نبات آكل للحوم يتغذى على فرائسه تحت الأرض

أباريق استخرجت من تحت الأرض (الفريق البحثي)
أباريق استخرجت من تحت الأرض (الفريق البحثي)
TT

نبات آكل للحوم يتغذى على فرائسه تحت الأرض

أباريق استخرجت من تحت الأرض (الفريق البحثي)
أباريق استخرجت من تحت الأرض (الفريق البحثي)

بينما كان مارتن داناك، الأستاذ في جامعة بالاك التشيكية، في رحلة استغرقت عدة أيام برفقة عدد من الباحثين الإندونيسيين في مقاطعة شمال كاليمانتان الإندونيسية بجزيرة بورنيو، استوقفته نباتات، كانت بلا شك من النوعية التي يطلق عليها اسم «نابنط»، لكن ملاحظاتهم لها للوهلة الأولى لم تشر إلى احتوائها على سمة مميزة لهذا النوع، وهي إنتاج ما يشبه «الأباريق»، ولكن بعد بحث دقيق وجدوا إبريقاً بارزاً من التربة، وهو ما قادهم لاكتشاف استراتيجية غير معروفة حتى الآن في أي نوع آخر من النباتات آكلة اللحوم، وهي اصطياد الفرائس تحت الأرض.
وتظهر نباتات «نابنط» بكثرة في جنوب الصين، وإندونيسيا، وماليزيا، والفلبين، وأستراليا، والهند، وسريلانكا، وفيها تكون قاعدة الورقة متورقة، بينما طرفها الآخر يتحور ويتكون على هيئة «إبريق»، ويغطي الجدار الداخلي للإبريق مادة شمعية وشعيرات متجهة إلى أسفل لتمنع خروج الحشرات عندما تقع فريسة، وبداخله توجد غدد تفرز سائلاً يملأ جزءاً منه، كما يوجد على طرفه مادة سكرية لزجة لجذب الحشرات، وإن سقطت داخله يصعب عليها الهرب، فتهضمها الإنزيمات، وتمتص ما يلزم من مكوناتها.
وبينما توجد أباريق أغلب أنواع هذه النباتات على السطح، كانت المفاجأة التي وجدها داناك ورفاقه في النبات الذي لفت انتباههم، وأطلقوا عليه لاحقاً اسم «نيبتنس بوديكا»، أنه يضع أباريقه التي يصل طولها إلى 11 سم تحت الأرض؛ حيث تصطاد تلك الأباريق الحيوانات الجوفية التي تعيش أسفل التربة، وعادة ما تكون النمل والعث والخنافس، وأُعلن عن هذا الاكتشاف أول من أمس في دورية «فيتوكيز».
وينمو هذا النوع المكتشف حديثاً، على قمم التلال الجافة نسبياً على ارتفاع 1100 - 1300 متر فوق مستوى سطح البحر، وفقاً لمكتشفيها، وقد يكون هذا هو سبب تطورها لتحريك مصائدها تحت الأرض.
ويقول ميشال غولوس من جامعة بريستول في المملكة المتحدة، الذي شارك في دراسة هذا النبات الغريب في تقرير نشره الموقع الإلكتروني لدار نشر «بنسوفت» التي تصدر دورية «فيتوكيز»: «نفترض أن التجاويف الموجودة تحت الأرض تتمتع بظروف بيئية أكثر استقراراً، بما في ذلك الرطوبة، ومن المفترض أيضاً أن يكون هناك المزيد من الفرائس المحتملة خلال فترات الجفاف».


مقالات ذات صلة

التشكيلية اللبنانية زينة الخليل... الألم خطَّاطُ المسار

يوميات الشرق الرسوم تتحوّل انعكاساً للروح كما تغذّي الروح الفنّ فيتكاملان (زينة الخليل)

التشكيلية اللبنانية زينة الخليل... الألم خطَّاطُ المسار

يأتي الألم بوعي مختلف لم يُعهَد من قبل ويتيح النموّ الداخلي. الألم أحياناً يختار المرء؛ يتعرّف إليه. ولا ينتظره. يُناديه ليخطَّ مساره.

