حسين حبش: تعلمت الكتابة بلغتي الأم في منفاي الأوروبي

الشاعر الكردي السوري يرى أن الإبداع الحقيقي لا يزدهر إلا في ظل الحرية

حسين حبش
حسين حبش
TT

حسين حبش: تعلمت الكتابة بلغتي الأم في منفاي الأوروبي

حسين حبش
حسين حبش

قبل عشرين عاماً، سافر حسين حبش، الشاعر السوري الكردي، إلى مدينة بون بألمانيا، بحثاً عن وطن بديل، و«فضاء يساعده على الإبداع». وخلال هذه المدة، أصدر مجموعات شعرية مثل «غرق في الورد»، «هاربون عبر نهر إفروس»، «الموتى يتجادلون في الردهات».
في هذا الحوار، يتحدث حبش، الحاصل على جائزة مهرجان «أيام سراييفو الشعرية» عن تجربته الأدبية، وعن «فكرة الحرية» التي يرى أن الإبداع الحقيقي لا يمكن أن ينمو إلا في ظلها، وكذلك كتابته بالعربية التي كانت نتيجة طبيعية لمنع تداول اللغة الكردية في أزمنة سابقة.

> جاء في حيثيات منحك جائزة «بوسناكي ستيجاك» من قبل اتحاد كتاب البوسنة والهرسك خلال مهرجان «أيام سراييفو الشعرية» أنك «تكتب قصائد تمجد الحرية والإنسانية». كيف تجلت هاتان القضيتان الجوهريتان في تجربتك الإبداعية؟
- أنا ابن شعب عانى وما زال يعاني من كل صنوف الظلم والقمع والقهر والاضطهاد، وكذلك من كل أنواع القيود المفروضة على كيانه ووجوده، وعلى لغته وانتمائه وكل تفاصيل حياته. كان لا بد أن ينصب تفكيري ووعي وخيالي على فكرة الحرية وتساؤلاتها الجوهرية، وكذلك الانشغال بإنسانية الإنسان وكيفية حفظ وصون كرامته على هذه الأرض، التي لم تعد مكاناً آمناً للعيش، دون توجس وخوف وقلق.
ذهبت بعض كتاباتي منذ البداية في هذا المنحى بمعرفة ووعي تامين، منغمسة في تفاصيله وطارحة أسئلة كثيرة بخصوصه. وبالتالي لم يغب هذا السؤال الوجودي عن بالي أبداً: ما معنى وجود الإنسان إذا جُرد من إنسانيته وحريته؟ ربما سيكون مجرد كومة لحم وعظم ولا شيء آخر! إن الكتابة الحقيقية لا تكون ولا تنمو إلا في ظل الحرية أو اجتراح حريتها الخاصة بها في حال ضُيق الخناق عليها! لم تغب عن بالي فكرتها ومقامها وتجلياتها العظيمة لحظة واحدة، سواء في سياق الكتابة أو خارجها مهما كانت الظروف والأحوال. و«إذا كان الموت هنا، فهو يأتي ثانياً، الحرية دوماً تأتي أولاً» صدق ريتسوس.
> جاء أيضاً في حيثيات الجائزة أنك تكتب عن «الوطن الكردي المدمر»، كيف ترى الاحتفاء الأوروبي بالمبدعين الأكراد؟
- نعم، أكتب عن الوطن الكردي المدمر والممزق والجريح، الذي لم يتوقف نزيفه لحظة واحدة بسبب وحشية وشراسة الذين يغتصبونه وينتهكون حرمته طولاً وعرضاً دون أي رادع يردعهم أو قانون يوقفهم. أحاول من خلال الكتابة والخيال وكذلك على أرض الواقع لم أشلائه المتناثرة هنا وهناك ومداواة جراحه العميقة. أما بخصوص الاحتفاء الأوروبي بالمبدعين الكرد، فلا يوجد هذا الاحتفاء إلا نادراً جداً، ويكاد يكون معدوماً للأسف. كما أن هناك فروقاً أوروبية واضحة في التعامل مع قضايا الشعوب وحقوق الإنسان، كذلك هناك فروق واضحة في التعامل مع آدابها وفنونها أيضاً، وهذا الأمر مدعاة للحزن حقاً!
> رغم خلفيتك الكردية فأنت تكتب بالعربية... ما أسباب ذلك؟

