بحثاً عن ربيع جابر... بين أزقّة بيروت وسطور رواياته

الروائي اللبناني ربيع جابر (يوتيوب)
الروائي اللبناني ربيع جابر (يوتيوب)
TT

بحثاً عن ربيع جابر... بين أزقّة بيروت وسطور رواياته

الروائي اللبناني ربيع جابر (يوتيوب)
الروائي اللبناني ربيع جابر (يوتيوب)

حتماً ستجد تلك الإبرة التائهة بين القشّ، قبل أن تجد أثراً لربيع جابر في شوارع بيروت وأزقّتها. كالشبح يتنقّل الروائي اللبناني في مدينته المُلهمة سيراً على الأقدام. يهرب من العيون والعيون تترصّده. يبحث عنه محبّوه وقرّاؤه في شارعٍ بيروتي أو في سطرٍ مكتوب، من دون جدوى.
يفضّل هذا الكاتب الغامض العيش بين الأوراق، كما شخصيات رواياته. أَغلِقْ عليه كتاباً، تَمنَحْه كل ما يريد من هذه الدنيا.
قبل 10 سنوات، صعد ربيع جابر إلى المنصة لتسلم الجائزة العالمية للرواية العربية «بوكر». كانت تلك المرة الأولى - وربما الأخيرة - التي يلمح له الجمهور فيها وجهاً. وجهٌ خبّأه بيَدِه حيناً وبرأسه المطأطئ خفَراً أحياناً. بصوتٍ خفيض وبكلماتٍ معدودة، شكر لجنة التحكيم على منحها جائزة العام لروايته «دروز بلغراد».

لم تكد تنتهي الاحتفاليّة حتى خرج ربيع من القاعة، هارباً من عدسات الصحافة وأسئلتها. عاد إلى غرفته في الفندق تاركاً الجميع خلفه يتساءلون عن الرجل الذي لا يحب الأضواء ولا الدعوات ولا التكريم. من غرفته، انتقل مباشرة إلى مطار أبوظبي، حيث استقلّ الطائرة وحيداً، عائداً إلى بيروت.
منذ ذلك اليوم، توارى ربيع جابر عن الأنظار لكنه حافظ على صِلَة الحبر بينه وبين قرّائه. بعد «دروز بلغراد»، أصدر رواية «طيور الهوليداي إن». سرديّة تاريخيّة معاصرة عن بيروت الحرب الأهليّة، المشلّعة بين «شرقيّة» و«غربيّة» لم تُرِدهما المدينة لنفسها.
كانت تلك الرواية الثامنة عشرة لجابر، وقد ظنّ الجميع أنّ عشراتٍ أخرى سوف تَليها، نظراً لغزارة إنتاج الكاتب الذي أصدر 18 كتاباً في أقلّ من 20 عاماً، وهو كان بالكاد قد بلغ الأربعين من عمره. لكن بعد أن أطلقَ سراح طيور الهوليداي إن، غاب جابر صورة وحبراً.

ربيع جابر على قيد القراءة

انقضى أكثر من 10 سنوات على الإصدار الأخير، وحتى اللحظة لا يمرّ أسبوع من دون أن يرنّ جرس الهاتف في «دار التنوير للطباعة والنشر» للسؤال عن ربيع جابر. فللدار حصريّة نشر كتب ربيع ولا بدّ أن يكون أهلُها على تواصلٍ معه.
قارئة من باريس تتصل للاطمئنان عنه وللسؤال عن سبب غيابه. جامعة في الولايات المتحدة الأميركية تدعوه إلى محاضرة وتكريم. صحافي يقتفي أثره ليكتب مقالاً أو ليُجري المقابلة الحلم.
يحترم صاحب دار النشر، حسن ياغي، صمتَ جابر. وهو قد يكون من القلّة القليلة القادرة على اختراق جدار الصمت هذا بين الحين والآخر. يخبر «الشرق الأوسط» أنّ آخر لقاءٍ جمعهما كان منذ شهرين. يُطَمئن محبّي ربيع مؤكّداً أنه «بخير وبصحّة جيّدة». يضيف: «كلما التقيتُه بعد غياب، رأيتُه ضاحكاً».
حالياً وكما في كل آنٍ منذ مسكَ أول كتاب في حياته، يمضي وقته في القراءة. يقول ياغي إنه لم يلتقِ أحداً يقرأ بقَدر ما يفعل ربيع جابر: «لم أذكر كتاباً أمامه إلا وعرفه». ويبدو أنّ القراءة تمتدّ حبلَ خلاص بين جابر والحياة، فهو قال يوماً إنّ «القراءة هي الوسيلة الوحيدة كي أتأكد أنني موجود وأشعر بالتوازن النفسي».

