صربيا أرض خصبة للدعاية الروسية

ثلاثة أرباع سكانها يرون أن موسكو أُجبرت على دخول الحرب

غرافيتي في بلغراد بعبارة "المجد لروسيا" (رويترز)
غرافيتي في بلغراد بعبارة "المجد لروسيا" (رويترز)
TT

صربيا أرض خصبة للدعاية الروسية

غرافيتي في بلغراد بعبارة "المجد لروسيا" (رويترز)
غرافيتي في بلغراد بعبارة "المجد لروسيا" (رويترز)

بعد 12 عاماً، نجحت الدعاية الإعلامية في التأثير على زواج الأوكرانية ليوبوف ماريتش برجل صربي لم تعد تعرفه منذ الغزو الروسي لأوكرانيا في نهاية فبراير (شباط) الماضي.
تعترف الخبيرة الاقتصادية البالغة من العمر 44 عاماً بأن زواجهما كان مضطرباً، لكن بعد غزو روسيا أوكرانيا في أواخر فبراير الماضي، شهد الوضع مزيداً من التدهور في ظل ازدياد حماس زوجها للدعاية الروسية. وقالت لوكالة الصحافة الفرنسية إن الرجل الذي أحبته لم يعد بالإمكان التعرف عليه، حتى إنه في أحد الأوقات منع ابنهما البالغ من العمر 9 سنوات من الاستماع إلى الموسيقى الشعبية الأوكرانية التي وصفها بـ«النازية». وأضافت: «كنت أتمنى الحصول على الدعم والتفهم، لكنه بدأ في اتهام الجميع ما عدا روسيا». وقبل أيام قليلة، حزمت أغراضها وتوجهت إلى أوكرانيا مع طفلهما، وهي لا تعرف ما إذا كانت ستعود يوماً.
بعيداً من موسكو، وجدت الدعاية الإعلامية للكرملين أرضاً خصبة في صربيا حيث تكمن كراهية ضد «حلف شمال الأطلسي» والولايات المتحدة، تندرج في إرث حملة القصف التي نُفذت في 1999 لوضع حد لحرب كوسوفو.
ومن بين 7 ملايين صربي، يقف كثيرون إلى جانب موسكو في النزاع مع أوكرانيا. وبينما شنت السلطات في العديد من الدول الأوروبية حملة على وسائل الإعلام الروسية، فإن هذه الأخيرة تزدهر في صربيا حيث تبث وسائل الإعلام الصربية رسائل الكرملين مراراً وتكراراً. ويقول مصمم الغرافيك داريو أسيموفيتش (27 عاماً) لوكالة الصحافة الفرنسية: «أظن أن الحقيقة تقع في مكان ما بين الطرفين؛ ولكن لا أحد يتحدث عنها». ويضيف: «هم (الغرب) قطعوا بث الإعلام الروسي، إذن لا يسمعون الجانب الآخر. النتيجة هي الهستيريا».
- «حق إلهي»
في ظل حكم الرئيس الصربي ألكسندر فوتشيتش، زادت سيطرة الحكومة على وسائل الإعلام الصربية بشكل كبير في السنوات الأخيرة. وتخضع الأصوات المستقلة القليلة لضغوط شديدة. وفي الأسابيع التي سبقت الحرب، أطالت صحيفة «إنفورمر» الصربية في مدح الرئيس الروسي فلاديمير بوتين. وقبل يومين من الغزو عنونت: «أوكرانيا هاجمت روسيا».
ويقول دينكو غروهونجيك، أستاذ الصحافة في جامعة نوفي ساد: «خلقت وسائل الإعلام الدعائية التابعة للحكومة الصربية عبادة لشخصية بوتين تفوق حتى تلك التي أوجدوها لفوتشيتش» و«هو يتمتع بشبه حق إلهي».
وكشف آخر استطلاع للرأي أجرته منظمة «سي تي آر إيه» غير الحكومية المستقلة، عن أن ثلثي السكان يشعرون بأنهم «أقرب» إلى روسيا، ويرى 3 أرباع المستطلعين أن موسكو أُجبرت على الدخول في الحرب «بسبب الأهداف التوسعية لـ(حلف شمال الأطلسي)». وأشار الاستطلاع ذاته إلى أن 40 في المائة من الشعب يرغب في أن تتخلى صربيا عن الترشح لعضوية الاتحاد الأوروبي وتتكاتف مع روسيا.
ويقول الباحث فوجو إيليتش؛ أحد منظمي الاستطلاع: «اتخذت وسائل الإعلام الموالية للحكومة موقفاً مؤيداً بشكل واضح لروسيا، فيما كانت محايدة تجاه الاتحاد الأوروبي، وسلبية تجاه أوكرانيا». وأضاف أن «روسيا هي البديل المقدَم إلى الناخبين لإثبات أن صربيا يمكن أن تعيش خارج الاتحاد الأوروبي».
- لا ثقة
تجمع بين البلدين ذوَيْ الأغلبية الأرثوذكسية والسلافية علاقات ثقافية وتاريخية، ويشعر كثيرون بأنهم قريبون من «الأخ الأكبر» الروسي.
ففي بلغراد؛ تُباع القمصان التي تحمل صورة فلاديمير بوتين مثل الخبز الساخن. كما يزين الحرف «زد»، الذي أصبح رمزاً للغزو الروسي، جدران العاصمة. تركت الحروب التي كرست التفكك الدموي ليوغوسلافيا السابقة آثارها. ويقول تيهومير فرانجس؛ المتقاعد الذي يبلغ من العمر 73 عاماً: «لا أثق بالإعلام الغربي». وأضاف: «أذكر عندما كانوا يتحدثون عن الصرب خلال الحرب. كانوا يظهروننا على أننا حيوانات. وإن لم يكن ذلك صحيحاً في ذلك الحين؛ فما يقولونه اليوم عن الروس ليس صحيحاً». وأدت تغطية الحرب من قبل وسائل الإعلام الصربية وانتشار وسائل الإعلام الروسية، إلى إغضاب السفير الأوكراني في بلغراد الذي عدّ أنه «لا يجري إطلاع المواطنين الصربيين بشكل صحيح». ولكن مواكبة التطورات ليست سهلة بالضرورة في دولة البلقان الصغيرة.
وبالنسبة إلى ليوبوف ماريتش؛ الذي لا تزال لديه الإمكانية للوصول إلى معلومات مباشرة عن الأحداث في أوكرانيا، كان من الصعب أحياناً الإبحار في طوفان المعلومات المضللة في صربيا. ويقول: «دعايتهم فعالة إلى درجة أنني بعد 5 دقائق أبدأ في التشكيك في نفسي».


