صيد الأسماك... نموذجاً للتنوع الثقافي

صيد الأسماك... نموذجاً للتنوع الثقافي
TT

صيد الأسماك... نموذجاً للتنوع الثقافي

صيد الأسماك... نموذجاً للتنوع الثقافي

تحت وطأة العولمة تتراجع الخصوصية الثقافية ويبدو الجميع متساوين في الملبس والمأكل والاهتمامات. من هذه الفكرة ينطلق كتاب «صناعة الصورة والتنوع الثقافي» الصادر عن الهيئة المصرية العامة للكتاب للباحثة الدكتور ولاء محمد محمود، التي ترصد عبر دراسة ميدانية بالكلمة والصورة نماذج من المجتمعات التي تقوم حياتها بالكامل على صيد الأسماك باعتبارها تشكل مقاومة طبيعية لفكرة «تنميط» الحياة وجعل جميع البشر دون تنوع أو خصوصية وفقاً لمقتضيات ثورة الاتصالات والإعلام الجديد.
تركز الدراسة على منطقة «المكس» بمدينة الإسكندرية، حيث توجد قرية «عزبة» الصيادين، وهي مجموعة من البيوت الصغيرة، ملونة الجدران، تتناثر على ضفتي مجرى ترعة الخندق الممتدة من بحيرة «مريوط» إلى البحر الأبيض المتوسط. ترابض أمامها قوارب خشبية وزوارق، في حين يبلغ عدد هذه البيوت الصغيرة قرابة 200 منزل، ولا يتعدى ارتفاع الواحد منها ثلاثة طوابق أو أربعة نظراً لأنها بنيت فوق أراض لينة من الطين؛ ولذلك فإن أي محاولة لتعلية الأدوار سوف يؤثر بالسلب في الأساس. ويعمل معظم قاطني هذه المنطقة بحرفة صيد السمك عبر قوارب صغيرة يتوارثونها من جيل إلى آخر، كما أن أهالي هذه المنطقة هم سكان المكس الأصليون منذ آلاف السنين وهم يعملون بحرفة صيد الأسماك بينما تمتد منازلهم على مسافة كيلومتر ونصف الكيلومتر، وتتميز بنسق معماري شعبي يأخذ شكل المدرج بحيث ترى كل البيوت مياه البحر بلا فواصل.
وحرفة الصيد هنا مقصورة على الرجال، فلا نجد الزوجة تشارك زوجها العمل، فهن جميعاً ربات منازل ويكمن دور الزوجة في كونها تهيئ لزوجها المناخ الملائم لتجهيز الأطعمة التي تلزمه في رحلته، حيث ينهض منذ الفجر ويظل في البحر حتى المغرب، كذلك تجد أن الكثيرين من أبناء المنطقة وخصوصاً الشباب قد تخرجوا في كليات ومعاهد مختلفة، ومع ذلك فهم يعملون بتلك الحرفة. ولعل أهم المشاهد المميزة في تلك المنطقة هو تجمعات الصيادين على القوارب لحياكة الشباك وتجهيزها للصيد في حميمية قد لا تراها في مكان آخر تفرضها عليهم طبيعة المكان وطبيعة مهنتهم التي تقوم على تعاون الجميع.
