هذه المرة لم تنجح «مهرجانات بعلبك» في استعادة جمهورها وحسب، كما كانت تتمنى، بل اجتذبت الفئة الشبابية بأعداد غير مسبوقة. ما يقارب من أربعة آلاف شخص، زحفوا صوب مدينة الشمس بعد ظهر الأحد، ثاني أيام العيد، للقاء فرقتهم الأثيرة «أدونيس»، التي باتت شهرتها خارج لبنان، تسابق شهرتها داخله. فقد جالت الفرقة العام الماضي، في عدد من العواصم بينها باريس، ودبي، وعمان، وفي حفل بيروتي فاق حضوره كل التوقعات، وزاد على سبعة آلاف شخص، في وقت عصيب، أثبتت «أدونيس» أنها ذات شعبية كبيرة بين الشباب، واستحقت الوقوف في بعلبك.
لم تخيب الفرقة، العائدة بعد حجر الوباء وانهيار الاقتصاد، جمهورها، بل فاجأته بأكثر مما كان ينتظر منها.
اختارت لها أكثر أغنياتها شهرة وتداولاً على الألسن، من قديمها وألبومها الجديد، كما تركت للحضور غناء «كيفك أنت» لفيروز، وأمتعتهم بما يعرفونه ويحفظونه من التراث اللبناني، فصدح صوت مغني الفرقة بموال وديع الصافي «لبنان يا قطعة سما»، كما شارك الجميع في أغنية زياد الرحباني «يا ويلا». بقي الجمهور متحمساً طوال الحفل، الجميع بقي وقوفاً، فالرقص والغناء، والصراخ والقفز في الهواء، كانت من سمات المشاركة الفرحة التي واكبت الأغنيات.
جانب من حفل {أدونيس} في مهرجانات بعلبك (الشرق الأوسط)
للحظات كان يمكن للفرقة أن تتوقف عن الغناء، وحتى العزف، ويأخذ الجمهور على عاتقه هذه المهمات. فما إن تنطلق الموسيقى الخاصة بأغنية ما، حتى يكون الحاضرون قد بدأوا غناءها.
وفرقة «أدونيس» اللبنانية، الرباعية، انطلقت عام 2011 من نواة طلابية، سرعان ما وجدت جمهوراً يشجعها ويدعم مسارها. وتميزت أغنياتها، بالبساطة والسهولة، ومحاكاة مشكلات الحياة اليومية بلغة بسيطة وسلسة تشبه الكلام العادي. وإذا كان من ميزة بالفعل لهذه الفرقة مقارنة بالفرق التي تؤدي الموسيقى البديلة، فهي إصرارها على الغناء باللغة العربية، دون أن تدّعي أنها تكسر محرمات، أو تتجرأ على المألوف، أو أنها تخالف السائد. ويعود انتشار الفرقة إلى وسائل التواصل؛ خصوصاً أغنياتها على «يوتيوب» والمنصات الموسيقية، مثل «أنغامي».
أنطوني أدونيس، المغني الرئيسي، مع عازف الغيتار جووي أبوجودة، أسسا الفرقة، خلال دراستهما للهندسة المعمارية في الجامعة الأميركية في بيروت، انضم إليهما جيو فيقاني على «الباس»، ونيكولا حكيم على «الدرامز».
وفي بعلبك قدم الرباعي حفلة من العمر، على أنغام موسيقى «البوب» و«الروك»، ممتنين للجنة مهرجانات بعلبك التي اختارتهم للغناء والعزف في مكان، استقبل أشهر فناني العالم.
فرقة «أدونيس» اللبنانية الرباعية انطلقت عام 2011 (الشرق الأوسط)
وستشارك الفرقة في 19 يوليو (تموز) الحالي، في حفل ضمن «مهرجان قرطاج الدولي».
غنت «أدونيس» من ألبومها الأول «ضو البلدية» الذي أبصر النور قبل 11 عاماً، ومن الألبوم الذي تلاه بعد ذلك بعامين «من شو بتشكي بيروت»، والثالث «نور» و«12 ساعة»، ومن ثَم الألبوم الخامس «أعداء»، أما الألبوم السادس والأخير فقد سُجلت أغنيته «بس بحال» في 3 عواصم عربية، واستمع جمهور بعلبك إلى أغنيتين منه.
استمتع آلاف الشبان بالموسيقى والغناء في أجواء القلعة الرومانية، وهم يتأملون القمر شبه مكتمل، وكأنه جاء يضيف إلى هذه اللوحة الفنية بهاء آخر. ووصف رامي، الآتي من مغتربه البريطاني إلى لبنان لقضاء عطلته الصيفية، لـ«الشرق الأوسط»، الحفل بأنه «كان رائعاً جداً، والجمهور كذلك.
الجميع جاء لغاية واحدة، هي الاستمتاع بالموسيقى، ونسيان كل شيء آخر؛ خصوصاً الهموم الكثيرة التي باتت ترهق اللبنانيين». ويضيف رامي: «لا هدف للحاضرين سوى الغناء والترفيه عن النفس».
وعد هذا الشاب، الذي سبق له أن حضر حفلة لـ«أدونيس»، أن «غناء الفرقة في بعلبك أضفى سحره الخاص. إنه مكان تاريخي ويرمز لشيء كبير جداً في لبنان. أن نراهم يغنون على أدراج معبد باخوس هو أمر يمس مشاعرنا في العمق».
فرقة أدونيس في بعلبك (الشرق الأوسط)
كل الأغنيات بدت مطلوبة، وتثير الحماسة في النفوس: «شايفة»، و«طبيعية»، و«شو قولك»، و«نور»، و«من أجمل ما»، و«سطوح أدونيس»، و«فرصة على مية»، التي قدمت أشبه بأكابيلا، والأغنيات التي تسمع للمرة الأولى وهي تشكل جزءاً من الألبوم السادس والجديد.
ويعتقد هادي الذي يحضر الحفل مع أصدقاء له أن «الخلط في الحفل بين التراثي والبوب والروك المحليين، هو أكثر ما خلبني، ومن ثم إنني أعتقد أن من حضروا الحفل كانوا أضعاف الموجودين، إذ إن النقل المباشر عبر التلفونات لمشاركة الأهل والأصدقاء والمغتربين في المهاجر، لم يتوقف طوال الأمسية».
وإذ اختيرت الإضاءة وديكور المسرح، كما الشاشات الخلفية وأماكن تثبيتها، بما يتناسب وروح هذا النوع من الغناء، قال أحد الحاضرين وهو يغادر المكان مردداً أغنية للفرقة: «إذا رح موت، ومش كرمال زعيم أو كرمال القاب، ومش معروف لمين، وإذا رح موت، ومش كرمال كتاب، ولتفضا القلوب وتتعبّا الجياب»، واصفاً المكان بأنه «ساحر» والحفل «بيجنن».
هكذا غادر جمهور «أدونيس» الشبابي القلعة الرومانية وهو يكمل الغناء والرقص، ممنياً النفس بحفلات أخرى في هذا المكان الأسطوري.
وتستكمل مهرجانات بعلبك برنامجها بأمسية «فلامنكو» و«جاز»، يحييها عازف الغيتار والمؤلف الإسباني خوسيه كيفيدو بوليتا.
أما حفل الختام في 17 يوليو، فسيكون لعازف البيانو اللبناني - الفرنسي سيمون غريشي، الذي كان له فضل تنظيم حفل داعم لمهرجانات بعلبك في باريس العام الماضي.