الذاكرة الشعبية تبوح بقصص خيالية عن عيد الحج أيام زمان في السعودية

«تراجيديا الأضاحي»... الأموات ينتظرونها على نصائب القبور والأحياء ينحرونها قبل طلوع الشمس

الملك عبد العزيز يحتفل مع الأهالي في الرياض بأحد الأعياد أمام مجموعة من الأطفال من الأمراء والمواطنين
الملك عبد العزيز يحتفل مع الأهالي في الرياض بأحد الأعياد أمام مجموعة من الأطفال من الأمراء والمواطنين
TT

الذاكرة الشعبية تبوح بقصص خيالية عن عيد الحج أيام زمان في السعودية

الملك عبد العزيز يحتفل مع الأهالي في الرياض بأحد الأعياد أمام مجموعة من الأطفال من الأمراء والمواطنين
الملك عبد العزيز يحتفل مع الأهالي في الرياض بأحد الأعياد أمام مجموعة من الأطفال من الأمراء والمواطنين

مع مواسم الأعياد تبوح الذاكرة عن «عيد زمان» في السعودية، التي اختلطت فيها العادات والتقاليد والخرافة والخيال مع المنطلقات والدلالات الدينية لهذه المناسبة التي تمثل عند المسلمين فرائحية تتكرر مرتين في كل عام.
ومع حلول عيد الأضحى المبارك الذي ارتبط بأيام الحج ووسط أجواء روحانية طيلة الأيام العشر الأول من شهر ذي الحجة؛ يستذكر كبار السن مظاهر العيد في العقود الماضية، التي يحافظ السكان عليها إلى اليوم، ولم تبق منها غير أمور شكلية غابت عن المشهد بسبب تغير الحياة الاجتماعية والتنموية وتحسن مستوى المعيشة والأسلوب الغذائي وارتفاع مستوى الوعي الصحي وتعدد الأطعمة ووفرتها، ودخول أطباق جديدة على الموائد.
وتحتفظ الذاكرة الشعبية بقصص أشبه بـ«التراجيديا» حول الأضاحي؛ منها أن جزاراً ماهراً في إحدى قرى وسط السعودية كان يستعين به البعض من العاجزين ليتولى نحر أضحياتهم مقابل حصوله على أجر مالي بسيط، ولعل السائد هو إهداؤه جلد الأضحية، وكان صاحب الأضحية أو الموصى له يقف بجانب الجزار ويملي عليه اسم المضحى له ليبدأ عملية الذبح والسلخ والتقطيع؛ بداية من اشتراط التسمية والتكبير، وعندما بدأ الجزار؛ الذي أحضر ابنه ليقرأ عليه دعاء الذبح واسم المضحى له رباعياً بهذا النص: «بسم الله وجوباً، والله أكبر استحباباً»، ردد الجزار ذلك ترديداً ببغائياً (والمعنى في هذا النص أن التسمية عند الذبح واجبة، والتكبير مستحب)، ثم يبدأ عملية النحر مردداً: «اللهم اقبل أضحية عبدك فلان بن فلان...».
ويحكى أن شاباً اشتهر بروح الدعابة وبالبرود القاتل، وبالمغامرات غير المحسوبة، بل والتهور وعدم الاكتراث بما يفعل، كان يسكن مع والدته الأرملة وكانت شديدة التدين، وكانت الأضحية هاجسها طوال العام، وقد طلبت من ابنها قبل أسبوع من حلول عيد الأضحى قبل 5 عقود أن يذهب بها إلى سوق القرية حيث تجلب الأنعام قبل العيد بأيام، لشراء أضحية العيد، وقامت الأم بفحص الأضحية جيداً للتأكد من خلوها من العيوب المانعة، ولم تساوم البائع على سعر الأضحية تقديراً لهذه السُنّة، وحمل ابنها «الخروف الأقرن» بسيارته متجهاً إلى منزل الأسرة، لكن الوالدة طلبت أن يعرج بها على سوق الأعلاف لشراء كمية كبيرة من البرسيم (القت) الغني بالبروتين، لجعله طعاماً للأضحية قبل نحرها؛ أدخل الابن الخروف إلى المنزل، وطلبت الأم ألا يقيد حرية أضحيتها بالربط؛ بل تركتها تتنقل داخل المنزل والغرف، وخصصت لها مكاناً لتنام فيه ووضعت فيه الطعام، كما حرصت المرأة على سقي الأضحية بماء زمزم الذي تحتفظ في منزلها بكميات منه، كما أعدت صحناً من «الحناء» لتجميل الأضحية.
وتضيف القصة: «عاشت الأم طيلة أسبوع في سعادة لا تضاهى، وكانت تشرف على رعاية أضحيتها بحنان في انتظار يوم العيد، كما أعدت جميع متطلبات وأدوات الذبح، وفي ليلة العيد أكدت على ابنها أن يحضر جزاراً ماهراً معروفاً في القرية لنحر الأضحية، وطيلة أسبوع كان ثغاء الأضحية يملأ فضاء المنزل، بل يعدّ عند الأم أجمل صوت تسمعه، كما كانت مخلفات الأضحية (الدمن) تملأ ممرات المنزل والغرف، ورفضت الأم تنظيفها إلا بعد عملية النحر، واستيقظت الأم فجراً وأدت الصلاة، وذهبت مع جارتها إلى مسجد العيد في القرية لأداء الصلاة. عادت الأم إلى المنزل متجهة نحو الأضحية ولم تسمع ثغاءها، وجدت الأضحية في بركة من الدماء التي يبست من قدم الذبح، ووجدت أن اليد اليمنى قد قطعت».

