شركات النفط العالمية الكبرى لا تتوقع أي تغيير في اجتماع الجمعة

خفض سقف إنتاج «أوبك» مستبعد مع رضا دول الخليج عن حالة السوق

من اليسار إلى اليمن: وزير النفط الهندي براداهان ووزير النفط العراقي عادل عبد المهدي ووزير النفط الإيراني نامدار زنكنة ووزير النفط والمناجم الفنزويلي اسدروبال تشافيز والأمين العام لمنظمة الطاقة الدولية الدو فلوريس كويروغا أثناء الندوة الدولية السادسة لمنظمة أوبك في فيينا قبل اجتماع المنظمة غدا الجمعة. (أ.ف.ب)
من اليسار إلى اليمن: وزير النفط الهندي براداهان ووزير النفط العراقي عادل عبد المهدي ووزير النفط الإيراني نامدار زنكنة ووزير النفط والمناجم الفنزويلي اسدروبال تشافيز والأمين العام لمنظمة الطاقة الدولية الدو فلوريس كويروغا أثناء الندوة الدولية السادسة لمنظمة أوبك في فيينا قبل اجتماع المنظمة غدا الجمعة. (أ.ف.ب)
TT

شركات النفط العالمية الكبرى لا تتوقع أي تغيير في اجتماع الجمعة

من اليسار إلى اليمن: وزير النفط الهندي براداهان ووزير النفط العراقي عادل عبد المهدي ووزير النفط الإيراني نامدار زنكنة ووزير النفط والمناجم الفنزويلي اسدروبال تشافيز والأمين العام لمنظمة الطاقة الدولية الدو فلوريس كويروغا أثناء الندوة الدولية السادسة لمنظمة أوبك في فيينا قبل اجتماع المنظمة غدا الجمعة. (أ.ف.ب)
من اليسار إلى اليمن: وزير النفط الهندي براداهان ووزير النفط العراقي عادل عبد المهدي ووزير النفط الإيراني نامدار زنكنة ووزير النفط والمناجم الفنزويلي اسدروبال تشافيز والأمين العام لمنظمة الطاقة الدولية الدو فلوريس كويروغا أثناء الندوة الدولية السادسة لمنظمة أوبك في فيينا قبل اجتماع المنظمة غدا الجمعة. (أ.ف.ب)

