قطاع الشحن البحري... الغائب الحاضر في معضلة التضخم العالمي

يواجه انتقادات بسبب تأخر الحاويات والأسعار الباهظة

حاويات الشحن مكدسة في ميناء بايون بنيوجيرسي مع عودة أنماط شراء المستهلك تدريجياً إلى معايير ما قبل الوباء في يونيو 2022 (أ.ف.ب)
حاويات الشحن مكدسة في ميناء بايون بنيوجيرسي مع عودة أنماط شراء المستهلك تدريجياً إلى معايير ما قبل الوباء في يونيو 2022 (أ.ف.ب)
TT

قطاع الشحن البحري... الغائب الحاضر في معضلة التضخم العالمي

حاويات الشحن مكدسة في ميناء بايون بنيوجيرسي مع عودة أنماط شراء المستهلك تدريجياً إلى معايير ما قبل الوباء في يونيو 2022 (أ.ف.ب)
حاويات الشحن مكدسة في ميناء بايون بنيوجيرسي مع عودة أنماط شراء المستهلك تدريجياً إلى معايير ما قبل الوباء في يونيو 2022 (أ.ف.ب)

حقق أصحاب حاملات الحاويات أرباحاً قياسية إثر الأزمة الصحية، بينما يأخذ عليهم زبائنهم توفير «خدمات رديئة» منذ عامين، لقاء فرض أسعار باهظة، وهم اليوم متّهمون بتحمل قسم من المسؤولية عن التضخم العالمي.
وسجل متوسط سعر نقل حاوية بين آسيا وأوروبا زيادة هائلة، من 1500 دولار تقريباً في مطلع 2020 إلى أكثر من 10 آلاف دولار اليوم، وفق تعرفة «سبوت» spot المستخدمة للحجوزات قبل ثلاثين يوماً فقط، بحسب عاملين في هذا القطاع.
وذكر مندوب النقل الدولي في جمعية مستخدمي الشحن البحري، جان ميشال غارسيا، وفق وكالة «الصحافة الفرنسية»، أن تفشي وباء «كوفيد-19» أدى إلى تراجع بنسبة 20 في المائة في حركة تبادل البضائع في العالم خلال الفصل الأول من عام 2020، ما أرغم شركات الشحن على «خفض حجمها»، والتخلي عن بعض السفن وعديد من الحاويات.
لكن غارسيا لفت إلى أنه بعد ذلك «عاد الطلب إلى مستواه السابق، والقدرات باتت أكبر من قبل، بفارق أن شركات الشحن البحري توفر خدمات رديئة».
وفي هذا السياق، أفاد معهد «سي إنتليجنس» Sea Intelligence بأن مدى التزام سفن الشحن بالجداول الزمنية المحددة قدّر ما بين 30 و40 في المائة فقط في مايو (أيار) 2022.
وقال غارسيا منتقداً إن «الشاحن، أو الزبون، هو في نهاية المطاف من يدفع التكاليف كاملة، مع حد أدنى من التوضيحات وحد أقصى من المخاطر».
وارتفعت أصوات منددة بهذا الوضع، ومنها ميشال إدوار لوكلير، رئيس اللجنة الاستراتيجية لمراكز لوكلير الذي طالب البرلمان الفرنسي بتعيين «لجنة تحقيق حول جذور التضخم، بشأن ما يحدث على مستوى الأسعار، انطلاقاً من حركة الشحن وصولاً إلى المستهلكين».
وفتحت سلطات عدة دول من بينها الولايات المتحدة تحقيقات بحق شركات الشحن البحري الكبرى منددة باستئثار عدد ضئيل منها بحركة الشحن. وتدخل الرئيس الأميركي جو بايدن نفسه مؤخراً مهدداً بـ«التحرك ضد الشركات التي تفرض تعريفة مسرفة وتعسفية». وقال إن «التفاهمات غير قانونية، وكل أصحاب سفن الشحن في العالم شديدو التنبه حيال هذه المسألة».
ولتبرير الأسعار الحالية المرتفعة، أشار رئيس جمعية شركات الشحن البحري الفرنسية Armateurs de France جان إيمانويل سوفيه، رداً على أسئلة وكالة «الصحافة الفرنسية»، إلى استثمارات هائلة أقدمت عليها الشركات للتكيف مع قواعد منظمة التجارة العالمية الجديدة التي تفرض عليها تسريع الحد من انبعاثاتها من الغازات ذات مفعول الدفيئة، بدءاً من عام 2023، مضيفاً: «سيتعين تبديل 40 ألف سفينة في العالم».
من جانبها، عزت لمياء كرجوج السكرتيرة العامة لـ«الاتحاد الأوروبي لمشغلي المواني الخاصة» (فيبورت) Feport الانتقادات لممارسات شركات الشحن إلى الإعفاء الممنوح لهذه الشركات، والذي يسمح لها بـ«التفاهم بشأن قدراتها».
ويندد الاتحاد كذلك بـ«عادة السفن في الوصول متأخرة، غير أن المرفأ ليس مرأباً ولا منطقة تخزين في الهواء الطلق. على سلطات المواني أن تشدد اللهجة».
وأقرت لمياء كرجوج في المقابل بمشكلات تواصل في بعض المواني، تؤخر عمليات التسليم، وهو ما أشار إليه أيضاً أحد كبار العاملين في هذا القطاع، فأكد طالباً عدم كشف اسمه أنه يشغّل كل سفنه، منتقداً ازدحام المواني، واكتظاظ شبكات النقل المتعددة الوسائط باعتبارهما عاملين خلف مشكلات السلاسل اللوجستية.
وعمدت شركة «سي إم آ-سي جي إم» CMA CGM، الرائدة الفرنسية في هذا القطاع، تحت ضغط الحكومة إلى تخفيض تسعيرتها بمقدار 500 يورو للحاوية لواردات كل زبائنها من شبكة التوزيع الفرنسية «لدعم القدرة الشرائية للأسر الفرنسية».
وحققت شركة الشحن البحري المصنفة الثالثة في العالم أرباحاً صافية قياسية في الفصل الأول من عام 2022، بلغت 7.2 مليار دولار.
غير أن هذه البادرة الطوعية التي قررتها الشركة لن تكفي لتبديل الوضع بالنسبة للشركات التي تعاني من تكاليف الشحن.
وأفاد ستيفان سالفوتا من نقابة شركات النقل البحري في منطقة مارساي فوس، خلال معرض «يوروماريتيم» الذي عقد في أواخر يونيو (حزيران) في مرسيليا بجنوب فرنسا، بأن أحد زبائنه كان ينفق «1.5 مليون يورو في السنة على اللوجستية قبل 2020، واليوم يتراوح المبلغ بين 20 و25 مليوناً، إلى حد أنه يدرس فتح مصنع في أوروبا».
ورأت لمياء كرجوج أن «الشركات بدأت البحث عن فروع أقرب إلى أوروبا، والحرب في أوكرانيا تعزز هذا التوجه»، مضيفة: «ربما نشتري في مواقع أقرب ونبيع في مواقع أقرب».


