شاشة الناقد

الخوف من الضباب في «غيوم شرنوبل»
الخوف من الضباب في «غيوم شرنوبل»
TT

شاشة الناقد

الخوف من الضباب في «غيوم شرنوبل»
الخوف من الضباب في «غيوم شرنوبل»

- CLOUDS OF CHERNOBYL
- حدث ذات مرّة تحت سماء شرنوبل
- ★★★
فيلم روماني آخر ينتمي إلى الموجة الجديدة من صانعي السينما هناك. يلتقي مع فيلم كرستيان مونجيو «4 أشهر و3 أسابيع ويومين» (2007) في حديثه عن مسألة الإجهاض المحرّمة في الفترة الشيوعية. لكن فيلم ليجيا شيورني «غيوم شرنوبل» لديه حبكة مثيرة ومختلفة ترتبط بكارثة مفاعل شرنوبِل النووي التي وقعت في أواخر أبريل (نيسان) سنة 1986.
إرينا (إيزابيلا نييمتو) تعيش في قرية شرقي رومانيا غير بعيدة عن المفاعل النووي مع ولديها وأم زوجها البحّار، مارسيلا (فكتوريا كوشياس). الجميع مرتبك وقلق بسبب انتشار السحاب النووي ومارسيلا مصرّة على إجهاض زوجة ابنها عن قناعة إنه سوف يولد مشوّهاً. الصراع هنا بين أم تحاول الاحتفاظ بجنينها وحماتها التي تسعى لإجبارها على الطرح.
توظّف المخرجة شيورني (في فيلمها الأول هذا) كل إمكانيات المكان (غالباً داخل البيت) لكي تربط بين التصوير الداخلي في الغرف الصغيرة المليئة بالأثاث، وبين الخطر النووي المنتشر الذي يقيّد الحركة في الخارج أيضاً. كذلك بين هذين الناحيتين وبين الوضع الإنساني الصعب لبطلتها التي ترجو حماتها بعدم إجبارها على إجراء عملية الإجهاض لكن هذه مصرّة وواثقة من أنها ستلد طفلاً مشوّهاً سيكون أقرب إلى وحش منه إلى إنسان.
اقتبست المخرجة حكايتها من أحداث حقيقية انتهت على غير ما ينتهي الفيلم عليه. ففي الواقع سقطت الزوجة ضحية هذا الثقل النفسي والاجتماعي المهيمن، لكن بطلة «غيوم شرنوبل» واجهته بقوّة (بعد أن كادت تقع بدورها فريسة رغبة حماتها القوية) وتنجح في الإفلات من هذا القمع في نهاية المطاف، مما يجسّد انتصار المرأة وحقها في الاحتفاظ بجنينها.
لا بأس بهذه الرسالة لكن الوصول إليها مباشر وغير مقنع لأن إرينا أمضت معظم الفيلم في يأس وبكاء واسترخاء قبل أن ينقلها الفيلم إلى نجاحها في الهرب من مصير لا ترضاه. ينجح الفيلم في تحويل المنزل الداكن والضيق إلى رمز للنظام في تلك الفترة. كذلك في استخدام لقطات الكاميرا الطويلة (توليف محدود) لتعايش الأجواء. تسرح الكاميرا في أرجاء المكان ملاحقة الشخصيات وكاشفة عن تعاون وثيق بين المخرج ومدير تصويرها (دان دمتريوس) لإنجاز المعالجة المطلوبة. إلى ذلك، هناك إدارة كُليّة تشمل التمثيل والحوار والتصوير والتوليف ذات مرجعية مسرحية (عروض مهرجان ترانسلفانيا، 2022).

