الهجرة غير الشرعية تتكثف من شمال لبنان باتجاه شواطئ أوروبا

المغامرون لبنانيون وسوريون وفلسطينيون

من تشييع فتاة في أبريل (نيسان) الماضي كانت بين الركاب الذين قضوا غرقاً على المركب الذين كان يقلهم قرب شاطئ طرابلس في شمال لبنان (إ.ب.أ)
من تشييع فتاة في أبريل (نيسان) الماضي كانت بين الركاب الذين قضوا غرقاً على المركب الذين كان يقلهم قرب شاطئ طرابلس في شمال لبنان (إ.ب.أ)
TT

الهجرة غير الشرعية تتكثف من شمال لبنان باتجاه شواطئ أوروبا

من تشييع فتاة في أبريل (نيسان) الماضي كانت بين الركاب الذين قضوا غرقاً على المركب الذين كان يقلهم قرب شاطئ طرابلس في شمال لبنان (إ.ب.أ)
من تشييع فتاة في أبريل (نيسان) الماضي كانت بين الركاب الذين قضوا غرقاً على المركب الذين كان يقلهم قرب شاطئ طرابلس في شمال لبنان (إ.ب.أ)

تتواصل رحلات مراكب الهجرة غير الشرعية من شواطئ شمال لبنان باتجاه دول أوروبا بوتيرة، يؤكد أبناء المنطقة والمتابعون عن كثب للملف أنها مرتفعة. ولم تشكل حادثة غرق المركب قرب شواطئ مدينة طرابلس في 23 أبريل (نيسان) الماضي والتي قضى خلالها نحو 40 شخصاً، رادعاً للمئات الذين يستمرون بالمغامرة بأرواحهم وأرواح أولادهم.
وأُفيد أمس عن دخول قوة من الجيش مرفأ العبدة – عكار (شمال لبنان) بمؤازرة القوات البحرية حيث احتجزت مركب صيد يُشتبه بأنه كان يتحضر لنقل ركاب بصورة غير شرعية عبر البحر.
كما أعلنت قيادة الجيش قبل يومين أن قوة منها أوقفت في محلة سقي البداوي أحد المواطنين خلال إعداده للقيام بعملية تهريب غير شرعية عبر البحر، متحدثةً عن ضبط سلاح حربي من نوع كلاشنكوف، و4000 لتر من المازوت، و100 سترة نجاة، و16 دولاب فلّين، و46 دولاباً هوائياً، ومنفاخين كهربائيين، وهي أغراض كانت بحوزته وآخرين.
ويقول الناشط والإعلامي في شمال لبنان عمر إبراهيم، إن غرق المركب في أبريل الماضي لم يوقف الهجرة غير الشرعية التي لا تزال مستمرة بشكل كبير، لافتاً إلى أن «أحد أبناء عكار وضع على صخرة مؤخراً لافتة كتب عليها (العبدة - رحلات إلى اليونان - إيطاليا - قبرص - إسبانيا)، فهو وإن قام بذلك من باب التهكم إلا أنه دليل أن الهجرة مستمرة وبوتيرة مرتفعة». ويشير إبراهيم في تصريح لـ«الشرق الأوسط» إلى أنه «خلال اليومين الماضيين تم إفشال محاولتين للتهريب؛ الأولى في سقي البداوي والأخرى في عكار، إضافةً لتسجيل خروج قاربين من مرفأ العبدة»، مضيفاً: «لم نعد نعرف بالرحلات إلا بعد وصول قوارب اللبنانيين إلى وجهتها في أوروبا، أما فيما يتعلق بالسوريين فلا أحد يعرف أعدادهم ولا عدد القوارب التي تقلّهم من شمال لبنان، وهي لا شك بأعداد كبيرة. كما أنه منذ أسبوع تقريباً سُجل خروج مركب من مخيم البداوي على متنه 50 فلسطينياً نشروا صورهم بعدما وصلوا إلى شواطئ إيطاليا». ويرى إبراهيم أنه «إما أن هناك صعوبة في ضبط حركة الهجرة غير الشرعية من الأجهزة الأمنية المعنية وإما أنه لا نية لذلك، وقد يكون لبنان يعتمد أسلوب تركيا لابتزاز الأوروبيين للضغط لتأمين الأموال للنازحين والتخفيف من الضغوط التي تتعرض لها الدولة اللبنانية».
أما السياسي الطرابلسي الدكتور خلدون الشريف، فيرى أن «الوضع الاقتصادي والمالي الضاغط هو الذي يدفع الناس لعبور البحر للخروج من لبنان الذي يعيش أسوأ أزمة اقتصادية قد يكون شهدها العالم منذ الحرب العالمية الثانية»، لافتاً إلى أن «نسبة البطالة تتجاوز الـ50 في المائة وتعاطي المخدرات يتجاوز الـ13 في المائة، أضف أنه وحسب آخر التقارير فإن الناس الأكثر غضباً في العالم هم في لبنان، ما يؤدي بالناس إلى اليأس، فيما المسؤولون السياسيون يكملون مناكفاتهم كأن شيئاً لم يتغير». ويستبعد الشريف في تصريح لـ«الشرق الأوسط» أن تكون الدولة اللبنانية تلعب ورقة تشريع حدودها البحرية أمام الراغبين بالهجرة غير الشرعية، موضحاً أنها تضغط حالياً عبر «ورقة النازحين السوريين الذين يشكّلون بدورهم ضغطاً هائلاً على الاقتصاد والبنى التحتية في لبنان».
ولا يستغرب عميد دندشي، الوالد الذي خسر أولاده الـ3 في حادثة غرق المركب قبل شهرين، استمرار رحلات الهجرة عبر البحر رغم النكبة التي شهدتها مدينة طرابلس قبل وقت قصير، معتبراً أن «ما نعيشه في مناطقنا من طرابلس إلى عكار من جوع وتفقير بعدما باتت كل المواد والخدمات بالدولار فيما الرواتب بالليرة اللبنانية، ولا طبابة ولا استشفاء، يدفع الناس قسراً إلى البحر». ويضيف دندشي لـ«الشرق الأوسط»: «الحركة ستبقى تصاعدية ما دامت الدولة غائبة كلياً عن منطقتنا. حدودنا مع سوريا وإسرائيل، والأولى منكوبة أكثر منّا والثانية عدو، وبالتالي ليس أمام المواطن الفقير إلا البحر ليغامر بتأمين حياة كريمة لأولاده».