- أسباب كتابتي بالعربية معروفة للجميع، فاللغة الكردية كانت وما زالت ممنوعة ومحظورة في سوريا، كان ممنوعاً التحدث بها إلا في نطاق ضيق، أي نطاق البيت والعائلة. الثقافة الكردية كانت ممنوعة ومقموعة ومضطهدة حتى أن مجرد حمل كتاب أو مجلة كردية كان يمكن أن يعرض صاحبها للمساءلة والتحقيق والسجن؛ كما أنه لا مدارس، لا معاهد ولا جامعات تدرجها في محاضراتها ومناهجها الدراسية. لذلك كان الخيار الوحيد الممكن أمامي حينها هو إتقان اللغة العربية والتدرج بها دراسة وقراءة وثقافة وكتابة... لكنني أود أن أضيف في هذا السياق، بأنني تعلمت الكتابة بلغتي الأم في منفاي هنا في أوروبا، وأكتب بها، منذ زمن بعيد، قصائدي ونصوصي وهواجسي التي حرمت من الكتابة بها سابقاً في وطن لم يكن لي قط! وحالياً أكتب باللغة الكردية فقط، ونادراً ما أكتب بالعربية، منتقماً من كل الحيف الذي لحق بلغتي الأم وقائمة القمع والممنوعات التي طالتها من كل حدب وصوب!
> هل يؤرقك سؤال الهوية ككردي يحمل الجنسية الألمانية؟
- أنا حسمت أمري في هذا الخصوص منذ زمن بعيد، ففي كل مكان أوجد فيه أو أدعى إليه، أعتبر نفسي شاعراً كردياً من كردستان وأفرض هذا الأمر شرطاً لقبول وجودي بينهم ومعهم، وبخلاف ذلك لا أحضر ولا أشارك في أي ملتقى أو أمسية أو مهرجان، حتى أنني رفضت المشاركة في بعض المهرجانات العربية المهمة لأنهم لم يحترموا هذه الخصوصية! أما بالنسبة إلى الجنسية الألمانية، فهي قد منحت الاستقرار الحياتي والنفسي لي ولعائلتي الصغيرة، وكذلك منحتني جواز سفر بقوة ألف حصان، أجوب به العالم، كل العالم دون سين ولا جيم على الحدود أو في المطارات. لذلك أنا ممتن لهذا البلد الذي أوجد فيه الآن، وكذلك لمدينتي الجميلة بون، إلى الأبد.
> تقول في قصيدة «وهم الوصول»: «تركوا أوطانهم وحملوا أوهامهم الكثيرة/ وأداروا وجوههم نحو بلاد لن يصلوها أبداً». ما هي ظروف كتابة هذه القصيدة؟ وماذا يفعل من ضاقت عليهم بلدانهم في الشرق الأوسط؟
- هذه القصيدة كتبت في سياق معين ومحدد، ففي رحلة الهروب المحفوفة بالمخاطر، تاه البعض في الغابات الكثيفة ومات دون أن يُدل على الطريق أبداً. ومنهم من اخترقت أجسادهم رصاصات عسكر حدود بعض الدول الشرسة، وهم لم يعبروها بعد أو عبروها لبضعة أمتار فقط! ومنهم من غرق في عرض البحار دون أن يكحلوا أعينهم برؤية اليابسة مرة أخرى. ومنهم من قصف البرد والزمهرير والثلوج والأمطار أجسادهم دون رحمة وتحولوا إلى تماثيل من ألم وعذاب وموت! القصيدة تتحدث عن هؤلاء بالتحديد. أما ماذا يفعل من ضاقت عليهم بلدانهم في الشرق الأوسط؟ بتُ على يقين تام، أن رحلة الهروب المحفوفة بالمخاطر أصبحت عندي أهون من تحمل العذاب والقمع والسجن والمعتقلات والديكتاتوريات والحروب القذرة التي أنهكت كل شيء بدون استثناء، وحولت تلك البلدان إلى ركام وخراب وبيمارستانات كبيرة لتعذيب الإنسان وانتهاك كرامته.
> يبدو أن المرأة تحظى بحضور خاص في دواوينك، لكن البعض يعتبر أن هذا الحضور يختزلها في خانة الحسي «الإيروتيكي» فقط، كيف ترى الأمر؟
- هذا الكلام ليس دقيقاً، ربما اطلع هذا البعض على ديواني «أعلى من الشهوة وألذ من خاصرة غزال» فقط، وبنى رأيه عليه. كتبت كثيراً عن المرأة الأم والأخت والزوجة والبنت والصديقة والرفيقة والزميلة. ما زلت، كما كنت، أعتبر المرأة نور العالم وجوهره العظيم، هي الحضن الذي نرتاح فيه والصدر الذي نتوسده والقلب الذي يضمنا إليه ويمنحنا بسخاء الأمل والجمال والشوق والحنان... هي الأمومة والخصوبة التي تجنب حياتنا الجدب والعطش والجفاف والتصحر. إنها تحررها من ربقة الذكورة. هذا لا يعني أنني أتنصل من كتاباتي الحسية، وهي ربما أجمل ما كتبت. وسأكتب عن الإيروتيك كلما كان هناك ضرورة فنية لذلك.