مقالات ذات صلة

«كوب 16» يختتم أعماله بالموافقة على 35 قراراً لتعزيز جهود مكافحة التصحر

الاقتصاد صورة جماعية للمشاركين في مؤتمر «كوب 16» في اختتام أعماله (واس)

«كوب 16» يختتم أعماله بالموافقة على 35 قراراً لتعزيز جهود مكافحة التصحر

أنتج مؤتمر الأطراف لاتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة التصحر (كوب 16) الذي عقد في الرياض، 35 قراراً حول مواضيع محورية.

عبير حمدي (الرياض)
خاص ترمب وشي في قمة زعماء مجموعة العشرين بأوساكا باليابان عام 2019 (أرشيفية - رويترز)

خاص قنابل موقوتة تهدد الاقتصاد العالمي في 2025

يقف عام 2025 عند منعطف محوري مع تنامي المواجهة التجارية بين الولايات المتحدة والصين ووسط استمرار التوترات الجيوسياسية.

هلا صغبيني (الرياض)
الاقتصاد امرأة على دراجتها الهوائية أمام «بورصة بكين»... (رويترز)

تراجع تدفقات رأس المال إلى الأسواق الناشئة... والصين الأكبر تضرراً

من المتوقع أن يشهد النمو العالمي تباطؤاً في عام 2025، في حين سيتجه المستثمرون الأجانب إلى تقليص حجم الأموال التي يوجهونها إلى الأسواق الناشئة.