لا يبدو أن دول الخليج الأربع ستوافق على أي تخفيض لسقف إنتاج منظمة البلدان المصدرة للبترول (أوبك) عندما يجتمع وزراء المنظمة غدا الجمعة في العاصمة النمساوية فيينا، ولا يبدو أن واحدة من الشركات العالمية الكبرى التي حضرت إلى ندوة «أوبك» الدولية أمس لديها اعتقاد بأن يتم تخفيض السقف.
وبدا هذا واضحًا من تصريحات الوزراء والشركات الكبرى العالمية، بل حتى إن وزير الطاقة الروسي الكسندر نوفاك قد صرح في فيينا أمس أنه لا يتوقع أي تغيير في استراتيجية «أوبك» الحالية أو السقف.
وعلى الرغم من رفض الوزراء الأربعة للسعودية والكويت والإمارات العربية المتحدة وقطر من الإدلاء بأي تصريح حول توقعهم للاجتماع القادم فإنهم أرسلوا إشارات للجميع أن الوضع الحالي للسوق مناسب جدًا لهم، مما يعني أن السقف الحالي عند 30 مليون برميل يوميًا مناسب.
وجاءت تصريحات الوزراء الخليجيين في الوقت الذي تطالب فيه إيران والعراق بأن تفسح باقي دول «أوبك» المجال للنفط الإيراني للعودة إلى الأسواق. وسيقدم وزير النفط الإيراني بيجن زنغنه إلى الوزراء يوم غد الجمعة رسالة من الحكومة الإيرانية تقول لهم فيها إنها ستقوم برفع إنتاجها إلى مستويات ما قبل الحظر مباشرة متى تم رفع الحظر عنها، الذي فرضته الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي في عام 2012.
أما وزير النفط العراقي عادل عبد المهدي فقد قال للصحافيين إنه من غير المناسب أن يبقى الحظر مفروضًا على إيران ومن غير المناسب أن لا تفسح دول «أوبك» لإيران المجال للعودة إلى السوق لتصدير الكميات التي كانت تصدرها سابقًا.
من ناحيته قال وزير النفط الكويتي علي العمير لـ«الشرق الأوسط» على هامش الندوة إنه يرى السوق في حالة جيدة والأسعار كذلك، مضيفًا: «لقد تحسن الوضع كثيرًا عما كنا نتوقعه».
وقال وزير النفط القطري محمد السادة في كلمته خلال الندوة إنه يتوقع أن تكون سوق النفط أكثر توازنا في النصف الثاني من العام. وأضاف الوزير: «بالنظر إلى سوق النفط اليوم نجد أن هناك عددا من الأسباب التي تبعث على التفاؤل بشأن الوضع العام مستقبلا. التعافي الاقتصادي العالمي يظهر مؤشرات مشجعة والطلب على النفط يتحسن».
أما وزير النفط الإماراتي سهيل بن محمد المزروعي فقد أوضح أن التصحيح بسوق الخام لم ينتهِ بعد، مضيفا أنه متفائل بشدة إزاء اجتماع منظمة «أوبك» المقرر يوم الجمعة. وقال المزروعي: «الشيء الأهم هو أن الاقتصاد العالمي ينمو كما توقعن»ا. وأضاف: «الطلب يزيد والتصحيح مستمر... لم ينتهِ بعد هذا التصحيح وسيستغرق وقتا». ولم يخفِ المزروعي تفاؤله عندما قال: «سننتظر لنهاية العام حتى نعرف ما سيحدث لميزان العرض والطلب، لكن لا ريب أن تخمة المعروض تراجعت كثيرا، نحن متفائلون».
وبالنسبة إلى وزير البترول السعودي علي النعيمي فإنه لم يشأ أن يتحدث عن السوق والاجتماع أمس واكتفى بالحديث بصورة مقتضبة عن مستقبل الطاقة. وقال النعيمي للحضور إن توقعات الطاقة في المدى الطويل تبدو إيجابية للغاية. وأضاف: «نلبي الطلب العالمي ولا أتوقع أن يتغير ذلك».
من جهته رفض الأمين العام لمنظمة «أوبك» عبد الله البدري الحديث عن توقعاته للاجتماع القادم، ولكنه أكد أن المنظمة لا تستهدف أحدا من منتجي النفط بعينه باستراتيجيتها للمحافظة على حصتها السوقية. وأضاف: «ما يقال عن استهداف أي منتجين من خارج (أوبك) ليس صحيحا. نرحب بالجميع».
ويرى البدري والنعيمي أن سوق النفط حاليًا متشبعة، وهذا ما يجعل أي تأثير للعوامل السياسية على الأسعار محدود جدًا. وفي العادة يضيف المضاربون علاوة سعرية بين 10 إلى 30 دولارا فوق السعر العادي كعلاوة مخاطر.
وقال النعيمي أمس إن علاوة المخاطر قائمة في سوق النفط لكنها «صغيرة للغاية». وأضاف: «العالم بدأ يعتاد تماما على المخاطرة».
العراق وإيران