- LES HARKIS
- على الجانب الآخر من حرب الاستقلال
- ★★
جرت العادة في سياق الأفلام التي تناولت حرب الاستقلال الجزائرية في الستينات أن تتناول الأفلام أحد موضوعين: بذل وتضحية المناضلين الجزائريين في حربهم ضد الاحتلال الفرنسي، أو تقديم نماذج من الصراع بين قوى جبهة التحرير ضد مخبرين جزائريين يتعاونون مع الجيش الفرنسي ضد أبناء بلدهم. في «الحركيين»، للفرنسي فيليب فوسون مدخل لنوع ثالث: دراما حربية حول الجزائريين الذين اختاروا الانضمام إلى الجيش الفرنسي في حربه ضد الوطنيين. يتضمن هذا الموضوع مسائل مثل لماذا قرروا الانضمام. كيف استخدمهم الجيش الفرنسي في عملياته. موقف أهاليهم وأبناء قراهم منهم ثم كيف كانت نتيجة هذا التعاون الوثيق بينهم وبين الإدارة العسكرية الفرنسية.
يدور الفيلم في خلال السنوات الثلاث الأخيرة قبل استقلال الجزائر. هناك رغبة فرنسية باحتواء جزائريين ليساعدوا الجيش الفرنسي في عملياته في تلك الجبال الوعرة التي تتخذ منها الجبهة الجزائرية معاقل لها. المنتمون الجزائريون استمعوا إلى وعود الفرنسيين بأنهم سيُعاملون معاملة الفرنسيين تماماً خلال الحرب وبعدها. سيصبحون فرنسيين ويمكن لهم الانتقال للعيش في فرنسا أو في ألمانيا. التحقوا وعملوا تحت راية ضابط متعاطف اسمه كرافيتز (بيير لوتان) لكن عندما انتهت الحرب وجدوا أنفسهم بمنأى عن الوعود السابقة.
لا يؤيد الفيلم موقف ودوافع هؤلاء الجزائيين المتطوّعين لكنه يقدّمهم كأبطال قضية مسكوت عنها وهي كيف تخلّت فرنسا عن الوفاء بوعدها لهم. يخلو الفيلم من مشاهد تؤسس لحياتهم خارج الخدمة العسكرية باستثناء مشاهد موجزة لمجنّدين هما صلاح (محمد موفّق) وخضر (أمين زرقان) يبقيهما المخرج في مقدّمة شخصياته الجزائرية. يصوّر المخرج إيمان الجزائريين بما يقومون به، لكنه إذ يستخدم في النهاية إحصائيات تقول إن ما بين 35 و80 ألف جزائري من المنتمين إلى الجيش الفرنسي قضوا وأن 96 ألفاً آخرين تم نقلهم إلى فرنسا حيث بقوا منفصلين عن عائلاتهم حتى عام 1976. يزداد غموض رسالة الفيلم لأنه إذا ما كان هناك 96 ألف محارب تم نقلهم إلى فرنسا بعد الحرب فإن القضية التي يتمحور الفيلم حولها من أن فرنسا لم تف بوعدها، ليست مدانة على النحو الذي يبدو أن المخرج قصده.
وُلد فوسون في المغرب ابناً لمجند فرنسي وحقق سنة 2005 فيلماً مشابهاً في موضوعه عنوانه «الخيانة». ثم التفت صوب قضايا المهاجرين المسلمين والعرب في ثلاثة أفلام على الأقل هي «تفسّخ» (2011) و«فاطمة» (2015) و«أمين» (2018). فيلمه الجديد إضافة لسينما جزائرية وفرنسية تتعامل مع ذكرى مؤلمة، لكن إضافته تبقى - رغم الجهد المبذول - بلا يقين أو قرار (عروض «نصف شهر المخرجين»، مهرجان كان، 2022).

ضعيف ★ وسط ★★ جيد ★★★
ممتاز ★★★★ تحفة ★★★★★


مقالات ذات صلة

اختتام «البحر الأحمر السينمائي» بحفل استثنائي

يوميات الشرق جوني ديب لفت الأنظار بحضوره في المهرجان (تصوير: بشير صالح)

اختتام «البحر الأحمر السينمائي» بحفل استثنائي

بحفل استثنائي في قلب جدة التاريخية ، اختم مهرجان «البحر الأحمر السينمائي الدولي» فعاليات دورته الرابعة، حيث أُعلن عن الفائزين بجوائز «اليُسر». وشهد الحفل تكريمَ

أسماء الغابري (جدة)
يوميات الشرق ياسمين عبد العزيز في كواليس أحدث أفلامها «زوجة رجل مش مهم» (إنستغرام)

«زوجة رجل مش مهم» يُعيد ياسمين عبد العزيز إلى السينما

تعود الفنانة المصرية ياسمين عبد العزيز للسينما بعد غياب 6 سنوات عبر الفيلم الكوميدي «زوجة رجل مش مهم».

داليا ماهر (القاهرة )
يوميات الشرق رئيسة «مؤسّسة البحر الأحمر السينمائي» جمانا الراشد فخورة بما يتحقّق (غيتي)

ختام استثنائي لـ«البحر الأحمر»... وفيولا ديفيس وبريانكا شوبرا مُكرَّمتان

يتطلّع مهرجان «البحر الأحمر السينمائي» لمواصلة رحلته في دعم الأصوات الإبداعية وإبراز المملكة وجهةً سينمائيةً عالميةً. بهذا الإصرار، ختم فعالياته.