«الشرق الأوسط» (لندن )
الاقتصاد برج المقر الرئيس لبنك التسويات الدولية في بازل (رويترز)

بنك التسويات الدولية يحذر من تهديد الديون الحكومية للأسواق المالية

حذّر بنك التسويات الدولية من أن تهديد الزيادة المستمرة في إمدادات الديون الحكومية قد يؤدي إلى اضطرابات بالأسواق المالية

«الشرق الأوسط» (لندن)
الاقتصاد متداولون في كوريا الجنوبية يعملون أمام شاشات الكومبيوتر في بنك هانا في سيول (وكالة حماية البيئة)

الأسواق الآسيوية تنخفض في ظل قلق سياسي عالمي

انخفضت الأسهم في آسيا في الغالب يوم الاثنين، مع انخفاض المؤشر الرئيسي في كوريا الجنوبية بنسبة 2.3 في المائة.

«الشرق الأوسط» (هونغ كونغ )

إنشاء 18 منطقة لوجيستية في السعودية باستثمارات تتجاوز 2.6 مليار دولار

وزير النقل والخدمات اللوجيستية متحدثاً للحضور في «مؤتمر سلاسل الإمداد والخدمات اللوجيستية»... (الشرق الأوسط)
وزير النقل والخدمات اللوجيستية متحدثاً للحضور في «مؤتمر سلاسل الإمداد والخدمات اللوجيستية»... (الشرق الأوسط)
TT

إنشاء 18 منطقة لوجيستية في السعودية باستثمارات تتجاوز 2.6 مليار دولار

وزير النقل والخدمات اللوجيستية متحدثاً للحضور في «مؤتمر سلاسل الإمداد والخدمات اللوجيستية»... (الشرق الأوسط)
وزير النقل والخدمات اللوجيستية متحدثاً للحضور في «مؤتمر سلاسل الإمداد والخدمات اللوجيستية»... (الشرق الأوسط)

أعلن وزير النقل والخدمات اللوجيستية السعودي، المهندس صالح الجاسر، عن تحقيق الموانئ تقدماً كبيراً بإضافة 231.7 نقطة في مؤشر اتصال شبكة الملاحة البحرية، وفق تقرير «مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية (أونكتاد)» لعام 2024، إلى جانب إدخال 30 خطاً بحرياً جديداً للشحن.

كما كشف عن توقيع عقود لإنشاء 18 منطقة لوجيستية باستثمارات تتجاوز 10 مليارات ريال (2.6 مليار دولار).

جاء حديث المهندس الجاسر خلال افتتاح النسخة السادسة من «مؤتمر سلاسل الإمداد والخدمات اللوجيستية»، في الرياض، الذي يهدف إلى تعزيز التكامل بين أنماط النقل ورفع كفاءة الخدمات اللوجيستية، ويأتي ضمن مساعي البلاد لتعزيز موقعها مركزاً لوجيستياً عالمياً.

وقال الوزير السعودي، خلال كلمته الافتتاحية في المؤتمر، إن «كبرى الشركات العالمية تواصل إقبالها على الاستثمار في القطاع اللوجيستي؛ من القطاع الخاص المحلي والدولي، لإنشاء عدد من المناطق اللوجيستية».

يستضيف المؤتمر، الذي يقام يومي 15 و16 ديسمبر (كانون الأول) الحالي، عدداً من الخبراء العالميين والمختصين، بهدف طرح التجارب حول أفضل الطرق وأحدث الممارسات لتحسين أداء سلاسل الإمداد ورفع كفاءتها. كما استُحدثت منصة تهدف إلى تمكين المرأة في القطاع من خلال الفرص التدريبية والتطويرية.

وأبان الجاسر أن منظومة النقل والخدمات اللوجيستية «ستواصل السعي الحثيث والعمل للوصول بعدد المناطق اللوجيستية في السعودية إلى 59 منطقة بحلول 2030، من أصل 22 منطقة قائمة حالياً، لتعزيز القدرة التنافسية للمملكة ودعم الحركة التجارية».