مقالات ذات صلة

مقتل 5 في إطلاق نار بشمال فرنسا... والمشتبه به يسلم نفسه للشرطة

أوروبا عنصر من الشرطة الفرنسية في ستراسبورغ (أ.ف.ب)

مقتل 5 في إطلاق نار بشمال فرنسا... والمشتبه به يسلم نفسه للشرطة

نقلت وسائل إعلام فرنسية عن مصادر أمنية، السبت، أن اثنين من رجال الأمن ومهاجرَين قُتلوا بإطلاق نار في لون بلاج بالقرب من مدينة دونكيرك الشمالية.

«الشرق الأوسط» (باريس)
أوروبا سفينة على متنها مهاجرون غير شرعيين ترسو في جزيرة كريت اليونانية (أرشيفية - رويترز)

غرق مهاجر ومخاوف من فقد آخرين بعد انقلاب قارب قبالة اليونان

قال خفر السواحل اليوناني، اليوم السبت، إن السلطات انتشلت جثة مهاجر وأنقذت 39 آخرين من البحر بعد انقلاب قارب.

«الشرق الأوسط» (أثينا)
شمال افريقيا حرس جزر الكناري الإسبانية يقدم مساعدات لمهاجرين أفارقة انطلقوا من سواحل تونس بعد غرق مركبهم (إ.ب.أ)

مقتل 9 مهاجرين وفقدان 6 آخرين قبالة سواحل تونس

قضى تسعة مهاجرين من دول أفريقيا جنوب الصحراء، وفُقد ستة آخرون بعد غرق قاربهم قبالة السواحل التونسية.

«الشرق الأوسط» (تونس)
العالم العربي دول أوروبية تعلق البت في طلبات اللجوء المقدمة من سوريين (أ.ف.ب)

دول أوروبية تعلق طلبات اللجوء المقدمة من سوريين بعد الإطاحة بالأسد

علقت دول أوروبية كثيرة التعامل مع طلبات اللجوء المقدمة من سوريين بعد استيلاء المعارضة على دمشق وهروب الرئيس بشار الأسد إلى روسيا بعد 13 عاماً من الحرب الأهلية.

«الشرق الأوسط» (دمشق)
شمال افريقيا عملية إنقاذ سابقة لمهاجرين غير نظاميين غرب ليبيا (جهاز مكافحة الهجرة)

سلطات طرابلس تضبط 40 باكستانياً قبل تهريبهم إلى أوروبا

يقول «جهاز دعم الاستقرار» الليبي بطرابلس إنه «تم جلب هؤلاء المهاجرين عبر تشكيل عصابي دولي يتقاضى 20 ألف دولار أميركي من كل مهاجر مقابل إرساله إلى ليبيا».

«الشرق الأوسط» (القاهرة)

ملاهي سوريا وحاناتها تعيد فتح أبوابها بحذر بعد انتصار فصائل المعارضة

سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
TT

ملاهي سوريا وحاناتها تعيد فتح أبوابها بحذر بعد انتصار فصائل المعارضة

سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)

احتفل سكان دمشق بسقوط نظام بشار الأسد بعد حرب وحشية استمرت 13 عاماً، لكن أصحاب أماكن السهر في المدينة اعتراهم القلق وهم يعيدون فتح أبواب حاناتهم وملاهيهم.

فقد قادت «هيئة تحرير الشام» فصائل المعارضة التي أطاحت بنظام الأسد، وكانت هناك خشية لدى بعض الناس من أن تمنع الهيئة شرب الكحول.

ظلت حانات دمشق ومحلات بيع الخمور فيها مغلقة لأربعة أيام بعد دخول مقاتلي «هيئة تحرير الشام» المدينة، دون فرضهم أي إجراءات صارمة، والآن أعيد فتح هذه الأماكن مؤقتاً.