أسماء الغابري (جدة)
يوميات الشرق الفيلم يتناول مخاطرة صحافيين بحياتهم لتغطية «سياسات المخدّرات» في المكسيك (الشرق الأوسط)

«حالة من الصمت» يحصد «جائزة الشرق الوثائقية»

فاز الفيلم الوثائقي «حالة من الصمت» للمخرج سانتياغو مازا بالنسخة الثانية من جائزة «الشرق الوثائقية».

«الشرق الأوسط» (جدة)
سينما «من المسافة صفر» (مشهراوي فَنْد)‬

8 أفلام عن أزمات الإنسان والوطن المُمزّق

تُحرّك جوائز «الأوسكار» آمال العاملين في جوانب العمل السينمائي المختلفة، وتجذبهم إلى أمنية واحدة هي، صعود منصّة حفل «الأوسكار» وتسلُّم الجائزة

محمد رُضا‬ (سانتا باربرا - كاليفورنيا)

شاشة الناقد: تضحيات صحافيين وانتهاكات انظمة

 «موعد مع بُل بوت» (سي د ب)
«موعد مع بُل بوت» (سي د ب)
TT

شاشة الناقد: تضحيات صحافيين وانتهاكات انظمة

 «موعد مع بُل بوت» (سي د ب)
«موعد مع بُل بوت» (سي د ب)

RENDEZ‪-‬VOUS AVEC POL‪-‬POT ★★★

* إخراج: ريثي بَنه (فرنسا/ كمبوديا)

يأتي فيلم «موعد مع بُل بوت» في وقت تكشف فيه الأرقام سقوط أعداد كبيرة من الصحافيين والإعلاميين قتلى خلال تغطياتهم مناطق التوتر والقتال حول العالم. ويُذكّر الفيلم أن الصحافة في تاريخها العريق، دائماً ما وجدت نفسها أمام مسؤوليات وتحديات عديدة. في هذا الفيلم الذي أخرجه ريثي بَنه عن الأحداث التي عصفت في بلاده سنة 1978 اقتباسات عن كتاب الصحافية إليزابيث بَكَر (Becker) وعن تجربتها بصفتها واحدة من 3 صحافيين دُعوا لمقابلة بُل بوت، رئيس وزراء كمبوديا وأحد قادة منظمة «الخمير الحمر» (Khmer Rouge) المتهمة بقتل ما لا يقل عن مليون و500 كمبودي خلال السبعينات. الصحافيان الآخران هما الأميركي ريتشارد دودمان، والأسكوتلندي مالكوم كالدويل.

لا يبدو أن المخرج اتّبع خُطى الكتاب كاملةً بل تدخّل بغايةِ ولوج الموضوع من جانب الحدث الذي وضع حياة الثلاثة في خطر بعدما جاءوا للتحقيق ومقابلة بُل بوت. في الواقع دفع الأميركي حياته ثمناً لخروجه عن جدول الأعمال الرسمي والتقاطه صوراً تكشف عن قتلٍ جماعي. وفي الفيلم لحظة مختصرة لكنها قاسية التأثير عندما يَلقى الصحافي حتفه غرقاً في نهر دُفع إليه.

الفرنسية إيرين جاكوب التي تؤدي شخصية الكاتبة بَكَر تُعايش بدورها الوضع بكل مأساته. تُفصل عن زميلها ولم تعد تعرف عنه شيئاً، وتمر بدورها بتجربة مخيفة لم تكن تعلم إذا ما كانت ستخرج منها حية.

في باطن هذا الفيلم الجيد على تواضع إنتاجه، تُطرح أسئلة فيما إذا كان الصحافي يستطيع أن يقبل التحوّل إلى جزءٍ من البروباغاندا. وهل هو أداة لنقل الرأي الرسمي بغياب حرية التعبير؟ وماذا لو فعل ذلك وماذا لو لم يفعل؟

هو ليس بالفيلم السّهل متابعته من دون معرفة ذلك التاريخ ودلالاته حول العلاقة بين النُّظم الفاشية والإعلام. والحرية التي لا تُمنح لصحافيين محليين هي نفسها التي لا تُمنح كذلك للأجانب ما دام عليهم نقل ما يُقال لهم فقط.

* عروض: موسم الجوائز ومهرجان «آسيا وورلد فيلم فيستيڤال».

‪THE‬ WRESTLE‪R‬ ★★

* إخراج: إقبال حسين شودهوري (بنغلاديش).