وتحقيقاً لتكامل أنماط النقل ورفع كفاءة العمليات اللوجيستية، أفصح الجاسر عن «نجاح تطبيق أولى مراحل الربط اللوجيستي بين الموانئ والمطارات والسكك الحديدية بآليات وبروتوكولات عمل متناغمة؛ لتحقيق انسيابية حركة البضائع بحراً وجواً وبراً، بالتعاون مع الجهات ذات العلاقة، ودعم العمليات والخدمات اللوجيستية وترسيخ مكانة المملكة مركزاً لوجيستياً عالمياً».

وخلال جلسة بعنوان «دور الازدهار اللوجيستي في تعزيز أعمال سلاسل الإمداد بالمملكة وتحقيق التنافسية العالمية وفق (رؤية 2030)»، أضاف الجاسر أن «الشركة السعودية للخطوط الحديدية (سار)» تعمل على تنفيذ ازدواج وتوسعة لـ«قطار الشمال» بما يتجاوز 5 مليارات ريال (1.3 مليار دولار)، وذلك مواكبةً للتوسعات المستقبلية في مجال التعدين بالسعودية.

إعادة التصدير

من جهته، أوضح وزير الصناعة والثروة المعدنية السعودي، بندر الخريف، أن السعودية سجلت في العام الحالي صادرات بلغت 61 مليار ريال (16.2 مليار دولار) من قطاع إعادة التصدير، بنمو قدره 23 في المائة مقارنة بالعام الماضي، «وهو ما تحقق بفضل البنية التحتية القوية والتكامل بين الجهات المعنية التي أسهمت في تقديم خدمات عالية الكفاءة».

وأشار، خلال مشاركته في جلسة حوارية، إلى أن شركة «معادن» صدّرت ما قيمته 7 مليارات ريال (1.8 مليار دولار) من منتجاتها، «وتحتل السعودية حالياً المركز الرابع عالمياً في صادرات الأسمدة، مع خطط لتحقيق المركز الأول في المستقبل».

جلسة حوارية تضم وزير النقل المهندس صالح الجاسر ووزير الصناعة والثروة المعدنية بندر الخريف (الشرق الأوسط)

وبين الخريف أن البلاد «تتمتع بسوق محلية قوية، إلى جانب تعزيز الشركات العالمية استثماراتها في السعودية، والقوة الشرائية الممتازة في منطقة الخليج»، مما يرفع معدلات التنمية، مبيناً أن «قوة السعودية في المشاركة الفاعلة بسلاسل الإمداد تأتي بفضل الموارد الطبيعية التي تمتلكها. وسلاسل الإمداد تساهم في خفض التكاليف على المصنعين والمستثمرين، مما يعزز التنافسية المحلية».

وفي كلمة له، أفاد نائب رئيس «أرامكو السعودية» للمشتريات وإدارة سلاسل الإمداد، المهندس سليمان الربيعان، بأن برنامج «اكتفاء»، الذي يهدف إلى تعزيز القيمة المُضافة الإجمالية لقطاع التوريد في البلاد، «أسهم في بناء قاعدة تضم أكثر من 3 آلاف مورد ومقدم خدمات محلية، وبناء سلاسل إمداد قوية داخل البلاد؛ الأمر الذي يمكّن الشركة في الاستمرار في إمداد الطاقة بموثوقية خلال الأزمات والاضطرابات في الأسواق العالمية».

توقيع 86 اتفاقية

إلى ذلك، شهد «مؤتمر سلاسل الإمداد والخدمات اللوجيستية» في يومه الأول توقيع 86 اتفاقية؛ بهدف تعزيز أداء سلاسل الإمداد، كما يضم معرضاً مصاحباً لـ65 شركة دولية ومحلية، بالإضافة إلى 8 ورشات عمل تخصصية.

جولة لوزيرَي النقل والخدمات اللوجيستية والصناعة والثروة المعدنية في المعرض المصاحب للمؤتمر (الشرق الأوسط)

وتسعى السعودية إلى لعب دور فاعل على المستوى العالمي في قطاع الخدمات اللوجيستية وسلاسل التوريد، حيث عملت على تنفيذ حزمة من الإصلاحات الهيكلية والإنجازات التشغيلية خلال الفترة الماضية، مما ساهم في تقدمها 17 مرتبة على (المؤشر اللوجيستي العالمي) الصادر عن (البنك الدولي)، وساعد على زيادة استثمارات كبرى الشركات العالمية في الموانئ السعودية».