وقال وزير النفط الإيراني زنغنه أمس إنه على ثقة من أن الدول الأعضاء في «أوبك» سوف «تنسق وتأخذ في الحسبان» عودة إيران إلى السوق بعد رفع العقوبات. وأضاف أنه يعتقد أن إيران ستعود إلى السوق بشكل تدريجي ودون أن يستغرق ذلك وقتا طويلا. وقال: «بشكل فوري أو في غضون شهر من رفع العقوبات سنضخ نصف مليون برميل يوميا (إضافية) وبعد ستة أو سبعة أشهر سنصل إلى مليون برميل يوميا». وأكد أن عودة إيران لن تؤثر سلبا على السوق.
وقال وزير النفط العراقي عادل عبد المهدي إن هناك «تفاؤلا وقبولا عاما بالوضع الحالي» داخل «أوبك»، وذلك عندما سئل إن كانت المنظمة متوافقة على إبقاء سقف الإنتاج دون تغيير.
وأضاف في فيينا: «العراق مع وحدة الصف داخل (أوبك) على الدوام ومع حماية مصالح أعضائها والمصالح المستقرة لصناعة النفط. لا نريد أسعارا متقلبة كل يوم تؤثر على الميزانيات والمشاريع... ندعم سعر النفط المستقر بما يصب في صالح المستهلكين والمنتجين». وقال: «الأسعار (الحالية) أقل من اللازم والعوامل الأساسية للسوق هي التي تقود الأسعار».
وقال البدري الأمين العام لـ«أوبك» إنه لا يتوقع اجتماعا طويلا للمنظمة، مضيفا: «كل شيء واضح للغاية».
ويشكل هذا تغيرا في النبرة عن اجتماع المنظمة السابق في نوفمبر (تشرين الثاني) 2014 حينما حاولت فنزويلا وآخرون دون جدوى إقناع السعودية وحلفائها الخليجيين بخفض الإنتاج. وبدلا من ذلك أرست المملكة اتجاهها «دعه يمر» قائلة إنها لن تدرس خفض الإنتاج دون تعاون المنتجين من خارج المنظمة مثل روسيا. وفي هذه المرة فإن الدعوات إلى التعاون خفتت مع عدم مبالاة من موسكو رغم انتهاز «أوبك» الفرصة للتأكيد على أهمية العمل معا، وربما لا تزال هناك بعض اللحظات المتقلبة، فإيران تسعى لضمان حيز لها مع عودتها التدريجية إلى سوق النفط بعد غياب لسنوات، إذ قلصت العقوبات صادراتها بنحو النصف إلى نحو مليون برميل يوميا بحسب ما قاله مسؤول يوم الاثنين.
وحتى إذا توصلت إيران والقوى العالمية إلى اتفاق في الموعد النهائي المقرر في 30 يونيو (حزيران) حول رفع تدريجي للعقوبات المرتبطة ببرنامج طهران النووي فإن معظم المحللين يتوقعون أن يستغرق الأمر أشهرا إن لم يكن عاما أو أكثر قبل أن يبدأ الإنتاج الإيراني في التعافي، وهو ما لا يجعل هناك أي سبب يدفع «أوبك» إلى بحث تلك المسألة الآن.
ويرى بعض المحللين ومن بينهم محللون لدى مورغان ستانلي أن هناك احتمالا ضئيلا في أن تفاجئ «أوبك» السوق وترفع سقف الإنتاج الذي يبلغ الآن 30 مليون برميل يوميا. ويستبعد بعض أعضاء المنظمة مثل هذا الاحتمال.
روسيا والشركات
من جهته قال وزير الطاقة الروسي نوفاك إنه لا أحد في منظمة «أوبك» يقترح أن تخفض المنظمة إنتاجها من النفط في اجتماعها في فيينا في وقت لاحق من الأسبوع. وقال نوفاك في ندوة «أوبك»: «قابلت الجميع تقريبا في (أوبك) ولم أسمع من أحد منهم أي اقتراح بخفض الإنتاج».
ومن المنتظر أن تواصل منظمة «أوبك» ضخ النفط بأقصى ما تستطيع تقريبا لأشهر أخرى مع قناعتها بأن علاج صدمة السوق في العام الماضي أنعش الطلب وأزاح منافسة متنامية.
ويرى الوزير الروسي أن أسعار النفط ستستقر بين 60 إلى 70 دولارا في السنوات الثلاث القادمة، وأن بلده سيتمسك بإنتاجه الحالي لفترة طويلة والبالغ قرابة 10.5 مليون برميل يوميًا. ومع استقرار أسعار النفط حاليا عند نحو 65 دولارا للبرميل، وهو أعلى نحو 20 دولارا عن مستوياتها المنخفضة في يناير (كانون الثاني)، فإن هناك رغبة ضعيفة داخل المنظمة لتعديل الحدود القصوى للإنتاج، وهو ما يراه بعض المحللين خارج نطاق قدرتها.
وقال بوب دادلي الرئيس التنفيذي لشركة «بي بي» إنه يتوقع «بعض الضعف» بأسعار النفط في النصف الثاني من العام مع استمرار تنامي الإمدادات العالمية. وقال على هامش ندوة «أوبك»: «نمو المعروض آخذ بالتزايد. العرض والطلب متوازنان حاليا». وأضاف دادلي: «أعتقد أننا قد نرى استمرار بعض الضعف في السعر، ونتيجة لذلك يجب علينا كصناعة أن نعدل هياكل التكلفة وهياكل الضرائب في أنحاء العالم».