وتتميز منطقة المكس بالأبنية الشعبية القديمة التي ما زالت تحتفظ بأصالتها ولا تفقد قيمتها عبر العصور؛ لأنها تدل على جانب كبير من جوانب التراث المصري ولا يفرط بها أصحابها البسطاء رغم ما يتعرضون له من إغراءات كبيرة لبيع أملاكهم من عمارات وأراضٍ لشركات استثمارية ذات صبغة عولمية، لكن الأبنية القديمة التي لا يقدر قيمتها إلا من عاش بها.
بنيت من الطوب اللبن على أراضٍ مدرجة ومعظمها مطلي باللون الرمادي، أما شرفات المنازل فيقوم سكانها بطلائها باللونين الأزرق والأخضر غالباً. وتختلف ملابس الصيادين باختلاف أعمارهم، فالرجال فوق الخمسين عاماً يقومون بالصيد وهم يرتدون الجلباب الفلاحي الواسع ذا الأكمام والياقة الدائرية، وتظهر أنواع تلك الجلاليب بين اللونين الرمادي والبني الغامق كنوع من الوقار من وجهة نظرهم. أما الشباب فيرتدون الملابس العادية كقميص وبنطلون أو «تي شيرت». يمتلك الصيادون في منطقة المكس قرابة 100 فلوكة (مركب صغير)، فضلاً عن 300 قارب، وهي مراكب كبيرة.
وترتبط حياة الصيادين ببعض المعتقدات حول الصيد وأدواته، فنجد أن النساء يعتقدن أن شبكة الصيد لها القدرة على علاج العقم ومن ثم يطلبن من الصيادين عمل شبكة بمقياس خصر السيدة التي تريد الإنجاب لتقوم الأخيرة بلفها على وسطها بثلاث رصاصات لربطها بإحكام لتساعدها على الإنجاب، وتقوم بفكها بعد أسبوع ثم يحدث الحمل، أو هكذا يأملن. كما يعتقد البعض أن ماء البحر له قدرة سحرية فيأتي بعض الأهالي من محافظات بعيدة عن الإسكندرية مثل الواحات إلى المكس لجلب السعادة إلى أبنائهم المتزوجين حديثاً عن طريق إلقاء المأكولات المطبوخة من دجاج وحمام. كما يقوم الصيادون بإلقاء «مخلفات الولادة» في البحر لتحقيق «العمر الطويل» للأم والمولود معاً.
وتعكس الأمثال الشعبية والأغاني حول الصيد والبحر نوع الحياة المبهجة التي ينشدها الصيد فضلاً عن الحكمة، ومن ذلك قولهم «المركب اللي عليها ريسين تغرق» وهو يحذر من أن كثرة الآراء داخل العمل في البحر تفسد العمل فيجب أن يكون للمركب قائد واحد فقط. وهناك أيضاً قولهم «البحر موجود والرب له وجود». ويقوم الصيادون بترديد الأغاني المرتبطة بالبحر والشباك فرحاً بنجاح رحلة الصيد أو أثناء الرحلة نفسها مثل تلك الأغنية التي يقول مطلعها:
«يا بحر فيك العِبر
فيك السمك ألوان
لو مرة موجك بقى عالي
أصبح أنا التعبان
فيك اللي نجا
وفيك اللي مات غرقان»