> ترجمت مختارات من أشعارك إلى لغات عدة مثل الإنجليزية والألمانية والإسبانية، كيف ترى أهمية الترجمة وواقعها؟
- الترجمة هي جسر العبور إلى الآخر والاحتكاك به ثقافياً وحضارياً. وهي تلعب دوراً كبيراً ومحورياً في تعزيز وتمتين الروابط الثقافية الإنسانية بين الأمم والشعوب وتقربها من بعضها بعضاً معرفياً وجمالياً وإنسانياً. لولا الترجمة، وأخص بالذكر هنا الترجمة الشعرية، لما اكتشفنا كل هذا الجمال الموجود في العالم وكل هذه القصائد العظيمة التي دونت بلغات أخرى لا نتقنها، وما كنا قد تعرفنا عليها عن قرب من دونها. الترجمة أوصلتني وأوصلت قصيدتي إلى أماكن ما كنت أحلم بالوصول إليها لولاها. إذا شكراً لكل من ضحى بوقته الثمين وجعل قصائدي تعبر بحب وجمال وسلاسة إلى لغات أخرى.
> يحمل عنوان ديوانك الرابع «ضلالات إلى سليم بركات» فما الذي يمثله لك؟
- كتاب «ضلالات إلى سليم بركات» هو قصيدة واحدة وطويلة مهداة إلى سليم بركات كما هو مبين في العنوان. أردت من خلال وضع الإهداء كعنوان للكتاب أن أغير قاعدة الإهداءات الخجولة التي تكون غالباً في الصفحة الأولى أو الثانية الداخلية للكتب والدواوين. هذا الكتاب هو بمثانة تحية لقامة شعرية وروائية فذة وعظيمة، وبمثابة رد للدين الذي تركه في رقبة كتاباتي حين كتب مقدمة ديواني الأول «غرق في الورد». سليم بركات، كان وسيبقى بالنسبة لي «عراب المتاهات وخيال الهاوية».
> بعد مرور ما يقرب من عشرين عاماً على وجودك في بلاد المهجر الأوروبي، ما الذي تغير شعرياً وإنسانياً لديك؟
- أولاً تعلمت لغة عظيمة هي اللغة الألمانية، اللغة التي قرأت من خلالها مباشرة غوته، شيلر، ريلكه، هولدرلين، نفاليس، نيتشه، حنة آرنت، والقائمة تطول، دون وسيط لغة أخرى. وهذه القراءات أضافت الكثير إلى ثقافتي ووعي وتجربتي، وعمقت خبراتي الحياتية والكتابية. وكذلك غيرت اتجاه قصائدي وأخذتها إلى مناطق نائية ومختلفة. منحني وجودي هنا أيضاً حرية الإبداع والتفكير والحركة دون قيود أو «تابوهات» تذكر، وفتح أمامي آفاقاً واسعة ومساحات شاسعة للتأمل والتمرد والإبداع والجنون. وجعلني على تماس مباشر مع بشر من مختلف الأثنيات والأعراق والثقافات والحضارات واللغات، أيضاً ساعد هذا على إغناء تجربتي الحياتية والإنسانية والكتابية... هذا المناخ هذب روحي وصاغها صياغة جديدة ومختلفة. علمني أن أكون متسامحاً أكثر مع الآخر وأحترم خصوصياته مهما كانت، وأن أعرف كذلك حقوقي وواجباتي وأفكر بروية.
> اتجاه الشعراء إلى كتابة الرواية أصبح ظاهرة عامة بحثاً عن الانتشار، لكنك تعارض مثل هذا التوجه... لماذا؟
- لن أكتب الرواية ولن أتلصص عليها كما يفعل بعض الشعراء الآن، رغم تشابك خيوط النثر في رأسي وتزاحم شياطينها في خيالي. وما زلت عند رأيي بأن سطراً شعرياً حقيقياً واحداً يفوق عندي مئات الصفحات من السرد، طبعاً دون تبخيس لقيمة الرواية وأهميتها. لن أندم أبداً، وأحب عنادي كما يحب كردي عناده!