قنابل موقوتة تهدد الاقتصاد العالمي في 2025

ترمب وشي في قمة زعماء مجموعة العشرين بأوساكا باليابان عام 2019 (أرشيفية - رويترز)
ترمب وشي في قمة زعماء مجموعة العشرين بأوساكا باليابان عام 2019 (أرشيفية - رويترز)
TT

قنابل موقوتة تهدد الاقتصاد العالمي في 2025

ترمب وشي في قمة زعماء مجموعة العشرين بأوساكا باليابان عام 2019 (أرشيفية - رويترز)
ترمب وشي في قمة زعماء مجموعة العشرين بأوساكا باليابان عام 2019 (أرشيفية - رويترز)

رئيس أميركي جديد... حرب تجارية مهددة... استمرار تعثر اقتصاد الصين... اضطرابات سياسية في مراكز القوة بأوروبا... توترات جيوسياسية في الشرق الأوسط... يبدو أن عام 2025 سيكون عاماً آخر استثنائياً. فكيف سيشكل كل ذلك الاقتصاد العالمي في عام 2025؟

في عام 2024، اتجه الاقتصاد العالمي نحو التحسن في ظل تباطؤ معدلات التضخم، رغم استمرار المخاطر.

لكن العام المقبل يقف عند منعطف محوري. فمن المرجح أن يرفع الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب الرسوم الجمركية، واضعاً حواجز حمائية حول أكبر اقتصاد في العالم، بينما سيستمر قادة الصين في التعامل مع عواقب العيوب الهيكلية داخل نموذج النمو في ثاني أكبر اقتصاد بالعالم. أما منطقة اليورو، فستظل محاصرة في فترة من النمو المنخفض للغاية.

ترمب ورئيس الوزراء الكندي جاستن ترودو يتحدثان قبل اجتماع حلف شمال الأطلسي (أ.ب)

وعلى الرغم من كل هذه التحديات، يُتوقع أن يظل الاقتصاد العالمي ككل مرناً نسبياً في 2025. ويفترض صندوق النقد الدولي بتقرير نشره في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، أي قبل حسم نتائج الانتخابات الأميركية، أن يظل النمو ثابتاً عند 3.2 في المائة بالعام المقبل، وهو نفسه الذي توقعه لعام 2024. بينما التوقعات بتباطؤ النمو في الولايات المتحدة إلى 2.2 في المائة في عام 2025، من 2.8 في المائة في عام 2024، مع تباطؤ سوق العمل. في حين توقعت جامعة ميشيغان في أواخر نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، أن يتباطأ نمو الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي بأميركا إلى 1.9 في المائة في عام 2025.

وفي منطقة اليورو، من المتوقع أن يبلغ النمو 1.2 في المائة في عام 2025، وهو أضعف قليلاً من توقعات الصندوق السابقة. ويشار هنا إلى أن الأحداث السياسية في كل من فرنسا وألمانيا سيكون لها وقعها على نمو منطقة اليورو ككل. فالسياسات الاقتصادية الفرنسية والألمانية تعوقها حالة كبيرة من عدم اليقين السياسي بعد استقالة رئيس الوزراء الفرنسي ميشال بارنييه ضحية الموازنة، وانهيار الائتلاف الحكومي في ألمانيا للسبب نفسه.

أما الصين، فيتوقع الصندوق أن ينمو ناتجها المحلي الإجمالي بنسبة 4.6 في المائة في عام 2025 مع مخاوف تحديات استمرار ضعف سوق العقارات، وانخفاض ثقة المستهلكين والمستثمرين، وذلك في وقت تكافح فيه بكين للتوفيق بين إعادة توجيه استراتيجيتها للنمو والضغوط قصيرة الأجل لإجراءات التحفيز غير المكتملة. لكن وكالة «فيتش» أقدمت منذ أيام على خفض توقعاتها السابقة بالنسبة لنمو الاقتصاد الصيني من 4.5 في المائة إلى 4.3 في المائة.