ربيع جابر إذن في حالة قراءة دائمة، لكنه لا يكتب أو على الأقل يكتب بينه وبين ورقِه، ولا نيّة واضحة لديه للنشر في الوقت الراهن. عندما يسأله ناشره عن غيابه الأدبي الذي طال، يجيبه: «لم أكتب يوماً من أجل المال ولا الشهرة».
يحب ياغي اللقاءات النادرة التي تجمعه بجابر، يتشوّق للجلوس مع رجل «لم يتخلَّ عن شفافيته ولا عن ابتسامته العريضة». يصِفُه بـ«الأليف، والطريف، والودود»، ليتّضح أنّ اعتزال الحياة الاجتماعية لا يعني بالضرورة القسوة والجفاء. أما في حالة ربيع جابر، فقد يكون التواري ناتجاً عن الزُهد الذي اختاره سبيلاً.
فحسب صديقه الصحافي إبراهيم العريس: «ربيع جابر متواضع وزاهد بالدنيا. لا يريد منها شيئاً. لا جوائز، ولا مقابلات، ولا حتى تحويل رواياته إلى أفلام ومسلسلات». العريس الذي تعرّف إلى جابر خلال عملهما معاً في جريدة «الحياة»، يتحدّث عن شخصٍ يحترف لعبة الظلّ، ولا يسوّق لنفسه أبداً، إلى درجة أنك قد تمضي بجانبه شهوراً في المكتب ذاته من دون أن تعرف أنه الروائي الشهير ربيع جابر.
يخبر العريس «الشرق الأوسط» أنه لم يحاول اختراق عزلة جابر، لكنه نجح في التقرّب منه ومصادقته. ورغم كثرة صمته، فإن الأحاديث عن الطبخ كانت إحدى المفاتيح التي تُطلق لسانه. «إلى جانب مواظبته على شرب المتّة، يعشق ربيع الطبخ وسيرتَه»، يقول العريس ويضيف: «يتحدث لساعات عن البهارات والصلصات. يتقن الطبخ اللبناني والحلبي والتركي وحتى العباسي».
مع العلم أنّ الطعام ثيمة متكرّرة في روايات جابر، غير أنّ ذلك لم ينعكس على عاداته الغذائيّة. فمعروفٌ عنه أنه يفقد الكثير من وزنه عندما يكون في طور التحضير لرواية. يتذكّر العريس: «حين كنا نراه نحيفاً فوق العادة، كنا نقلق بداية ونظنّه مريضاً. ثم نستوعب أنه مُنكبٌ على تأليف رواية جديدة».