فاطمة عبد الله (بيروت)
يوميات الشرق عينات من الكرات المجهولة التي عثر عليها على أحد شواطئ سيدني (إ.ب.أ)

كرات غامضة تُغلق شواطئ في سيدني... وتحيّر السلطات

أغلقت السلطات الأسترالية تسعة شواطئ في سيدني أمام الزوار اليوم (الثلاثاء) بعد أن جرف الماء كرات رخامية غامضة بيضاء ورمادية اللون إلى الشاطئ.

«الشرق الأوسط» (سيدني (أستراليا))
يوميات الشرق الطير المهيب يمتدّ جناحاه لـ3 أمتار (أ.ب)

بثّ مباشر «بلا دراما» لزوجَي طيور يتقاسمان رعاية البيض

تُعدُّ مستعمرة البرّ الرئيس في نيوزيلندا، وهي واحدة من 4 مواقع، موطناً لـ1 في المائة من الطيور البالغ عددها 170 ألفاً على مستوى العالم.

«الشرق الأوسط» (ويلينغتون نيوزيلندا)
يوميات الشرق مرض اخضرار الحمضيات من الآفات المدمّرة التي تصيب أشجار الموالح (جامعة فلوريدا)

تطوير أشجار لمكافحة آفات زراعية مدمِّرة

طوّر باحثون من جامعة «فلوريدا» نوعاً جديداً من أشجار الموالح المعدّلة وراثياً التي يمكنها مقاومة الحشرات الصغيرة المسؤولة عن نقل مرض الاخضرار البكتيري المدمّر.

«الشرق الأوسط» (القاهرة )
يوميات الشرق لا تستحق تذوُّق الفأس (حملة إنقاذ الشجرة)

شجرة تاريخية في بريطانيا تُواجه الفأس

لطالما كانت جميلة تثير الإعجاب ولا تستحقّ هذه المعاملة. إنها أقدم من المنازل، وأقدم كثيراً من ساحة رَكْن السيارات...

«الشرق الأوسط» (لندن)

التشكيلية اللبنانية زينة الخليل... الألم خطَّاطُ المسار

الرسوم تتحوّل انعكاساً للروح كما تغذّي الروح الفنّ فيتكاملان (زينة الخليل)
الرسوم تتحوّل انعكاساً للروح كما تغذّي الروح الفنّ فيتكاملان (زينة الخليل)
TT

التشكيلية اللبنانية زينة الخليل... الألم خطَّاطُ المسار

الرسوم تتحوّل انعكاساً للروح كما تغذّي الروح الفنّ فيتكاملان (زينة الخليل)
الرسوم تتحوّل انعكاساً للروح كما تغذّي الروح الفنّ فيتكاملان (زينة الخليل)

كانت على الدوام فنانة، تتمدَّد كمَن يُراقب الكون، وتحلُم. ألحَّ شعورٌ بالانسلاخ عن العالم والبحث المرير عن شيء مفقود تُطارده ويهرُب. فضَّلت التشكيلية اللبنانية زينة الخليل العزلة. طَرْحُ الأسئلة الصعبة نَبَت منذ الصغر: «مَن أنا وما معنى الحياة؟». تعجَّبت لانشغال رفاق الصفّ باللعب دون سيطرة الهَمّ. «لِمَ يلهون ولا ألهو؟»، تساءلت. تأمّلت من دون أن تدري ماهية التأمُّل، وفكَّرت في الوجود من دون علمها بأنها الفلسفة.

ولمَّا رسمت؛ فوجئت: «آه، إنني أرسم! لا أدري كيف ولكنني أرسم! أستطيع نقل الأشياء إلى الورق. ذلك يُشعرني ببهجة». الرسم ضمَّد جراح العقل. وجَّه طاقتها نحو شيء آخر غير البحث المُنهك عن شرح. ومن هنا بدأت.

