تنافس دولي لتطوير طائرات فوق صوتية جديدة

تصاميم أخفّ وزناً وأكثر فاعلية في استهلاك الوقود وبرمجيات مطورة

تصميم تخيّلي لمقصورة الركاب في طائرة «أوفرتشور»
تصميم تخيّلي لمقصورة الركاب في طائرة «أوفرتشور»
TT

تنافس دولي لتطوير طائرات فوق صوتية جديدة

تصميم تخيّلي لمقصورة الركاب في طائرة «أوفرتشور»
تصميم تخيّلي لمقصورة الركاب في طائرة «أوفرتشور»

عندما حلّقت طائرة الكونكورد فوق الصوتية التابعة لخطوط الطيران البريطانية لآخر مرّة قبل 20 عاماً، بدا وكأنّ زمن السفر من نيويورك إلى لندن في أربع ساعات، قد ولّى إلى غير رجعة. إلا أن قطاع صناعة الطائرات يسعى جاهداً إلى تحويل الرحلات الجوية الفائقة السرعة إلى حقيقة.
يحاول منتجو الطائرات وخطوط الطيران اليوم إعادة إحياء هذا الحلم، وينفقون الملايين على جهود تطوير طائرات أفضل وأنظف وأكثر فاعلية على صعيد الطاقة، وقادرة على الطيران بسرعات فوق صوتية، أي أسرع من الصوت. يأمل هؤلاء تحقيق هدفهم بحلول عام 2029 ليصبح المسافرون على درجة رجال الأعمال قادرين على السفر بين نيويورك ولندن في أربع ساعات أو حتّى أقلّ وبكلفة تتراوح بين 5 و10 آلاف دولار للرحلة.

- رحلة فوق صوتية
هذا السباق يحدث في مرحلة دقيقة تمرّ بها هذه الصناعة بسبب جائحة «كوفيد - 19»، إلا أن تسارع حدّة التغيّر المناخي، زاد الضغوط على مزوّدي خدمات الطيران لتوسيع عملياتهم والحفاظ على الحدّ الأدنى من الانبعاثات الكربونية في وقتٍ واحد.
يرى النقّاد، أنّ التحديات التقنية في هذا المجال لا تزال قائمة، وأنّ تقنية المحرّكات النفاثة والقوانين التنظيمية المتعلّقة بالضجيج وشحّ البديل النظيف لوقود الطيران سيصعّب على الشركات الحصول على التراخيص الحكومية اللازمة وتوفير بطاقات سفر بأسعارٍ مدروسة. ويعتقد هؤلاء، أنّ ادعاءات الشركات الطموحة لإحياء السفر فوق الصوتي ستواجه مساراً طويلاً من التحديات العلمية يمتدّ لسنوات.
اعتبر دان روثرفورد، مدير برنامج الطيران في المجلس الدولي للنقل النظيف، أنّ «منتجي الطائرات يحاولون اختراع طائرات فوق صوتية جديدة، ولكنهم لا يستطيعون اختراع العلم – هذا العلم الصعب والمعقّد جداً».
جذب السفر فوق الصوتي مخيّلة الطيّارين لعقود. ففي عام 1947، أصبح الكابتن تشاك ييغر من القوّات الجويّة الأميركية، أوّل شخص يحلّق بسرعات فوق صوتية، وشكّل مصدر إلهامٍ للكثير من شركات الطيران. وفي عام 1962، وقّعت الحكومتان الفرنسية والبريطانية اتفاقاً لتطوير خطّ طيران بطائرة فوق صوتية باسم «كونكورد».
وفي عام 1976، حلّقت طائرة الكونكورد في أوّل رحلة تجارية مع الخطوط البريطانية والخطوط الفرنسية «إير فرانس». واتّسعت شهرة هذه الطائرة خلال العقدين التاليين لتتحوّل إلى رمز للحياة الفاخرة كونها تحلّق على ارتفاع 6 آلاف قدم وتنقل الركّاب من نيويورك إلى لندن في نحو ثلاث ساعات فقط، أي نصف الوقت الذي تتطلّبه هذه الرحلة عادة في طائرة عادية.
ولكن رغم الفخامة والسرعة، عانت الطائرة من مشاكل كثيرة، أبرزها الدوي الذي كانت تحدثه عند اختراق حاجز الصوت، والذي كان عالياً جداً إلى درجة دفعت خطوط الطيران إلى اعتماد التحليق فوق الصوتي فوق المياه فقط. كما استهلكت هذه الطائرات كمية كبيرة من الوقود أيضاً؛ الأمر الذي تسبب بارتفاع أسعار البطاقات، حيث إن كلفة الرحلة من نيويورك إلى لندن وصلت إلى 12 ألف دولار في بداية التسعينات.
اتّسمت محركات هذه الطائرة بضجيج قوي أغضب السكّان الذين يعيشون على مقربة من مطارات تضمّ طائرات كونكورد. وفي عام 2000، اشتعلت كونكورد تابعة لخطوط الطيران الفرنسية خلال رحلة من باريس إلى نيويورك، حيث تحطّمت فوق فندقٍ بعد مدّة قصيرة من إقلاعها لتودي بحياة 113 شخصاً وتترك خلفها سمعة سيئة كان التعافي منها صعباً جداً.