يقترب الرجل المسن موجو (ناصر أودين خان) وسط أشجار ليست بعيدة عن شاطئ البحر وينتقل من واحدة لأخرى ماداً يديه إليها كما لو كان يريد أن يدفعها بعيداً أو أن يُزيحها من مكانها. ومن ثَمّ يتركها ويركض صوب أخرى ليقوم بالفعل نفسه قبل أن يعود إليها. يبعث هذا المشهد على تكراره سخرية غير مقصودة. قد تكون طريقة قديمة لممارسة تمارين المصارعة أو التدريب الوحيد المُتاح في تلك القرية، لكن موجو جادٌ في محاولته لدفع الأشجار إلى الخلف أو تغيير مواقعها، استعداداً لملاقاة مصارع أصغر منه سنّا وأكبر حجماً في المباراة المقبلة.

«المصارع» (أبلبوكس فيلمز)

هناك كثير مما يتأمله المخرج شودهوري بطيئاً قبل تلك المباراة وما بعدها. بعضُ المشاهد لديها نسبة معقولة من الشِّعر الناتج عن تصوير الطبيعة (ماء، أشجار، حياة... إلخ) وبعضها الآخر لا يفضي إلى تقدير خاص. في نصف الساعة الأولى يعكس المخرج شغفاً ما بتصوير شخصياته من الخلف. عندما يتخلى المخرج عن هذه العادة لاحقاً، يستبدل بتلك اللقطات سلسلة من المشاهد البعيدة عن شخصياته في الغالب. هنا يتحسّن تأطير اللقطات على نحوٍ نافع ولو أن شغله على الدراما يبقى غير ذي مكانة.

يطرح الفيلم مشكلة رجلٍ لا يريد الاعتراف بالواقع ويتحدى من هو أكثر قوّة منه. يحقّق طموحه بلقاء المصارع الآخر ويخفق في التغلب عليه. في الواقع يسقط أرضاً مغشياً ومن ثمّ نراه لاحقاً في بيت العائلة قبل أن يعود إلى تلك الأشجار ليصارعها. المخرج (ثاني فيلم له) طموح، لكن أدواته التّعبيرية وإمكانياته التي تفرض نفسها على السيناريو وحجم الفيلم بأسره، محدودة.

* عروض: موسم الجوائز ومهرجان «آسيا وورلد فيلم فيستيڤال».

ONE OF THOSE DAYS WHEN HEMME DIES ★★★

* إخراج: مراد فرات أوغلو (تركيا).

قرب نهاية الفيلم يبدأ الشاب أيوب مراجعة ما مرّ به طوال اليوم. لقد انطلق غاضباً من المُشرِف على العمل عندما شتم أمّه. يعمل أيوب في حقلٍ لتجفيف الطاطم. ويعرف المخرج كيف يوظّف المكان، درامياً (سهل منبطح تحت شمس حامية وصعوبة العمل)، وجمالياً (تلك الثمار المقطوعة إلى نصفين والملقاة فوق شراشف على مد النظر).

«أحد تلك الأيام التي مات فيها هيمي» (مهرجان مراكش)

نقطة الخلاف أن أيوب يُطالب بأتعابه، لكن المُشرف على العمل لم يتقاضَ المال بعد ليدفع له، مما يؤجّج غضب أيوب فينشب شجار بينهما. يركب دراجته النارية وينطلق صوب بلدته. في منزله مسدسٌ سيتسلّح به وفي البال أن يعود لينتقم. معظم الفيلم هو رحلة على الدراجة التي تتعطل مرّتين قبل إصلاحها عند المساء. الأحداث التي تقع على الطريق وفي القرية الصغيرة تُزيّن الموضوع بشخصيات تدخل وتخرج من الحدث الرئيسي الماثل. في أحد هذه الأحداث الثانوية يُساعد أيوب رجلاً عجوزاً اشترى بطيخة ولا يستطيع حملها، فيوصله والبطيخة إلى داره. وفي مشهد آخر يستمع لتوبيخ زوج شقيقته لأنه كان عرض عليه العمل في شركته ورفض. لا يقول لنا الفيلم لماذا رفض ما ينتقص من بنية الموضوع وأسباب عزوف أيوب على تنفيذ وعده لنفسه بالانتقام.

اعتمد المخرج هذين المشهدين وسواهما لملء الوقت الممتد بين عزم أيوب على الانتقام وعزوفه عن ذلك. لكنه هذه المشاهد ضرورية رغم أن الفيلم ينتهي من دون أن يبني حجة دامغة لقرار أيوب النهائي. هذا الفيلم دراما مصوّرة جيداً ومكتوبة بدراية، رغم الهفوات المذكورة.

* عروض حالياً في مهرجان «مراكش»

★ ضعيف | ★★: وسط| ★★★: جيد | ★★★★ جيد جداً | ★★★★★: ممتاز