مقالات ذات صلة

«تيك توك» أكثر جدوى من دور النشر في تشجيع الشباب على القراءة

يوميات الشرق «تيك توك» أكثر جدوى من دور النشر  في تشجيع الشباب على القراءة

«تيك توك» أكثر جدوى من دور النشر في تشجيع الشباب على القراءة

كشفت تقارير وأرقام صدرت في الآونة الأخيرة إسهام تطبيق «تيك توك» في إعادة فئات الشباب للقراءة، عبر ترويجه للكتب أكثر من دون النشر. فقد نشرت مؤثرة شابة، مثلاً، مقاطع لها من رواية «أغنية أخيل»، حصدت أكثر من 20 مليون مشاهدة، وزادت مبيعاتها 9 أضعاف في أميركا و6 أضعاف في فرنسا. وأظهر منظمو معرض الكتاب الذي أُقيم في باريس أواخر أبريل (نيسان) الماضي، أن من بين مائة ألف شخص زاروا أروقة معرض الكتاب، كان 50 ألفاً من الشباب دون الخامسة والعشرين.

أنيسة مخالدي (باريس)
يوميات الشرق «تيك توك» يقلب موازين النشر... ويعيد الشباب إلى القراءة

«تيك توك» يقلب موازين النشر... ويعيد الشباب إلى القراءة

كل التقارير التي صدرت في الآونة الأخيرة أكدت هذا التوجه: هناك أزمة قراءة حقيقية عند الشباب، باستثناء الكتب التي تدخل ضمن المقرّرات الدراسية، وحتى هذه لم تعد تثير اهتمام شبابنا اليوم، وهي ليست ظاهرة محلية أو إقليمية فحسب، بل عالمية تطال كل مجتمعات العالم. في فرنسا مثلاً دراسة حديثة لمعهد «إبسوس» كشفت أن شاباً من بين خمسة لا يقرأ إطلاقاً. لتفسير هذه الأزمة وُجّهت أصابع الاتهام لجهات عدة، أهمها شبكات التواصل والكم الهائل من المضامين التي خلقت لدى هذه الفئة حالةً من اللهو والتكاسل.

أنيسة مخالدي (باريس)
يوميات الشرق آنية جزيرة تاروت ونقوشها الغرائبية

آنية جزيرة تاروت ونقوشها الغرائبية

من جزيرة تاروت، خرج كم هائل من الآنية الأثرية، منها مجموعة كبيرة صنعت من مادة الكلوريت، أي الحجر الصابوني الداكن.

يوميات الشرق خليل الشيخ: وجوه ثلاثة لعاصمة النور عند الكتاب العرب

خليل الشيخ: وجوه ثلاثة لعاصمة النور عند الكتاب العرب

صدور كتاب مثل «باريس في الأدب العربي الحديث» عن «مركز أبوظبي للغة العربية»، له أهمية كبيرة في توثيق تاريخ استقبال العاصمة الفرنسية نخبةً من الكتّاب والأدباء والفنانين العرب من خلال تركيز مؤلف الكتاب د. خليل الشيخ على هذا التوثيق لوجودهم في العاصمة الفرنسية، وانعكاسات ذلك على نتاجاتهم. والمؤلف باحث وناقد ومترجم، حصل على الدكتوراه في الدراسات النقدية المقارنة من جامعة بون في ألمانيا عام 1986، عمل أستاذاً في قسم اللغة العربية وآدابها في جامعة اليرموك وجامعات أخرى. وهو يتولى الآن إدارة التعليم وبحوث اللغة العربية في «مركز أبوظبي للغة العربية». أصدر ما يزيد على 30 دراسة محكمة.

يوميات الشرق عمارة القاهرة... قصة المجد والغدر

عمارة القاهرة... قصة المجد والغدر

على مدار العقود الثلاثة الأخيرة حافظ الاستثمار العقاري في القاهرة على قوته دون أن يتأثر بأي أحداث سياسية أو اضطرابات، كما شهد في السنوات الأخيرة تسارعاً لم تشهده القاهرة في تاريخها، لا يوازيه سوى حجم التخلي عن التقاليد المعمارية للمدينة العريقة. ووسط هذا المناخ تحاول قلة من الباحثين التذكير بتراث المدينة وتقاليدها المعمارية، من هؤلاء الدكتور محمد الشاهد، الذي يمكن وصفه بـ«الناشط المعماري والعمراني»، حيث أسس موقع «مشاهد القاهرة»، الذي يقدم من خلاله ملاحظاته على عمارة المدينة وحالتها المعمارية.

عزت القمحاوي

استعادة التراث الحضاري المصري في معرض للحرف اليدوية

منتجات يدوية وحرف تراثية متنوعة في المعرض (رئاسة مجلس الوزراء)
منتجات يدوية وحرف تراثية متنوعة في المعرض (رئاسة مجلس الوزراء)
TT

استعادة التراث الحضاري المصري في معرض للحرف اليدوية

منتجات يدوية وحرف تراثية متنوعة في المعرض (رئاسة مجلس الوزراء)
منتجات يدوية وحرف تراثية متنوعة في المعرض (رئاسة مجلس الوزراء)

في خطوة لاستعادة التراث الحضاري المصري، عبر تنشيط وإحياء الحرف اليدوية والتقليدية، افتتح رئيس الوزراء المصري، مصطفى مدبولي، الدورة السادسة لمعرض «تراثنا»، الخميس، التي تضم نحو ألف مشروع من الحرف اليدوية والتراثية، بالإضافة إلى جناح دولي، تشارك فيه دول السعودية والإمارات والبحرين وتونس والجزائر والهند وباكستان ولاتفيا.