- طائرات جديدة
منذ آخر رحلات الكونكورد التجارية في 2003، كانت محاولات إعادة إحياء هذا النوع من الطائرات قليلة جداً حتى وقتٍ قريب. وقد شهد العقد الماضي ظهور الكثير من الشركات الناشئة التي وعدت بطائرات فوق صوتية أكثر فاعلية للطيران التجاري.
وحديثاً، أعلنت شركة صناعة الطائرات التجارية الكندية «بومبارديه»، أنّها اختبرت بنجاح طائرة تجارية صغيرة بسرعات فوق صوتية اسمها «غلوبال 8000»، وبلغت كلفة صناعة الطائرة الواحدة منها 78 مليون دولار.
من جهة آخر، يأمل بلايك شول، الرئيس التنفيذي لشركة «بوم سوبر سونيك» التي تأسست في كولورادو عام 2014، أن تحلّق طائرة «أوفرتشور» فوق الصوتية في السماء بحلول عام 2029. وتعتزم الشركة افتتاح منشأتها الإنتاجية في كارولاينا الشمالية في وقتٍ لاحق من هذا العام.
ويضيف شول، أنّ الطائرة فوق الصوتية الواحدة التي ستنتجها شركته، التي ستتسع لما يتراوح بين 65 و88 راكباً وتطير بسرعة أقلّ من ضعف سرعة الصوت، ستكلّف خطوط الطيران 200 مليون دولار. وكشف أيضاً، عن أنّ خطوط الطيران الأميركية «يونايتد إيرلاينز» طلبت 15 طائرة «أوفرتشور» وأنّ العدد قد يرتفع إلى 35.، ورجّح أن تشتري خطوط الطيران اليابانية نحو 35 طائرة.
وقال شول في حديث نقلته وسائل الإعلام الأميركية، إن شركته لن تكرّر أخطاء الكونكورد لأسباب عدّة، أبرزها أنّ تقنية ألياف الكربون شهدت تحسينات ملحوظة منذ الستينات، ما أتاح للشركة صناعة طائرة أخفّ وزنا وأكثر فاعلية على صعيد استهلاك الوقود مقارنة بالكونكورد. بدورها، شهدت البرمجيات تقدّماً ملحوظاً، ما أتاح للمهندسين بناء طائرة تتمتّع بديناميكية هوائية أكبر. وتخطّط «بوم سوبر سونيك» لاستخدام وقود الطيران المستدام – أي الوقود البديل المشتقّ من فضلات النبات ومواد عضوية أخرى – ما سيسمح لها بالاهتمام أكثر بالبيئة. ولفت شول إلى أنّ كلّ هذه العوامل تعني أنّ «أوفرتشور وان» ستكون استثماراً مربحاً لخطوط الطيران.