موظف يعمل بشركة تصنيع قطع غيار سيارات في تشينغتشو (أ.ف.ب)

السياسة النقدية في 2024

لقد كان من الطبيعي أن يمثل تباطؤ التضخم المسجل في عام 2024، أرضية لبدء مسار خفض أسعار الفائدة من قبل المصارف المركزية الكبرى. وهو ما حصل فعلاً. فالاحتياطي الفيدرالي خفّض أسعار الفائدة الفيدرالية مرتين وبمقدار 75 نقطة أساس حتى نوفمبر 2024 - و25 نقطة أساس أخرى متوقعة باجتماع في 17 و18 ديسمبر (كانون الأول) الحالي - لتصل إلى 4.50 - 4.75 في المائة، رغم نمو الاقتصاد بواقع 3 في المائة.

رئيس الاحتياطي الفيدرالي جيروم باول يتحدث إلى رئيسة المصرف المركزي الأوروبي كريستين لاغارد ويتوسطهما محافظ بنك اليابان كاز أودا في مؤتمر «جاكسون هول» (رويترز)

أما المصرف المركزي الأوروبي، فأجرى خفضاً للفائدة 4 مرات في 2024 وبواقع 25 نقطة أساس كل مرة إلى 3.00 في المائة بالنسبة لسعر الفائدة على الودائع.

بنك إنجلترا من جهته، خفّض أسعار الفائدة مرتين بمقدار 25 نقطة أساس (حتى اجتماعه في نوفمبر).

باول ومحافظ بنك إنجلترا أندرو بيلي ورئيس بنك كندا المركزي تيف ماكليم (رويترز)

وبالنسبة لبنك الشعب (المصرف المركزي الصيني)، فلقد كان التيسير مع مجموعة أدواته الموسعة حافلاً هذا العام، حيث تم الإعلان عن إصلاح إطار عمل جديد للسياسة النقدية في شهر يونيو (حزيران)، وتخفيضات بمقدار 30 نقطة أساس في سعر إعادة الشراء العكسي لمدة 7 أيام، وتخفيضات بمقدار 100 نقطة أساس في سعر إعادة الشراء العكسي، وبرامج جديدة لدعم أسواق الأسهم والعقارات.

إلا أن المفاجأة كانت في تغيير زعماء الصين موقفهم بشأن السياسة النقدية إلى «ميسرة بشكل معتدل» من «حكيمة» للمرة الأولى منذ 14 عاماً، ما يعني أن القيادة الصينية تأخذ المشاكل الاقتصادية على محمل الجد. وكانت الصين تبنت موقفاً «متراخياً بشكل معتدل» آخر مرة في أواخر عام 2008، بعد الأزمة المالية العالمية وأنهته في أواخر عام 2010.

ولكن ماذا عن عام 2025؟

سوف تستمر المصارف المركزية في خفض أسعار الفائدة على مدى العام المقبل، ولكن في أغلب الاقتصادات الكبرى سوف تمضي هذه العملية بحذر.

بالنسبة للاحتياطي الفيدرالي، يبدو أن التوقف عن الخفض في اجتماع يناير (كانون الثاني) أمر محتمل، حيث إنه سيكون لديه بحلول اجتماع مارس (آذار)، فهم أكثر وضوحاً لخطط الرئيس دونالد ترمب بشأن التعريفات والضرائب والإنفاق والهجرة وغيرها. ومن المؤكد أن احتمالات خفض الضرائب المحلية لدعم النمو التي ستدفع بالطبع التضخم إلى الارتفاع، ستؤيد مساراً أبطأ وأكثر تدريجية لخفض أسعار الفائدة العام المقبل. وهناك توقعات بحصول خفض بمقدار 25 نقطة أساس لكل ربع في عام 2025.