المعرض الذي يستمر حتى 21 ديسمبر (كانون الأول) الحالي، يضم معروضات من الجمعيات الأهلية، من مختلف محافظات مصر، والمؤسسات الدولية شركاء التنمية، بهدف «إعادة إحياء الحرف اليدوية والصناعات التقليدية والتراثية، بما يُعزز من فرص تطورها؛ لكونها تُبرز التراث الحضاري المصري بشكل معاصر، يلبي أذواق قاعدة كبيرة من الشغوفين بهذا الفن داخل مصر وخارجها، كما تُسهم في تحسين معيشة كثير من الأسر المُنتجة»، وفق تصريحات لرئيس الوزراء المصري على هامش الافتتاح، كما جاء في بيان نشره مجلس الوزراء، الخميس.

رئيس الوزراء المصري يتفقد أجنحة المعرض (رئاسة مجلس الوزراء)

ووفق تصريحات صحافية للرئيس التنفيذي لجهاز تنمية المشروعات المتوسطة والصغيرة ومتناهية الصغر، باسل رحمي، يقدم المعرض مجموعة من الفنون المصرية المُتفردة، مثل: السجاد والكليم اليدوي، والمنسوجات، والتلّى، ومفروشات أخميم، والإكسسوار الحريمي، والحرف النحاسية والزجاجية، وأعمال التطريز، والخيامية، والصدف، والتابلوهات، والخزف، والجلود، ومنتجات الأخشاب، والخوص، والأثاث، إلى جانب الملابس التراثية، والمكرميات، وأعمال الرسم على الحرير، والبامبو، ومنتجات سيناء، وغيرها.

منتجات متنوعة في أجنحة المعرض (رئاسة مجلس الوزراء)

وعرض جناح هيئة التراث السعودية، منتجات عددٍ من أمهر الحرفيين المتخصصين في الصناعات اليدوية التقليدية، كما عرض جناح غرفة رأس الخيمة، منتجات محلية تراثية، وكذلك جناح الديوان الوطني للصناعات التقليدية في الجمهورية التونسية.

وأعلن رحمي عن توقيع بروتوكولات تعاون مع عدة دول، من بينها الهند، لتبادل الخبرات والتنسيق في المعارض المشتركة؛ بهدف نشر الصناعات اليدوية والعمل على تسويقها داخل مصر وخارجها، مؤكداً على عقد بروتوكول تعاون مع شركة ميناء القاهرة الدولي؛ لتوفير منصات تسويقية تحت العلامة التجارية «تراثنا» داخل صالات مطار القاهرة الدولي، وإتاحة مساحات جاذبة لجمهور المسافرين والزوار لعرض وبيع منتجات الحرفيين المصريين اليدوية والتراثية.

معرض «تراثنا» يضم كثيراً من المنتجات المصنوعة يدوياً (رئاسة مجلس الوزراء)

كما سيتم توقيع مذكرة تفاهم ثلاثية بين جهاز تنمية المشروعات، والشركة المسؤولة عن تشغيل المتحف المصري الكبير، وكذلك الشركة المسؤولة عن تنظيم عمليات إنتاج وعرض المنتجات الحرفية داخل متجر الهدايا الرسمي بالمتحف لدعم وتأهيل أصحاب الحرف اليدوية والتراثية وتطوير منتجاتهم، تمهيداً لعرضها بعدد من المتاجر في مناطق سياحية مختلفة داخل وخارج البلاد، في إطار تعزيز التكامل بين الجهات الحكومية وشركات القطاع الخاص.