- سفرات «فاخرة»
على صعيد آخر، قال مايك ليسكينين، رئيس قسم «يونايتد إيرلاينز فنشورز»، إنّ شركته تراهن على السفر فوق الصوتي الذي سيلبّي طلبات زبائن السفر الفاخر على درجة رجال الأعمال.
وتخطّط الشركة لتشغيل معظم طائراتها على خطوط مطار نيوآرك الدولي إلى لندن في نهاية هذا العقد، مع توسعات محتملة إلى باريس وأمستردام وفرانكفورت. وتزعم «يونايتد» أنّ طائرتها ستتسع لنحو 80 راكباً في درجة رجال الأعمال.
إلا أن عدداً من العلماء ومهندسي الطيران يشكّكون بنجاعة هذه الخطط، لافتين إلى أنّ مزاعم منتجي الطائرات وخطوط الطيران تبدو واعدة ولكنّها صعبة التحقيق.
ونقل برانشو فيرما، الخبير المتابع لتقنيات الطيران في واشنطن، عن مهندسين من جامعة كولورادو، أنّ الضجيج هو التحدّي الأكبر، لافتاً إلى أنّ الصوت الناتج من خرق حاجز الصوت سيكون مسألة أقلّ أهمية نظراً للتقدّم الذي حقّقته وكالة «ناسا» الفضائية في مجال خفض صوت الطيران، إلّا أنّ الطائرات لن تكون قادرة على الطيران بأقصى سرعتها إلّا فوق المياه – ما سيصعّب تسيير الطيران الفرط صوتي بين مدن الأميركية.
كما اعتبر روثرفورد، من المجلس الدولي للنقل النظيف، أنّ تكاليف الوقود ستصعّب تحوّل السفر فوق الصوتي إلى تجارة قابلة للنمو؛ لأنّ مثل هذه الطائرات ستحرق سبع إلى تسع أضعاف كمية الوقود التي تحرقها الطائرات «دون الصوتية».


مقالات ذات صلة

إصابة 7 ركاب... هبوط اضطراري لطائرة أميركية بسبب «اضطرابات شديدة»

الولايات المتحدة​ طائرة تابعة لشركة «يونايتد إيرلاينز» الأميركية (رويترز)

إصابة 7 ركاب... هبوط اضطراري لطائرة أميركية بسبب «اضطرابات شديدة»

أُصيب 7 أشخاص عندما اضطرت طائرة تابعة لشركة «يونايتد إيرلاينز» الأميركية في طريقها إلى شيكاغو إلى تحويل مسارها إلى ممفيس؛ بسبب «اضطرابات شديدة».

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
العالم العربي طائرتان تابعتان للخطوط الجوية السويسرية (أرشيفية - رويترز)

«لوفتهانزا» و«الخطوط السويسرية» تمدّدان تعليق الرحلات إلى تل أبيب وطهران وبيروت

أعلنت شركة الطيران الألمانية (لوفتهانزا)، الخميس، تمديد تعليق رحلاتها إلى تل أبيب وطهران حتى الرابع من سبتمبر (أيلول) بسبب الأحداث الجارية في المنطقة.

«الشرق الأوسط» (لندن)
أوروبا مسافرون ينتظرون في مطار آيندهوفن بعد إلغاء جميع الرحلات الجوية الأربعاء (إ.ب.أ)

بعد عطل معلوماتي... استئناف الرحلات في مطار بهولندا

استؤنفت الرحلات الجوية، مساء الأربعاء، في مطار آيندهوفن بهولندا، بعد عطل معلوماتي أدّى إلى توقف حركة الطيران لساعات، وأثّر على الخدمات الحكومية.

«الشرق الأوسط» (أمستردام)
يوميات الشرق طائرة تابعة لـ«خطوط جنوب الصين الجوية» (رويترز)

وُلدت في الجو... ممرضة تنقذ حياة طفلة خديجة خلال رحلة إلى بكين

حازت ممرضة في الصين إعجاباً وثناءً واسعين بسبب سرعة بديهتها التي أنقذت حياة طفلة خديجة وُلدت في الجو داخل مرحاض طائرة.

«الشرق الأوسط» (بكين)
يوميات الشرق طائرة تابعة لشركة «جيت ستار» تصل إلى مطار ملبورن الأسترالي (أ.ب)

سار على طول الجناح... راكب يستخدم مخرج الطوارئ لمغادرة طائرة في أستراليا

أعلن مسؤولون أن راكباً اعتُقل في مطار أسترالي بعدما غادر طائرة متوقفة عبر مخرج طوارئ، وسار على طول الجناح ثم نزل من محرك نفاث إلى المدرج اليوم (الخميس).

«الشرق الأوسط» (كانبيرا)

دراسة: قردة «بهيات الشعر» تمنح بعضها بعضاً أسماء مثل البشر

قرد القشة القزمة في حديقة حيوان سيمبيو في سيدني بأستراليا (أ.ف.ب - صفحة حديقة حيوان سيمبيو على «فيسبوك»)
قرد القشة القزمة في حديقة حيوان سيمبيو في سيدني بأستراليا (أ.ف.ب - صفحة حديقة حيوان سيمبيو على «فيسبوك»)
TT