مقالات ذات صلة

أمين الناتو يحذر ترمب من «تهديد خطير» لأميركا إذا دفعت أوكرانيا إلى اتفاق سلام سيئ

أوروبا الأمين العام لحلف شمال الأطلسي مارك روته (يمين) والرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أ.ف.ب)

أمين الناتو يحذر ترمب من «تهديد خطير» لأميركا إذا دفعت أوكرانيا إلى اتفاق سلام سيئ

حذر الأمين العام الجديد لحلف شمال الأطلسي (الناتو) مارك روته في مقابلة مع صحيفة «فاينانشيال تايمز» ترمب من أن الولايات المتحدة ستواجه «تهديداً خطيراً».

«الشرق الأوسط» (لندن )
المشرق العربي أشخاص ورجال إنقاذ سوريون يقفون بالقرب من أنقاض مبنى في موقع غارة جوية على حي في مدينة إدلب التي تسيطر عليها الفصائل المسلحة في شمال سوريا، 2 ديسمبر 2024 (أ.ف.ب)

أوكرانيا تحمّل روسيا وإيران مسؤولية «تدهور الوضع» في سوريا

قالت أوكرانيا، الاثنين، إن روسيا وإيران تتحملان مسؤولية «تدهور الوضع» في سوريا، حيث سيطرت «هيئة تحرير الشام» وفصائل حليفة لها على مساحات واسعة من الأراضي.

«الشرق الأوسط» (كييف)
العالم وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف خلال مؤتمر صحافي في أثينا 26 أكتوبر 2020 (رويترز)

لافروف يتهم الغرب بالسعي إلى وقف إطلاق النار لإعادة تسليح أوكرانيا

اتهم وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، الدول الغربية، الاثنين، بالسعي إلى تحقيق وقف لإطلاق النار في أوكرانيا بهدف إعادة تسليح كييف بأسلحة متطورة.