مخيّلة أوسع من بيروت
يوم نزل ربيع جابر من بعقلين في الجبل اللبناني إلى بيروت لدراسة الفيزياء في الجامعة الأميركيّة عام 1989. وقع في شَرك المدينة التي سمّاها «مدينة العالم» في ثلاثيته الصادرة بين 2003 و2007. لم ينفر من بيوتٍ شوّهها الرصاص وأبنية طحنتها القذائف. تآلفَ معها وحاول اختراع حياة جديدة لها. وهو لم يكتفِ بالوقوف على الأسفلت، بل انجذب إلى العالم السفليّ، فراح يسبر أغوار بيروت لتولد بعد سنوات روايته الخياليّة «بيريتوس مدينة تحت الأرض».
في مكتبة الجامعة، غاص في التاريخ ونقّب في أرشيف الصحف التي عاصرت الحكم العثماني للبنان، لتخرج لاحقاً روايات واكبت المرحلة مثل «سيّد العتمة» و«يوسف الإنجليزي».
ما زال جابر حتى اليوم مسحوراً بالطوبوغرافيا البيروتيّة، وكأنه حفظ المدينة شبراً شبراً، بنسخاتها التي لا تُحصى لفرط ما تراكمت تحتها وفوقها الأنقاض. كل يومٍ تقريباً، يخرج من بيته البيروتي حيث يعيش وزوجته الكاتبة رينيه الحايك، ويتّجه مشياً إلى مكتبة الجامعة الأميركية. يقرأ، ويبحث، وينقّب.
لطالما استهواه العمل البحثي الاستقصائيّ. حسب ما يخبر الناشر حسن ياغي، هو وصل إلى حدّ تحضير استمارات وتوزيعها على السكان عندما كان في طور إعداد رواية «طيور الهوليداي إن». ويضيف ياغي أن «جابر ينطلق من أماكن وشخصيات واقعية ويخترع لهم تاريخاً خاصاً يبدو وكأنه التاريخ الحقيقي. يمسك التاريخ ويصنع تاريخاً موازياً».
يشتاق ياغي إلى تلك اللحظة التي كان يصل فيها إلى مدخل الدار في الصباح الباكر، ليتفاجأ بربيع واقفاً ينتظره أمام الباب، متأبّطاً مخطوطة كتابٍ جديد «لا تحتاج حتى إلى ترتيبٍ نَصي ولا إلى تدقيقٍ لغويّ».
وإلى أن يستفيق العالم العربي على رواية جديدة لربيع جابر، يبقى الرجل زاهداً بالظهور في زمنِ اللهاث خلف الضوء. يتماهى مع «ك»، بطل رواية «البيت الأخير»، الذي يركض في عتمة الشوارع تحت المطر، ولا يعرف وجهتَه سوى بحر بيروت.

 


مقالات ذات صلة

تعزيز «منصة الابتعاث الثقافي» السعودية بخدمات جديدة

يوميات الشرق تعزيز «منصة الابتعاث الثقافي» السعودية بخدمات جديدة

تعزيز «منصة الابتعاث الثقافي» السعودية بخدمات جديدة

أضافت وزارة الثقافة السعودية خدمات جديدة إلى «منصة الابتعاث الثقافي» بميزات متعددة تهدف من خلالها إلى تعزيز العدالة في ترشيح المبتعثين. وتحتوي المنصة على التفاصيل والمعلومات التي يحتاجها المهتمون بالابتعاث الثقافي، ومحتوى توعوي عنه، فضلاً عن تمكينهم من التقديم على برامجه، ومتابعة طلباتهم، وإنهاء كافة الإجراءات المتعلقة بذلك. وتعد المنصة بمثابة رحلة متكاملة تبدأ من خلال الدخول على صفحة برامج الابتعاث ليظهر مساران للتقدم، وهما: الدارسون على حسابهم الخاص، والحاصلون على قبول مسبق، ومن ثم الانطلاق في التقديم بإنشاء الملف الشخصي الموثق بالتكامل مع أنظمة وخدمات مختلف الجهات الحكومية، ومن ثم تعبئة الب