مقالات ذات صلة

«تيك توك» أكثر جدوى من دور النشر في تشجيع الشباب على القراءة

يوميات الشرق «تيك توك» أكثر جدوى من دور النشر  في تشجيع الشباب على القراءة

«تيك توك» أكثر جدوى من دور النشر في تشجيع الشباب على القراءة

كشفت تقارير وأرقام صدرت في الآونة الأخيرة إسهام تطبيق «تيك توك» في إعادة فئات الشباب للقراءة، عبر ترويجه للكتب أكثر من دون النشر. فقد نشرت مؤثرة شابة، مثلاً، مقاطع لها من رواية «أغنية أخيل»، حصدت أكثر من 20 مليون مشاهدة، وزادت مبيعاتها 9 أضعاف في أميركا و6 أضعاف في فرنسا. وأظهر منظمو معرض الكتاب الذي أُقيم في باريس أواخر أبريل (نيسان) الماضي، أن من بين مائة ألف شخص زاروا أروقة معرض الكتاب، كان 50 ألفاً من الشباب دون الخامسة والعشرين.

أنيسة مخالدي (باريس)
يوميات الشرق «تيك توك» يقلب موازين النشر... ويعيد الشباب إلى القراءة

«تيك توك» يقلب موازين النشر... ويعيد الشباب إلى القراءة

كل التقارير التي صدرت في الآونة الأخيرة أكدت هذا التوجه: هناك أزمة قراءة حقيقية عند الشباب، باستثناء الكتب التي تدخل ضمن المقرّرات الدراسية، وحتى هذه لم تعد تثير اهتمام شبابنا اليوم، وهي ليست ظاهرة محلية أو إقليمية فحسب، بل عالمية تطال كل مجتمعات العالم. في فرنسا مثلاً دراسة حديثة لمعهد «إبسوس» كشفت أن شاباً من بين خمسة لا يقرأ إطلاقاً. لتفسير هذه الأزمة وُجّهت أصابع الاتهام لجهات عدة، أهمها شبكات التواصل والكم الهائل من المضامين التي خلقت لدى هذه الفئة حالةً من اللهو والتكاسل.

أنيسة مخالدي (باريس)
يوميات الشرق آنية جزيرة تاروت ونقوشها الغرائبية

آنية جزيرة تاروت ونقوشها الغرائبية

من جزيرة تاروت، خرج كم هائل من الآنية الأثرية، منها مجموعة كبيرة صنعت من مادة الكلوريت، أي الحجر الصابوني الداكن.

يوميات الشرق خليل الشيخ: وجوه ثلاثة لعاصمة النور عند الكتاب العرب

خليل الشيخ: وجوه ثلاثة لعاصمة النور عند الكتاب العرب

صدور كتاب مثل «باريس في الأدب العربي الحديث» عن «مركز أبوظبي للغة العربية»، له أهمية كبيرة في توثيق تاريخ استقبال العاصمة الفرنسية نخبةً من الكتّاب والأدباء والفنانين العرب من خلال تركيز مؤلف الكتاب د. خليل الشيخ على هذا التوثيق لوجودهم في العاصمة الفرنسية، وانعكاسات ذلك على نتاجاتهم. والمؤلف باحث وناقد ومترجم، حصل على الدكتوراه في الدراسات النقدية المقارنة من جامعة بون في ألمانيا عام 1986، عمل أستاذاً في قسم اللغة العربية وآدابها في جامعة اليرموك وجامعات أخرى. وهو يتولى الآن إدارة التعليم وبحوث اللغة العربية في «مركز أبوظبي للغة العربية». أصدر ما يزيد على 30 دراسة محكمة.