دراسة: قردة «بهيات الشعر» تمنح بعضها بعضاً أسماء مثل البشر

قرد القشة القزمة في حديقة حيوان سيمبيو في سيدني بأستراليا (أ.ف.ب - صفحة حديقة حيوان سيمبيو على «فيسبوك»)
قرد القشة القزمة في حديقة حيوان سيمبيو في سيدني بأستراليا (أ.ف.ب - صفحة حديقة حيوان سيمبيو على «فيسبوك»)

يُعدّ منح الأسماء بين كائنات من الجنس نفسه مؤشراً إلى تطوّر كبير، وقد تمت ملاحظته في السابق لدى البشر وأنواع من الدلافين والفيلة الأفريقية فقط، لكنّ دراسة نُشرت، الخميس، في مجلة «ساينس» المرموقة، بيّنت أنّ القردة التي تُطلق عليها تسمية «بهيات الشعر» تنتمي أيضاً إلى هذه المجموعة المحدودة من الحيوانات.

وأظهرت الدراسة، التي أجراها فريق من الجامعة العبرية في القدس، أنّ هذه الرئيسيات الصغيرة تطلق صرخات عالية بنبرة حادة لمنح «ألقاب صوتية» لأنفسها.

وقال المعد الرئيسي للدراسة ديفيد عمر، في حديث إلى «وكالة الصحافة الفرنسية»: «نحن مهتمون جداً بالسلوك الاجتماعي لاعتقادنا بأنّه هو ما يجعلنا كبشر كائنات مميزة مقارنة بالحيوانات الأخرى».

وأضاف: «نحن لا نركض بسرعة ولا نطير ولا نتفوق في أي شيء غير قدراتنا الاجتماعية، وبأنّ كل إنجازاتنا مجتمعية».

ورأى أنّ «بهيات الشعر» مثالية لدراسة تطور السلوك الاجتماعي واللغة لدى البشر؛ لأنّها تتمتع بخصائص مماثلة للبشر. وتعيش هذه القرود ضمن مجموعات عائلية صغيرة أحادية الزوج مؤلفة من ستة إلى ثمانية قرود تتولى معاً تربية صغارها.

وسجل الباحثون محادثات بين قردين من نوع «بهي الشعر» يفصل بينهما حاجز بصري، بالإضافة إلى التفاعلات بينهما ونظام حاسوبي يبث تسجيلات. وكان تحليل صرخاتهما ممكناً بفضل التقدم المُحرَز في مجال التعلم الآلي والقوة التي تتمتع بها الحوسبة.

ووجد الباحثون أنّ هذه القردة تستخدم صرخات عالية النبرة لمخاطبة بعضها بعضاً. وكانت هذه الرئيسيات قادرة بشكل ملحوظ على معرفة ما إذا كانت الصرخات موجهة إليها، وأظهرت إمكانية أكبر في الردّ عند مناداتها باسمها.

«تطور متقارب»

والقرود العشرة التي خضعت للاختبار متحدرة من ثلاث عائلات مختلفة. وأظهر الباحثون أنّ القردة المنتمية إلى المجموعة العائلية نفسها استخدمت خصائص صوتية متشابهة لأسماء مختلفة، تشبه إلى حد كبير اللهجات أو اللكنات عند البشر.

واعتمدت قرود أخرى بالغة انضمت إلى مجموعة من دون أن تكون مرتبطة بها مباشرة، الرموز الصوتية نفسها، مما يشير إلى إمكانية أن تتعلمها من قرود أخرى. ويعزو ديفيد عمر اكتساب القرود للمؤشرات الصوتية إلى «تطور متقارب»؛ أي إنها طوّرت سمات مماثلة خلال الاستجابة لتحديات بيئية مماثلة.

ويُعدّ منح الأسماء مسألة مهمة جداً لـ«بهي الشعر»، للحفاظ على الروابط الاجتماعية وتماسك المجموعة في الغابات الاستوائية الكثيفة في أميركا الجنوبية، حيث تكون الرؤية محدودة جداً.

أما مسألة متى وكيف بدأ البشر في الكلام، فهي موضع نقاش، ولكن حتى وقت قريب رفض عدد كبير من العلماء فكرة أنّ الرئيسيات توفّر عناصر للإجابات.

ويقول ديفيد عمر: «لا يزال بإمكاننا أن نتعلم الكثير من الرئيسيات غير البشرية بشأن تطور اللغة عند البشر». في المستقبل، يمكن أن تشكّل إحدى طرق البحث المضي قدماً في استخدام الذكاء الاصطناعي، لفك تشفير محتوى محادثات «بهيات الشعر» بشكل أفضل.