من التأمُّل والتفكير في الوجود رسمت للمرة الأولى (زينة الخليل)

تُخبر الفنانة زينة الخليل المقيمة في لندن «الشرق الأوسط» أنّ نشأتها في أفريقيا أتاحت الوقت الكافي للتفكير. شدَّتها الطبيعة، وراحت تشعر برابط بين الجسد الإنساني والأرض. وبالصلة بين جبّارين: الروح والتراب. تقول: «عبر النجوم والأشجار، حدث اتصالي مع الوجود. بالتأمّل والرسم، كتبتُ الفصل الأول من حياتي».

يأتي الألم بوعي مختلف لم يُعهَد من قبل ويتيح النموّ الداخلي (زينة الخليل)

عام 1994 عادت إلى لبنان. كانت مدافع الحرب الأهلية قد هدأت، مُتسبِّبةً بعطوب وبرك دم: «كنتُ في الـ18 حين شعرتُ بأنّ شيئاً يجرُّني للعودة ويقذفني نحو بلدي المُثقل. أتيتُ وحيدةً، وعائلتي في نيجيريا. اليوم أتفهّم عمق العلاقة بالأرض والطاقة. تلك التي لاحت في الطفولة ولم أستقرّ على تعريف لها. جسَّدها شعور تجاه صخرة أو شجرة أو ورقة تتساقط. الصوت الذي ناداني للعودة، سمعتُه جيداً. لم أقوَ على صدِّه. ورغم هواجس العيش على أرض هشَّمتها الحرب، اخترتُ المجيء».

طَرْحُ الأسئلة الصعبة نَبَت منذ الصغر وألهمها الرسم (زينة الخليل)

الفنّ عند زينة الخليل ليس للنفس فقط، وإنما للآخرين. وفي وقت واجهت التجارب القاسية في بلد شهد عقدين من احتدام المعارك، شعرت، بكونها امرأة، بالاعتداء المستمرّ عليها. مسلّحون يتجوّلون ومظاهر تفلُّت. ذلك يفسِّر ميل أعمالها المُبكرة إلى «النسوية المُفرطة»: «أردتُ إيجاد مكاني بوصفي امرأة والنضال للشعور بالأمان. لم أجسِّد الحركة النسوية المألوفة التي شهدتها أوروبا وأميركا آنذاك. مواجهة الميليشيا والإحساس بالخطر الفردي جعلا نسويتي تتجاوز حيّزها. راحت أعمالي تنتقد الحرب والأسلحة. وضعتُ فنّي بمواجهة هذه الإشكالية: هل حقاً يحتاج الإنسان إلى سلاح لإثبات نفسه؟».

الرسم ضمَّد جراح العقل (زينة الخليل)

ولمحت مُحرِّك العنف ومؤجِّجه: «البشر والدول يتقاتلون حول الموارد والثروات. العناوين الأخرى، منها الأديان، ذريعة. أدخلتُ مادة البلاستيك في أعمالي لإدراكي قوة العلاقة بين المُستهلك والمعركة. البلاستيك مصنوع من النفط، والنفط يُشعل الحروب. تجرَّد الإنسان من الحسِّ وأصبح العالم مُجمَّعاً تجارياً ضخماً. بتبنّي (الكيتش) في الرسم، سجّلتُ موقفي ضدّ تغليب القوة والحلول السريعة على وَضع استراتيجيات السلام. طغى اللون الزهريّ على رسومي مُجسِّداً البلاستيك والعلكة واللامعنى. شكَّل فنّي محاكاة للعبة الباربي بصورتها النمطية وما مثّلته من سطحية وانعدام العمق».

تسلُّل السخرية إلى الموضوع الجدّي محاولةٌ لجَعْل النقاش أقل غرابة (زينة الخليل)