يوميات الشرق عمارة القاهرة... قصة المجد والغدر

عمارة القاهرة... قصة المجد والغدر

على مدار العقود الثلاثة الأخيرة حافظ الاستثمار العقاري في القاهرة على قوته دون أن يتأثر بأي أحداث سياسية أو اضطرابات، كما شهد في السنوات الأخيرة تسارعاً لم تشهده القاهرة في تاريخها، لا يوازيه سوى حجم التخلي عن التقاليد المعمارية للمدينة العريقة. ووسط هذا المناخ تحاول قلة من الباحثين التذكير بتراث المدينة وتقاليدها المعمارية، من هؤلاء الدكتور محمد الشاهد، الذي يمكن وصفه بـ«الناشط المعماري والعمراني»، حيث أسس موقع «مشاهد القاهرة»، الذي يقدم من خلاله ملاحظاته على عمارة المدينة وحالتها المعمارية.

عزت القمحاوي

«هارد 75»... تحدٍّ جديد يجتاح «تيك توك» مع بداية العام

جانب من تمرين عالي الطاقة في صالة ألعاب رياضية في نيويورك (أرشيفية - رويترز)
جانب من تمرين عالي الطاقة في صالة ألعاب رياضية في نيويورك (أرشيفية - رويترز)
TT

«هارد 75»... تحدٍّ جديد يجتاح «تيك توك» مع بداية العام

جانب من تمرين عالي الطاقة في صالة ألعاب رياضية في نيويورك (أرشيفية - رويترز)
جانب من تمرين عالي الطاقة في صالة ألعاب رياضية في نيويورك (أرشيفية - رويترز)

مع بداية العام الجديد، انتشر تحدٍّ جديد عبر تطبيق «تيك توك» باسم «هارد 75». وتُعدّ القواعد الأساسية لهذا التحدي أن عليك الالتزام بنظام غذائي صحي من دون وجبات إضافية أو كحوليات لمدة 75 يوماً.

بالإضافة إلى ذلك، في كل يوم من الأيام الـ75 عليك القيام بتمرينين لمدة 45 دقيقة؛ أحدهما في الخارج، وشرب أكثر من 3 لترات من الماء، وقراءة 10 صفحات من كتاب غير خيالي.

وأفادت «هيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي)»، اليوم (الأحد)، بأن شخصين قالا إنهما أنهيا التحدي، فيما حذر الخبراء من أنه إذا بدا التحدي صارماً بعض الشيء؛ فقد يكون من الأفضل أخذه بشكل أكثر استرخاءً.

«مجالات جديدة عليّ أن أتعامل معها»

تعرف على ديفامشا جانبوت، البالغة من العمر 29 عاماً، التي أكملت التحدي في مارس (آذار) الماضي، أثناء عملها بدوام كامل مستشارة رقمية لشركة كبيرة. وتقول لـ«بي بي سي»: «لقد كان الأمر صعباً بالتأكيد. كما أنني أعيش في أدنبرة، وكان الجو مظلماً ورطباً وبارداً، وكان عليَّ القيام بأحد التدريبات في الخارج».

وتتابع ديفامشا أن أحد أصعب جوانب التحدي كان «وضع الحدود» عند زيارة عائلتها من جنوب آسيا حتى تتمكن من الالتزام بنظامها الغذائي.

وتقول ديفامشا: «كان الاضطرار إلى ممارسة الرياضة مرتين في اليوم والالتزام بنظام غذائي صارم أمراً غير مريح حقاً، ومجالات جديدة بالنسبة لي للتعامل معها، لأنني لم أجرِ هذه المحادثة من قبل»، ولكن منذ إكمال التحدي، لاحظت التأثيرات الدائمة حتى الآن، وتتابع: «أمارس الرياضة بانتظام أكثر، وتغيرت عادات القراءة وعلاقتي بالطعام».

في حين تحول التحدي الرياضي إلى ما يشبه الجنون على مدار الأسابيع القليلة الماضية، فقد اخترعه في الواقع المؤلف والمذيع آندي فريسيلا، في عام 2019. وقال في «البودكاست» الخاص به إنه أمضى «20 عاماً في اكتشاف كيفية إتقان القوة العقلية»، واستخدم هذه المعرفة لإنشاء الخطة.

وتابع المذيع أنه ليس مدرباً شخصياً مؤهلاً أو طبيباً، ولا يقدم إرشادات حول ما يُصنَّف على أنه نظام غذائي صحي في الخطة، ولكن يُفهم أنه يعني متوازناً وغنياً بالمغذيات.

وقد ظهرت أشكال أكثر مرونة من التحدي على وسائل التواصل الاجتماعي مؤخراً؛ حيث يمكن للمشاركين تناول وجبة غير صحية أثناء ممارسة التمارين الرياضية والقراءة.