متداول في سوق نيويورك للأوراق المالية يستمع إلى مؤتمر باول الصحافي (رويترز)

أما المصرف المركزي الأوروبي، فيبدو أنه مصمم الآن على المضي قدماً في إعادة أسعار الفائدة إلى المستوى المحايد بأسرع ما يمكن مع ضعف النمو الشديد وتباطؤ ظروف سوق العمل، وسط توقعات بأن يخفض سعر الفائدة الرئيسي إلى نحو 1.5 في المائة بحلول نهاية عام 2025. ومن بين العواقب المترتبة على ذلك أن اليورو من المرجح أن يضعف أكثر، وأن يصل إلى التعادل مقابل الدولار الأميركي العام المقبل.

وعلى النقيض من المصرف المركزي الأوروبي، يتخذ بنك إنجلترا تخفيضات أسعار الفائدة بشكل تدريجي للغاية. ومن المتوقع أن تعمل الموازنة الأخيرة وكل الإنفاق الحكومي الإضافي الذي جاء معها، على تعزيز النمو في عام 2025. وهناك توقعات بأن يقفل العام المقبل عند سعر فائدة بواقع 3.75 في المائة، قبل أن ينخفض ​​إلى أدنى مستوى دوري عند 3.50 في المائة في أوائل عام 2026.

أما بنك الشعب، فسوف يبني العام المقبل على الأسس التي وضعها هذا العام، حيث تشير التوقعات إلى تخفيضات تتراوح بين 20 و30 نقطة أساس في أسعار الفائدة، مع مزيد من التخفيضات إذا جاءت الرسوم الجمركية الأميركية في وقت مبكر أو أعلى مما هو متوقع حالياً، وفق مذكرة للمصرف الأوروبي «آي إن جي». ومن المتوقع على نطاق واسع خفض آخر لمعدل الفائدة بمقدار 50 نقطة أساس في الأشهر المقبلة، حتى إنه يمكن حصول تخفيضات تراكمية بمقدار 100 نقطة أساس في معدل الفائدة قبل نهاية عام 2025.

حرب تجارية على الأبواب؟

وبين هذا وذاك، هناك ترقب كبير للتعريفات الجمركية التي تعهد ترمب بفرضها، والتي يرجح على نطاق واسع أن تلعب مرة أخرى دوراً رئيساً في أجندته السياسية، وهو ما ستكون له انعكاساته بالتأكيد على الاقتصاد العالمي.

سفن حاويات راسية في ميناء أوكلاند (أ.ف.ب)

فترمب هدّد في البداية مثلاً بفرض رسوم جمركية بنسبة 60 في المائة على جميع الواردات الصينية، ورسوم جمركية تتراوح بين 10 في المائة و20 في المائة على الواردات من جميع البلدان الأخرى. ثم توعّد المكسيك وكندا بفرض تعريفات جمركية بنسبة 25 في المائة على جميع الواردات منهما، إذا لم تحلّا مشكلة المخدرات والمهاجرين على الحدود مع الولايات المتحدة، و10 في المائة رسوماً جمركية على الواردات من الصين (تضاف إلى الرسوم الحالية) بمجرد تنصيبه في 20 يناير. ولاحقاً، توعد مجموعة «بريكس» بفرض تعريفات جمركية تصل إلى 100 في المائة، إذا أقدمت على إنشاء عملة جديدة من شأنها إضعاف الدولار.

ويبدو أن ترمب جاد هذه المرة في فرض التعريفات الجمركية التي يصفها بأنها أجمل كلمة في القاموس، بدليل ترشيحه الرئيس التنفيذي لشركة «كانتور فيتزجيرالد» في وول ستريت، هوارد لوتنيك، لتولي منصب وزير التجارة، والذي قال عنه إنه «سيتولى ملف التجارة والتعريفات».

وينص قانون سلطات الطوارئ الاقتصادية الدولية على قدرة الرئيس على إصدار إجراءات اقتصادية طارئة للتعامل مع «أي تهديد غير عادي واستثنائي، يكون مصدره بالكامل أو جزئياً خارج الولايات المتحدة، للأمن القومي أو السياسة الخارجية أو اقتصاد الولايات المتحدة». وهو ما يطلق يد ترمب في إقرار رسوم جمركية جديدة.