المسن أو السنان كان يجوب الأحياء حاملاً أسطوانة دائرية وهو يصيح «سن السكين بقرشين»

وتتواصل القصة: «ذهبت الأم إلى ابنها الذي كان يغط في نوم عميق وصرخت في وجهه لماذا فعلت ذلك قبل وقت النحر، ليعترف الابن بأن ضيوفه ليلة البارحة قد سهروا معه كالعادة، وكانت الأم هي التي تعدّ طعام العشاء للضيوف بصفة دائمة، لكن ليلة البارحة استثنائية، حيث خلا المنزل من أي لحوم، حيث جرت العادة على التخلص من اللحوم قبل العيد. اعترف الابن لأمه بأنه أراد أن يعدّ عشاء متأخراً لضيوفه، فتش عن أي لحم لإعداد الكبسة التي يجيدها، لكنه لم يجد شيئاً، والبقالة الوحيدة التي تبيع الدجاج المبرد أغلقت أبوابها باكراً، فكر الابن في حل لإنقاذ الموقف، فلم يجد غير أضحية والدته، واتجه إليها في منامها وتناول سكيناً ونحر الأضحية التي كان ثغاؤها يملأ المنزل ضجيجاً. توقف الصوت. لقد سلخ إحدى أرجل الخروف الأقرن وأضافها إلى الكبسة».
ومع أن الأضحية لا تشرع عن الميت استقلالاً، حيث لم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولا عن الصحابة رضي الله عنهم، ولا عن أحد من السلف، أنهم ضحوا عن الأموات استقلالاً، إلا إن الذاكرة الشعبية تحتفظ بقصص من نسج الخيال، لكن لها دلالات عظيمة، حيث تناقل العامة قصصاً تفيد بأن الموتى يوم عيد الأضحى يخرجون من قبورهم ويجلسون القرفصاء عند نصائب القبور، في انتظار الأضحية التي خصصت لهم وأوصوا بها، أو إنهم يأملون أن يبادر أبناؤهم وأقاربهم الأحياء إلى التضحية لهم، عادّين أن الذي يضحى عنه من الموتى تذهب الأضحية إليه في قبره ليتأملها، وفي بعض الروايات يركبها، مثيرة الغبار داخل المقبرة.
وتشير الرواية إلى أن بعض الموتى ينتظر لساعات طويلة قدوم أضحيته إليه ليركبها مثل جيرانه، وعند التأخر في وصولها يعود إلى قبره مهيض الجناح مكسور الخاطر ساخطاً على أبنائه وأقاربه الذين لم يبروه بعد وفاته، وفي هذا السياق انتشرت قصة تفيد بأن شخصاً قال في مجلس وهو يروي مثل هذه القصص لأحد الأشخاص الذي اشتهر بروح الدعابة: هل ستضحي لأبيك هذا العام، فأجابه بـ«لا»، لكني سأذهب ليلة العيد إلى قبر أبي وأسطر له رسالة مفادها: «الوالد العزيز، لا تدخل إلى قبرك إذا لم تأتك الأضحية، اذهب إلى كابينة الهاتف المجاورة للمقبرة واتصل على رقم المنزل المرفق، لأحضر لك وأذهب بك إلى منزلنا حيث يوجد جميع أفراد أسرتك وأحفادهم وتشاركنا طعام إفطار العيد من أضحيتك»، ماهراً الرسالة بـ«محبك ابنك البار فلان»، ولعل مثل هذه القصص التي فيها خيال ولا يمكن تصديقها لها دلالات عظيمة؛ وهي التذكير بالأموات وعدم نسيان الأسر موتاهم.