«الشرق الأوسط» (الرياض)
يوميات الشرق مسنّون «يروّجون» لشيخوخة سعيدة

مسنّون «يروّجون» لشيخوخة سعيدة

ينشر مسنّون على إحدى المنصات الاجتماعية فيديوهات مضحكة لأنفسهم مزيلين الأفكار السابقة، حسب وكالة الصحافة الفرنسية. وفي سن التاسعة والثمانين، تعيش دولوريس التي تستخدم اسم «دولي برودواي» على «تيك توك» «أفضل أيام حياتها»، وتشارك مقاطع فيديو طريفة لمتابعيها البالغ عددهم 2.4 مليون متابع. لا شيء يوقف هذه «السيدة الكبيرة» اللبقة التي تظهر تارة وهي ترقص على أغاني فرقة «أبا». وقال سيرج غيران عالم الاجتماع والمتخصص في الشيخوخة: «لم تعد للسن اليوم علاقة بما كانت عليه في السابق»، ومع سقوط الصور النمطية «لم يعد المسنون أشخاصاً يحتاجون حصراً إلى الأدوية والهدوء، بل يمكنهم أيضاً أن يكونوا في أفضل أحوالهم!»،

«الشرق الأوسط» (باريس)
يوميات الشرق تنامي «المعتقدات الشاذة» يثير المخاوف في كينيا

تنامي «المعتقدات الشاذة» يثير المخاوف في كينيا

حالة من الذعر تعيشها كينيا مع توالي العثور على رفات في مقابر جماعية لضحايا على صلة بجماعة دينية تدعو إلى «الصوم من أجل لقاء المسيح»، الأمر الذي جدد تحذيرات من تنامي الجماعات السرية، التي تتبع «أفكاراً دينية شاذة»، خلال السنوات الأخيرة في البلاد. وتُجري الشرطة الكينية منذ أيام عمليات تمشيط في غابة «شاكاهولا» القريبة من بلدة «ماليندي» الساحلية، بعد تلقيها معلومات عن جماعة دينية تدعى «غود نيوز إنترناشونال»، يرأسها بول ماكينزي نثينغي، الذي قال إن «الموت جوعاً يرسل الأتباع إلى الله».

يوميات الشرق كم يُنفق اليابانيون لتزيين سياراتهم بالرسوم المتحركة؟

كم يُنفق اليابانيون لتزيين سياراتهم بالرسوم المتحركة؟

ينفق مجموعة من اليابانيين آلاف الدولارات على تزيين مركباتهم بشخصيات الرسوم المتحركة والشرائط المصوّرة وألعاب الفيديو المفضلة لديهم، حسب وكالة الصحافة الفرنسية. وتُطلَق على هذه السيارات أو الدراجات النارية أو المقطورات تسمية «إيتاشا»، وهي كلمة مركبة تُترجم إلى «السيارة المُحرِجة» وتعكس السمعة السيئة التي كانت تحظى بها هذه الموضة لدى ولادتها في الأرخبيل الياباني في العقد الأول من القرن الحادي والعشرين. إلا أنّ العقليات تغيرت مذّاك، وباتت شخصيات الرسوم المتحركة والشرائط المصوّرة وألعاب الفيديو تُعد «ثقافة ثانوية» تحظى باعتراف أكبر في المجتمع الياباني. ولتزيين سيارته الفاخرة من نوع «جاغوار إكس جاي

«الشرق الأوسط» (طوكيو )
يوميات الشرق في اليوم العالمي للتراث... 6 معالم لبنانية بمتناول الجميع مجاناً

في اليوم العالمي للتراث... 6 معالم لبنانية بمتناول الجميع مجاناً

في 18 أبريل (نيسان) من كل عام، يحتفل العالم بـ«اليوم العالمي للتراث»، وهو يوم حدده المجلس الدولي للمباني والمواقع الأثرية (ICOMOS) للاحتفاء به. ويتم برعاية منظمة «اليونيسكو» ومنظمة «التراث العالمي لحماية التراث الإنساني». ويأتي لبنان من ضمن الدول التي تحتفل به. ويعوّل سنوياً وزير الثقافة القاضي محمد وسام المرتضى على هذه المناسبة، فيفتح أبواب بعض المعالم مجاناً أمام الزائرين لمدة أسبوع كامل. في رأيه أن مهمته تكمن في توعية اللبناني بموروثه الثقافي، فيشجعه على الخروج من حالة الإحباط التي يعيشها من ناحية، وللتعرف على هذه المواقع عن قرب، من ناحية ثانية.