من هنا، قد تشكل الحرب التجارية أكبر خطر يهدد النمو العالمي في عام 2025. ورسم المحللون أوجه تشابه مع ثلاثينات القرن العشرين، عندما أدى فرض التعريفات الجمركية الأميركية إلى رد فعل انتقامي من قبل حكومات أخرى، وأدى إلى انهيار التجارة العالمية الذي أدى بدوره إلى تعميق الكساد الأعظم.

وفي أواخر أكتوبر، تناول صندوق النقد الدولي في تقرير له، التأثيرات المترتبة على النمو والتضخم في حرب تجارية محتملة عام 2025. فوضع التقرير سيناريو حرب تجارية مع افتراض فرض تعريفات جمركية أميركية بنسبة 10 في المائة على جميع الواردات، تقابلها إجراءات انتقامية واسعة النطاق من جانب أوروبا والصين تعادل 10 في المائة تعريفات جمركية على الصادرات الأميركية، وعلى جميع التجارة بين الصين والاتحاد الأوروبي، على أن يتم تنفيذها بحلول منتصف عام 2025.

في هذا السيناريو، يتوقع صندوق النقد الدولي أن تؤدي التعريفات الجمركية إلى خفض نمو الناتج المحلي الإجمالي العالمي بنسبة -0.1 في المائة في عام 2025، مما يخفض توقعاته الأساسية من 3.2 في المائة إلى 3.1 في المائة.

مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية (أونكتاد) من جهته يحذر من آفاق غير مؤكدة تواجه التجارة العالمية عام 2025، بسبب تهديد الحروب التجارية. ويعدّ أن «آفاق التجارة في عام 2025 مشوبة بتحولات محتملة في السياسة الأميركية، بما في ذلك التعريفات الجمركية الأوسع نطاقاً التي قد تعطل سلاسل القيمة العالمية وتؤثر على الشركاء التجاريين الرئيسين».

وفي استطلاع أجرته «رويترز» مؤخراً مع 50 اقتصادياً، قدّر هؤلاء أن ينخفض معدل النمو الاقتصادي في الصين ​​بمقدار من 0.5 إلى 1.0 نقطة مئوية في عام 2025، حال تم فرض التعريفات الجمركية.

الدين العالمي إلى مستويات قياسية

ولا تقتصر التحديات التي يواجهها الاقتصاد العالمي على ما سبق تعداده، فالعالم يواجه اليوم تحدياً غير مسبوق مع تصاعد الديون العالمية إلى 323 تريليون دولار، بحسب بيانات معهد التمويل الدولي، وهو رقم يصعب تخيله أو استيعابه، والمتوقع ارتفاعه أكثر في 2025 إذا نفذ ترمب تعهداته.

لافتة إلكترونية في محطة انتظار الحافلات حول حجم الدين الوطني الحالي للولايات المتحدة (رويترز)

فالتقلبات المتوقعة لسياسات ترمب دفعت بعض الدول إلى إصدار ديون قبل توليه منصبه، عندما قد تصبح الأسواق أقل قابلية للتنبؤ.

وحذر معهد التمويل الدولي من أن التوترات التجارية المزدادة وانقطاعات سلسلة التوريد تهدد النمو الاقتصادي العالمي، مما يزيد من احتمالات حدوث دورات ازدهار وكساد صغيرة في أسواق الديون السيادية مع عودة الضغوط التضخمية وتشديد المالية العامة. وسوف تفاقم زيادة تكلفة الفائدة نتيجة لذلك الضغوط المالية وتجعل إدارة الديون صعبة بشكل مزداد.

وأخيراً لا شك أن التحولات الجيوسياسية تلعب دوراً مهماً في تشكيل الاقتصاد العالمي عام 2025. وهي تفترض مراقبة خاصة ودقيقة ومعمقة لتداعيات التنافس بين الولايات المتحدة والصين، التي قد تزداد وتيرتها حدة لتكون عواقبها الاقتصادية محسوسة على مدى سنوات، وليس أشهراً، بحيث يتردد صداها طوال العام المقبل وما بعده.