روسيا. وقالت المتحدثة باسم الوزارة، ماريا زاخاروفا، في إفادة صحافية، إن واشنطن زودت أوكرانيا بمدربين يساعدون قواتها على استخدام أنظمة هيمارس الصاروخية. وأشارت إلى أن الصواريخ، التي تتمتع بمدى أطول ودقة أعلى من أسلحة المدفعية الأخرى، تُستخدم «على نطاق واسع» من قبل القوات الأوكرانية. وأضافت زاخاروفا، كما نقلت عنها «فرنس برس»: «القوات الأوكرانية تستخدم صواريخ هيمارس التي حصلت عليها من الولايات المتحدة في كل مكان». وتابعت قائلة إن واشنطن «أرسلت سراً مدربين» إلى أوكرانيا لمساعدة قواتها على تعلم كيفية استخدام الأسلحة الجديدة وتوجيهها، ما أدى إلى قصف أهداف مدنية في المناطق التي تسيطر عليها روسيا. وقالت الولايات المتحدة إنه سيتم نشر 8 من أنظمة هيمارس في أوكرانيا بحلول منتصف يوليو (تموز) الحالي. ويعتقد محللون عسكريون أن الأسلحة الجديدة يمكن أن تغير دفة الأوضاع، وتقول كييف إنها استخدمت الصواريخ بالفعل لتدمير كثير من مستودعات الذخيرة الروسية في شرق أوكرانيا. كما انتقدت زاخاروفا قرار بريطانيا استقدام مئات من العسكريين الأوكرانيين إلى أراضيها للتدريب على الأسلحة. وقالت إن المبادرة البريطانية الجديدة لتدريب ما يصل إلى 10 آلاف جندي أوكراني خلال الأشهر المقبلة جزء من «الحرب الهجينة» التي يشنها الغرب على موسكو.
الجيش الأوكراني يشن هجوماً جديداً على القوات الروسية في جنوب البلاد
20 قتيلاً في غارات على فينيتسا... وزيلينسكي يطالب بـ«محكمة خاصة»
الجيش الأوكراني يشن هجوماً جديداً على القوات الروسية في جنوب البلاد
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة