«ليلة القتلة»... معالجة عصرية تحذر من قسوة الآباء

تقديم نص خوسيه تريانا مجدداً في القاهرة

لقطة من العرض (الشرق الأوسط)
لقطة من العرض (الشرق الأوسط)
TT

«ليلة القتلة»... معالجة عصرية تحذر من قسوة الآباء

لقطة من العرض (الشرق الأوسط)
لقطة من العرض (الشرق الأوسط)

في عام 1979 تم تقديم أول معالجة عربية لمسرحية «ليلة القتلة» على خشبة مسرح «الطليعة» بحي العتبة بالقاهرة، واليوم وعلى المسرح ذاته؛ بل وداخل قاعة صلاح عبد الصبور نفسها التي كان يطلق عليها أواخر السبعينات «قاعة 79»، يعاد تقديم العمل ذاته بمعالجة جديدة، فما الفارق بين المسرحية المصرية القديمة والحديثة؟
المؤكد أن مياهاً كثيرة جرت في النهر بين هذين التاريخين، فقد تحول هذا العمل الذي يعد أشهر ما كتبه المؤلف الكوبي خوسيه تريانا، إلى واحدة من كلاسيكيات المسرح العالمي، وجرت معالجتها في عديد من البلدان العربية؛ لا سيما مصر؛ حيث قدمته الإذاعة، كما قدمه الطلبة بأكثر من جامعة كمشروع تخرج في قسم الدراسات المسرحية، فضلاً عن مسرح «الطليعة» ذاته الذي عاد وقدمه عام 2011، لتكون المعالجة الحالية هي المرة الثالثة في تاريخه للعمل نفسه.
ربما يعود الجزء الأكبر من جاذبية العرض إلى غرابة وعبثية القصة ذاتها، فثمة 3 إخوة «فتاتان وشاب»، لالو وكوكا وببا، يعانون من تسلط الأبوين، وإساءة استخدامهما للسلطة الممنوحة لهما بحكم الطبيعة والمجتمع والأعراف العامة. ولا يستطيع الأبناء التعبير عن أنفسهم أو التمتع بالحد الأدنى من الحريات العامة، وعلى رأسها حرية التعبير عن الرأي. وحين يفقدون الأمل في تغيير الموقف بالطرق السلمية، يقررون اللجوء إلى فكرة مجنونة، وهي تقمص لعبة «الأبناء القتلة» الذين ينهون حياة والديهم انتقاماً من كل إهانة تعرضوا لها! يتحول بيتهم المهترئ الآيل للسقوط معنوياً إلى مسرح لجريمة لا تحدث أبداً إلا في الخيال، ففي كل ليلة يتخيلون مجدداً وقائع المحاكمة والحكم العنيف المخيف بالإعدام على الأب والأم.
واستطاع العرض المقدم يومياً، باستثناء الثلاثاء، على خشبة «الطليعة» حتى أواخر يونيو (حزيران) الجاري، الحفاظ على روح النص الأصلي من حيث الطابع العبثي، أو ما كان الأديب الكبير الراحل توفيق الحكيم يطلق عليه «مسرح اللامعقول»، فضلاً عن حالة السخرية المريرة وامتزاج المقولات الفلسفية بحالة الهذيان لدى الممثلين؛ لا سيما نشوى إسماعيل، وإميل شوقي، ومروج.
وساعد على ذلك طبيعة المسرح في هذه القاعة الصغيرة، فلا توجد المسافة التقليدية بين الجمهور والممثلين؛ بل لا توجد خشبة مسرح أصلاً، فتتوالى المشاهد بينما يحيط الجمهور بالممثلين من معظم الجهات، وكأن الطرفين شركاء في صناعة حدث واحد.
ويشير مخرج العرض، صبحي يوسف، إلى أن «النجاح الكبير الذي حققته المعالجة الأولى للعمل في المسرح نفسه عام 1979، جعله يشعر بمسؤولية مضاعفة»؛ مشيراً في تصريح خاص لـ«الشرق الأوسط» إلى أنه كان يجب عليه الحفاظ على تلك الحالة المتوهجة من التفاعل الجماهيري، بجانب تقديم معالجة عصرية دون الإخلال بروح النص الأصلي.
ولا تزال الترجمة التي أنجزها الناقد المسرحي الكبير فتحي العشري للمسرحية، ضمن سلسلة «روائع المسرح العالمي» الصادرة عن الهيئة المصرية العامة للكتاب، عام 1980، هي الترجمة المعتمدة في أغلب تلك المعالجات، ومن ضمنها المعالجة التي نحن بصددها هنا.
وأرفق العشري ترجمته بمقدمة نقدية، أوضح فيها أن قضية العلاقة بين الآباء والأبناء وفق المتغيرات الاجتماعية، أو ما يطلق عليه أحياناً «صراع الأجيال»، ظلت القضية الأثيرة لدى خوسيه تريانا؛ حيث كانت تشكل المحور الأساسي في مسرحيتيه المميزتين «ميديا في المرآة» و«موت تاك»؛ لكنه قدمها من وجهة نظر الآباء، أما في «ليلة القتلة» فقدمها من وجهة نظر معكوسة، لتكون من وجهة نظر الأبناء.
وضمن تلك المقدمة النقدية، يورد العشري تعليقاً للمؤلف خوسيه تريانا نفسه حول العمل؛ حيث يقول: «بالنسبة لإخراج تلك المسرحية، فأنا أرى أنها قبل كل شيء لعبة أطفال، حتى لو كان هؤلاء الأطفال كباراً، بمعنى أنه يجب إبراز قدر كبير من الخيال الذي ينتقل من اللاواقع إلى الواقع، كما يجب أن يكون الجو العام تراجيدياً، مع إضفاء قدر كبير من الغرابة، إذ يجب ألا ننسى أننا بإزاء عالم الطفولة، بكل سحره وأسراره وهواجسه، حتى لو عبر عنه ممثلون ناضجون».


مقالات ذات صلة

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

يوميات الشرق رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً. فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه.

يوميات الشرق ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته.

فاطمة عبد الله (بيروت)
يوميات الشرق هشام خرما لـ«الشرق الأوسط»: أستلهمُ مؤلفاتي الموسيقية من التفاصيل

هشام خرما لـ«الشرق الأوسط»: أستلهمُ مؤلفاتي الموسيقية من التفاصيل

يعتمد الموسيقار المصري هشام خرما طريقة موحّدة لتأليف موسيقاه، تقتضي البحث في تفاصيل الموضوعات للخروج بـ«ثيمات» موسيقية مميزة. وهو يعتزّ بكونه أول موسيقار عربي يضع موسيقى خاصة لبطولة العالم للجمباز، حيث عُزفت مقطوعاته في حفل الافتتاح في القاهرة أخيراً.

محمود الرفاعي (القاهرة)
يوميات الشرق معرض «أحلام الطبيعة» في ألمانيا

معرض «أحلام الطبيعة» في ألمانيا

زائرون يشاهدون عرضاً في معرض «أحلام الطبيعة - المناظر الطبيعية التوليدية»، بمتحف «كونستبلاست للفنون»، في دوسلدورف، بألمانيا. وكان الفنان التركي رفيق أنادول قد استخدم إطار التعلم الآلي للسماح للذكاء الصناعي باستخدام 1.3 مليون صورة للحدائق والعجائب الطبيعية لإنشاء مناظر طبيعية جديدة. (أ ب)

«الشرق الأوسط» (لندن)
يوميات الشرق «نلتقي في أغسطس»... آخر رواية لغارسيا ماركيز ترى النور العام المقبل

«نلتقي في أغسطس»... آخر رواية لغارسيا ماركيز ترى النور العام المقبل

ستُطرح رواية غير منشورة للكاتب غابرييل غارسيا ماركيز في الأسواق عام 2024 لمناسبة الذكرى العاشرة لوفاة الروائي الكولومبي الحائز جائزة نوبل للآداب عام 1982، على ما أعلنت دار النشر «راندوم هاوس» أمس (الجمعة). وأشارت الدار في بيان، إلى أنّ الكتاب الجديد لمؤلف «مائة عام من العزلة» و«الحب في زمن الكوليرا» سيكون مُتاحاً «عام 2024 في أسواق مختلف البلدان الناطقة بالإسبانية باستثناء المكسيك» و«سيشكل نشره بالتأكيد الحدث الأدبي الأهم لسنة 2024».

«الشرق الأوسط» (بوغوتا)

فهد المطيري لـ«الشرق الأوسط»: «فخر السويدي» لا يشبه «مدرسة المشاغبين»

فيلم «فخر السويدي» تناول قضية التعليم بطريقة فنية (الشركة المنتجة)
فيلم «فخر السويدي» تناول قضية التعليم بطريقة فنية (الشركة المنتجة)
TT

فهد المطيري لـ«الشرق الأوسط»: «فخر السويدي» لا يشبه «مدرسة المشاغبين»

فيلم «فخر السويدي» تناول قضية التعليم بطريقة فنية (الشركة المنتجة)
فيلم «فخر السويدي» تناول قضية التعليم بطريقة فنية (الشركة المنتجة)

أكد الفنان السعودي فهد المطيري أن فيلمه الجديد «فخر السويدي» لا يشبه المسرحية المصرية الشهيرة «مدرسة المشاغبين» التي قدمت في سبعينات القرن الماضي، لافتاً إلى أن الفيلم يحترم دور المعلم ويقدّره حتى مع وجود الطابع الكوميدي في العمل.

الفيلم الذي عُرض للمرة الأولى ضمن مسابقة «آفاق السينما العربية» بالنسخة الماضية من مهرجان القاهرة السينمائي الدولي، تدور أحداثه في 8 فصول حول رهان مدير المدرسة على تأسيس «الفصل الشرعي» ليقدم من خلاله نهجا مختلفاً عن المتبع.

وقال المطيري لـ«الشرق الأوسط» إن «المدرسة تشكل فترة مهمة في حياة كل شخص ولا تزال هناك ذكريات ومواقف راسخة في ذاكرتنا عنها، الأمر الذي سيجعل من يشاهد الفيلم يشعر بأن هناك مواقف مشابهة ربما تعرض لها أو شاهدها بالفعل خلال مسيرته التعليمية»، مرجعاً حماسه لتقديم شخصية الأستاذ «شاهين دبكة» مدير ثانوية «السويدي الأهلية» رغم كون الدور لرجل أكبر منه سناً إلى إعجابه بالفكرة التي يتناولها العمل وشعوره بالقدرة على تقديم الدور بشكل مختلف.

فهد المطيري مع أبطال الفيلم (الشركة المنتجة)

وأضاف المطيري: «إن الماكياج الذي وضعته لإظهار نفسي أكبر عمراً، استوحيته جزئياً من الفنان الراحل حسين الرضا خصوصاً مع طبيعة المدير ومحاولته المستمرة إظهار قدرته في السيطرة على الأمور وإدارتها بشكل جيد، وإظهار نفسه ناجحاً في مواجهة شقيقه الأصغر الذي يحقق نجاحات كبيرة في العمل ويرأسه».

وحول تحضيرات التعامل مع الشخصية، أكد المطيري أن خلفيته البدوية ساعدته كثيراً لكونه كان يحضر مجالس كبار السن باستمرار في منزلهم الأمر الذي لعب دوراً في بعض التفاصيل التي قدمها بالأحداث عبر دمج صفات عدة شخصيات التقاها في الواقع ليقدمها في الدور، وفق قوله.

وأوضح أنه كان حريصاً خلال العمل على إبراز الجانب الأبوي في شخصية شاهين وتعامله مع الطلاب من أجل تغيير حياتهم للأفضل وليس التعامل معهم على أنه مدير مدرسة فحسب، لذلك حاول مساعدتهم على بناء مستقبلهم في هذه المرحلة العمرية الحرجة.

وأشار إلى أنه عمل على النص المكتوب مع مخرجي الفيلم للاستقرار على التفاصيل من الناحية الفنية بشكل كبير، سواء فيما يتعلق بطريقة الحديث أو التوترات العصبية التي تظهر ملازمة له في الأحداث، أو حتى طريقة تعامله مع المواقف الصعبة التي يمر بها، وأضاف قائلاً: «إن طريقة كتابة السيناريو الشيقة أفادتني وفتحت لي آفاقاً، أضفت إليها لمسات شخصية خلال أداء الدور».

المطيري خلال حضور عرض فيلمه في «القاهرة السينمائي» (إدارة المهرجان)

وعن تحويل العمل إلى فيلم سينمائي بعدما جرى تحضيره في البداية على أنه عمل درامي للعرض على المنصات، أكد الممثل السعودي أن «هذا الأمر لم يضر بالعمل بل على العكس أفاده؛ لكون الأحداث صورت ونفذت بتقنيات سينمائية وبطريقة احترافية من مخرجيه الثلاثة، كما أن مدة الفيلم التي تصل إلى 130 دقيقة ليست طويلة مقارنة بأعمال أخرى أقل وقتاً لكن قصتها مختزلة»، موضحاً أن «الأحداث اتسمت بالإيقاع السريع مع وجود قصص لأكثر من طالب، والصراعات الموجودة»، مشيراً إلى أن ما لمسه من ردود فعل عند العرض الأول في «القاهرة السينمائي» أسعده مع تعليقات متكررة عن عدم شعور المشاهدين من الجمهور والنقاد بالوقت الذي استغرقته الأحداث.

ولفت إلى أن «الفيلم تضمن تقريباً غالبية ما جرى تصويره من أحداث، لكن مع اختزال بعض الأمور غير الأساسية حتى لا يكون أطول من اللازم»، مؤكداً أن «المشاهد المحذوفة لم تكن مؤثرة بشكل كبير في الأحداث، الأمر الذي يجعل من يشاهد العمل لا يشعر بغياب أي تفاصيل».

وحول تجربة التعاون مع 3 مخرجين، أكد فهد المطيري أن الأمر لم يشكل عقبة بالنسبة له كونه ممثلاً، حيث توجد رؤية مشتركة من جميع المخرجين يقومون بتنفيذها في الأحداث، ولافتاً إلى أن حضورهم تصوير المشاهد الأخرى غير المرتبطة بما سيقومون بتصويره جعل الفيلم يخرج للجمهور بإيقاع متزن.