«الشرق الأوسط» (موسكو)
أوروبا المستشار الألماني أولاف شولتس والرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي في كييف في صورة مع أحد الجنود الأوكرانيين الذين أصيبوا في الحرب (د.ب.أ)

شولتس في كييف بعد طول غياب... واتهامات باستغلاله الزيارة لأغراض انتخابية

زار المستشار الألماني أوكرانيا بعد عامين ونصف العام من الغياب وفي وقت تستعد فيه بلاده لانتخاب عامة مبكرة، واتهمته المعارضة باستغلال الزيارة لأغراض انتخابية.

راغدة بهنام (برلين)
أوروبا المستشار الألماني أولاف شولتس لدى وصوله إلى أوكرانيا (حسابه عبر منصة إكس)

شولتس في زيارة مفاجئة لأوكرانيا... ويعلن عن مساعدات عسكرية جديدة

وصل المستشار الألماني أولاف شولتس إلى أوكرانيا، الاثنين، في زيارة لم تكن معلنة مسبقاً للتأكيد على دعم برلين لكييف في حربها ضد روسيا.

«الشرق الأوسط» (برلين)

رئيسة «الجنائية الدولية» تنتقد أميركا وروسيا بسبب التهديدات الموجّهة للمحكمة

خارج المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي بهولندا 26 يونيو 2024 (أ.ب)
خارج المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي بهولندا 26 يونيو 2024 (أ.ب)
TT

رئيسة «الجنائية الدولية» تنتقد أميركا وروسيا بسبب التهديدات الموجّهة للمحكمة

خارج المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي بهولندا 26 يونيو 2024 (أ.ب)
خارج المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي بهولندا 26 يونيو 2024 (أ.ب)

انتقدت رئيسة المحكمة الجنائية الدولية، الولايات المتحدة وروسيا، بسبب تدخلهما في تحقيقات المحكمة، ووصفت التهديدات والهجمات على المحكمة بأنها «مروعة».

وقالت القاضية توموكو أكاني، في كلمتها أمام الاجتماع السنوي للمحكمة الذي بدأ اليوم (الاثنين)، إن «المحكمة تتعرض لتهديدات بعقوبات اقتصادية ضخمة من جانب عضو دائم آخر في مجلس الأمن، كما لو كانت منظمة إرهابية»، وفق وكالة «أسوشييتد برس».

وأضافت: «إذا انهارت المحكمة، فإنّ هذا يعني حتماً انهيار كلّ المواقف والقضايا... والخطر على المحكمة وجودي».

وكانت أكاني تشير إلى تصريحات أدلى بها السيناتور الأميركي، ليندسي غراهام، الذي سيسيطر حزبه الجمهوري على مجلسي الكونغرس الأميركي في يناير (كانون الثاني) المقبل، والذي وصف المحكمة بأنها «مزحة خطيرة»، وحض الكونغرس على معاقبة المدعي العام للمحكمة.

القاضية توموكو أكاني رئيسة المحكمة الجنائية الدولية (موقع المحكمة)

وقال غراهام لقناة «فوكس نيوز» الأميركية: «أقول لأي دولة حليفة، سواء كانت كندا أو بريطانيا أو ألمانيا أو فرنسا: إذا حاولت مساعدة المحكمة الجنائية الدولية، فسوف نفرض ضدك عقوبات».

وما أثار غضب غراهام إعلان المحكمة الجنائية الدولية الشهر الماضي، أن قضاة المحكمة وافقوا على طلب من المدعي العام للمحكمة كريم خان بإصدار مذكرات توقيف بحق رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير دفاعه السابق، والقائد العسكري لحركة «حماس» بتهم ارتكاب جرائم ضد الإنسانية فيما يتصل بالحرب المستمرة منذ ما يقرب من 14 شهراً في غزة.

وقوبل هذا القرار بإدانة شديدة من جانب منتقدي المحكمة، ولم يحظَ إلا بتأييد فاتر من جانب كثير من مؤيديها، في تناقض صارخ مع الدعم القوي الذي حظيت به مذكرة اعتقال الرئيس الروسي فلاديمير بوتين العام الماضي، على خلفية تهم بارتكاب جرائم حرب في أوكرانيا.

كما وجهت أكاني، اليوم (الاثنين)، أيضاً انتقادات لاذعة لروسيا، قائلة: «يخضع كثير من المسؤولين المنتخبين لمذكرات توقيف من عضو دائم في مجلس الأمن».

وكانت موسكو قد أصدرت مذكرات توقيف بحق كريم خان المدعي العام للمحكمة وآخرين، رداً على التحقيق في ارتكاب بوتين جرائم حرب بأوكرانيا.