«لقد أذهلَتْني عائلتي وأصدقائي»

وفي سياق متصل، أكملت صوفي ديكينز، 27 عاماً، أيضاً التحدي، العام الماضي، أثناء عملها مساعدة مدير في إحدى دور السينما بلندن. وتقول إنها خاضت التحدي بعد صراع «مع الانضباط والاتساق» مع خطط أخرى، وتتابع: «لقد أصلحت نظامها الغذائي، فتوقفت عن تناول الشوكولاته والحلويات، ولكنها سمحت بأي شيء يحتوي على سكر طبيعي، مثل الفاكهة والعسل».

كما أعدَّت صوفي جميع وجباتها في المنزل، وتتبعت استهلاكها من البروتين والماء باستخدام تطبيق. وجدت أنه من المفيد منح نفسها مكافآت صغيرة، مثل قص أظافرها أو شراء كتاب جديد، لكن الجزء الأصعب بالنسبة لها كان التواصل الاجتماعي؛ حيث يدور هذا حول تناول الطعام في الخارج. ولحل هذه المشكلة، تشرح: «كنت صريحة للغاية بشأن ما كنت أفعله، لذا لم يكن هناك أي ضغط عندما وصلت إلى هناك (للمناسبات الاجتماعية)، ولكن كان لا يزال هناك انضباط ذاتي حقيقي للقيام بذلك».

ومنذ أن أكملت ذلك، التزمت ببعض أجزاء الخطة، مثل عدم تناول الطعام في الخارج أو شراء القهوة والكعك غير الضروريين، مما ساعدها على «توفير كثير من المال». وتتابع: «لكن الشيء الأكبر ربما هو تحول في طريقة تفكيري - التشجيع الذي حصلت عليه من معرفتي أنني أستطيع القيام بذلك، والأعذار حول الوقت والشك الذاتي قد ولَّت».

إيجابيات وسلبيات التحدي

لكن التحدي ليس للجميع، وهو أمر تريد مدربة القوة واللياقة البدنية، تانا فون زيتزويتز، أن يضعه أولئك الذين يفكرون في ذلك بالاعتبار. وتقول لـ«بي بي سي»: «أنت بحاجة إلى كثير من الوقت، ليس فقط للتدريبات، ولكن لقراءة الكتاب. يبدو أن الأمر يتطلب الكثير لمحاولة فعل كل ذلك في يوم واحد».

وتضيف تانا: «أعتقد بالتأكيد أن هناك عناصر يمكن للناس تنفيذها، مثل الالتزام بـ45 دقيقة من الحركة اليومية، والوعي بشرب المزيد من الماء، وتقليل وقت الشاشة، ولكن عليك أن تكون على دراية بما ينطوي عليه الأمر»، وتقول: «هناك كثير من الضغوط على الناس لتغيير حياتهم في هذا الوقت من العام».

وتقترح المدربة إيجاد طريقة «لتحدي نفسك مع كونك لطيفاً أيضاً»، بحيث تضيف المتعة والقيمة إلى كل يوم، دون أن تشعر بأن التمرين والطعام بمثابة عقاب.

من منظور طبي، من الصعب تحديد ما إذا كان التحدي مفيداً؛ إذ يشير طبيب عام في هيئة الخدمات الصحية الوطنية، سام وايتمان، إلى أنه نظراً لأنه «لم تتم دراسته» في بيئة سريرية، فلا يمكن أن يدعي أنه سيغير حياتك بأي شكل من الأشكال. كما يقول إنه يجب مقارنته بنظام أكثر أساسية، لمعرفة ما إذا كان يمكن أن يحقق نفس النتائج. ويتابع: «إذا كانت هذه طريقة للناس للخروج والنشاط، فأنا أؤيدها تماماً، ولكن إذا كان الأمر يتعلق بما إذا كان هذا أفضل من الذهاب إلى صالة الألعاب الرياضية 3 مرات في الأسبوع أو الركض مرة واحدة في الأسبوع وتناول الطعام الصحي، فلستُ متأكداً».

في حين يشجع التحدي الأشخاص على التقاط صور التقدم كل يوم، فإن الكثير من محتوى «تيك توك» حوله يركز على شعور الشخص في النهاية، بدلاً من مظهره، مما يساعد على تجنُّب الهواجس غير الصحية بالمظهر.