مقالات ذات صلة

«المدّ البشري»... فيلم يُوثّق رحلة الحج عبر حكايات 6 عائلات من العالم

يوميات الشرق 6 حكايات متنوّعة من قلب المشاعر المقدَّسة (لقطة من الفيلم)

«المدّ البشري»... فيلم يُوثّق رحلة الحج عبر حكايات 6 عائلات من العالم

تتكشَّف قصص ممزوجة بالخوف، والشوق، والأمل، والفقد، ليظهر مفهوم الحج بأبعاد جديدة، في رحلة تتحرّك بالروح قبل القدم...

سعيد الأبيض (جدة)
يوميات الشرق هيثم مساوا يُقدّم ورشة عمل بعنوان «التحدّيات الصحية في المنافذ الجوّية» (الشرق الأوسط)

جدة تحتضن «هاكاثون الابتكار الصحي» للارتقاء بخدمات ضيوف الرحمن

يستعرض الهاكاثون 4 مسارات رئيسية. تشمل المنتجات الصحية، والخدمات الصحية، وتجربة المريض، والإعلام الصحي...

أسماء الغابري (جدة)
الخليج ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان (واس)

ولي العهد السعودي يتلقى رسالة من الرئيس الإيراني

تلقى الأمير محمد بن سلمان بن عبد العزيز ولي العهد رئيس مجلس الوزراء السعودي، رسالة خطية، من الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
يوميات الشرق 
قبو زمزم يظهر في صحن المطاف عام 1970 (دارة الملك عبد العزيز)

تطوّر الحج في معرض بـ«دارة الملك عبد العزيز»

يروي معرض «100 عام من العناية بالحرمين»، في دارة الملك عبد العزيز، تطور رحلة الحج منذ عام 1925 حتى اليوم، مِن وقت المشقة إلى تجربة آمنة وروحانية، عبر سرد بصري.

أسماء الغابري (جدة)
الخليج عرضت جهات حكومية أحدث مشروعاتها وبرامجها التطويرية لخدمة ضيوف الرحمن (الشرق الأوسط)

وزير الحج السعودي: إجراءات مبكرة لضمان تجربة استثنائية للحجاج

أعلن وزير الحج الدكتور توفيق الربيعة إتمام التعاقد لأكثر من مليون حاج في المشاعر المقدسة حتى الآن، في «إنجاز غير مسبوق يتحقق قبل الموسم بـ6 أشهر».

أسماء الغابري (جدة)

بيع ساعة يد للمخرج فرانسيس كوبولا بـ10.8مليون دولار في مزاد

ساعة يد من مجموعة مقتنيات كوبولا (الموقع الرسمي لدار مزادات فيليبس)
ساعة يد من مجموعة مقتنيات كوبولا (الموقع الرسمي لدار مزادات فيليبس)
TT

بيع ساعة يد للمخرج فرانسيس كوبولا بـ10.8مليون دولار في مزاد

ساعة يد من مجموعة مقتنيات كوبولا (الموقع الرسمي لدار مزادات فيليبس)
ساعة يد من مجموعة مقتنيات كوبولا (الموقع الرسمي لدار مزادات فيليبس)

بيعت ساعة يد من مجموعة مقتنيات المخرج السينمائي الأميركي فرانسيس فورد كوبولا بسعر قياسي في مزاد أُقيم في نيويورك، حسبما قالت دار مزادات «فيليبس»، أمس (السبت).

واشترى مزايد مجهول عبر الهاتف ساعة «إف بي جورن إف إف سي بروتوتايب» مقابل 10.8 مليون دولار.

وذكرت دار «فيليبس» أن هذا كان أعلى سعر تم تحقيقه على الإطلاق في مزاد لساعة يد من صانع الساعات السويسري إف بي جورن، كما كان رقماً قياسياً عالمياً في مزاد لساعة صنعتها شركة تصنيع مستقلة. وكان التقدير الأولي للسعر مليون دولار، وفق ما أفادت وكالة الأنباء الألمانية.