تسلُّل السخرية إلى الموضوع الجدّي محاولةٌ لجَعْل النقاش أقل غرابة. لسنوات واصلت الفنانة تبنّي هذا الأسلوب وبه عرفت. وباندلاع حرب 2006 في لبنان، تحوَّلت إلى تدوين الأحداث، وإنما الرغبة بمواصلة الرسم تأجَّجت: «دوري ناشطةً ومدوّنةً لم يُشبع نهمي. وذات يوم، عشتُ تجربة صوفية لا أملك شرحها. كأنني عدتُ إلى زينة في أفريقيا والرابط بين الوجود والإنسان. البعض يسمّيه النداء الروحي. فجأة، لم يعُد عالم المادة مهماً، وشعرتُ بحبل في داخلي يُقطَع. غمرني الشعور بألم الأرض، فلم أجد منزلاً لي. مسقطا أمي وأبي، كلاهما تألّم بتداعيات الحروب. سمعتُ نداء الأرض: (تعالي لنُشفى معاً!). كأنني كنتُ أتعرّف إلى وجعي من أوجاعها. كان نداء عميقاً. أمضيتُ الوقت في تلمُّس التراب. شعوري بأنني لستُ في منزل؛ لا أنتمي، ولا أعرف مَن أنا، جرَّ فنّي إلى مكان آخر. رسمتُ ولم أدرك ماذا أرسم. أجريتُ مراسم لشفاء الأرض، فأشعلتُ النار من أجلها ورفعتُ الصلاة. سألتُ الطاقة أن تتبدَّل. والأشياء العالقة في الكون أن تتّخذ مجراها. مثل مَن ماتوا بلا دفن لائق، وبلا جنازة ووداعات. طاقة هؤلاء ظلَّت عالقة. لم تحدُث المصالحة بعد الحرب. بزيارتي الأماكن حيث حلَّت مجازر، وإشعالي النار، حَدَث التواصل. كأنني أقول للموتى الذين أرسم أرواحهم بأنني هنا؛ أراكم وأعترف بكم. أنتم منسيّون بجميع الطرق. الدولة لم تعترف بكم، لم تُؤبَّنوا. أنا هنا لأراكم وأكون شاهدة. بهذا بنيتُ اتصالاً فريداً مع لبنان».

طغى اللون الزهريّ مُجسِّداً البلاستيك والعلكة واللامعنى (زينة الخليل)

أرادت لفنّها التصدّي للعنف، فوظَّفت رماد النار التي أقامتها للمراسم مادةً للرسم. أنجزت مجموعات بتلك المادة السوداء ومن الحبر. وبدل الفرشاة، فضَّلت الأقمشة. بالكوفية مثلاً، لمست وحدة الشعوب، فأدخلتها في لوحاتها: «كل حفل شفاء أردتُه لنفسي وللبنان وللشرق الأوسط والكون. غمّستُها بالحبر ورسمتُ بها لنحو 10 سنوات. في الهند، درستُ الروحانيات ولمستُ اختفائي. الرسوم تتحوّل انعكاساً لروحي، كما أنّ روحي تُغذّي فنّي، فيتكاملان تماماً».

وظَّفت رماد النار التي أقامتها لمراسم الشفاء مادةً للرسم (زينة الخليل)

يأتي الألم بوعي مختلف لم يُعهَد من قبل ويتيح النموّ الداخلي. الألم أحياناً يختار المرء؛ يتعرّف إليه. ولا ينتظره. يُناديه ليخطَّ مساره. تقول: «بعد انفجار بيروت عام 2020، شاهدتُ الدخان والتصدُّع. سرتُ على شوارع يفترشها الزجاج. في تلك اللحظة، تجمَّد الزمن كأنه سينما. بحركة بطيئة، رأيتُ انهيار جانب ضخم من سقف منزل، ووجوهاً مُدمَّاة، وهلعاً. فكّرتُ أنها الحياة. كفَّ الوقت عن التحلّي بأي معنى. لمحتُ التقبّل المريع لفكرة أنّ العنف جزء من الوعي الإنساني. هنا شعرتُ بأنني فكرة تأتي وتعبُر. أو لحظة ونَفَس. جسدٌ مُعرَّض لانتهاء تاريخ الصلاحية، وجوهر واحد يُعبِّر عن نفسه بمليارات الطرق. فنّي إعلان للسلام الداخلي ولحقيقة أننا مُنتقلون. ألم الانسلاخ هو الأقسى. في موضع إحساسنا بالانفصال عن الكون، عن الهوية، وعن الفردية؛ تبدأ رحلة الشفاء».