السنة الأمازيغية 2975... احتفاء بالجذور وحفاظ على التقاليد

نساء أمازيغيات يرتدين ملابس تقليدية يشاركن في احتفال بمناسبة الاحتفال بالسنة الأمازيغية الجديدة 2975 في الرباط 14 يناير 2025 (إ.ب.أ)
نساء أمازيغيات يرتدين ملابس تقليدية يشاركن في احتفال بمناسبة الاحتفال بالسنة الأمازيغية الجديدة 2975 في الرباط 14 يناير 2025 (إ.ب.أ)
TT

السنة الأمازيغية 2975... احتفاء بالجذور وحفاظ على التقاليد

نساء أمازيغيات يرتدين ملابس تقليدية يشاركن في احتفال بمناسبة الاحتفال بالسنة الأمازيغية الجديدة 2975 في الرباط 14 يناير 2025 (إ.ب.أ)
نساء أمازيغيات يرتدين ملابس تقليدية يشاركن في احتفال بمناسبة الاحتفال بالسنة الأمازيغية الجديدة 2975 في الرباط 14 يناير 2025 (إ.ب.أ)

يحتفل الأمازيغ حول العالم وخاصة في المغرب العربي بعيد رأس السنة الأمازيغية في 12 أو 13 من يناير (كانون الثاني)، التي توافق عام 2975 بالتقويم الأمازيغي. ويطلق على العيد اسم «يناير»، وتحمل الاحتفالات به معاني متوارثة للتأكيد على التمسك بالأرض والاعتزاز بخيراتها.

وتتميز الاحتفالات بطقوس وتقاليد متنوعة توارثها شعب الأمازيغ لأجيال عديدة، في أجواء عائلية ومليئة بالفعاليات الثقافية والفنية.

وينتشر الاحتفال ﺑ«يناير» بشكل خاص في دول المغرب والجزائر وتونس وليبيا والنيجر ومالي وسيوة بمصر.

أمازيغ يحتفلون بالعام الجديد من التقويم الأمازيغي في الرباط بالمغرب 13 يناير 2023 (رويترز)

جذور الاحتفال

يعود تاريخ الاحتفال برأس السنة الأمازيغية إلى العصور القديمة، وهو متجذر في الحكايات الشعبية والأساطير في شمال أفريقيا، ويمثل الرابطة بين الأمازيغ والأرض التي يعيشون عليها، فضلاً عن ثروة الأرض وكرمها. ومن ثمّ فإن يناير هو احتفال بالطبيعة والحياة الزراعية والبعث والوفرة.

ويرتبط الاحتفال بالسنة الأمازيغية الجديدة بأصل تقويمي نشأ قبل التاريخ، يعكس تنظيم الحياة وفق دورات الفصول.

وفي الآونة الأخيرة، اكتسب الاحتفال برأس السنة الأمازيغية أهمية إضافية كوسيلة للحفاظ على الهوية الثقافية الأمازيغية حية.

ومصطلح «يناير» هو أيضاً الاسم الذي يُطلق على الشهر الأول من التقويم الأمازيغي.

خلال احتفال لأمازيغ جزائريين برأس السنة الأمازيغية الجديدة «يناير» في ولاية تيزي وزو شرق العاصمة الجزائر (رويترز)

متى رأس السنة الأمازيغية؟

إن المساء الذي يسبق يناير (رأس السنة الأمازيغية) هو مناسبة تعرف باسم «باب السَنَة» عند القبائل في الجزائر أو «عيد سوغاس» عند الجماعات الأمازيغية في المغرب. ويصادف هذا الحدث يوم 12 يناير ويمثل بداية الاحتفالات في الجزائر، كما تبدأ جماعات أمازيغية في المغرب وأماكن أخرى احتفالاتها في 13 يناير.

