وكأنما لا انهيار اقتصادي حصل، ولا وباء عبر! هكذا أرادت لجنة مهرجانات بعلبك أن تعيد اللبنانيين إلى الفرح، من دون تعديلات على سابق عوائدهم الصيفية الموسيقية والفنية، عشية عيد الأضحى.
وإيذانًا بعودة المهرجانات اللبنانية؛ حيث ستتوالى حفلاتها تباعاً، وقفت الفنانة سمية بعلبكي، مساء الجمعة الماضي، على أدراج «معبد باخوس» في القلعة التاريخية في بعلبك، بهية، سعيدة، بالعودة الميمونة، محتفية، في حفل اجتمع له أكثر من ألفي متفرج، وشاهده عشرات الآلاف في بث مباشر على محطة «إل بي سي».
هكذا انطلقت المهرجانات من جديد، بعد توقف قسري أليم، وكان يظن أنها لن تتمكن من استعادة العافية أبداً، أو ربما أن الغياب سيطول أكثر.
إلى جانب سمية، وقف شقيقها المايسترو لبنان بعلبكي يقود الأوركسترا الفلهارمونية الوطنية، بزخمه المعهود، ومعه ما يقارب 40 عازفاً وعازفة، وكورس جامعة سيدة اللويزة بمنشديه المحترفين.
بدأ الحفل حماسياً بالفولكلور اللبناني، مع فرقة «المجد»، بقيادة مصمم الرقصات خالد النابوش. وأغنيات شعبية مع «الميجانا والعتابا». صدح الكورس: «يا خيل بالليل اشتدي، ويا أرض ساعيلا وهدّي، وإن كان ما فيكي تهدّي، انهدّي، انهدّي، انهدّي، انهدّي»، بينما كانت فرقة الدبكة تضرب الأرض بأقدامها طرباً وانتشاء.
ومن كلمات الأخوين رحباني غنت سمية بعلبكي «قلعة كبيرة وقلبا كبير» من كلمات الشاعر موريس عواد، وألحان وليد غلمية، التي كانت قد قدمتها صباح ذات يوم تحية منها للقلعة التي تحتضن أكبر معبدين تاريخين رومانيين لا يزالان شامخين، هما: «باخوس» و«جوبيتر».
وكان لافتاً أن القلعة ومحيطها تمت إضاءتهما بشكل استثنائي رغم أزمة الكهرباء، بفضل جهود كبيرة بذلت لهذا الغرض. ولم تستسلم اللجنة، وكان بمقدورها أن تفعل وتستريح، فكل الأسباب مجتمعة للبقاء على الصمت والشلل.
لكن سمية بعلبكي غنت للبنان، ومن التراث تكريماً لكبار، مثل وديع الصافي وصباح والرحابنة، ونصري شمس الدين، وغيرهم. وبدا الرقص والدبكة أنهما جاءا في وقتهما، في حفل يريد التأكيد على غنى الهوية اللبنانية التي تعاني من أزمة لا سابق لها.
لبنان بعلبكي يقود الأوركسترا (رويترز)
وكما لغيرها من المطربين، قدمت سمية بعلبكي أغنيات لها، واستمع الحضور إلى «امرأة شرقية»، وهي قصيدة لنزار قباني وتلحين إحسان منذر، وكذلك «عيناك باقيتان لي وطني» للراحل أنور سلمان، ومن ألحان الموسيقي اللبناني نشأت سلمان.
وسمية بعلبكي التي عُرفت بأدائها الجميل لسيدة الطرب العربي أم كلثوم، جعلت خاتمة حفلها لكوكب الشرق؛ حيث غنت القصيدة الشهيرة التي كتبها الشاعر اللبناني جورج جرداق: «هذه ليلتي»، ولحّنها الموسيقار الكبير محمد عبد الوهاب.
استمع الحضور خلال الحفل الذي حمل عنواناً دالاً هو «ورجعت ليالي بعلبك»، لباقة من أجمل الأغنيات: «يا ظريف الطول»، و«عيناك يا ريم الفلا»، و«يا غزيّل يا بو الهيبة»، و«يسلم لنا لبنان»، و«موال بلادي من السما»، و«لالالاه عيني يا لالالاه، يا جمال بلادي يا جمالها»، و«لح حلفك بالغصن يا عصفور»، و«على رمش عيونها»، و«بعل اللي كان بحبها ملبك، بدو هدية للشمس، عمرلها بعلبك» للشاعر طلال حيدر.
وكانت لافتة كلمة رئيسة المهرجانات نايلة دوفريج في بداية الحفل، حين عددت المآسي التي مرّ بها لبنان في السنوات الثلاث الأخيرة، وقالت: «نتيجة لذلك فقد الكثيرون منا رغبة العيش؛ لكن رغم ما حدث، يمكن لكل واحد منا أن يجد في نفسه طاقة لإعادة الحياة يتشاركها...». وأضافت: «هذه هي مهرجانات بعلبك لنبقى صامدين. نعلم أننا لن نزيل البؤس الذي يحيط بنا، ولن نحل المشكلات الوجودية التي يتخبط بها البلد. نحن هنا، لإضاءة شرارة أمل، وإطلاق صرخة. والليلة ستعيد مطربتنا المتألقة سمية بعلبكي والمايسترو لبنان بعلبكي، يرافقهما العديد من الفنانين، إحياء تراثنا الموسيقي التقليدي الذي نتشبث به بقوة».
وتنطلق دوفريج من قناعة مفادها أن بعلبك ومعابدها كانت مهداً لمهرجانات الشرق الأوسط، ويجب أن تُكتب لها الديمومة، لذلك «لن نكون وحدنا من يطلق صرخة حب الحياة هذه، إذ إن العديد من البلدات والقرى في لبنان ستحيي مهرجاناتها أيضاً ليتردد صداها إلى اللانهاية، وكلنا أمل بأن تُسمع كل هذه الأصوات من قبل أولئك الذين لديهم القدرة على إحياء الوطن».
جدير بالذكر أن البرنامج المختصر لمهرجانات بعلبك هذه السنة يضم 4 حفلات. إضافة إلى أمسية سمية ولبنان بعلبكي، هناك حفل فرقة أدونيس اللبنانية لـ«البوب- روك» التي بات لها انتشار عالمي، يعشقها الشباب وحجزوا أماكنهم منذ بدء بيع التذاكر. يلي هذا الحفل أمسية «فلامنكو وجاز» يحييها عازف الغيتار والمؤلف الإسباني خوسيه كيفيدو بوليتا.
أما حفل الختام في 17 يوليو (تموز) فسيكون لعازف البيانو اللبناني- الفرنسي سيمون غريشي، الذي كان له فضل تنظيم حفل داعم لمهرجانات بعلبك في باريس العام الماضي.
هذا وتستعد «مهرجانات بيت الدين» أيضاً لإطلاق حفلها الأول والافتتاحي يوم الأربعاء 13 يوليو، مع الفرقة اللبنانية الواعدة «ليه كورد ريزونانت» التي تضم السوبرانو لارا جوخدار، والميزو سوبرانو ناتاشا نصار، وعازفة التشيلو نيري غازاريان، بقيادة عازف الكمان جو ضو. ولمزيد من التشجيع كانت «مهرجانات بيت الدين» قد أعلنت عن أن حفلاتها مجانية، والدخول لا يستلزم سوى حجز مسبق.
انطلاق «مهرجانات بعلبك» مع سمية ولبنان بعلبكي
رجعت الليالي الصيفية وستعمّ القرى والبلدات
انطلاق «مهرجانات بعلبك» مع سمية ولبنان بعلبكي
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة