من القديح إلى العنود.. رسائل «داعش» الجديدة

العنف الفوضوي يتوسل الطائفية لأهداف سياسية إقليمية.. وولي العهد السعودي للمزايدين: الدولة تبقى دولة

أحد المسارات التي يعمل تنظيم داعش عليها هو تحويل المقاتلين العرب إلى بلدانهم بهدف خلق مناطق فوضى
أحد المسارات التي يعمل تنظيم داعش عليها هو تحويل المقاتلين العرب إلى بلدانهم بهدف خلق مناطق فوضى
TT

من القديح إلى العنود.. رسائل «داعش» الجديدة

أحد المسارات التي يعمل تنظيم داعش عليها هو تحويل المقاتلين العرب إلى بلدانهم بهدف خلق مناطق فوضى
أحد المسارات التي يعمل تنظيم داعش عليها هو تحويل المقاتلين العرب إلى بلدانهم بهدف خلق مناطق فوضى

بملامح صلبة يكسوها تقدير الموقف، وهدوء حازم أنصت الأمير محمد بن نايف ولي العهد السعودي وزير الداخلية، و«عدو الإرهاب الأول»، إلى أحد المتضررين من جريمة القديح الآثمة وهو يتحدث بانفعال عن مأساته. لم يقاطعه رغم حدة كلماته، بل قال له مقدّرًا انفعاله.. لكن يجب أن يفهم الجميع أن «الدولة ستبقى دولة».
هذه الكلمات وجدت صداها في المجالس العامة في السعودية التي اشتعل فيها الجدل والنقاش مجدّدًا حول الطائفية التي تطل بوجهها ليس عبر شاشات التلفزة أو في كتب الردود التراشق المتبادل، بل بلون الدم هذه المرّة وعبر استهداف أماكن للعبادة. هذا تحول نوعي في العقل الإرهابي على أكثر من مستوى، وهو وإن دلّ على وحشية تنظيم «داعش» وعبثيته وعدم تقديره أي من المسلمات الدينية إلا أنه دليل فشل كبير. إن حظهم هذه المرة من المملكة واستقرارها وأمنها كان استهداف المساجد بعدما حيل بينهم وبين أي عمليات نوعية على مستوى استهداف مواقع مهمة. خطة «داعش» في تهشيم مقدرات المنطقة عبر استهداف هيكلية الدولة.. وليس خوض «حرب ضد الصليبيين وأتباعهم» كما كانت «القاعدة» وأخواتها تزعم.
الانزلاق في أوحال التحليل الطائفي والتجاذب المذهبي هو تحقيق لأهداف «داعش»، وما نراه الآن من محاولة الدوران في فلك التحليل الطائفي لن يقدم في فهم النزعة الجديدة لتنظيم داعش الذي يعمل على ثلاث مسارات رئيسية:
المسار الأول، هو جلب مقاتلين أجانب غير عرب لأسباب تتعلق بسهولة تجنيدهم واستخدام أوراقهم الثبوتية وتنقلهم، إضافة إلى أن دخولهم الإسلام أو حتى عودتهم للدين كمحرّك رئيسي لم يكن عبر مصادر تلقي غير الخلايا النائمة في أوروبا، ومن هنا ليسوا بحاجة إلى إقناعهم بالخطاب الداعشي الذي بات مستقلاً على مستوى القراءة أو الممارسة أو حتى التصدير. ومن هنا، فإن إرجاع خطاب «داعش» لتصوّر ديني متشدد أو مدرسة فقهية أو عقائدية، ضرب من التسطيح لظاهرة معقدة تداخل فيها الديني والنفسي والهويّاتي.
المسار الثاني، الذي يعد توجهًا جديدًا لـ«داعش»، هو الاهتمام بالكوادر في الخليج وحضها على عدم «النفير» إلى أرض الشام، بل بتكوين خلايا مستوفزة قادرة على القيام بأعمال انتحارية، وهو أمر عادة ما يرفضه المقاتلون الأوروبيون والأكراد والقوقاز. ثم إن عدم انسجام المجموعات العربية والخليجية في بيئة «داعش»، كما كان الحال في معسكرات «القاعدة»، خلق هذا المسار الجديد بهدف خلق أكبر مناطق فوضى في الدول المستقرة، وإشغالها بحماية الداخل عن محاربة «داعش» في عقر دارها. ومن هنا، يمكن قراءة نشاط «داعش» في مصر والخليج وليبيا، بل ومحاولة إيجاد نسخة جديدة متكاملة في المغرب العربي.. الأقرب لأوروبا وأكثر المناطق شعبية لفكرة «السلفية الجهادية» الذراع الفكري لـ«داعش».
المسار الثالث، استخباراتي - أمني - عسكري، وغالبًا ما ينوء بحمله قيادات عسكرية قادمة من منظومة أخرى كالبعث أو بعض الأحزاب اليسارية الراديكالية التي أعجب قادتها أو ركبوا موجة الإعجاب بـ«داعش» وقدرته على الأرض. وربما كان انضمام قائد «القوات الخاصة» في الشرطة الطاجيكية، الذي تلقى تدريبه في الولايات المتحدة، إلى التنظيم المتطرف ثالثة الأثافي فيما يخص تحول العقل الإرهابي من حدود التصورات الدينية المتشددة إلى رؤية معولمة للعنف وقدرته على تغيير الأوضاع السياسية. ولا شك في أن رسم سياسات هذا المسار يتم مع دول عريقة في الجريمة السياسية كنظام طهران أو حتى نظام الأسد الذي يدين لـ«داعش» ببقائه حتى الآن. ومن هنا، فإن معظم كوادر التنظيم التنفيذية من المقاتلين والشرعيين لا علاقة لهم بهذا المسار، بل جرى تفريغهم تقريبًا للنشاط الفقهي والقضائي داخل حدود «دولة البغدادي» المزعومة، في حين أصبح دور المتعاطفين مع «داعش» خارج مناطق التوتر إلى ضخ الدعاية والتأليب ومقارعة الخصوم، بل وإقناع الفرقاء والمترددين من حشود الإسلام السياسي المستقيل بأن «داعش» هي المستقبل.. إذا ما أرادوا تغيير الأوضاع في المنطقة.
ولدى العودة إلى بيان وزارة الداخلية السعودية حول الحادثة يمكننا استنتاج ارتباط صالح القشعمي (مفجّر القديح) بـ«داعش» عبر المسار الأول الذي تحدثنا عنه وهو تحويل المقاتلين العرب إلى بلدانهم بهدف خلق مناطق فوضى، فهو كان مرتبطًا بحسب البيان بـ26 كادرًا داعشيًا، وكان خمسة منهم قد تورّطوا بقتل أحد أفراد أمن المنشآت في العاصمة الرياض، بل وأشعلوا النار في جسده. وبحسب ما تم الكشف عنه من أسلحة خفيفة (رشاشان و9 مسدسات ومواد متفجرة في مزرعة) لا تعبر إلا عن إرادة الفوضى كهدف وليس لتحقيق ما هو أبعد من ذلك. ولمعرفة حجم وخطورة «الإرهاب - الفوضى» يمكنك تخيّل ما يمكن أن يعمله شباب معزول في استراحة مع هذه المواد المتفجرة التي أصدر التنظيم عدة كتب ومقاطع فيديو لطرق استخدامها من الصفر.
بقية الخلية، كما قال البيان، توزّعت أدوارهم على جمع الأموال وتجنيد الشباب، وهنا مسألة في غاية الأهمية أبعد من كل المهاترات الطائفية، وهي ما الذي يجعل الشاب العشريني فريسة سهلة لخطاب «داعش»؟
سؤال كهذا بحاجة إلى مراكز أبحاث ودراسات تجمع تخصّصات كثيرة لفهم هذه الحالة المتكرّرة، إلا أن انتشار خطاب «داعش» في منصات التواصل الاجتماعي ومواقع الإنترنت، وقدرة التنظيم على تقديم هذه الوحشية المجانية بقالب دعائي تسويقي يستهدف - كما يقول الخبراء النفسيون في علم الجريمة - «سلّم القيم» لدى الشاب، وهو سلّم يتغير في هذه المرحلة، فتعلو فيه قيم الرجولة والقوة والفتوة وحب الظهور على قيم أخرى كالتسامح والمشاركة.
ومن هنا، فإن كل الدلائل والمؤشرات تؤكد على أن أجيال ما بعد الحادي عشر من سبتمبر (أيلول) (2001) تعاني من فراغ قيمي كبير، عادة ما يتم ملؤه بخطابات عنيفة سواء كانت في شكل إرهاب وتشدد ديني، أو حتى ردود فعل اجتماعية غاضبة تبدأ بـ«التفحيط» وشيوع ممارسات «العنف الاجتماعي» اللفظية والعملية، دون أن نلحظ برامج مستدامة لتعبئة هذا الفراغ. وكان آخر المعاقل الآمنة؛ أي الرياضة، قد بلغ فيه مؤشر العنف الاجتماعي مستوى جديدًا، وهو ما يجب ألا نغفل عنه ونحن نقرأ سلوك هذه الفئة العمرية.
إن رسائل «داعش» تسعى إلى إعادة تجريف الصراع الإقليمي لتكون طرفًا فاعلاً فيه عبر إشعال جبهات داخلية يعتقد قادة التنظيم أن ذلك سيساهم في تركهم يتوسّعون في «دولتهم» المزعومة. أضف إلى ذلك تدفق موجات المقاتلين من كل مكان، لا سيما من الدول الإسلامية غير العربية، ليشكلوا وقودًا آيديولوجيًا للتنظيم بسبب الأوضاع المعيشية في بلدانهم الأصلية، ثم ما تقدمه «داعش» من معونات وبرامج إيواء وإعالة (هناك حديث عن هجرة 30 طبيب امتياز من السودان و700 مهندس من دول شرق آسيا).
وعلى المستوى الداخلي، يهدف التنظيم إلى إشغال المجتمع بملف الطائفية على خلفية أن منسوب الطائفية في المنطقة في أعلى مستوياته إلى الحد الذي حدا ببعض المجموعات الإسلامية إلى رفض «داعش» في الداخل مقابل تبرير سلوكه في الخارج. وهذا، بعدما أطلقت إيران ميليشياتها الشيعية المسلحة، وبشعارات دينية صارخة؛ الأمر الذي قرأه قادة «داعش» بذكاء في محاولة تأجيج الملف الطائفي وخلق أداة جديدة للفوضى. ثم إن «داعش» يدرك أن تصريحات قادة طهران وحسن نصر الله والحوثيين حول أي جريمة طائفية من شأنها خلق ردود أفعال مضادّة باعتبار أن خطاب الدولة والمجتمع بكل أطيافه يرفض تدخلات سيادية من هذا النوع.
«داعش» يريد أن ينفرد بـ«دولته» دون حتى مشاركة المجموعات العنفية المنافسة كـ«القاعدة» بفروعها، والمجموعات المحاربة لنظام الأسد كـ«النصرة» وفروعها، وكل منافسي «داعش» من أمثال هؤلاء، يفقدون أسهمهم في سوق الفوضى متى ما نجح «داعش» في تحقيق أهداف أو عمليات أو ضم مناطق جديدة. وحقًا، كانت هناك إشارات في خطابات البغدادي وحتى في «تويتر» من قبل أتباعه إلى أنهم يستهدفون الشيعة في ردودهم على من يتهمهم بخدمة أهداف إيران في المنطقة. وفي خطبة لأنصاره في السعودية، دعا البغدادي منذ ستة أشهر في تسجيل منسوب إليه إلى شن هجمات ضد أهداف شيعية من قبل العائدين من مناطق سيطرة «داعش»، وأغلبهم ممن لم يستطع التأقلم أو لم تنط به أدوار قيادية، وجزء كبير منهم من المتحوّلين من «القاعدة» الذين لا يرون في وحشية «داعش» انضباط المجموعات الجهادية الأخرى التي انضموا إليها.
ورغم موجات الهلع والدهشة من دناءة العمليتين، في القديح ومسجد العنود، ما حدا بمحاولة عدد من العلماء والمشايخ من الطرفين إلى تبادل العزاء ونبذ الطائفية في صور انتشرت على شبكات التواصل الاجتماعي، فإن ملف الطائفية سريع الاشتعال، ومن ثم فهو بحاجة إلى تشريعات صارمة تخرجه من سياقه الصدامي إلى حدود المواطنة كمفهوم مطرد يشمل كل السعوديين. ثم إن الدعوات النشاز بإنشاء جماعات مسلحة مشابهة لـ«الحشد الشعبي» يجب أن تحظى برفض عقلاء الشيعة قبل غيرهم، فهم كما قال ولي العهد السعودي الذي استهدفه الإرهاب في شخصه «أي شخص يحاول لعب دور الدولة سوف يحاسب كائنًا من كان.. لنكن يدًا واحدة مع الدولة».



«داعش» يُعيد اختبار قدراته في غرب أفريقيا

مقاتلو تحالف أهل أزواد أثناء قيامهم بدوريات في المنطقة القريبة من الحدود بين مالي وموريتانيا لحماية السكان المحليين من انعدام الأمن بسبب وجود عناصر «داعش» (أ.ف.ب)
مقاتلو تحالف أهل أزواد أثناء قيامهم بدوريات في المنطقة القريبة من الحدود بين مالي وموريتانيا لحماية السكان المحليين من انعدام الأمن بسبب وجود عناصر «داعش» (أ.ف.ب)
TT

«داعش» يُعيد اختبار قدراته في غرب أفريقيا

مقاتلو تحالف أهل أزواد أثناء قيامهم بدوريات في المنطقة القريبة من الحدود بين مالي وموريتانيا لحماية السكان المحليين من انعدام الأمن بسبب وجود عناصر «داعش» (أ.ف.ب)
مقاتلو تحالف أهل أزواد أثناء قيامهم بدوريات في المنطقة القريبة من الحدود بين مالي وموريتانيا لحماية السكان المحليين من انعدام الأمن بسبب وجود عناصر «داعش» (أ.ف.ب)

في مؤشر رمزي لـ«اختبار قدراته»، عقب هزائمه في سوريا والعراق وعدد من الدول، دفع تنظيم داعش الإرهابي عناصره وخلاياه لتنفيذ عمليات في غرب أفريقيا، أملاً في «إثبات الوجود» وتأكيد استمرار مشروع التنظيم. ضربات التنظيم «الخاطفة» التي شهدتها بوركينا فاسو ومالي والنيجر، ونيجيريا أخيراً، دفعت لتساؤلات تتعلق بأهداف توجه «داعش» نحو غرب أفريقيا الآن، وخطة نشاطه خلال الفترة المقبلة.
خبراء ومتخصصون في الحركات الأصولية أكدوا أن «التنظيم يهدف من نشاطه في غرب القارة السمراء إلى تفريغ القدرات القتالية لعناصره، والحفاظ على رأس ماله الرمزي، وتأكيد الوجود في المشهد، والحفاظ على حجم البيعات الصغيرة التي حصل عليها في السابق».
وقال الخبراء لـ«الشرق الأوسط» إن «التنظيم الإرهابي عانى من الانحسار الجغرافي خلال الأشهر الماضية، وتأثر بمقتل زعيمه السابق أبي بكر البغدادي، وهو يسعى لتدوير قدراته القتالية في مناطق جديدة». لكن الخبراء قللوا في هذا الصدد من تأثير عمليات «داعش» في هذه الدول، لكونها للترويج الإعلامي.

خلايا فرعية
يشار إلى أن «ولاية غرب أفريقيا» في «داعش» انشقت عن جماعة «بوكو حرام» في عام 2016، وأصبحت الجماعة المتشددة المهيمنة في تلك المنطقة. وأبدى «داعش» اهتماماً ملحوظاً خلال الأشهر الماضية بتوسيع نطاق نشاطه في القارة الأفريقية، حيث تعاني بعض الدول من مشكلات أمنية واقتصادية واجتماعية، مما ساعده في تحقيق أهدافه.
وقال أحمد زغلول، الباحث في شؤون الحركات الأصولية بمصر، إن «النقطة المركزية في حركة التنظيمات الجهادية، وتحديداً (المعولمة) الموجودة بين أكثر من دولة، وأكثر من نشاط، تحت رعاية مشروع آيديولوجي (جهادي) محدد، مثل (داعش) ومن قبله (القاعدة)، أنه في كثير من الأحيان يكون التمركز في منطقة معينة، وتكون هي مركز الثقل، مع وجود فروع أو جيوب أخرى يتم التحرك من خلالها في بعض الأحيان، فضلاً عن أن هناك قواعد جهادية قتالية بلا عمل، فيكون التكتيك الذي يتبعه التنظيم في هذه السياقات ضرورة العمل في مناطق أخرى، أو توزيع جهوده على نطاقات جغرافية أخرى، بهدف تفريغ القدرات القتالية لعناصره، والحفاظ على رأس ماله الرمزي، بصفته (أي داعش) جماعة مقاومة -على حد زعم التنظيم- فضلاً عن تأكيد عبارات مثل: (موجودون) و(مستمرون في القتال) و(مستمرون في إقامة مشروعنا)».
في حين أرجع عمرو عبد المنعم، الباحث في شؤون الحركات الأصولية، محاولات «داعش» للتمدد في غرب أفريقيا إلى «إعادة التموضع واتخاذ مرتكزات أخرى، بعد الضربات التي مُني بها التنظيم أخيراً، خاصة بعد مقتل البغدادي والمهاجر. لذلك لجأ التنظيم إلى أفريقيا الساحل ونيجيريا وبوركينا فاسو والنيجر ومالي، وغيرها من الدول، لأن بعض هذه الدول تعاني من مشكلات في الوجود الأمني، سواء داخلياً أو على الحدود. لذا لجأ التنظيم لعدة عمليات للحفاظ على حجم البيعات الصغيرة التي حصل عليها في السابق، مع وجود منافس شرس هناك مثل تنظيم (القاعدة) الموجود بصور مختلفة في السنوات القليلة الماضية على أراضي بعض الدول الأفريقية».
وفي غضون ذلك، فسر الأكاديمي الدكتور أيمن بريك، أستاذ الإعلام المساعد في جامعتي الأزهر والإمام محمد بن سعود الإسلامية، تمدد «داعش» في غرب أفريقيا بأنه «محاولة لـ(لملمة شتات) عناصره، بعد الهزائم المتتالية في العراق وسوريا، حيث دفع بكثير من أعضائه الفارين إلى أفريقيا، في محاولة لتأكيد البقاء».

ضربات موجعة
الكلام السابق تطابق مع دراسة لمرصد دار الإفتاء في مصر، أكدت أنه «رغم الضربات الموجعة التي تعرض لها (داعش)، سواء بإخراجه من آخر معاقله في الباغوز بسوريا، واستعادة كافة الأراضي التي سيطر عليها خلال عام 2014، أو بالقضاء على غالبية قياداته ورموزه، وعلى رأسهم أبو بكر البغدادي زعيم التنظيم السابق، فإنه ظل قادراً على تنفيذ عمليات في مناطق عدة، بعد فتح جبهات جديدة لعناصره في غرب أفريقيا التي تُعد ساحة مرشحة لعمليات متزايدة متضاعفة للتنظيم».
هذا وقد قتل البغدادي بعد غارة عسكرية أميركية في سوريا، بينما قتل المتحدث باسم التنظيم السابق أبو الحسن المهاجر في عملية عسكرية منفصلة في الأسبوع نفسه تقريباً، نهاية أكتوبر (تشرين الأول) الماضي.
وأكد زغلول أن «التنظيم الإرهابي عانى من أزمات في مناطق انتشاره الأساسية، وهناك استراتيجيات أمنية على المستوى المحلي والدولي ضده، فضلاً عن انحسار جغرافي في سوريا والعراق، وهناك قيادة جديدة تولت التنظيم... كل هذه التحديات تدفعه إلى إثبات وجود، وإعادة تدوير قدراته القتالية في مناطق أخرى واختبارها، لذا يبدو طبيعياً أن يتمدد في غرب أفريقيا، أو في أي منطقة أخرى، ما دام أن هناك موارد وسياقات محلية تدعم هذا التوجه، والأمر لا يتوقف فقط على التنظيم الرئيسي (أي القيادة المركزية لداعش وقراراتها)، لكنه مرتبط بجانب آخر بوجود سياقات مناسبة؛ بمعنى أن الأوضاع الداخلية في دولة ما قد تكون مناسبة لنشاط التنظيم خلال فترة ما، وقد تكون هذه الأوضاع غير مناسبة للتنظيم في دولة أخرى».
ودعا البغدادي في وقت سابق ما سماها «ولايات دولة الخلافة المزعومة» في أفغانستان والقوقاز وإندونيسيا، وأيضاً غرب ووسط أفريقيا، للقيام بعمليات إرهابية.