وتلقى مخرج فيلم «العراب»، البالغ من العمر 86 عاماً، الساعة البلاتينية في عام 2021 من صانع الساعات فرانسوا بول جورن.

المخرج السينمائي الأميركي فرانسيس فورد كوبولا (أرشيفية - أ.ف.ب)

وعرض كوبولا الحائز جائزة الأوسكار - الذي أخرج أيضاً فيلم «Apocalypse Now» - سبع ساعات فاخرة من مجموعة مقتنياته الخاصة في المزاد الذي استمرَّ على مدى يومين. وفي مقابلة مع صحيفة «نيويورك تايمز»، أشار كوبولا إلى ضائقة مالية بوصفها سبباً لبيع المقتنيات.

يذكر أن كوبولا استثمر أكثر من 100 مليون دولار في مشروعه المفضل الذي طالما اعتز به «ميجالوبوليس»، لكن الفيلم الذي صدر عام 2024 فشل وحقق جزءاً ضئيلاً فقط من التكاليف.


«البحر الأحمر»...3 أفلام تبحر في التاريخ غير البعيد

أمير المصري وبيرس بروسنان في «عملاق» (مهرجان البحر الأحمر)
أمير المصري وبيرس بروسنان في «عملاق» (مهرجان البحر الأحمر)
TT

«البحر الأحمر»...3 أفلام تبحر في التاريخ غير البعيد

أمير المصري وبيرس بروسنان في «عملاق» (مهرجان البحر الأحمر)
أمير المصري وبيرس بروسنان في «عملاق» (مهرجان البحر الأحمر)

نال الفيلمان العربيان «نجوم الأمل والألم» لسيريل عريس، و«اللي باقي منك» لشيرين دعيبس، استحساناً جيداً من جمهور غفير في اليوم الأول من مهرجان البحر الأحمر (الجمعة)، وكلاهما في المسابقة الرسمية.

يُؤلّف «اللي باقي منك» و«فلسطين 36» ثلاثية من الأفلام الجديدة التي وجّهت اهتمامها، وفي الوقت المناسب، إلى الموضوع الفلسطيني، وتمتد أحداثه إلى ثلاثة أجيال متعاقبة، من عام 1948 حتى سنة 2022.

«نجوم الأمل والألم» مؤلَّف أيضاً من 3 محطات زمنية، ونجد فيه حكاية عاطفية - رومانسية في الأساس، مع خلفيات عن الحرب الأهلية وما بعدها ومصائر البيروتيين خلالها.

فيلم الافتتاح، «عملاق»، يتولّى الإعلان عن أنّه قصّة حياة الملاكم اليمنيّ الأصل نسيم، لكن التركيز في الواقع ينصبّ على شخصية المدرّب براندن (بيرس بروسنان)، ويختار أن يمارس قدراً من عنصرية التفكير حول مَن يستحقّ التركيز عليه أكثر: الملاكم العربيّ الأصل أم المدرّب الأبيض.


جورج كلوني: «أسافر دوماً بالقطار»

النجم الأميركي جورج كلوني (رويترز)
النجم الأميركي جورج كلوني (رويترز)
TT

جورج كلوني: «أسافر دوماً بالقطار»

النجم الأميركي جورج كلوني (رويترز)
النجم الأميركي جورج كلوني (رويترز)

عزز الممثل الأميركي جورج كلوني من صورته فيما يتعلق بالبيئة عن طريق السفر بالقطار، سواء كان ذلك أسفل القنال الإنجليزي إلى لندن أو بين باريس وقصره جنوب فرنسا.

وقال النجم السينمائي (64 عاماً) لنسخة نهاية الأسبوع من صحيفة «فرانكفورتر ألجماينه تسايتونغ» الألمانية: «غالباً ما أستقل القطار بين لندن وباريس، وأسافر بالقطار قطعاً بين إكس-أون- بروفانس وباريس كل أسبوعين».

وأوضح كلوني، الذي أبدى من قبل انحيازه لحماية البيئة: «أسافر دائماً بالقطار».

ويعيش كلوني، الحاصل على جائزتي أوسكار والعديد من الجوائز الأخرى، مع زوجته المحامية الحقوقية أمل كلوني، وابناهما التوأمان إيلا وألكسندر في مزرعة في بروفانس.

وصدر فيلمه «جاي كيلي» على منصة «نتفليكس» الجمعة. ومن بين أشهر أفلامه «أوشنز إليفن» و«سيريانا».