يبدأ التقويم الزراعي للأمازيغ في 13 يناير وهو مستوحى من التقويم اليولياني الذي كان مهيمناً في شمال أفريقيا خلال أيام الحكم الروماني.

يمثل يناير أيضاً بداية فترة مدتها 20 يوماً تُعرف باسم «الليالي السود»، التي تمثل واحدة من أبرد أوقات السنة.

أمازيغ جزائريون يحتفلون بعيد رأس السنة الأمازيغية 2975 في قرية الساحل جنوب تيزي وزو شرقي العاصمة الجزائر 12 يناير 2025 (إ.ب.أ)

ما التقويم الأمازيغي؟

بدأ التقويم الأمازيغي في اتخاذ شكل رسمي في الستينات عندما قررت الأكاديمية البربرية، وهي جمعية ثقافية أمازيغية مقرها باريس، البدء في حساب السنوات الأمازيغية من عام 950 قبل الميلاد. تم اختيار التاريخ ليتوافق مع صعود الفرعون شيشنق الأول إلى عرش مصر.

وشيشنق كان أمازيغياً، وهو أحد أبرز الشخصيات الأمازيغية في تاريخ شمال أفريقيا القديم. بالنسبة للأمازيغ، يرمز هذا التاريخ إلى القوة والسلطة.

رجال أمازيغ يرتدون ملابس تقليدية يقدمون الطعام خلال احتفال بمناسبة الاحتفال بالسنة الأمازيغية الجديدة 2975 في الرباط 14 يناير 2025 (إ.ب.أ)

كيف تستعد لرأس السنة الأمازيغية؟

تتركز احتفالات يناير على التجمعات العائلية والاستمتاع بالموسيقى المبهجة. تستعد معظم العائلات لهذا اليوم من خلال إعداد وليمة من الأطعمة التقليدية مع قيام الأمهات بتحضير الترتيبات الخاصة بالوجبة.

كما أصبح من المعتاد ارتداء الملابس التقليدية الأمازيغية والمجوهرات خصيصاً لهذه المناسبة.

وتماشياً مع معاني العيد المرتبطة بالتجديد والثروة والحياة، أصبح يناير مناسبة لأحداث مهمة لدى السكان مثل حفلات الزفاف والختان وقص شعر الطفل لأول مرة.

يحتفل الأمازيغ في جميع أنحاء منطقة المغرب العربي وكذلك أجزاء من مصر بعيد «يناير» أو رأس السنة الأمازيغية (أ.ف.ب)

ما الذي ترمز إليه الاحتفالات؟

يتعلق الاحتفال بيوم يناير بالعيش في وئام مع الطبيعة على الرغم من قدرتها على خلق ظروف تهدد الحياة، مثل الأمطار الغزيرة والبرد والتهديد الدائم بالمجاعة. وفي مواجهة هذه المصاعب، كان الأمازيغ القدماء يقدسون الطبيعة.

تغيرت المعتقدات الدينية مع وصول اليهودية والمسيحية والإسلام لاحقاً إلى شمال أفريقيا، لكن الاحتفال ظل قائماً.

تقول الأسطورة إن من يحتفل بيوم يناير سيقضي بقية العام دون أن يقلق بشأن المجاعة أو الفقر.

نساء يحضّرن طعاماً تقليدياً لعيد رأس السنة الأمازيغية (أ.ف.ب)

يتم التعبير عن وفرة الثروة من خلال طهي الكسكس مع سبعة خضراوات وسبعة توابل مختلفة.

في الماضي، كان على كل فرد من أفراد الأسرة أن يأكل دجاجة بمفرده للتأكد من شبعه في يوم يناير. وترمز البطن الممتلئة في يناير إلى الامتلاء والرخاء لمدة عام كامل.

ومن التقاليد أيضاً أن تأخذ النساء بعض الفتات وتتركه بالخارج للحشرات والطيور، وهي لفتة رمزية للتأكد من عدم جوع أي كائن حي في العيد.