ما يريده صافي، صاحب «بابا بار» في أزقة المدينة القديمة، من الجميع أن يهدأوا ويستمتعوا بموسم عيد الميلاد الذي يشهد إقبالاً عادة.

مخاوف بسبب وسائل التواصل

وفي حديث مع «وكالة الصحافة الفرنسية» في حانته، اشتكى صافي، الذي لم يذكر اسم عائلته حتى لا يكشف عن انتمائه الطائفي، من حالة الذعر التي أحدثتها وسائل التواصل الاجتماعي.

فبعدما انتشرت شائعات أن المسلحين المسيطرين على الحي يعتزمون شن حملة على الحانات، توجه إلى مركز الشرطة الذي بات في أيدي الفصائل في ساحة باب توما.

وقال صافي بينما كان يقف وخلفه زجاجات الخمور: «أخبرتهم أنني أملك حانة وأود أن أقيم حفلاً أقدم فيه مشروبات كحولية».

وأضاف أنهم أجابوه: «افتحوا المكان، لا مشكلة. لديكم الحق أن تعملوا وتعيشوا حياتكم الطبيعية كما كانت من قبل»، فيما كانت الموسيقى تصدح في المكان.

ولم تصدر الحكومة، التي تقودها «هيئة تحرير الشام» أي بيان رسمي بشأن الكحول، وقد أغلق العديد من الأشخاص حاناتهم ومطاعمهم بعد سقوط العاصمة.

لكن الحكومة الجديدة أكدت أيضاً أنها إدارة مؤقتة وستكون متسامحة مع كل الفئات الاجتماعية والدينية في سوريا.

وقال مصدر في «هيئة تحرير الشام»، لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»، طلب عدم كشف هويته، إن «الحديث عن منع الكحول غير صحيح». وبعد الإلحاح عليه بالسؤال شعر بالغضب، مشدداً على أن الحكومة لديها «قضايا أكبر للتعامل معها».

وأعيد فتح «بابا بار» وعدد قليل من الحانات القريبة، لكن العمل محدود ويأمل صافي من الحكومة أن تطمئنهم ببيان يكون أكثر وضوحاً وقوة إلى أنهم آمنون.

في ليلة إعادة الافتتاح، أقام حفلة حتى وقت متأخر حضرها نحو 20 شخصاً، ولكن في الليلة الثانية كانت الأمور أكثر هدوءاً.

وقال إن «الأشخاص الذين حضروا كانوا في حالة من الخوف، كانوا يسهرون لكنهم في الوقت نفسه لم يكونوا سعداء».

وأضاف: «ولكن إذا كانت هناك تطمينات (...) ستجد الجميع قد فتحوا ويقيمون حفلات والناس مسرورون، لأننا الآن في شهر عيد الميلاد، شهر الاحتفالات».

وفي سوريا أقلية مسيحية كبيرة تحتفل بعيد الميلاد، مع تعليق الزينات في دمشق.

في مطعم العلية القريب، كان أحد المغنين يقدم عرضاً بينما يستمتع الحاضرون بأطباق من المقبلات والعرق والبيرة.

لم تكن القاعة ممتلئة، لكن الدكتور محسن أحمد، صاحب الشخصية المرحة والأنيقة، كان مصمماً على قضاء وقت ممتع.

وقال لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»: «كنا نتوقع فوضى عارمة في الموقف»، فيما كانت الأضواء تنعكس على ديكورات المطعم، مضيفاً: «لكننا عدنا سريعاً إلى حياتنا، حياتنا الليلية، وحقوقنا».

حفلة مع مغنٍ

وقال مدير المطعم يزن شلش إن مقاتلي «هيئة تحرير الشام» حضروا في ليلة إعادة الافتتاح ولم يغلقوا المكان.

وأضاف: «بدأنا العمل أمس. كانت الأمور جيدة جداً. كانت هناك حفلة مع مغنٍ. بدأ الناس بالتوافد، وفي وسط الحفلة حضر عناصر من (هيئة تحرير الشام)»، وأشار إلى أنهم «دخلوا بكل أدب واحترام وتركوا أسلحتهم في الخارج».

وبدلاً من مداهمة المكان، كانت عناصر الهيئة حريصين على طمأنة الجميع أن العمل يمكن أن يستمر.

وتابع: «قالوا للناس: لم نأتِ إلى هنا لنخيف أو نرهب أحداً. جئنا إلى هنا للعيش معاً في سوريا بسلام وحرية كنا ننتظرهما منذ فترة طويلة».

وتابع شلش: «عاملونا بشكل حسن البارحة، نحن حالياً مرتاحون مبدئياً لكنني أخشى أن يكون هذا الأمر آنياً ولا يستمر».

ستمارس الحكومة الانتقالية الجديدة في سوريا بقيادة «هيئة تحرير الشام» عملها حتى الأول من مارس (آذار). بعد ذلك، لا يعرف أصحاب الحانات ماذا يتوقعون.