مشهد جديد
وعن دلالة توجه «داعش» لغرب أفريقيا الآن، قال عبد المنعم: «هي محاولة لبلورة مشهد جهادي جديد في هذه الدول. وقد هذا ظهر بشكل كبير بعد أيام من مقتل البغدادي، وبيعة أبو إبراهيم الهاشمي القرشي زعيم (داعش) الجديد، ليؤكد التنظيم أنه عازم على استكمال مسيرة مشروعه، لذا خرج بشعار جديد في أحد إصداراته الأخيرة بعنوان (سوف نمضي)».
ومن جهته، أكد أحمد زغلول أن «التضييقات السياسية والأمنية على التنظيم في نقاطه المركزية دفعته إلى الكمون خلال الأشهر الماضية، وتضييق نشاطه، وتقليل حجم عملياته، بهدف البقاء، أو كنوع من المناورة مع السياسات الأمنية التي يتعرض لها من وقت لآخر، وهذا جعل التنظيم لديه أزمات داخلية؛ بمعنى أن هناك مشروعاً جهادياً لا بد من تحقيقه، وهناك قواعد له في دول أخرى ترى أن التنظيم نموذجاً وتدعمه بشكل أو بآخر بمختلف أوجه الدعم، لذا يؤكد دائماً على البقاء والثبات».
وكثف «داعش» من هجماته الإرهابية في دول غرب أفريقيا أخيراً. ففي نهاية ديسمبر (كانون الأول) الماضي، تبنى «داعش» هجوماً على قاعدة أربيندا العسكرية في بوركينا فاسو، قُتل خلاله 7 عسكريين. وفي الشهر ذاته، نشر التنظيم شريطاً مصوراً مدته دقيقة واحدة، أظهر فيه مشاهد إعدام 11 مسيحياً في شمال شرقي نيجيريا. وسبق ذلك إعلان «داعش»، في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، مسؤوليته عن هجوم استهدف قاعدة عسكرية شمال شرقي مالي، وأسفر عن مقتل 53 جندياً. كما تبنى التنظيم هجوماً أوقع أكثر من 70 قتيلاً في معسكر لجيش النيجر في ايناتيس قرب مالي.
وأشارت تقديرات سابقة لمراكز بحثية غربية إلى أن «عدد الذين انضموا لـ(داعش) من أفريقيا منذ عام 2014 في سوريا والعراق يزيد على 6 آلاف مقاتل». وقال مراقبون إن «عودة هؤلاء، أو من تبقى منهم، إلى أفريقيا بعد هزائم سوريا والعراق كانت إشكالية كبيرة على أمن القارة، خصوصاً أن كثيرين منهم شباب صغير السن، وليس لهم روابط إرهابية سابقة، وأغلبهم تم استقطابه عبر الإنترنت».

عمليات نوعية
وحول نشاط «داعش» المستقبلي في غرب أفريقيا، قال عمرو عبد المنعم إن «نشاط (داعش) بدأ يظهر في غرب أفريقيا من خلال عمليات نوعية، سواء ضد المسيحيين أو جيوش الدول أو العناصر الغربية الموجودة في هذه المناطق»، لافتاً إلى أن «الاستهداف حتى الآن عشوائي، وبعض هذه العمليات لم يحدث تأثيراً بالقدر الكبير، كمثل العمليات التي حدثت في أوروبا، وأحدثت دوياً من قبل، وحتى الآن هي مجرد عمليات للترويج الإعلامي وإثبات الوجود، لأن بعض ولايات وأذرع (داعش) بأفريقيا التي بايعت البغدادي في وقت سابق ما زالت لم يسمع لها صوتاً، بالمقارنة بحجم وتأثير العمليات التي شهدتها أوروبا في وقت سابق».
أما الدكتور أيمن بريك، فقد تحدث عن احتمالية «حدوث تحالف بين (داعش) و(القاعدة) ‏في القارة الأفريقية، كـ(تحالف تكتيكي) في ظل حالة الضعف والتردي التي ‏يعاني منها التنظيمين»، لكنه في الوقت نفسه دعا إلى «ضرورة التصدي لـمحاولات تمدد (داعش) وغيره من التنظيمات الإرهابية في ‏القارة الأفريقية، وذلك قبل أن ينجح بقايا الدواعش في إعادة بناء تنظيم، ربما يكون أكثر عنفاً وتشدداً وإجراماً مما فعله التنظيم الأم (أي داعش) خلال أعوامه السابقة».